في رحاب العلماء(38)
رضوان محمود نموس
رد الشيخ ابن حميد([1]) على قانون العمل والعمال
يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله حول نظام العمل:
[ الحمد لله الذي جعلنا من خير الأمم، ونجانا بنور الوحيين من حوالك الظلم، وخصنا بمحمد الذي أوتي جوامع الكلم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازوا بمتابعته العز في الدنيا وفي الآخرة، وسلم تسليما.
أما بعد: فقد قرئ علي بعض من نظام العمل والعمال الذي صدر الأمر والعمل به بتأريخ 25/11/1366، والذي لم يزل العمل به مستمرا إلى هذا الوقت، ولما سمعت بعض مواده وفقراته، طال تعجبي من وجود مثل هذه الأنظمة يحكم بها بين ظهراني المسلمين وتقررها وتنفذها دولة إسلامية تحكم القرآن وتفخر به ويحق الفخر لمن تمسك به وعمل بأحكامه، وكنت قبل اطلاعي عليه أسمع شيئا مما يتناقله الناس عنه، غير أني لا أصدق ولا أكذب بكل ما أسمع عنه.
ولما اطلعت عليه وجدته فوق ما أسمع وأفظع مما يقال فيه، ورأيت أنه متحتم علي أن أبين ما علمته فيه من الأخطاء على وجه النصيحة وبراءة للذمة....
والله سبحانه وتعالى يقول: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }([2]). و { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ %وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأنفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ % وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِين % وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ }([3]). } و {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا }([4]).
وقد تكفلت بحل جميع المشاكل وتبيينها وإيضاحها، قال تعالى: { ما فرطنا في الكتاب من شيء } ([5]).وقال تعالى { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } ([6]).ففي هذه الآية أن القرآن فيه البيان لكل شيء، وأن فيه الاهتداء التام، وأن فيه الرحمة الشاملة، وأن فيه البشارة الصادقة للمتمسكين به الخاضعين لأحكامه، وقال تعالى: { وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ([7]).و{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}([8]).
وقال صلى الله عليه وسلم: { عن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ يَقُولُ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلا هَالِكٌ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ}.([9]).
وقال صلى الله عليه وسلم: {عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض}([10]).
وقد قال الإمام بن كثير رحمه الله على قوله تعالى:{أفحكم الجاهلية يبغون} الآية.
ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات، كما يحكم به التتار من السياسات المأخوذة عن جنكيز خان([11]). الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة: عن كتاب أحكام اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية.
وفيها كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا، يقدمونها على الحكم بالكتاب والسنة، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم بسواه في قليل ولا كثير أ هـ.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى، على قوله عز وجل { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا}([12]). هذا دليل على أن من دعي إلى تحكيم الكتاب والسنة فأبى أنه من المنافقين، أ هـ.
وقد قتل عمر رضي الله عنه رجلاً طلب التحاكم إليه لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي حي ولم ينكر على عمر قتله للرجل، فكيف يجتري من يدعي الإيمان مع هذا البيان الواضح والآيات البينات والأحاديث الصحيحة على الرضى بالتحاكم إلى الطاغوت والإعراض عن شريعة الله ؟. والله قد نفى الإيمان عمن لم يحكم الرسول فيما وقع بينهم من التشاجر، قال تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ([13]).
وإنه لمن أعظم الضلال، أن يعتقد من يدعي الإسلام، أن الشريعة لم تأت بما يكفل مصلحة الجميع وأن الناس محتاجون إلى غيرها، في شيء من شؤونهم ومشاكل حياتهم، أليس ذلك ظنا وتكذيبا لقوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}([14]).، وإنكارا وردا لقوله تعالى: { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين }([15]).
وإننا لنبرأ بحكومتنا السنية ورجالها المصلحين: أن يفسدوا ما تمسكوا به من تعاليم هذا الدين الحنيف بإدخال بعض هذه النظم والقوانين المخالفة للشريعة على المسلمين، أو يلزموهم بها فيبوؤوا بالإثم، وتتناولهم هذه الآية الكريمة: { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذي يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون } ([16]).
فلما تقدم من الأدلة الشرعية على وجوب التمسك بحكم الله ورسوله، وأن لا يلتفت إلى ما سواهما وبراءة للذمة، ورجاء للمثوبة من عند الله رأيت أن أبين ما قد لاحظته على هذا النظام المهين.
ملاحظات عامة:
تضمن هذا النظام أمورا كثيرة مما يخالف الشريعة المطهرة، ويلاحظ عليه على سبيل الإجمال:
أن هذا النظام الذي وضعته الحكومة، ضمنته أشياء غير سائغة شرعا، وشروطا في صالح المستأجر، وأخرى ليست في صالحه، بل هي ضرر عليه، ومثلها للعامل.
والواقع: أن كلا يؤجر ويستأجر، وهو لا يعلم بوجود هذا النظام أصلا، ولم يعرف شيئا مما تضمنه من الشروط، سواء كانت له أو عليه؛ ثم إنه لو حدث تشاجر بينهما، أو خلاف وتكايس أحد الطرفين، وسمع بهذا النظام ثم بحث عنه ووجد أن له فيه مصلحة؛ أو قيل له: إن هناك نظاما يرى الحق لك، طالب به، وألزم الطرف الآخر بحسب ما يقتضيه به هذا النظام، فهل هذا يقره عقل، أو عرف، فضلا عن الشريعة؟!.
كلا، بل هذا يعتبر من أظلم الظلم، وكيف يتحصل أو يقضى له بشيء لم يشترطه قبل إبرام العقد، ولم يلتزم الطرف الآخر به، ولم يعلم به أصلا ؟!.
هذا شيء مناقض للشريعة، ومصادم للنصوص، فإنه صلى الله عليه وسلم يقول:{ المسلمون على شروطهم، إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا}. فهذا الحديث ينص على أنه لا يلزم أحد، إلا بما التزم به هو بنفسه، لا باشتراط غيره عليه وهو لا يعلم.
وقال عمر رضي الله عنه: (مقاطع الحقوق عند الشروط)؛ ثم إن المتعاقدين لو اشترطا فيما بينهما ما يخالف الشريعة أيضا، لم يقرا عليه وبطل الشرط وحده أو أبطل العقد من أصله بحسب ما هو مقرر في كتب أهل العلم، المستمدة من القرآن والسنة، لقوله صلى الله عليه وسلم:{ من شرط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط }.
وكثير من مواد هذا النظام مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع ما اشتمل عليه من الظلم والتناقض، ومع أن المتعاقدين لم يتفقا عليه، ولم يعلما بمضمونه، ولا ما دل عليه.
ثم إنه لو قيل إن النظام وضعته الحكومة وهو خاص بأعماله الحكومية، فهي التي التزمت بهذه الشروط على نفسها لعمالها، لقلنا هذا ليس صحيحا من وجهين:
أحدهما: أن جميع ما فيه من الشروط، سواء كانت للعامل أو عليه، يجب أن تفهم له قبل دخوله في العمل حتى يفهمها جيدا، بمنطوقها ومفهومها، ليكون على بصيرة من أمره في كل ما له وما عليه.
الثاني: أن لا يتضمن شيئا مما يخالف الشرع، فإن تضمن شيئا مما يخالف الشريعة فهو باطل ولو رضي كلا الطرفين.
وقد يقال أيضا: إن هذا النظام وضع بين شركة كافرة وبين المسلمين، وغالبه في صالح العامل، والمقصود منه الاستيلاء على أموال هؤلاء الكفار، بأي وسيلة حصلت لنفع المسلمين وتقويتهم.
فالجواب أن هذا من التعليلات غير مجدية شيئا في جواز تطبيقه، لأمور منها:
أنه ليس كله في صالح العامل، ثم لو فرض ثبوت هذا فالشرع لا ينظر إلى مصلحة طرف دون الآخر؛ بل كل يرى ما له وما عليه من الحقوق، سواء كان الحق لمسلم أو لكافر، ما لم يكن الكافر حربيا، فليس له أي حق سوى دعوته للإسلام. ومنها:
أن أموال الكفار الذين دخلوا البلاد بأمان من المسلمين ولم يكونوا حربيين، ولم يحصل منهم ما يخالف التعاليم الصحيحة، التي أخذها المسلمون عليهم، لا يجوز الاستيلاء عليها بطريق الغصب، ولا بطريق الحيلة الممنوعة شرعا.
فإن الله يقول في حق أهل الكتاب: {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} ([17]).
فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالحكم بينهم بما تقتضيه الشريعة الإسلامية، هذا بين الكفار بعضهم مع بعض، فكيف إذا كان بينهم وبين المسلمين ؟ فيكون إذاً من باب أولى.
ثم حصل التفريق في هذا النظام بين المسلمين في المواد الجنائية، ولم يرد في الشرع فرق بين المسلمين، إذا كانوا ذكورا أحرارا في الجنايات، سواء في ذلك الصغير و الكبير، والغني والفقير، والعالم والجاهل.
لأنه لا فرق بينهم إلا بالتقوى، والتقوى لا يعلمها إلا الله، ويظهر تفاوت الناس بها في الآخرة، أما في الدنيا فالحكم على الظاهر، فمن ظهر إسلامه عومل معاملة المسلمين كائنا من كان. ماهرا فنيا أو عكسه فديتهما على السواء.
أما ما ذكر في هذا النظام فهو تحكيم ما أنزل الله به من سلطان، بل هو رد لنصوص القرآن والسنة ؛ هذه ملاحظات عامة.
أما الملاحظات التفصيلية الخاصة لكل مادة وفقرة، فهو ما يلي:
1- جاء في هذا النظام في المادة السادسة ما نصه: لا يجوز استخدام عمال دون العاشرة من العمر بصفة عامة, ويجوز لوزارة المالية لما يأتي....الخ.
ويلا حظ عليها أن عدم تجويز استخدام من بهذا السن, لم يرد به الشرع, ولا يجوز لأحدد أن يبيح أو يحرم شيئاًَ بعقله, والله يقول:{ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب}
فإذا بلغ الصبي سن التمييز, جاز تصرفه بإذن وليه, بكل شيء, من عمل وبيع أو شراء إذا كان في مقدوره وفي حدود طاقته وعلمت المصلحة وانتفت المفسدة.
ثم يلاحظ عليها أيضاَ: التناقض, حيث جعل هذا النظام الحق لوزارة المالية, في رفع هذا السن أو تخفيضه, بناءً على ما ترتئيه هذه الوزارة؛ فما الذي منعه عن المسلمين ولو رأوا المصلحة؟ وما الذي أباحه لوزارة المالية دون غيرها ؟!.
2- نصت فقرة (ب) من هذه المادة: أنه لا يجوز تشغيل العامل تشغيلاً فعلياً أكثر من ثمان ساعات في اليوم, ولا شك أن هذا خطأ واضح لما يأتي:
أولاً: أنه متى استأجره المستأجر يوما يجب عليه العمل كل ذلك اليوم, إلا بشرط لفظي أو عرفي, ما عدا أوقات الصلوات الفرائض, وما تدعو إليه الحاجة من أكل وشرب وغيرهما.
ثانياً: إن الأعمال تتفاوت, فمنها ما هو شاق ولا يستطيع العامل أن يعمل ثمان ساعات ومنها: ما هو سهل, فهو يستطيع العمل يومه وليلته, أكثرها بدون تكليف.
لأنه: لا يستوي العامل الذي يضرب بمرزبته صفائح الحديد والعامل الذي هو عبارة عن حارس أو بواب فتحديد العمل بشيء لم يتفقا عليه, ولم يكن مستثناً شرعاً أو عرفاً, مع اختلاف تنوع الأعمال لا يجوز
6- جاء في المادة الثانية: إذا تسبب عامل في فقد أو إتلاف مهمات, أو منتجات مما يملكه الآجر ويكون في عهدته بسبب رعونته, أو عدم احتياطه, أو إهماله, أو تفريطه, كان للآجر أن يقتطع المبلغ اللازم للإصلاح, من أجر العامل بشرط ألا يزيد ما يقتطع لهذا الغرض, على أجر خمسة أيام في الشهر الواحد, على شرط أن يكون كل ذلك في حالة عجز العامل عن إثبات أن ما وقع كان نتيجة قضاء وقدر.
ويلاحظ على هذه المادة عدة أمور؛ منها: قوله يقتطع المبلغ اللازم ممن العامل للآجر, بشرط أن لا يزيد ما يقتطع على أجرة خمسة أيام في الشهر الواحد, وهذا الشرط فاسد لا أصل له فإن الواجب دفع المبلغ المستحق كاملاً فور ثبوته, إلا برضاً منهما أو في حالة إعسار المكلف بالدفع, كسائر الحقوق الثابتة في الذمم, فيكلف المليء بدفعها وينظر المعسر حتى القدرة على الوفاء.
ومنها قوله: على شرط أن يكون ذلك في حالة عجز العامل, عن إثبات أن ما وقع كان نتيجة قضاء وقدر.
وهذا والله موضع عجب, أيظن الكاتب أن هناك أشياء تقع لا لنتيجة قضاء وقدر؟!بل تكون خارجة عن القضاء والقدر, وأن الرب لم يقدِّر وقوعها ولم يقض بوجودها, وأنها خارجة عن مشيئته ؟! وهذا مذهب باطل أطبقت الصحابة والتابعون, وسائر أئمة الإسلام على ذم هذا القول وبدعيته, وتضليل قائله.
وأنه لم يؤمن بقوله تعالى: { والله على كل شيء قدير} البقرة 284 وقوله{ إنا كل شيء خلقناه بقدر} القمر 49 سبحانه وتعالى أن يقع شيء لم يقدره الله ولم يقضيه.
بل ظن هذا الجاهل, أو المنحرف عن العقيدة الصحيحة: أن الذي يقع بسبب من أحد خارج عن القضاء والقدر, وهذا مخالف للكتاب والسنة, وإجماع سلف الأمة, ومكذب لقوله تعالى:{ إنا كل شيء خلقناه بقدر}
ومنها: أن العامل ليس عليه الإثبات بأن ما حصل لم يكن بسببه بل الإثبات على المؤجر وغيره ممن له الحق: أن العامل هو الذي فرط, أو تسبب, لأن الأصل براءة الذمم حتى تقوم البينة بإثبات الحق: أن هذا عن نتيجة إهمال العامل أو تفريطه, لقوله صلى الله عليه وسلم ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر)
27- جاء في فقرة ( 4) من المادة ( 15) أن على كل آجر يستخدم خمسين فاكثر: أن يضع نظاماً للتوفير والادخار؛ ويلاحظ على هذه الفقرة عدة أمور, وهي أن المؤجر, لا يلزمه شيء لم يلتزم به في ابتداء العقد كما سبق بيانه أكثر من مرة.
28 –إن نظام التوفير, فيه عدة محاذير؛ منها: أن ربحه معروف مضمون مقدر بنسبة في مقابل التصرف بهذا المال المعين, وهو الربا الصريح, الذي جاء الوعيد فيه بقوله تعالى:{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} البقرة 275.
وهذا بعينه هو ربا الجاهلية, وهو ربا النسيئة الذي هو أشد أنواع الربا تحريماً, وقد ذكره الله بقوله:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين, فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } البقرة 278, 279.
فإن قصد بهذا الادخار بغير معناه المفهوم, وهو حفظه كأمانة تبقى في صندوق التوفير, متى طلبها صاحبها دفعت إليه, كسائر الأمانات, فهذا لا بأس به, غير أن العامل يكون مخيراً في ذلك, إن شاء أمَّن ما لديه أو بعضه, لدى صندوق التوفير أو غيره, وإن شاء غير ذلك, فالأمر إليه, لأنه جائز التصرف في ماله بما يرى فيه مصلحته, ما لم يفض إلى الربا.
29- لا يلزم المؤجر أن يضع لهم هذا النظام, وإلزامه بذلك يعتبر ظلماً, ومخلاً بالعقد, زيادة على ما فيه من المحذور السابق.
32- جاء في الفقرة الثامنة من المادة (16) أن للآجر أن يفسخ العقد, إذا ثبت أن العامل قد ارتكب عملاً مخلاً بالشرف, أو الأخلاق,أو الآداب, اهـ.
33- جاء في الفقرة السادسة من المادة16 أن للآجر الفسخ إذا وقع من العامل اعتداء على الآجر أو أحد رؤسائه بالعمل أو بسببه.
ويلاحظ: على هذه الفقرة أشياء؛ منها: أن ما ذكر فيها ليس مسوغاً لجواز الفسخ للإجارة بل العقد باق على ما كان عليه وللمؤجر أن يطالب بحقه الخاص له, أو لمن هو متول عليه وأما ما كان لغيره من رؤساء العمل, أو غيرهم, فإذا اعتدى عليهم أحد من العمال فكل يطالب بحقه, ولا دخل للمؤجر إلا بما يخصه بنفسه, إلا بوكالة شرعية ممن له الحق.
34- خصص في هذه المادة: الاعتداء على الرئيس أو الآجر, فإذاً ما الحكم إذا كان الاعتداء على غير الرئيس في العمل؟! وما الفرق بين الرئيس والمرؤوس؟ في حفظ حقوقهم وكرامتهم, وحمايتهم, إن كان هذا يعتبر حماية لهم.
45- جاء في المادة 23 ما نصه: إذا أصيب العامل بإصابة أقعدته عن العمل يدفع له أجرة 75% من الأجرة, وذلك بعد مضي سبعة أيام من تاريخ الإصابة التي يجب أن يستوفي فيها أجره كاملاً ويستمر الدفع للـ 75% إلى حين شفاء المصاب أو انتهاء مدة الإقعاد المؤقت في المادة 3 الخ.
ويلاحظ عليها ما يلي:
46- منها: أن الإصابة التي تقع على العامل بدون سبب من المؤجر أو مباشرة, أو بسبب إهماله, فليس للعامل حق في مطالبة المؤجر في شيء من ذلك وتغريم المؤجر غير سائغ شرعاً بل هو من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى.
47- عن التحديد بهذا المبلغ الموضح تحديداً مجانباً للعدل, وذلك أن الإصابة تتفاوت وهي هنا جعلت على حد سواء؛ ثم إنه نص على سبعة أيام فإن زادت أو نقصت تغير الحكم, وهذا التحديد غير مبني على أساس من الشرع ولا العقل, ولا يوجد له نظير في معناه من الأحكام الشرعية, بل هو ظلم وجور.
48- نصت هذه المادة على أن للعامل استحقاق السبعة أيام, التي قعد فيها عن العمل, وهذا أيضاً لا يستحقه العامل, ولا يجب على المؤجر, ولا تجوز مطالبته بذلك, كما سبق نظيره أكثر من مرة.
49- إلزام الآجر بدفع 75% من الأجرة ظلم وتعدي, فلو كثر المصابون من العمال فهل يلزم الآجر الدفع لهم 75% من أجورهم, بدون مقابل, ولو أدى إلى ضرره ونفاد ماله, ويلزم بالاستدانة لهم مهما كثر عدد المصابين عنده؟! حاشا الشريعة الإسلامية, التي هي أساس في العدل والكمال, أن تأتي بمثل هذا, صدق الله العظيم: {أفحكم الجاهلية يبغون}
52- جاء في المادة 24 يدفع الآجر إلى العامل في حالة الإقعاد الجزئي الدائم المبلغ المندرج في الكشف المربوط؛ ويلاحظ على هذه المادة ما يلي:
53- منها؛ أن إلزام الآجر بشيء لم يلتزم به جور وتعدي, يتنافى مع العدل المأمور به في الكتاب والسنة.
54- أنه لو التزم بما تضمنته هذه المادة لفسد العقد للجهالة, ومن شرط صحة الإجارة العلم بالأجرة.
55- إنه قد أطلق الكلام فيها ولم يفصل فيه أي تفصيل, مع أن الإصابة التي تكون حال العمل لا تخلو من حالات, إما أن تكون بسبب من المؤجر أو إهماله أو بسبب غيره كأحد العمال أو بدون سبب ففي هذه الحالات لا يلزم المؤجر شيء إلا ما حصل منه مباشرة أو تسبباً.
والمفهوم من هذه المادة: أنه لو حصل اعتداء من أحد العمال على عامل آخر فإن جميع ما يترتب أو ينتج من هذا الاعتداء فغرامته على المؤجر ولا شك أن هذا خطأ, لا يقره الشرع الشريف, ولا العقل السليم, وتصوره كاف في قبحه.
56- فرق هذا النظام بين المصابين فجعلهم ثلاث درجات, لكل درجة حكم خاص من حيث الدية للنفس, والمنافع, والأعضاء, كما فصل ذلك في المادة الأولى قسم ثلاثة في فقرة (أ) و(ب) و (ج) حيث جاء التفريق فيها بين العمل بالشهر, والعمل باليومية, والعامل تحت التمرين, والعامل الفني, وغيره.
إذ نوع الدية فجعل دية عيني العامل درجة أولى: (18000) ريال ودرجة ثانية: (12000) ريال ودرجة ثالثة: (8000) ريال كما جعل دية اللسان, أو الإصابة بالبكم الدائم, درجة أولى (12000) وثانية ( 6000) وثالثة ( 5330) وقس على هذا باقي الأعضاء والمنافع.
وهذا التفريق: غير سائغ في الشريعة الإسلامية, بل هو مضاد لها أي مضادة ومعارض أقبح معارضة؛ وكيف يتجرأ من يدعي الانتساب إليها في وضعه أو إقراره أو الرضا به؟!.
وقد علم من له أدنى معرفة بالشريعة أنه لم يحصل بين المسلمين أي تفريق من حيث الدية, قال تعالى{ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}المائدة 45 وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمنون تتكافأ دمائهم.
وهذا النظام: المفرق بين المسلمين في الديات مضاد لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومخالف لما أجمعت عليه الأمة, فلا فرق بين الصغير والكبير, والغني والفقير, والسيد والمسود, في الدية لما تقدم.
ومن تأمل أسرار الشريعة في مساواة المسلمين بتكافئ دمائهم على بطلان هذا النظام الخاطئ لكن يستثنى من ذلك الفرق بين الحر والعبد وبين الذكر والأنثى, والمسلم والكافر.
57- فرق هذا النظام بين دية اليد اليمنى واليد اليسرى, فجعل لليمين دية أكثر من اليسرى, ثم عكس عندما تكون اليسرى تعمل عمل اليمين؛ ثم جرى التفريق كذلك بين دية سلامي كل منهما, بناءً على التفريق السابق في اليد وهذا كما سبق تحكم وخرص ما أنزل الله له من سلطان.
بل بمجرد التصور الخاطئ, والرأي العازب عن الرشد, فإن هذا مع ما جمع من الجور والظلم والتفريق الذي لم يبن على أساس من الشرع والعقل, فهو مباين لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الشرع لم يفرق بينهما, لا جملة ولا تفصيلا.
ولا شك: أن حكمة الله بالغة وأن العقول قاصرة عن إدراك حكمة الله في شرعه ولكن هؤلاء الذين استبدلوا بالشريعة النظم والقوانين, لما انحرفوا عن أصل الدين حسن الشيطان والهوى كل ما يخالف الشريعة, وتنقصوها, واستهزؤوا بأهلها, فبقوا متحيرين عقوبة لهم, قال الله تعالى:{ الله يستهزء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون} البقرة 15 فلا ينبغي للمسلم الركون إليهم, ولا العمل بشيء من نظمهم لحل المشاكل, فالله قد أغناه بكتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم عن سواهما؛ بل فيهما ما ليس عند أحد من العالمين من حل المشاكل ودرء المفاسد وحفظ المصالح
63- جاء في المادة 25 أنه يدفع الآجر إلى العامل درجة أولى في حال الإقعاد الكلي 27000 ريال وللعامل درجة ثانية 18000 ريال وللعامل درجة ثالثة 12000 ريال ويلاحظ ما يلي:
64- إن هذا التفريق بين العمال تفريق ما أنزل الله به من سلطان فيحرم العمل به لأنه لا يستند على نص بل هو محض الجور والظلم والتعدي فيجب احترام أموال المسلمين.
66- نصت المادة 26 على أن الآجر يقوم بمعالجة ومداواة المصابين ونقلهم إلى المستشفيات على نفقته مهما كان نوع الإصابة ولو لم تحدث أثناء العمل ونصت المادة 27 أيضاً: أن الآجر يقدم لعماله المعالجة الطبية حتى في الأوقات التي لا تمنعهم إصابتهم الجراحية عن مواصلة العمل.
وقد سبق بيان: أن هذا غير لازم كما لوحظ على نظيرتهما في الملاحظة رقم 45 وهو أنه لا يجوز إلزام الآجر بهذا إلا بشرط بينهما, فيما يمكن ضبطه وما لا يمكن ضبطه لا يجوز ولو شرط.
67- نصت المادة28 على أن العامل إذا مات بإصابة لحقته أثناء العمل دفعت لورثته المبالغ المدرجة في المادة 25 وقد سبق أن بينا أن ذلك باطل شرعاً وأنه من التحاكم إلى الطاغوت.
71- جاء في الفقرة 2 من المادة 34: يجوز حرمان العامل من التعويض إذا قصر في إبلاغ الإصابة وظروفها, في مدة ثلاثين يوما من تاريخ الإصابة أو الحادث.
ويلاحظ على هذه الفقرة أن تأخر إبلاغ المصاب بالإصابة, لا يضيع حقه على الجاني متى ثبت شرعاً, بل إذا كان مستحقاً للتعويض, فإن تأخره لا يكون سبباً في حرمانه من حقه, ومتى وجد هذا التحديد في كتاب أو سنة أو كلام لأحد من العلماء؟!.
إن هذا تحديد ما أنزل الله به من سلطان وجرأة على الله في أحكامه (ولا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ % مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (سورة النحل 116 -117)
82- جاء في المادة 41 ما نصه: يجري فصل الحوادث للإصابات التي وقعت سابقاً على العامل, على اختلاف درجاتهم, لدى شركات الاستثمار في المملكة التي لم تفصل إلى تأريخ تصديق هذا النظام ونشره, بمقتضى مواد هذا النظام, كما يسري مفعول كل ما يقع بعد ذلك من حوادث وإصابات في المشاريع الاستثمارية الحالية والمقبلة أهـ.
ويلاحظ عليها: أنه لا يجوز لأحد أن يتحاكم إلى غير ما أنزل الله سواء هذا النظام أو غيره من النظم المستمدة من غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لأن هذه القوانين الوضعية من جملة الحكم الطاغوتي, الذي نهى الله ورسوله عن التحاكم إليه وإنما الواجب التحاكم إلى ما أنزل الله في كتابه, وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }النساء 65 لا سيما وقد لوحظ على هذا النظام مباينته للشريعة, ومصادمته لها فكيف يسوغ لأحد أن يدعو الناس إلى التحاكم إليه, ونبذ الأحكام الشرعية, وهو يدّعي الإسلام؟!
وقد سبق بيان بطلان هذه المواد التي تشير إليها هذه المادة, وأنها لم تبنى على أساس من الشرع, ولا أساس من العقل الصحيح, واعتماد هذا النظام في دماء المسلمين, وأموالهم هو من الفساد في الأرض.
كما في قوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} الأعراف 85 وقوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } البقرة 11- 12
جاء في المادة 43 ما نصه: كل شرط يخالف أحكام هذا النظام يعتبر باطلاً, ولا يعمل به, ولو كان سابقاً على صدور هذا النظام.
حسبنا الله ونعم الوكيل, إنا لله وإنا إليه راجعون, يا للمصيبة!! ويا للإسلام, أتنسب العداوة هكذا علناً للقران, والسنة, ويضرب بأحكامها عرض الحائط بكل جراءة ووقاحة؟؟!!
إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً تقلب في الأمور كما يشاء
أليس هذا مشاقة لله ورسوله؟ { ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} الأنفال 13 أليس هذا تضليل للأمة الإسلامية, وحملاً على التحاكم إلى الطاغوت؟ ألم يخشوا الوقوع في معنى قوله تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون }النحل 25
ويلاحظ على هذه المادة الشنيعة ملاحظات منها:
84- أنها جعلت أحكام هذا النظام فوق كل نظام, حتى الأحكام الشرعية كما هو صريح المادة فنعوذ بالله من مخالفة شرعه ودينه { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} المائدة50 وقال الله تعالى:{ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } النساء 65
85- قوله: كل شرط يخالف أحكام هذا النظام يعتبر باطلاً؛ هذا رد صريح لقوله صلى الله عليه وسلم ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)
وهذا النظام يرد على الحديث رداً قبيحاً صريحاً لا يحتمل التأويل فيقول: كل ما يخالف هذا النظام فهو باطل, ولو كان شرطاً صحيحاً جرى على وفق قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( المسلمون على شروطهم) كما لو اشترط أحد المتعاقدين على الآخر نفعاً معلوماً لم يذكر في هذا النظام, يكون باطلاً, ما أجرأهم على الشريعة وعلى القول على الله بلا علم
86- إن هذه المادة: أكدت بطلان ما سوى هذا النظام بستة تأكيدات
أولاً قوله: كل شرط؛ ومن المعلوم أن لفظ:( كل) يدل على العموم والشمول.
ثانياً: أنه أكد بالإشارة إليه بقوله: هذا النظام, خوفاً من توهم غيره.
ثالثاً: توكيده بلفظة:باطل؛ لأن التعبير بالبطلان من أعلى الألفاظ التي تدل على فساد العقود.
رابعاً: نوكيده, بقوله: لا يعمل به, لأنها تأكيد لقوله: يعتبر باطلاً فإن هذه الجملة كافية في عدم اعتبار غيره.
خامساً: توكيده بقوله: ولو كان سابقا ً عليه.
سادساً: تأكيده بالإتيان بالظاهر محل الضمير.
لأن قوله: على صدور هذا النظام يقوم مقامه لو قيل فيه على صدوره؛وهذا أليق بالقواعد العربية في مثل هذا, إلا إذا قصد به التأكيد, فأتى به هنا لهذا الغرض, فلأي شيء يحتاط لهذا النظام كل هذا الاحتياط مع مصادمته بالشريعة, فلو كانت هذه الاحتياطات في الأمر بالتمسك بالأحكام الشرعية لكان هو الألزم والأوجب كما هو المتعين فرضاً
87- إن هذه المادة تدل بجملتها على أنها ناسخة للأحكام الشرعية ومبطلة لها؛ لأنها ألغت جميع ما تقدم على أحكام هذا النظام, ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية قبله بقرون, فاعتبر أنه ناسخ لها.
فيا عجباً...يصبح هذا النظام المحتقر المستمد من زبالة الأذهان, ونحاتة الأفكار, يحكم نفسه على الشريعة المطهرة الغراء, المنزلة من حكيم حميد, حكيم في أحكامه, عليم بما يصلح عباده, سار عليها المسلمون أربعة عشر قرناً في غاية من الطمأنينة وحفظ الحقوق.
وكلما كمل تطبيقها كمل الأمن والراحة للبشر, وبحسب ما يهمل منها يحصل القلق والخلل, أضف إلى هذا كله: كونها أوضحت جميع ما يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم قال تعالى { ما فرطنا في الكتاب من شيء} الأنعام 38 وقال تعالى في ذم من ابتغى التحاكم إلى غيرها: {أفحكم الجاهلية يبغون من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون }المائدة 50.
وكل ما خالف القرآن والسنة فهو حكم جاهلي بعيد عن العدل والإنصاف, مبني على الجور, والميل عن طريق الصواب, وهو المعني بقوله تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } النساء 65 وكل ما خالف القرآن والسنة فهو حكم طاغوتي
88- جاء في المادة 44 ما نصه: يكون للموظفين الذين تنتدبهم وزارة المالية حق التفتيش, على محال العمال المختلفة والتحقق من اتباع هذا النظام وتنفيذه, وإثبات ما يقع من مخالفات لأحكامه.....الخ.
وحيث أنه قد علم أن هذا النظام لم يبن على أساس من الشرع, فلا يجوز العمل به ولا تنفيذه, فضلا ًعن المطالبة باتباعه وتنفيذ مواده؛ فالواجب أن يتبع في جميع ذلك أحكام القرآن والسنة, ويطرح ما سواهما من النظم والقوانين المخالفة لهما, كهذا النظام
104- جاء في ملحق نظام العمل والعمال ما نصه: ( صدر الأمر السامي الكريم, رقم 7218 وتأريخ 1/11/67 هـ باعتماد قرار مجلس الشورى الآتي رقم 212 وتأريخ 29/8/ 67 هـ كتشريع قانوني يلحق بنظام العمل والعمال).
وقد جاء فيه: " أن يقصد بجملة ( أثناء العمل) والواردة في نظام العمل والعمال, من الناحية القضائية, استحقاق الموظف العامل لعمل من الأعمال المنوطة به, لكافة الحقوق الممنوحة بموجب نظام العمل والعمال مقابل الواجبات المطلوب منه أداؤها, سواء كان ذلك في مقر عمله الرسمي, أو في طريقه إلى عمله الرسمي.
وكل إصابة يتعرض لها الموظف خلال ذلك,وضمن نطاق الأراضي والتشكيلات التي تتمتع الشركة بامتيازها يعوض عنه بمقتضى نظام التعويض.......الخ"ويلاحظ على هذا الملحق ملاحظات:
105- منها أن هذا النظام لما كان غير متمشياً فيه مع الشرع بل هو ضد الشريعة, كان مفتقراً في كل حين وآخر إلى زيادة وتصحيح, وملاحظات, وتصويب أخطاء, وإيضاح مجهول, وتعديل متناقض, وإكمال ناقص, مما يؤدي إلى اشمئزاز نفس كل من رآه أو سمعه.
106- إن ما ذكر في هذا الملحق مخالف للشريعة, وتلك الالتزامات المذكورة غير لازمة للمؤجر, لأنها مبنية على الجهالة والغرر وعلى الظلم والجور, مع أنه لم يحصل عليها الاتفاق من جانب المؤجر والمستأجر فصار فيها جملة محاذير؛ مخالفتها للشريعة, والجهل, والغرر, وعدم الاتفاق عليها وقت العقد, وقد سبق الكلام على مثل هذا
107- إنه صدر الأمر باعتماد هذا الملحق كتشريع قانوني, سبحان الله, يا للأسف, يا للمصيبة, هل هناك مشرع غير الله؟! أيجترئ مجترئ فيحاد الله في أمره وشرعه ويقر على هذا الفعل؟! أنحن في حاجة إلى تشريع أحد؟ والله تعالى يقول: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك } الشورى13.
أنحن في حاجة إلى تشريع أحد وكتاب الله بين أيدينا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟! هل الشريعة قاصرة على حل مشاكلنا؟! كلا والله ثم كلا, إنها والله الكاملة الوافية, التي لم تدع شيئاً مما يحتاج إليه البشر في ماضي الزمان وحاضره ومستقبله, إلا أتت به على الوجه الأكمل وأوضحه وأعدله؛ أليس قد أكمل الله لنا الدين وأتم علينا نعمه, ورضي لنا الإسلام دينا؟ كما قال عز وجل:{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام} دينا المائدة 3
أيكفي أن نتسمى بالإسلام بدون أن نطبق أحكامه علينا؟!, لا والله لا يكفي حتى نتمسك به عقيدة وعملا ًواتباعاً لأحكامه { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء 65
هل هناك مشكلة من مشاكل الحياة لم تحلها الشريعة وتوضحها غاية الإيضاح؟ ألم نصدق بقوله تعالى:{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} النحل 89.ألم يؤكد لنا صلى الله عليه وسلم هذا بقوله ( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
ويا عجباً: أترمى شريعتنا بالتقصير في حل مشاكلنا, ونمد يد الفقر والحاجة إلى أعدائنا ليعلمونا حل مشاكلنا؟! أيشهد أعدائنا بكمال الشريعة ونضوجها وصلاحها بكل زمان ومكان ونكذبهم بأفعالنا؟!,
أليس من الواجب علينا أن ننشر محاسنها لمن لا يعلمها, ونبلغها إليهم بكل ممكن؟ ما بالنا عكسنا هذه القضية.......الخ ] ([18])
هذا أيام أن كان هناك علماء ينكرون على الطواغيت رغم محاولة التخفي والتستر من قبل هؤلاء الطواغيت. أما وقد كبر الخرق على الراتق وأصبحت رائحة البنوك الربوية تزكم أنوف العالم وليس السعوديين فقط والقوانين الوضعية هي السائدة والقواعد الأمريكية هي الحامية والمسيطرة والسفير الأمريكي هو ولي الأمر الحقيقي فحسبنا الله ونعم الوكيل
[1] - الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، رحمه الله
هو العالم الجليل الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، ولد بمدينة الرياض سنة 1329 من الهجرة، وفقد بصره في طفولته. حفظ القرآن، وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط، فقرأ على الشيخ حمد بن فارس، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، ومحمد بن عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم.
نفع الله به الإسلام والمسلمين، فكان قاضيا ومفتيا، وداعية إلى الله ومصلحا، ومحبوبا.
تولى مناصب عدة منها: القضاء، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء، ورئاسة الحرم المكي، والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، وعضو في هيئة كبار العلماء مع قيامه بالتعليم في كل مدينة يسكنها، وبعثه الرسائل في الدعوة إلى الله، والرد على من ظهر منه الخطأ في الصحف والمجلات، وإجابته عن الأسئلة في المحاضرات والندوات، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي قلّ من يقوم بمثلها، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله أحسن الجزاء. وافته المنية في 20/11/1402 من الهجرة
[11] - أصل هذا الاسم يتألف من ثلاثة مقاطع: "جيهان " و" كير " و " خان ": جيهان = الدنيا, كير والكاف تلفظ كالجيم المصرية = قاهر وخان = السيد فيصبح الاسم" السيد قاهر الدنيا " وحتى الآن هناك من يتسمى بهذا الاسم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق