موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

العـلمانـية


العلمانية
رضوان محمود نموس
العلمانية: هي ترجمة تضليلية للكفر والمعنى الأصلي لكلمة (Secularism ) التي يعتبرون ترجمتها كلمة (علمانية هي (اللادينية) ولقد عرفتها موسوعة السياسة هي: [ مفهوم سياسي اجتماعي نشأ إبان عصور التنوير والنهضة في أوروبا، ورأى أن من شأن الدين أن يعنى بتنظيم العلاقة بين البشر وربهم، ونادى بفصل الدين عن الدولة، وبتنظيم العلاقات الاجتماعية على أسس إنسانية تقوم على معاملة الفرد على أنه مواطن ذو حقوق وواجبات، وبالتالي إخضاع المؤسسات والحياة السياسية لإرادة البشر وممارستهم لحقوقهم وفق ما يرون وما يحقق مصالحهم وسعادتهم الإنسانية.
وبهذا تكون العلمانية قد فصلت بين الممارسة الدينية التي اعتبرتها ممارسة شخصية والممارسة السياسية التي نظرت إليها كممارسة اجتماعية..
والواقع هو أن هذا المفهوم التجديدي الهام انطلق من نظرة أوسع وأشمل، هي النظرة الإنسانية التي مجدت الإنسان كمحور للكون ونظرت إليه على أنه سيد نفسه وحر الإرادة ونادت بالعقلانية كوسيلة للتنظيم الاجتماعي ولتسخير كافة الإمكانيات لتحقيق حاجات الإنسان وسعادته، وبالديمقراطية كأساس لعلاقة الفرد بالدولة والمجتمع   ] ([1]).
وقال في "موسوعة المورد": [ العلمانية Secularism: النزوع إلى الاهتمام بشؤون الحياة الدنيا، وقد يقصد بالمصطلح أحياناً العلمنة أي نزع الصفة الدينية أو سلطان رجال الدين عن نشاط من النشاطات أو مؤسسة من المؤسسات.... وأياً ما كان فإن العلمانية لم تتخذ شكلاً فلسفياً نظامياً إلا في منتصف القرن التاسع عشر، وفي رأس مسلماتها حرية الفكر وحرية كل امرئ في مناقشة جميع المسائل الجوهرية من مثل وجود الله ] ([2]).
وأول من ترجم كلمة Secularism إلى لفظ علماني بدلاً من لفظ ( لا ديني ) ذراً للرماد في العيون هو القبطي المصري (لويس بقطر) والذي كان ماسونياً وعميلاً للفرنسيين يقول في قاموس عربي فرنسي وضعه سنة 1828،.
وجاء في المصطلحات السياسية الشائعة: [ علمانية: مفهوم سياسي اجتماعي ينادي بفصل الدين عن الدولة، واعتبار الدين ممارسة شخصية تنظم علاقة الشخص بربه، وأن الممارسة السياسية ممارسة اجتماعية لا يتدخل فيها الدين ] ([3]).
وفي قاموس المورد Secularism: عدم المبالاة بالدين، أو بالاعتبارات الدينية.
وقال الشيخ سفر الحوالي في كتابه العلمانـية: [ لفـظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism ) الإنجليزية أو (Secularite ) بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ العلم ومشتقاته، فالعلم بالإنجليزية والفرنسية معناه ( Science ) والمذهب العلمي تطلق عليه كلمة (Scientism  ) والنسبة إلى العلم هي ( Scientific ) أو (Scientifique ) بالفرنسية.
والترجمة الصحيحة للكلمة هي ( اللادينية، أو الدنيوية )، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب بل بمعنى أخص، وهو مالا صلة له بالدين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد.
 وتتضح الترجمة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة.
وتقول دائرة المعارف البريطانية مادة Secularism: هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالدنيا وحدها، وظلّ الاتجاه إلى Secularism يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله باعتبارها حركة مضادة للدين.
ويقول قاموس العالم الجديد لوبستر شرحاً للمادة نفسها:
الروح الدنيوية أو الاتجاهات الدنيوية ونحو ذلك، وعلى الخصوص نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض أي شكل من أشكال الإيمان والعبادة, والاعتقاد بأن الدين والشؤون الكنسية لا دخل لها في شؤون الدولة، وخاصة التربية العامة.
ويقول معجم أكسفورد شرحاً للكلمة Secular: دنيوي أو مادي ليس دينياً ولا روحياً مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنسية، والرأي الذي يقول إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.
ويقول المعجم الدولي الثالث الجديد، مادة Secularism: اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب أن لا تتدخل في الحكومة أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً، فهي تعني مثلاً السياسة اللادينية البحتة في الحكومة   ] ([4]).
تعريف محمد عمارة للعلمانية:
يقول عمارة: [ هكذا نشأت العلمانية, في سياق التنوير الوضعي الغربي, لتمثل عزلاً للسماء عن الأرض, وتحرير الاجتماع البشري من ضوابط وحدود الشريعة الإلهية, وحصراً لمرجعية تدبير العالم في الإنسان, باعتباره "السيد" في تدبير عالمه ودنياه، فهي ثمرة عقلانية التنوير الوضعي, الذي أحل العقل والتجربة محل الله والدين، وهي قد أقامت مع الدين -في تدبير العالم- قطيعة معرفية وبعبارة واحد من دعاة التنوير الغربي ( فلم يعد الإنسان يخضع إلا لعقله في أيديولوجيا التنوير التي أقامت القطيعة الأبستمولوجية (المعرفية) الكبرى التي تفصل بين عصرين من الروح البشرية عصر الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الأكويني وعصر الموسوعة لفلاسفة التنوير فراح الأمل بمملكة الله ينزاح لكي يخلي المكان لتقدم عصر العقل وهيمنته وراح نظام النعمة الإلهية ينمحي ويتلاشى أمام نظام الطبيعة وأصبح حكم الله خاضعاً لحكم الوعي البشري الذي يطلق الحكم الأخير باسم الحرية. إنها عزل السماء عن الأرض, والدين عن الدنيا, وإحلال الإنسان في تدبير العمران البشري محل الله   ] ([5]).
ويقول شبلي العيسمي العلمانية: [ هي نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض كل صورة من صور الإيمان الديني والعبادة الدينية   ] ([6]).
أما التعبير الشائع في الدول التي يقطنها ذراري المسلمين فهو (فصل الدين عن الدولة), ومع أنه يعتبر ذا دلالة إلا أنه يحاول التستر على كثير من معاني الكلمة، وهي معاني المضادة للدين واللامبالاة به ورفض أي شكل أو مظهر من مظاهره.
والحقيقة أن هذا الاتجاه ليس وليد القرن الأخير في الفكر الغربي؛ بل جاء هذا الاتجاه إلى الحضارة الغربية من روما وأثينا وتحالف الكنيسة مع الوثنية في عهد قسطنطين.
[ وقد عبّر سيرسو عن الانفصال العميق بين الدين ونظام الحياة العام عند الرومان بقوله: ( لما كان الممثلون ينشدون في دور التمثيل أبياتاً معناها أن الآلهة لا دخل لها في أمور الدنيا ) يصغي إليها الناس ويسمعونها بكل رغبة   ] ([7]).
ويقول جوبتير: [ إن الآلهة يعيشون بعيداً عن العوالم ولا يهتمون إلا بشؤونهم، فلا تعنيهم أمورنا، إنهم يعيشون حكماء سعداء ويعظوننا بهذا المثال الذي يجب أن نسير على منواله كمثل عليا يقتدى بها، غير أنه يجب علينا أن لا نشغل أنفسنا بما يريدونه منا   ] ([8]).
وعندما جاء المسيح عليه السلام, وأوذي, وأوذي أتباعه من بعده من اليهود والرومان، وكانت الإمبراطورية الرومانية تترنح من الفساد، والإمبراطور قسطنطين مهدد من المعارضة، اعتنق النصرانية سنة 325م ليكسب تأييد المسيحيين له، وهم فرحوا بهذا ليرفع عنهم الاضطهاد، وكان زواجاً بين الوثنية والنصرانية كانت القيادة فيه والقوامة للوثنية، فتلونت المسيحية باللون الوثني الجديد وبرزت مقولة " أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ", وقُرِّرت رسمياً بعد مجمع نِيقيَة، وقُسمت الحياة إلى اتجاهين: الأول ديني من اختصاص الله، وتقتصر صلاحياته على نظام الإكليروس والرهبنة وتشريعات الزواج والدفن, والآخر دنيوي لقيصر وقانونه, ويشمل التنظيمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلاقات الدولية ونظام الحياة.
هذه القسمة جعلت قيصرَ شريكاً لله -تعالى الله عما يفعل المشركون- بل جعلوا قيصرَ هو الفائز الأكبر, ونسبوا للمسيح ( مملكتي ليست هذا العالم ) واستمرّ الأمر على هذا الحال. وعندما تتدخل السلطة الدينية بشأن دنيوي يكون الهدف منه تحقيق رغبة القيصر أو الملوك عبر وسيلة دينية, كما حصل في الحروب الصليبية وما شابهها.
ثم نما اتجاه في الغرب يريد إزاحة الدين عن المساحة الضئيلة التي يحتلها من ساحة الحياة، والمقتصرة على عقود الزواج والدفن وما شابه ذلك، وكان الذي نمَّى هذا الاتجاه ميكافيلي في كتابه (الأمير) و(مطارحات مكيافيلي) الذي دعا فيهما إلى فصل السياسة عن الدين والأخلاق, وأن الغاية تبرر الوسيلة، وإحلال هذه القاعدة محل القواعد الدينية والأخلاقية. ثم برزت مدارس فكرية لتحقيق هذه الغاية منها:
1. المدرسة العلمية: وأبرز الأمثلة عليها الكتّاب الموسوعيون الذين كتبوا دائرة المعارف بزعامة ( ديدرو ) وكانوا كما يقول ويلز:"يناصبون الأديان عداوة عمياء".  
2. المدرسة الاجتماعية السياسية: ويرأس هذا الاتجاه ( جان جاك روسو )، صاحب كتاب العقد الاجتماعي الذي أطلق عليـه اسم: ( إنجيل الثـورة ) أي الثورة الفرنسية، و ( مونتسيكو ) صاحب كتاب ( روح القوانين ).
3. المدرسة الفلسفية: ودعوا إلى إحلال الدين الطبيعي محل الأديان، وأبرز كتّابهم ( سبينوزا ) اليهودي الذي دعا إلى منع رجال الدين من التدخل. وقال:" من الخطورة على الدين وعلى الدولة على السواء إعطاء من يقومون بشؤون الدين الحق في إصدار القرارات أياً كانت أو التدخل في شؤون الدولة، وعلى العكس يكون الاستقرار أعظم إذا اقتصروا على الإجابة على الأسئلة المقدمة إليهم فقط ".
ومن أبرز الدعاة لهذه الفكرة:
-       ( جون لوك ) الذي طالب بإخضاع الوحي للعقل عند التعارض.
-        فولتير صاحب القانون الطبيعي عام 1804م
-       وليم جودين 1793م صاحب العدالة السياسية, وقد دعا إلى إبعاد الدين نهائياً.
-       (دارون) ولما برزت نظرية دارون 1859م انهارت العقيدة الدينية في الغرب نهائياً، وانتشر الإلحاد.
-        وظهر نيتشه الذي زعم أن الإله قد مات وحل محله الإنسان ( سوبر مان ). 
-       فرويد اليهودي اعتمد الدوافع الجنسية مفسرة لكل الظواهر, والإنسان في نظره حيوان جنسي
-       وكارل ماركس اليهودي صاحب التفسير المادي للتاريخ
-        جان بول سارتر في كتابه الوجودية
-       كولون ولسون في كتابه اللامنتمي، وكلهم يدعون إلى الإلحاد.
وبهذا اكتمل تشكيل اللادينية التي يسمونها العلمانية. فاستوردها المرتدون العرب من ذراري المسلمين والنصارى على مراحل. وأول ما دخلت بلاد الإسلام دخلت مع الحملة الفرنسية إلى مصر، ومع الإنكليز إلى الهند. ونشأت في مصر مدرسة الأفغاني ومحمد عبده لنشرها، وفي الهند مدرسة سر سيد أحمد خان.
فأدخل الخديوي إسماعيل ومحمد عبده القوانين الفرنسية عام 1883م، ودخلت القوانين الإنكليزية إلى الهند بالتسلسل ابتداءً من عام 1820م.
هذه هي العلمانية وهؤلاء دعاتها من العلمانيين, والتي يدعونا بعض الناس ومنهم من يدعي أنه مسلم على أن نقبل بالعلمانية كقاسم مشترك بين أبناء الوطن حتى لا يغضب ولا يحزن الكفار والمرتدون والمتفلتون ومنهم من يريد أن يلبس العلمانية لباساً إسلامياً ويدعي أن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام ويزدادون بسطة في الجهل والضلال والتضليل فيصفون من ينكر العلمانية بالجهل والتزمت والظلامية وهم أحق الخلق بالوصف بالظلام والظلامية, قال تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))[البقرة:257] فهم الذين خرجوا وراء إبليس وأعوانه من الإنس من الفطرة التي فطرهم الله عليها إلى ظلمات الطاغوت وظلمات الكفر وظلمات الضلال. وترى بعضهم من موقعه كشيخ متحرر أوموظف عند الطاغوت أو كدكتور سوربوني أو كمعارض بتمويل كفري يدعو إلى اللادينية العلمانية ويروج لها بين شباب الإسلام بل يدعو إلى مشاركتهم والعمل معهم، وردم الفوارق بيننا وبينهم !
ويصورن الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين -أي اللادينيين- الذين يريدونها كما قال يقولون نصرانية " دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"  هو خلاف ضمن حدود الصواب والخطأ والنفع والضرر. بل ربما يكونون مجتهدين مخطئين فلهم أجر. وإذا علمنا رواد العلمانية في بلادنا عرفنا ماهي العلمانية بشكل أدق فرواد العلمانية كما يحددهم محمد عمارة هم:
 [ الجنرال يعقوب   (نصراني ماسوني) ( 1745- 1801 )
يعقوب صروف    (نصراني ماسوني) ( 1852- 1927 )
فـارس نـمر       (نصراني ماسوني) ( 1856- 1951 )
شاهين مكاريوس    (نصراني ماسوني) ( 1853- 1910 )
شبلي شميل           (نصراني ماسوني) ( 1860- 1917 )
سلامة موسى        (نصراني ماسوني) ( 1888- 1958 )
لويس عوض        (نصراني ماسوني) ( 1914-1990 ) ] ([9]).

وهنا نسوق بعضاً من كلام أحد رموز العلمانيين لتعلم إلى أين يذهبون.
يقول سلامة موسى: [ وإذا كانت الرابطة الشرقية سخافة لأنها تقوم على أصل كاذب، فإن الرابطة الدينية وقاحة فإننا أبناء القرن العشرين أكبر من أن نعتمد على الدين جامعة تربطنا ونحن في حاجة إلى ثقافة حرة أبعد ما تكون عن الأديان، وحكومة ديموقراطية برلمانية كما هي في أوروبا وأن يعاقب كل من يحاول أن يجعلها مثل حكومة هارون الرشيد والمأمون، إنني كلما ازددت خبرة وتجربة وثقافة توضحت أمامي أغراضي.
يجب علينا أن نخرج من آسيا وأن نلتحق بأوروبا، فإني كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له وشعوري بأنه غريب عني وكلما زادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها  وتعلقي بها زاد شعوري بأنها مني وأنا منها، وهذا هو مذهبي الذي أعمل له طوال حياتي سراً وجهراً، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب  ]  ([10]).
ثم يهاجم اللغة العربية فيقول: [ إن اصطناع العامية لغة أدب. والكتابة بالحروف اللاتينية تضمنا إلى مجموعة الأمم المتمدنة وتكسبنا عقلية المتمدنين، فالمتعمق في اللغة الفصحى يشرب روح العرب ويعجب بأبطال بغداد فنظره متجه أبداً نحو الشرق وثقافته كلها عربية شرقية مع أننا في كثير من الأحيان نحتاج إلى الاتجاه نحو الغرب، والثقافة تفرز الذوق والنزعة وليس من مصلحة الأمة المصرية أن ينزع شبابها نحو الشرق، إن العربية تراث لغوي يحمل عقيدة اجتماعية يجب أن نحاربها، فالعربية ليست لغة الديموقراطية والأتومبيل والتلفزيون، بل لغة القرآن وتقاليد العرب   ] ([11]).
كيف يستسيغ هؤلاءالدعوة للاتفاق مع هؤلاء الكفرة إن من يرفض الخيار الإسلامي, ويصر على إبعاد الإسلام عن المجتمع والاقتصاد والسياسة والتعليم والحياة كلها, ويريدها نصرانية ( دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر ) ليس له في الإسلام نصيب. فالعلمانية هي -اللادينية-  أي هي رفض الدين كعقيدة شاملة للحياة, وإحلال الفلسفة الأوربية ومنهج أوروبا بدلاً عن الدين كعقيدة ومنهج للحياة.
إن العلمانية هي تأليه للبشر، تأليه للإنسان، تأليه للهوى, وإحلاله محل الله عز وجل. كيف يمكن الالتقاء مع هؤلاء ؟!!
وهم يطرحون الأمر وكأنه قضية خلافية بل هو أمر يسير وبسيط جداً عندهم هو: (فصل الدين عن الدولة), والتحاكم إلى القانون الوضعي بدلاً من الشريعة, وأن تكون السيادة للأمة والشعب وليست لله, وعزل السماء عن الأرض وإنهاء وصاية السماء على الإنسان وأن يقنن الإنسان لنفسه ما يراه وما يهواه... الخ. ويعتبرون هذا من الأمور الفرعية جداً والبسيطة الهينة، لأن الخلاف فيها مع الإسلاميين هو خلاف في الفروع, وضمن دائرة  الخطأ والصواب، وبالتالي ضمن دائرة الاجتهاد الذي لا يخلو صاحبه من أجر أو أجرين.
يقول محمد عمارة: [ وهؤلاء النفر من المشتغلين بالعمل والدراسات في الحقل الإسلامي يمعنون في افتعال بين أن تكون السلطة للأمة وبين أن يكون الحكم لله سبحانه وتعالى، وسبيلهم إلى ذلك الخلط بين أمور لا تقبل الاختلاط بل ويرتبون على مقدماتهم الفاسدة الحكم بكفر كل من جعل مصدر السلطة السياسية لغير الله... فهم هنا يضعون سلطة جماهير الأمة نقيضاً لسلطة الله ويحكمون بكفر من يحيا راضياً في مجتمع تكون الأمة فيه مصدر السلطات. ولقد نسي هؤلاء الباحثون الإسلاميون أن الحديث في الفكر الإسلامي عن حق الله إنما يعني حق المجتمع وأن القول بأن المال مال الله معناه أن المال مال الأمة والمجتمع ومن ثم فإن الحديث عن حكم الله وسلطانه إنما يعني في السياسة حكم الأمة وسلطانها   ] ([12]).
ولو رحنا ندرس قياس محمد عمارة في ركنه الأول وهو الأصل المقاس عليه, وركنه الثاني وهو الفرع المقاس, والركن الثالث وهو العلة الجامعة, ودراسة المناط تحقيقاً وتنقيحاً لوجدنا الفساد مكتنفاُ للأصل والفرع والعلة والمناط. فالركن الأول ليس أصلاً! فلا هو آية ولا حديث ولا إجماع. فعلى أي شيء يقيس؟! ولا توجد علة جامعة بين الركن الأول والثاني, وهذا القياس أشبه بقياس المشركين عندما قالوا: إن الميتة ذبحها الله ! فكيف تحلون ذبيحتكم وتحرمون ذبيحة الله؟ ونحن نجزم بأن قياس هؤلاء المشركين وقياس إبليس عندما قال (خلقتني من نار وخلقته من طين) كان أقل فساداً من قياس عمارة, ولو أردنا أن نطبق قياس عمارة على أمور أخرى لرأينا الأعاجيب, فعلى قياسه يصير المضاف لله مضافاً للأمة أي للناس, فمال الله مال الأمة, وحكم الله حكم الأمة. فإذا كان هذا الذي عرفناه حكم الله من قرآنه هو حكم الأمة فيعني هذا أن القرآن كلام الأمة, وخلق الله خلق الأمة, وعبد الله عبد الأمة. وإذا لم يكن هذا هو الكفر فلا أدري ما هو الكفر! نعوذ بالله من الخذلان, ومن كل كفر وشر.
وهنا أقول: إن مصيبتنا بالعلمانيين اللادينيين الواضحين أقل سوءاً وشراً من مصيبتنا بهذه النابتة التي تدعي الإسلام وتزعم أنها منا ثم تدعو إلى ما يدو إليه العلمانيون. وتصر وسائل إعلام الدول اللامنتمية والإعلام الرديف لها على التأكيد على هذا المسمى. فأولئك علمـانيون ويسمون أنفسهم علمانيـين, وهؤلاء أيضاً علمانيـون  -لادينيون كفار مرتدون- ولكنهم يسمون أنفسهم ( مفكرون إسلاميون, دعاة. إسلام وسطي, إسلام معتدل) وكأن هناك ألف إسلام. إنه إسلام واحد أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه القرآن. ولكنهم يريدون أن يحرفوا الدين عن بعض مواضعه, فيقولون إن أصل الدين لا يتدخل بالسياسة, وإن وضع القوانين من حق البشر, وليس للإسلام إلا حق الوعظ, والناس هم الذين يقننون لأنفسهم سياسياً, واقتصادياً, واجتماعياً, و.. و.. الخ.
وبهذا الصنيع فرغوا الإسلام من مضمونه واستبدلوا بالمضامين الإسلامية المضامين -اللادينية- وسموها بعد ذلك إسلامية زوراً وبهتاناً وإفكاً, فارتكبوا بذلك عدة جرائم:

جريمة الكذب على الله, ورسوله r, وعلى جماعة المسلمين.
- جريمة تزوير الدين.
- جريمة العلمانية اللادينية، التي تُقصِي الدين عن مسرح الحياة.
- جريمة تضليل الأمة
- جريمة خيانة الأمة, والعمالة لمعسكر إبليس, وغيرها من الجرائم المترتبة على ما سبق
ويشاركهم في كل هذا الإعلام الذي يُسَّوِقهم, ويروج بضاعتهم؛ بل زادوا ذلك فلسفة وتحذلقاً, وقاموا بما يسمى عملية الركل إلى الأعلى، فأحالوا الإسلام إلى لجنة مركزية عليا, دوره منحصر في إطار وضع الأطر العامة والوصايا والوعظ والإرشاد، وزعموا أن هذا من تعظيم الدين ورفعه عن مستوى السياسة، فأبعدوه عن التنفيذ والتقنين والحكم على جميع أفعال المكلفين, وعن كونه منهجاً عاماً وعملياً ودستور حياة لجميع البشر, وأحالوا الأشياء الهامة من التنفيذ والتقنين ووضع المنهج إلى البشر, وقالوا إن الإسلام أعلى من ذلك، فلئِن ظن هؤلاء أن مثل هذه الألاعيب تنطلي على المسلمين فإنما يخادعون أنفسهم.
قال الله تعالى: ) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُون % فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون % وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون % أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ % وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ %وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ % اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ % أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (([13]).



[1] - الموسوعة السياسية ( 4 / 179 - 180 ).

[2] - موسوعة المورد ( 9 / 17 ).

[3] - المصطلحات السياسية الشائعة , فهد عبد الله المالكي، ص / 151.

[4] - العلمانية - للدكتور سفر الحوالي, ص / 23 - 24.

[5] - معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام, ص / 26.

[6] - العلمانية والدولة الدينية - شبلي العيسمي, ص ص / 15.

[7] - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين , لأبي الحسن الندوي، ص/ 163.

[8] - المشكلة الأخلاقية والفلاسفة كرسون, ص / 67. وانظر العلمانية للدكتور سفر الحوالي، ص / 55.

[9] - المصدر السابق ص / 70.

[10] - سلامة موسى - اليوم والغد - والنص منقول عن كتاب محمد عمارة, ص / 90 - 91.

[11] - سلامة موسى - البلاغة العصرية واللغة العربية - نقلاً عن كتاب محمد عمارة, ص / 92- 93.

[12] - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية, ص/ 34.

[13]  - سورة البقرة: 9 - 16


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.