مقولة الدين لله والوطن للجميع
رضوان محمود نموس
يردد البعض من أبناء المسلمين عن غفلة وطيب خاطر شعاراً اخترعته الماسونية لإبعاد الدين عن الحياة وهو شعار (الدين لله والوطن للجميع) .
وأول ما يعنيه هذا الشعار هو الشرك بالله أعاذنا الله منه فهو يعزل الله عز وجل عن صلاحيات التدخل بالوطن وترتيب أحكام الوطن والدولة والمجتمع فهذه المقولة إعلان صريح ضد الله مؤداه : [ عفواً يا الله لا تتدخل فيما لا يعنيك من شؤون الوطن والنظام والتشريع للبلاد والقوانين التي سنحتكم إليها والنظام المالي والاقتصادي والاجتماعي
والقوانين التجارية والإدارية والجنائية والعلاقات الدولية ....الخ فهذا لنا نحن أبناء الوطن سنرتبه بالتوافق وعبر صناديق الاقتراع حتى لا نزعج اليهود والنصارى واليزيديين والنصيريين والدروز والإسماعيليين والبهائيين والقاديانيين والشيوعيين والوجوديين واللادينيين فهؤلاء أبناء وطننا وشركاؤنا فيه بالإضافة إلى مراكز القوى العالمية وأمريكا والسوق الأوربية فهناك علاقات متشابكة ومصالح داخلية وخارجية ودولية لا تعرفها أنت ونحن أدرى بها فاترك هذا الأمر لنا لأن أهل مكة أدرى بشعابها
ومن شاء أن يعبدك فنحن لا نعترض عليه فهذا المسجد مفتوح وغيره من دور العبادة فليعبدك كما يشاء بحيث لا يضر بالمعايير العليا للدولة.].
وأنا على يقين أن غالب من يردد هذه المقولة ذاهل عن معناها وعن مؤداها وما ترمي إليه ويصدق فيهم قول أحمد شوقي:
أثر البهتان فيه **** وانطلى الزور عليه
يا له من ببغاء **** عقله في أذنيه
وهذه النوعيات التي ينطلي عليها مثل هذه الشعارات تؤتى من قبل طيبها وغفلتها مع أنه يوجد من يردد هذه الشعارات عن معرفة ومكر ودهاء وحقد على الإسلام وأرجو أن يكونوا هم الأقلة.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن الدوسري - رحمه الله - عن هذه العبارة فأجاب :
هذه المقالة: (الدين لله والوطن للجميع) صاغها الحاقدون على الإسلام الذين رموه بالطائفية بهذه الصيغة المزورة إفكاً وتضليلاً، ليبعدوا حكم الله ويفصلوه عن جميع القضايا والشؤون بحجة الوطن الذي جعلوه نداً لله، وفصلوا بسببه الدين عن الدولة، وحصروه في أضيق نطاق
فهي خطة شركية قلّ من انتبه لها ، ولا يجوز للمسلمين إقرارها أبداً ، ولكن غلبت عليهم سلامة الصدر فاغتروا بما يطلقه أولئك من الدجل والتهويل ويخادعون به الله والمؤمنين من دعوى تعظيم الدين والارتفاع به عن مستوى السياسة التي هي غش وكذب ، ليخدعوا به المسلمين ويخرسوهم والله لا يرضى من عباده أن يتهاونوا بالحكم ويتنازلوا عن حدوده قيد شعرة أو تنقص فيهم الرغبة الصادقة في تنفيذه - بدلاً من أن تنعدم - لحب وطن أو عشيرة بل ولا لحب ولد أو والد أو أخ قريب ، فالدين الذي لله يجب أن يسيطر على الجميع ويكون أحب وأعز من الوطن وأن لا يتخذ الوطن أو العشيرة نداً لله ويعمل من أجله ما يخالف حكم الله وتبذل النفوس والأموال دون كيان العصبية القومية في سبيل الوطن لا في سبيل الله لإعلاء كلمته وقمع المفتري عليه بل لتعزيز المفتري عليه ، فهذه وثنية جديدة أفظع من كل وثنية سبقتها ، إذ يعملون تحت هذا الشعار الوثني ما يشاؤون ويخططون لحياتهم الوطنية تخطيط من ليس مقيداً بشريعة ربه وكونها أفظع من كل وثنية هو لمزيد فتنتها وإخراجها للناس بهذا الأسلوب الذي صاغته(أوربا) والله يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} ، ويقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ..}
الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة (ص: 87):
ويقول الشيخ بكر عبد الله أبو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية (ص: 262): معجم
الدين لله والوطن للجميع: (3) كلمة توجب الردة، نسأل الله السلامة.
[وإنما كانت وراء خدعة الوطنية أغراضًا سياسية وثقافية واجتماعية؛ حيث بدت الدعوة للوطن تفرق بين الولاء لله تعالى وبين والولاء لغيره تحت شعار "الدين لله والوطن للجميع", وبالغوا في وجوب حب الوطن وأنه مشاع بين جميع المواطنين حتى السياسية منها, ومن هنا تَمَّت اللعبة على كثير من بلدان المسلمين؛ حيث أصبح المواطن النصراني أو اليهودي أو العلماني أو الشيوعي حتى وإن لم يكن من أهل ذلك البلد في الأساس فإنَّ من حقِّه كمواطن أن يصل إلى أعلى الرتب التي يتمكَّن من خلالها من التحكم في مصائر أهل تلك الشعوب الإسلامية, وهو ما هدف إليه أعداء الإسلام من دعمهم السخي لأولئك الأقليات في تلك البلدان الذين هم في الأساس عملاء لتلك القوي الكفرية العالمية, نجحوا في ذلك وفي نهاية الأمر, وهو نتيجة لتمكن أولئك من السلطة, أصبح هؤلاء ينادون بأن الوطن والعيش فيه هو في الدرجة الأولى لهم, وصاروا ينظرون إلى أهل تلك الأوطان الإسلامية بأنهم غرباء,]
المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها (2/ 986):
ويقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: [فالفصل بين الإيمان بالله والانصياع لأمره والرضا بحكمه هو في حقيقته فصل بين متلازمين، وما أشبه قولهم بمن يقول: (الدين علاقة بين الإنسان وربه) يريدون بذلك فصل الدين عن واقع الحياة وإصلاح النفوس وهذا القول نفسه هو قول القائل (الدين لله والوطن للجميع) يريدون بذلك ترك أمر تنظيم المجتمع حسب شريعة الله وعقيدة الإسلام. أقول هذه الأقوال جميعها تجتمع عند غاية واحدة، وإن اختلف قائلوها شكلاً وموضوعاً وهي إفلات المجتمع وحياة الناس من عقيدة الإسلام وشريعته وهذا أمر خطير جداً. فلينظر الداعون إلى الله أي منهج يسلكون؟ وأي عقيدة يحملون؟]
الحد الفاصل بين الإيمان والكفر (ص: 36):
[لذلك يتبنى شعار: (الدين لله والوطن للجميع) . والهدف من هذا الشعار، إقصاء الإسلام عن أن يكون له أي وجود فعلي من ناحية، وجعل أخوة الوطن مقدمة على أخوة الدين من ناحية أخرى. الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1/ 446):
[إذا كانت أهداف أعداء الإسلام من ملحدين ويهود ونصارى ومستغربين وصهيونية عالمية وشيوعية عالمية هي تمييع عقيدة المسلمين، وتذويب شخصيتهم المتفردة، لجعلهم حميراً للشعب المختار كما تنص على ذلك بروتوكولات حكماء صهيون. فإنه يتضح لدى المسلم أهمية هذا الموضوع حتى يحذر هو ومن معه، بل يحذر المسلمون عامة، من الانزلاق في مهاوي الردى خاصة وأن الدعوات المشبوهة الملحدة تدعو إلى ما يسمى بالأخوة والمساواة وأن الدين لله والوطن للجميع.! وسوف أتعرض لهذا بالتفصيل إن شاء الله في الباب الأخير.
فبان بهذه الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة أن الولاء من لوازم لا إله إلا الله) وهو أيضاً تحقيق معناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الولاء والبراء في الإسلام (ص: 44):
وحملت هذه العبارة معنى لزم منه عدم اهتمام المسلمين بدار الإسلام، وبالحكم الإسلامي، حتى وجدنا جماهير المسلمين تبعاً لقادتهم السياسيين يردّدون بغباءٍ عبارة (الدين لله والوطن للجميع) وذلك في غمرة نشاط الثورات الوطنية لإخراج المستعمرين، والتي كان وقودها من شهداء المسلمين. أجنحة المكر الثلاثة (ص: 293):
وغالب هؤلاء الذين يرددون هذا الشعار كما قدمت هم من المغرر بهم الذين ليس لهم خبرة بالمكر الصليبي العلماني وهذا النوع سماه القرآن الكريم "السماعون" أي يستمعون ويصدقون كل ما سمعوه دون عرض المسموعات على أصول الدين وموافقتها للقرآن والسنة أو معارضتها.
هؤلاء السماعون المفتونون أينما رأوا شيئاً يلمع ظنوه ذهباً وسارعوا إليه دون فحص وتمحيص دون إحكام لأصول الدين وقواعده. هؤلاء السماعون ذمهم الله سبحانه وتعالى لسوكهم المشين هذا.
وقال الله تعالى: ) وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (([1]).
قال تعالى:] يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ (([2]).
قال ابن تيمية:: [فكل من تصديق الكذب والطاعة لمن خالف رسول الله من أعظم الذنوب ولفظ السميع يراد به الإحساس بالصوت ويراد به فهم المعنى ويراد به قبوله فيقال فلان سمع ما يقول فلان أي يصدقه أو يطيعه ويقبل منه بقوله سماعون للكذب أي مصدقون به وإلا مجرد سماع صوت الكاذب وفهم كلامه ليس مذموما على الإطلاق وكذلك سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي مستجيبون لهم مطيعون لهم كما قال في حق المنافقين وفيكم سماعون لهم أي مستجيبون لهم مطيعون لهم ]([3]).
وقال: [وفيكم سماعون لهم. بين سبحانه أن المنافقين لو خرجوا في غزوة ما زادوا المؤمنين إلا خبالا ولأوضعوا أي أسرعوا خلالهم أي بينهم يطلبون لهم الفتنة وفي المؤمنين من يقبل منهم وهم السماعون لهم أي يستجيبون لهم.
المراد أنهم سماعون الكذب أي يصدقون به سماعون أي مستجيبون لقوم آخرين مخالفين للرسول وهذه حالة كل من خرج عن الكتاب والسنة فإنه لابد أن يصدق الكذب فيكون من السماعين للكذب ولابد أن يستجيب لغير الله والرسول فيكون سماعا لقوم آخرين لم يتبعوا الرسول وهؤلاء لهم نصيب من قوله تعالى:) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا % يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاًنا خَلِيلا % لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا ( وقوله:) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ % وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ % رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ( فتبين أن أصل طريق من يعارض النصوص النبوية برأيه وعقله هي طريق أهل النفاق والإلحاد وطريق أهل الجهل والارتياب لا طريق ذي عقل ولا ذي دين كما قال تعالى: ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ( وقال تعالى:) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ % كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ( ]([4]).
وقال ابن كثير:[ وفيكم سماعون لهم أي مطيعون لهم ومستجيبون لحديثهم وكلامهم يستنصحون وإن كانوا لا يعلمون حالهم فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير]([5]).
وقال ابن القيم: [ سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه مما يدل على أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه فإنه إذا قبل الباطل أحبه ورضيه فإذا جاء الحق بخلافه رده وكذبه إن قدر على ذلك وإلا حرفه]([6]).
فالملاحظ أنه في كل مرة يقبل السماعون كلام المنافقين والكافرين والثقافات والفلسفات الوافدة ويصنعوا ذات أنواط. يحدث ثلم وهدم وردم وخسف في الإسلام. وفي كل مرة يكون كلام السماعين أخطر من كلام المنافقين الأصليين لما يبدو في ظاهرهم من صلاح. فمن أعظم الجنايات على المسلمين جناية السماعين بنقلهم لكلام الطوائف الضالة والكافرة والمبتدعة.وفلسفات ونظم الغرب ولم يكن لثقافات الكفر سبيل إلى أمتنا إلا عبر طابور المرتدين العلمانيين والليبرالين اللادينيين وأحزابهم وهم الأقل ضرراً لانكشاف أمرهم وظهور سوأتهم ومعرفة حالهم من عموم المسلمين. والسماعين وهم الأكثر ضرراً الذين تسرب الضلال والكفر من خلالهم وترديد مقالات الكفر ومحاولة التماس الأوجه لها والاتكاء على بعض المتشابهات ففتحوا لمقالات الكفر طريقا وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلا فظهرت دعوتهم بالمناظرة والأخذ والرد وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج وبلغوا من التدقيق في اللجج فصار الكفار أقرانا وأخدانا يقبل ماعندهم ويلمع, وله يصغى ويسمع, ويرد كتاب الله بحجة مخالفة العقول, وعدم قطعية الدلالة, واحتمال الأوجه, وترد سنة رسول الله r بحجة أنها آحاد, ويقبل كلام الكفر ويداهن عليه ويصبح الكفار خلانا وإخوانا بعد أن كانوا في الله أعداء وأضدادا ويصبح أهل الحق خصوماً وأعداءً. بعد أن كانوا إخوانا.
وما لم يتصدى المسلمون لهذه الظاهرة وينكروا على أصحابها ويأخذوا على أيديهم ويردوهم إلى جحورهم خاسئين خائبين مقهورين مبكتين.ستنتشر وتستشري ويعم البلاء ويبدل الدين.ويعلو صوت الكفر منشداً
سلام على كفر يوحد بيننا ... وأهلا وسهلا بعده بجهنم
أعاذنا الله والمسلمين منها
[1] - سورة التوبة: 47.
[2] - سورة المائدة: 41.
[3] - المصدر السابق, (2/60).
[4] - درء التعارض (5 / 261).
[5] - تفسيرابن كثير (2/362).
[6] - إغاثة اللهفان (1/55).
0 التعليقات:
إرسال تعليق