دراسات عسكرية(1)
الإعـــداد
رضوان محمود نموس
إن كل قطرة عرق تبذل في التدريب توفر قطرة بل قطرات من الدماء أثناء المعركة.
ومن يبخل بعرقه في السلم هو في دمه أبخل عند الحاجة إليه.
ومن يعتمد على الدعاء فما دعاء القاعدين بمستجاب.
ومن ينتظر التأييد والنصر من الملائكة فما تنزلت الملائكة على الكسالى والنيام والعصاة.
ومن يظن أنه يكفي أن يكون مع الحق حتى ينتصر فليراجع قصص الأنبياء وتاريخ الأقدمين ليعلم أن الله لا يحابي أحدا.
ومن ينتظر النصر من الغرب فنقول له:
ما هكذا يا صاحب السمو ** لا يهزم العدو بالعدو
قال تعالى في محكم التنزيل : (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ))[الأنفال:60] فأمر جل وعلا بالإعداد والظهور بمظهر القوة لإرهاب العدو ومن وراءه والأخذ بأسباب المنعة وهو ما يسمى في اللغة العسكرية المعاصرة ( إستراتيجية الردع )ولتكون الأمة عزيزة الجانب، قوية الشوكة لا يروم حماها معتد ولا يطمع بها طامع ولا يذلها طاغية ولا يستعبدها فرعون ولا يعبث بها نمرود ولا يسخرها ظالم.
ومن يرد الحياة كريمة والشرف مصاناً والعرض محمياً والرأس مرفوعاً لا يسجد إلا لله، وشرع الله محكم في أرضه فلن يحصل على هذا بالتسلي والتمني وأحلام اليقظة بل لا بد له من اتخاذ الأسباب المؤدية لذلك ولتلك النتائج بإذن الله وفي مقدمتها الإعداد بكل ما تعني كلمة الإعداد بدءاً من الإعداد العقائدي والفكري إلى آخر مرتبة من مراتبه، مروراً بقمته الشاهقة وهي إعداد القوة لمواجهة الذين لا يفهمون إلا لغة القوة ولردع عربدة الطغيان وسفور الباطل، وإعادة الأمور إلى نصابها في تحقيق الألوهية والعبودية لله وحده.
وهذا هو الطريق الوحيد الذي لا بد منه والذي أمرنا باتباعه وكان سلوكه عباده لله لأن فيه تنفيذاً لأوامر الباري عز وجل بآية الإعداد السابقة.
وأما الذين يسيرون في كل الطرق الملتوية، ويتجنبون سلوك هذا الطريق فيشكلون من حيث يعملون أولا يعلمون رديفاً وسنداً لفرعون وهامان ويساهمون بإرادتهم على إشاعة الفساد والظلم في الأرض ولقد وصفهم الله تعالى بقوله (( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ))[التوبة:46].
ومواجهة الكفر بالقوة هي طبيعة دعوة الإسلام والتخلي عنها من طبائع الاستسلام فروى ابن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالفني ) ([1]).
ولقد ركزت السنة المطهرة على قضية الإعداد والتدريب العسكري تركيزاً بيناً.
فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:
( مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً ارموا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لكم لا ترمون قالوا كيف نرمي وأنت معهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ارموا فأنا معكم كلكم([2]).
وعن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي([3]).
وعنه أيضاً قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه([4]).
وعنه أيضاً قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي وَمُنَبِّله وارموا واركبوا وإن ترمها أحب إلي من أن تركبوا ليس من لهو إلا ثلاث تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنه نعمة تركها أو قال كفرها([5]).
ولقد أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكِم الرمي([6]).
وها أنا أقدم جهداً متواضعاً على طريق الإعداد فإن أصبت فبتوفيق من الله عز وجل وإن أخطأت فمن نفسي وأسأل المولى تبارك وتعالى أن يسدد خطانا ويلهمنا سبيل الرشاد إنه وحده القادر على كل شيء.
0 التعليقات:
إرسال تعليق