دراسات حول سوريا(5)
رضوان محمود نموس
الحملة الفرنسية على مصر ووصول محمد علي للحكم
يتأثر تاريخ بلاد الشام ومصر تأثراً كبيرا كل طرف بالآخر وهنا لا بد من إلقاء الضوء على مرحلة محمد علي باشا الذي أصبح والي مصر وأسس حكماً مستقلاً عن الدولة العثمانية وغزا بلاد الشام بل حاول الوصول إلى استنبول وإسقاط الخلافة ومن هذا المنطلق سنتعرض في عدة حلقات لمرحلة محمد علي وربيبه إبراهيم باشا الذي قاد الحملة على سوريا وكان لهذه الحملة أعمق الأثر حتى الآن
أعد نابليون وحكومة الإدارة الفرنسية حملة على مصر في عام 1798م وكانت الحملة مكونة من 36 ألف جندي. وفى يوم 19 مايو 1798 اقلع أسطول فرنسي كبير مكون من 400 سفينة تقودهم سفينة القائد (اوريليان) والتي تعني الشرق, من ميناء طولون، وبلغ الإنجليز أخبار مغادرة نابليون فرنسا وعهدوا إلى نيلسون باقتفاء أثره وتدمير أسطوله، فقصد إلى مالطة ولكنه وجد أن أسطول نابليون غادرها نحو الشرق منذ خمسة أيام، فرجح أنها تقصد مصر واتجه إلى الإسكندرية وبلغها يوم 28 يونيو 1798 فلم يعثر هناك للفرنسيين على أثر وحذر المصريين. وقد وصل الأسطول الفرنسي غرب الإسكندرية عند أبو قير في أول يوليو 1798، وبادر بإنزال قواته ليلاً على البر ثم سير جيشاً إلى الإسكندرية. أنزلت المراكب الحربية الفرنسية الجيش الفرنسي في 1798 في الإسكندرية ,ووجّه نابليون في اليوم ذاته نداءً إلى الشعب المصري، وأصدرت الحملة نداء إلى الشعب بالهدوء والتعاون وأن نابليون قد أعتنق الإسلام وأصبح صديق وحامي الإسلام. استولى نابليون على أغنى إقليم في الإمبراطورية العثمانية، وطبقاً للبروباجندا الحربية أدعى أنه "صديقاً للسلطان العثماني" وأدعى أيضا أنه قدم إلى مصر "للاقتصاص من المماليك" لا غير، باعتبارهم أعداء السلطان، وأعداء الشعب المصري وهذه رسالة نابليون بونابرت الذي دعاه المؤرخين المسلمين الجنرال علي إلى شعب مصر.
وتكشف الوثائق عن وجود مراسلات بين المعلم يعقوب قائد كتيبة الأقباط وجرجس الجوهري أحد أعيان أقباط مصر, وهي خطيرة لأنها تكشف عن مخططات واسعة المدى للفصل بين أقباط مصر ومسلميها( الرسالة رقم3872 بتاريخ7 ديسمبر1798)([1]).
وتكشف وثائق أخرى عن توصيف دقيق بقلم نابليون نفسه لبعض المعارك الحربية مثل معركة الرحمانية( رقم4626 بتاريخ20 يوليو1799), وأخرى في اليوم التالي, ثم أخرى لأهالي القاهرة للتأكد من حيادهم في حربه ضد مسلمي الشام([2]).
جاء في مخطوطة تاريخ الدولة العلية لمحمد فريد بيك وكيل النائب العمومي لدى المحاكم الأهلية 1893م
لما علمت الدولة العلية باحتلال الفرنساويين القطر المصري أخذت في الاستعداد لمحاربتهم لا سيما أنها كانت مطمئنة البال هادئة البلبال من جهة النمسا والروسيا اللتين كانتا مستغلتين بمحاربة الجمهورية الفرنساوية خوفا من امتداد مباديها الحرة إلى بلادهما فتفل عرشهما كما حصل للويس السادس عشر ملك فرنسا ومن جهة أخرى عرضت عليها الدولة الإنكليزية مساعدتها على إخراج الفرنساويين من مصر لا رغبة في حفظ أملاك الدولة بل خوفا على طريق الهند من أن تكون في قبضة دولة قوية يمكنها معاكستها فقبلت الدولة العلية مساعدتها بكل ارتياح وكذلك عرضت عليها الروسيا إمدادها بمراكبها الحربية وانضمام دوناغاتها إلى الدوناغتين العثمانية والانكليزية فقبلت أيضا وأعلنت الحرب رسميا على فرنسا في 21 ربيع الأول سنة 1213هـ وأخذت في جمع الجيوش بمدينة دمشق وبجزيرة رودس لارسالها بمصر, وأتت الدوناغة الروسية من البحر الأسود إلى بوغاز الأستانة وخرجت إلى البحر الأبيض مع الدوناغة العثمانية وذلك بمقتضى معاهدة أبرمت بين هذه الدول الثلاث التي اتفقت لأول مرة على عمل حربي مع ما بين الدول العلية والروسية من العداوة القديمة المستمرة ولما شعر بونابرت باجتماع الجيوش لمحاربته تحقق أنه إن لم يفاجئ الدولة العلية في بلاد الشام قبل أن تتم استعداداتها الحربية تكون عواقب الحرب وخيمة عليه , وأن من يحتل مصر لا يكون أمنا عليها إلا إذا احتل القطر السوري فلهذه الدواعي عزم على فتح بلاد الشام فقام من مصر في 10 فبراير سنة 1799 ومعه ثلاثة عشر ألف مقاتل قاصدا بلاد الشام من طريق العريش فاحتلها في أواخر شعبان سنة 1213 ثم دخل غزة في تاريخ 19 رمضان وارتحل عنها في 23منه ووصل الرملة في 25 منه ومنها إلى يافا فوصلها في 26 رمضان الموافق 7 مارس ثم رحل منها قاصدا مدينة عكا ثم حاصر مدينة عكا من جهة البر وهاجمها مرارا لكن لم يتمكن من فتحها لوصول المدد تباعا إليها من طريق البحر واستيلاء الأمير الإنكليزي سدني سميث على مدافع الحصار أرسلها من مصر لإطلاقها على الأسوار ولتيقظ أحمد باشا الجزار قائد حاميتها بإفساد الألغام التي ينشئها الفرنساويين لنسفها وفي أوائل إبريل بلغه تحرك جيش دمشق العثماني لإنجاد مدينة عكا فأرسل
وواصل الفرنسيون مسيرتهم، وفي 81 مارس وصلوا إلى مدينة عكا شديدة التحصين، وكان يقود المقاومة الجزار باشا يساعده أنطوان دي فيليبو - وحاصر الفرنسيون المدينة دون مدافع حصار ذلك أن مدافع الحصار التي كان قد تمَّ إرسالها من الإسكندرية بحرا استولى عليها أسطول إنجليزي بقيادة سير وليم سدني وسلمها إلى حصن المدينة (عكا) وراح يزود حاميتها بالطعام والمواد اللازمة في أثناء الحصار. وفي 20 مايو بعد أن قضى الفرنسيون شهرين أمام أسوار المدينة وتكبدوا خسائر فادحة أمر نابليون بالعودة إلى مصر،
وكان من الممكن في أي وقت أن ترسل تركيا وبريطانيا العظمى قوات عسكرية إلى مصر يمكنها - بمساعدة أهل البلاد - عاجلا أم آجلا إجبار الفرنسيين على التسليم. وكان نابليون يعلم ذلك كله ولم يكن يستطيع تبرير مغادرته مصر إلا بالقول إنه مطلوب في باريس ولديه أمر بالعودة. وعندما كان يودع جنوده رفع صوته قائلا:" إذا حالفني الحظ ووصلت إلى فرنسا فلا بد أن ينتهي حكم هؤلاء الثرثارين الحمقى"• ولا بد من إرسال الدعم لهؤلاء الفاتحين المحاصرين. ولم يصل هذا الدعم أبداً
يذكر الدكتور أمين عبد محمود: "أن الوعد الفرنسي بإقامة وطن قومي لليهود كان من أهم أهداف الحملة ويؤكد على هذا البعد أيلي ليفي أبو عسلي بقوله " كانت فكرة إعادة اليهود إلى فلسطين في طليعة المرامي والمشاريع الاجتماعية السامية التي كانت تجول في مخيلة نابليون الوقادة ويطمع في تحقيقها حيال المسألة الشرقية عندما شرع في تجهيز حملته لغزو مصر والشام. "
من الثابت تاريخيا أن يهود مصر ساندوا الحملة الفرنسية بكل قوة, وقاموا بوظيفة العين والأذن لها، وقدموا ما في وسعهم لإضعاف الجبهة الداخلية في مصر آنذاك. ولم يكتفوا بذلك بل ساروا مع الحملة الفرنسية إلى فلسطين ليروا وليشاهدوا نابليون بونابرت وهو ينفذ تعاليم آلهة إسرائيل القاضية بإبادة المسلمين، وإنشاء وطن اليهود القومي في فلسطين.([3])
كان ميناء عكا كان تحت سيطرة قوات الجزار والأسطول الانجليزي بقيادة الجنرال سيدني سميث (Sidny Smith) الذي ساعد الجزار بتصديه بنابليون وبالدفاع عن عكا.
بعد حصار دام 62 يوماً حول عكا, من18/3 – 21/5/1799, وبعدما فشل نابليون وجيشه ومدافعه باختراق أسوار المدينة المنيعة والدفاع البطولي لأحمد باشا الجزار عن عكا بمساعدة الأسطول الانجليزي, وقّع كليبر على اتفاقية العريش مع العثمانيين, التي نصت على جلاء القوات الفرنسية عن مصر. وبعد بضعة أشهر من الاتفاق قُتل كليبر وخلفه على قيادة الجيش الجنرال مينو, الذي هزمه الإنجليز في معركة بالقرب من الإسكندرية في 21 آذار عام 1801. وفي أعقاب هذه الهزيمة تمّ جلاء وعودة القوات الفرنسية عن مصر إلى فرنسا, ورجعت ولاية مصر لنفوذ السلطان العثماني وفقاً لصلح أميان المبرم بين بريطانيا وفرنسا. وفي أيلول سنة 1801, غادر آخر جندي فرنسي أرض مصر لتنتهي فترة تاريخية ذات تأثير بعيد الأمد على العلاقات بين ا لشرق والغرب. عُرفت بفترة الحملة الفرنسية على مصر.
ولما علم الانكليز بموت كليبر وخروج بونابرت معه أمهر القواد من مصر أيقنوا بالغلبة عليهم , وأنزلوا بأبي قير ثلاثين ألف مقاتل تحت قيادة الجنرال
ثم سار الانكليز والأتراك إلى القاهرة عن طريق الصالحية وحصروا من بقي بها من الفرنساويين ولتحقق القائد بليار أن لا مناص من التسليم خابر القائدين العثماني والانكليزي وطلب منهما إخلاء وادي النيل بالشروط السابق تدوينها باتفاق العريش فقبلا منه وأمضيا معه اتفاقا بذلك في 16 صفر 1216 الموافق 27 يونية سنة 1801.. أما القائد منو فبقي محصورا في الاسكندرية ولم يقبل التسليم إلا في أواخر ربيع الآخر سنة 1216وبعد أن وقعت بينه وبين العثمانيين والانكليز وقعة عظيمة قتل فيها كثير من الطرفين فخرج مع من بقي معه وسافر إلى بلاده على مراكب الانكليز وبذلك انتهت الحرب
يعقوب الأمير أو الجنرال
المعلم يعقوب يوحنا من مشاهير الأقباط في القرن الثامن عشر، وهو أول قبطي ألَّف جيشًا قبطيًا بقيادته، وفكر بإقامة دولة قبطية مستقلة مستغلاً الاحتلال الفرنسي، جعل من نفسه عميلاً فرنسياً بامتياز وبدأ بقهر المصريين وتعذيبهم وسلب ممتلكاتهم بقوة الجيش الفرنسي وميليشيا الأقباط وقد نهض وحده بأعباء تموين الحملة الفرنسية والجيوش المتفرقة على طول النيل، بل ونهض أيضًا بإدارة ماليَّة الوجه القبلي كله، وهذه العمالة السافرة المتبجحة جعلته من المقدمين عند فرنسا ومنح لقي جنرال قائد وترأس الفرقة القبطية وأُلحِق بخدمة الجيش الفرنسي وبنى قلعة بجهة الجامع الأحمر بالأزبكية وسماها قلعة يعقوب. وبدأ يهدم بعض البيوت وبنى بأنقاضها سورًا عاليًا منيعًا حول الحي الذي جمع الأقباط فيه، وشيّد أبراجًا فوقه داخل السور وعمل للسور بوابتين ورتب جنديين قبطيين يقفان على كل باب، والسلاح على أكتافهما لمنع كل من يحاول الدخول، فأصبح المكان حصينًا وعندما ارتحل المحيل الغاشم ارتحل معه العميل يعقوب وركب يعقوب وأتباعه- رافقه أخوه حنين وأمه ماري غزالة وزوجته مريم نعمة وابنته منٌه وابن أخيه إلياس صاحب القاموس الشهير، ونفر من الأقارب والخدم وعساكر القبط- البارجة الإنجليزية "بالاس" للخروج من مصر في 10 أغسطس آب عام 1801، واختار أن يكون على السفينة نفسها مع صديقه الفارس المالطي لاسكاريس وهلك في السفينة بعد إقلاعها بستة أيام . وهذا دليل إضافي أن الكفرة والطوائف المرتدة كفيروس الكبد يبقى كامناً فإذا حانت الفرصة نهض لضرب الإسلام وكل دعاوى القومية والوطنية نفاق ودجل لا تنطلي إلا على المغفلين من أهل السنة ولا يقبلها إلا المرتدين العلمانيين. وما يجري في مصر هذه الأيام دليل آخر فهل من متعظ؟؟!!
ولما انجلى الفرنسيون عن مصر أوعزت الحكومة العثمانية إلى خسرو باشا أن يعمل على محق ما بقى من سلطة المماليك. أما هؤلاء فأخذوا في لم شعثهم والتحفز للقبض على أزمة الأحكام، كما كان شأنهم قبل الاحتلال الفرنسي، وكان الانجليز يؤيدونهم في ذلك.
هكذا كانت الحال في مصر حينما اخذ محمد علي يطمح الى منصب الولاية.
عندما تسلم خسرو باشا منصب الولاية في القاهرة، كان المماليك مسؤولين عن الوجه القبلي من الديار المصرية وعلى معظم الوجه البحري، فوجه إليهم فرقتين من الجند إحداهما بقيادة يوسف بك، والثانية بقيادة محمد علي. فنازل المماليك فرقة يوسف بك وهزموها شر هزيمة قبل أن يصل محمد علي بفرقته إلى ساحة القتال، فنسب انكسار فرقة يوسف بك إلى تعمد محمد علي التأخر في نجدتها، فاستدعاه خسرو باشا ليلا إلى مقره في القلعة لمفاوضته في أمر هام، فخشي محمد علي قصد خسرو باشا، وجاوبه انه سيحصر لمقابلته نهارا على رأس فرقته. وعلى أثر ذلك ثار الجنود على الوالي طالبين مرتباتهم المتأخرة، ولم يستطع الوالي دفع المتأخر لهم، فرغب طاهر باشا كبير قواد الجيش التوسط بينه وبين الجنود الثائرين، فرفض خسرو باشا مفاوضته، فانحاز طاهر باشا إلى الجند وسار بهم إلى القلعة، فألجأ خسرو باشا إلى الفرار، وتولى الحكم بعده بالوكالة سنة 1803.
منذ ابتداء الحوادث صار معلوما أن هنالك محركا غير منظور يدير من وراء الستار حركات الجنود والطامعين بالولاية بحذاقة لاعب الشطرنج البارع وكان ذلك المحرك الماسونية وصنيعتها محمد علي، لكنه رغما عن طموحه الشديد إلى منصب الولاية، لم يتعجل الأمر بل اتبع خطة تضمن له الوصول إلى الولاية بعد أن تقضي على سائر المرشحين لها والطامعين فيها، وتزيل من طريقه العناصر المعادية. وبمقتضى تلك الخطة أصبح كل من يتولى الحكم عرضة للقتل أو العزل العاجل، بعد أن ينال محمد علي بواسطته بعض مآربه. فعليه بعد أن تولى طاهر باشا أعمال الولاية، حمله محمد علي على مراسلة البرديسي أحد زعيمي المماليك الكبيرين ليتقرب من المماليك، الوطنية ويأمن شرهم في أثناء العراك القائم بسبب الولاية، لكن عهد طاهر باشا بالولاية لم يطل لأن الإنكشارية ثاروا عليهم مطالبين بمرتباتهم، فأدى ذلك إلى خصام بين الباشا والضباط الذين انتدبهم الإنكشارية لمفاوضته، وانتهى الخصام بقتل طاهر باشا، واغتنم محمد علي الفرصة فاتفق مع المماليك.
وكان في مصر حينئذ أحد وزراء الدولة العثمانية المدعو أحمد باشا قاصدا إلى المدينة المنورة التي عين واليا عليها فأراد الإنكشارية إجلاسه على كرسي ولاية مصر، غير أن محمد علي لم يوافقهم على ذلك. وبالاتفاق مع المماليك طردوا أحمد باشا من القاهرة، ثم بطش الألبانيون بالإنكشارية بإغراء محمد علي، ولم يبق في مصر من الرجال المنتمين إلى حكومة الآستانة الذي يخشى محمد علي شرهم سوى خسرو باشا الوالي السابق الذي كان مقيما في دمياط فهاجمه محمد علي وعثمان بك البرديسي برجالهما وأحضراه إلى القاهرة. وهكذا لم يبق لمحمد علي خصم ظاهر من رجال الآستانة، كما أن عثمان بك البرديسي صارت إليه السلطة العليا بين المماليك، لأن مناظره محمد بك الألفي كان قد ذهب إلى انجلترا طامعا بالاستقلال بالحكم في مصر بمساعدة انجلترا.
وقد كان محمد علي له نصيب كبير في تدبير جميع الحوادث التي سلف ذكرها.
أصبح محمد علي صاحب العقد والحل في القاهرة لأن زمام الجند كان في يده، غير أنه لم يتسرع في طلب الولاية لنفسه، ولعله حاول هذه المرة إثبات إخلاصه للدولة العثمانية حتى لا تناوئه متى آن أوان ترشيحه للولاية. وكان لا يزال موجودا في القطر المصري اثنان من الباشوات العثمانيين، أحدهما خسروا باشا والثاني أحمد خورشيد باشا حاكم الاسكندرية.
فبعد إخراج خسرو باشا من القطر المصري، لم يبق فيه من كبار العثمانيين من يصح تعيينه واليا سوى خورشيد باشا، فاتفق العلماء والأعيان وزعماء الجند على تعيينه واليا وتعيين محمد علي قائم مقام له. ووافق الباب العالي على ذلك في سنة 1804، أما خورشيد باشا فلقي ما لقي أسلافه من الصعوبات وكان في الوقت عينه يشعر بعدم إخلاص محمد علي، وبشدة وطأته،
فرأى الوالي انه لابد له من قوة من رجال الدولة العثمانية تقف بجانبه وتعزز مقامه، وإلا أضحى بين يدي محمد علي كريشة في مهب الريح، ففاوض رجال الدولة في ذلك،
وفي أثناء ذلك ورد مرسوم من الآستانة بتولية محمد علي باشا على جدة. وإنما جرى ذلك بناء على مخابرات سابقة بين الباب العالي وخورشيد باشا درءا للخطر الذي خشيا وقوعه عليهما فيما لو بقى في مصر، فأظهر محمد علي استعداده لتنفيذ مرسوم الآستانة، وأخذ يتأهب للسفر، غير أن الجند رفضوا فاتفق زعماء الجند والمحفل الماسوني على إسقاط خورشيد باشا من منصب الولاية، وانتخاب محمد علي بدلا منه. وكتبوا إلى الآستانة في ذلك، فأجيب ملتمسهم، وتلقى محمد علي مرسوما بذلك في تموز (يوليه) سنة 1805.
بعد ارتقاء محمد علي إلى منصب الولاية، انقضى دور العمل من وراء الستار، حيث كان هو الدافع وغيره العامل، وهو صاحب التدبير وعلى غيره تحمل المسئولية. انقضى ذلك الدور وانحصر في تصريف الأمور وحل المشاكل، ومقاومة الخصوم في الخارج والداخل كما برزت المحافل الماسونية للعلن.
كان المرجع الرئيس كتاب الجبرتي (عجائب الآثار) الذي أرخ لحملة تابليون وما بعدها بشكل شبه دقيق
0 التعليقات:
إرسال تعليق