الأجوبة الشرعية على الأسئلة الشامية (36)
عن أولاد المرتدين والزنادقة
رضوان محمود نموس
يقول السائل: السلام عليكم شيخنا رضوان.
لدي سؤال عن حكم النصيرية:
تحاورت مع شخص يقول بأن النصيرية كفار أصليون وليسوا مرتدين لأنهم اليوم لا يعلنون انتسابهم للإسلام ومختلفين عن الأجداد, وأنهم لم يدخلوا الإسلام حتى نقول عنهم مرتدين.
فمثلا إذا تحول شخص من النصارى إلى النصيرية فهل يكون مرتدا؟
أو إذا قال إنني مسلم نصيري؟
بالإضافة أنه يعتبر أننا نقلد الفقهاء تقليدًا أعمى في النصيرية!!! وغير ذلك الكثير من الكلام غير المنضبط شرعا...
ولكن ما يهمني الآن هو أن النصيرية عقيدتهم كفر بواح وإلحاد, ولا تمت للإسلام بصلة, فكيف نقول أنهم دخلوا الإسلام ثم ارتدوا؟ والنصيرية اليوم لا يقولون بأنهم مسلمون وخاصة المقاتلين منهم.. إذًا هل نعاملهم معاملة كفار أصليين مثل الوثنينن أم نعاملهم مثل الزنادقة؟
المشكلة أن كلام هذا الشخص كان أمام عدد لا بأس به من الشباب ...
أفدنا بارك الله فيك..
عفوا شيخنا اسمح لي أن أضيف للسؤال السابق بأن الشخص يقول أن ذرية المرتدين وأبناءهم هم كفار أصليون بحسب أقوال الفقهاء ومنهم قول لأحمد وعندما حاولت إقناعه بأن الفقهاء يقصدون الذرية الذين لم يبلغوا قال: "ذرية من حملنا مع نوح" وهي تشمل كل من جاء بعده ...
بارك الله فيك.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
أما السؤال الثالث والرابع:
3- هل نعاملهم معاملة كفار أصليين مثل الوثنينن أم نعاملهم مثل الزنادقة؟.
4- ما هو حكم أولاد المرتدين؟.
الجواب عن السؤال الثالث: لقد مر جواب هذا السؤال في الفتاوى السابقة بما لا يدع مجالاً للإعادة والتكرار ومختصره: أننا نعاملهم معاملة الزنادقة الباطنيين لأن حالهم هكذا بنقل علماء الإسلام وبأقوالهم.
الجواب الرابع حكم أولاد المرتدين والزنادقة؟.
قال الماوردي: [ (فَصْلٌ) فَأَمَّا ذُرِّيَّةُ الْمُرْتَدِّ: وَهُمْ صِغَارُ أَوْلادِهِ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، فَهُمْ عَلَى حُكْمِ الإِسْلامِ الْجَارِي عَلَيْهِمْ بِإِسْلامِ آبَائِهِمْ، وَلا يَزُولُ عَنْهُمْ بِرِدَّةِ آبَائِهِمْ، لأَنَّ رِدَّةَ آبَائِهِمْ جِنَايَةٌ مِنْهُمْ فَاخْتَصُّوا بِهَا دُونَهُمْ، لأَنَّهُ لا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِمَعْصِيَةِ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا تَعَدَّى إِلَيْهِمْ إِسْلامُ آبَائِهِمْ فَصَارُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلامِهِمْ فَهَلا تَعَدَّى إِلَيْهِمْ رِدَّةُ آبَائِهِمْ فَصَارُوا مُرْتَدِّينَ بِرِدَّتِهِمْ؟
قِيلَ: لأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: (الإِسْلامُ يَعْلُو وَلا يُعْلَى) فَجَازَ أَنْ يَرْفَعَ الإِسْلامُ مِنْ حُكْمِ الْكُفْرِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْفَعَ الْكُفْرُ مِنْ حُكْمِ الإِسْلامِ، وَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُ الأَبَوَيْنِ مُسْلِمًا وَالآخَرُ كَافِرًا كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا وَلَمْ يَكُنْ كَافِرًا، تَغْلِيبًا لِلإِسْلامِ عَلَى الْكُفْرِ.
فَإِذَا ثَبَتَ إِسْلامُ أَوْلادِهِمْ فَلا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَلا اسْتِرْقَاقُهُمْ، وَتَجِبُ نَفَقَاتُهُمْ فِي أَمْوَالِ آبَائِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ، لأَنَّ النَّفَقَةَ لا تَخْتَلِفُ بِالإِسْلامِ وَالْكُفْرِ
(مسألة) قال الشافعي رضي الله عنه: ( وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ إِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا بَلَغَ أَوْلادُ المرتدين بعد الحكم بإسلامهم فلهم حالتان:
أحدهما: أَنْ يَقُومُوا بِعِبَادَاتِ الإِسْلامِ مِنَ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَسَائِرِ حُقُوقِهِ، فَيُحْكَمُ لَهُمْ بِالإِسْلامِ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَلا يُكَلِّفُونَ التَّوْبَةَ، لأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ حُكْمُ الرِّدَّةِ، وَلا خَرَجُوا فيما بعده من حكم الإسلام.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمْتَنِعُوا بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ عِبَادَاتِ الإِسْلامِ، فَيُسْأَلُوا عَنِ امْتِنَاعِهِمْ، فَإِنِ اعْتَرَفُوا بِالإِسْلامِ وَامْتَنَعُوا مِنْ فِعْلِ عِبَادَاتِهِ كَانُوا عَلَى إِسْلامِهِمْ وَأَخَذُوا بِمَا تَرَكُوهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ بِمَا يُؤْخَذُ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ تَرَكُوا الصَّلاةَ قُتِلُوا بِهَا، وَإِنْ تَرَكُوا الزَّكَاةَ أُخِذَتْ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوا الصِّيَامَ أُدِّبُوا وَحُبِسُوا.
وَإِنْ أَنْكَرُوا الإِسْلامَ وَجَحَدُوهُ: صَارُوا حِينَئِذٍ مُرْتَدِّينَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَيُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلا قَتَلُوا بِالرِّدَّةِ كَآبَائِهِمْ.... وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُمْ مُرْتَدِّينَ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الإِسْلامِ بِأَنْفُسِهِمْ وَلا بِغَيْرِهِمْ، فَفِيهَا قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ - إنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الرِّدَّةِ، إِلْحَاقًا بِآبَائِهِمْ فَلا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَلا اسْتِرْقَاقُهُمْ كَآبَائِهِمْ.
لَكِنْ لا يُقْتَلُونَ إِلا بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَامْتِنَاعِهِمْ مِنَ التَّوْبَةِ.
فَإِنْ مَاتُوا قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُورَثُوا، وَكَانَ مَالُهُمْ فَيْئًا. ]([1]).
وجاء في الموسوعة الكويتية[ أَمَّا ذُرِّيَّةُ الْمُرْتَدِّ فَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ رِدَّةِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، لأَِنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَيَجُوزُ سِبَاؤُهُ حِينَئِذٍ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَل أَنْ لاَ يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لأَِنَّ آبَاءَهُمْ لاَ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ لاَ يُقِرُّونَ بِدَفْعِ الْجِزْيَةِ فَلاَ يُقِرُّونَ بِالاِسْتِرْقَاقِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُسْبَى مَنْ وُلِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَحِقَ أَبَوَاهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ مَعَهُمَا، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قُتِل الْمُرْتَدُّ بَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا سَوَاءٌ وُلِدَ قَبْل الرِّدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا. ([2])]([3]).
وقال الغزالي :[وَمهما بلغ صبيانهم عرضنَا الإِسْلام عَلَيْهِم فَأن قبلو قبل إسْلامهمْ وَردت السيوف عَن رقابهم إِلَى قربهَا وَأَن أصروا على كفرهم متبعين فِيهِ آبَاءَهُم مددنا سيوف الْحق إِلَى رقابهم وسلكنا بهم مَسْلَك الْمُرْتَدين ..... فإذا قيل ولماذا حكمتم بإلحاقهم بالمرتدين وَالْمُرْتَدّ من الْتزم بِالدّينِ الْحق وتطوقه ثمَّ نزع عَنهُ مُرْتَدا ومنكرا لَهُ وَهَؤُلاء لم يلزموا الْحق قطّ بل وَقع نشوؤهم على هَذَا المعتقد فَهَلا ألحقتموهم بالكافر الأصلي قُلْنَا مَا ذَكرْنَاهُ وَاضح فِي الَّذين انتحلوا أديانهم وتحولوا إليها معتقدين لَهَا بعد اعْتِقَاد نقيضها أَو بعد الانفكاك عَنْهَا وَأما الَّذين نشئوا على هَذَا المعتقد سَمَاعا من آبَائِهِم فهم أَوْلاد الْمُرْتَدين لأَن آبَاءَهُم وآباء آبَائِهِم لابد أَن يفْرض فِي حَقهم تنْحَل هَذَا الدّين بعد الانفكاك عَنهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُعْتَقدًا يسْتَند إِلَى نَبِي وَكتاب منزل كاعتقاد الْيَهُود وَالنَّصَارَى بل هِيَ الْبدع المحدثة من جِهَة طوائف من الملحدة والزنادقة فِي هَذِه الأعصار الْقَرِيبَة المتراخية وَحكم الزنديق أَيْضا حكم الْمُرْتَد لا يُفَارِقهُ فِي شَيْء أصلا وإنما يبْقى النّظر فِي أَوْلاد الْمُرْتَدين وَقد قيل فيهم إِنَّهُم أَتبَاع فِي الرِّدَّة كأولاد الْكفَّار من أهل الْحَرْب وَأهل الذِّمَّة وعَلى هَذَا فَإن بلغ طُولِبَ بِالإِسْلامِ وَإِلا قتل وَلم يرض مِنْهُ بالجزية وَلا الرّقّ وَقيل إِنَّهُم كالكفار الأصليين إِذْ ولدُوا على الْكفْر فَإِذا بلغُوا وآثروا الاسْتِمْرَار على كفر آبَائِهِم جَازَ تقريرهم بالجزية وَضرب الرّقّ عَلَيْهِم وَقيل إِنَّه يحكم بِإِسْلامِهِمْ لأَن الْمُرْتَد مؤاخذ بعلائق الإِسْلام فَإِذا بلغ ساكتا فَحكم الإِسْلام يستمر إلى أَن يعرض عَلَيْهِ الإِسْلام فَأن نطق بِهِ فَذَاك وَأَن أظهر كفر أَبَوَيْهِ عِنْد ذَلِك حكمنَا بردته فِي الْحَال وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار عندنَا فِي صبيان الباطنية فَإِن علقَة من علائق الإِسْلام كَافِيَة للْحكم بِإِسْلام الصّبيان وعلقة الإِسْلام بَاقِيَة على كل مُرْتَد فَإِنَّهُ مؤاخذ بِأَحْكَام الإِسْلام فِي حَال ردته وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه
فَيحكم بِإِسْلام هَؤُلاءِ ثمَّ إِذا بلغُوا كشف لَهُم عَن وَجه الْحق ونهوا عَن فضائح مَذْهَب الباطنية .... فإن أبى إِلا دين آبَائِهِ فَعِنْدَ ذَلِك يحكم بردته من وقته ويسلك بِهِ مَسْلَك الْمُرْتَدين]([4]).
وقال إمام الحرمين الجويني:[فصل قال: " ولا يُسبى للمرتدين ذرية ... إلى آخره.
مضمون هذا الفصل الكلام في أولاد المرتدين. فنقول أولاً: إذا التحق المرتدون رجالاً أو نساء بدار الحرب، لم نثبت لهم حكمَ أهل الحرب بوجه، ومهما ظفرنا بهم ولم يُسلموا، ضربنا رقابهم، ولا نسترقهم، ولا نسبي النساء منهم.
فأما أولادهم، فالولد الذي حصل العلوق به في الإسلام، فالردة الطارئة لا تغير حكمه، سواء فرض ارتداد الأبوين بعد الانفصال، أو قدر ذلك والجنين مجتن، فحكم الإسلام لا يزول؛ إذ الإسلام يستتبع الولد لقوته وسلطانه، والردة لا تستتبع المولود.
ولو حصل العلوق بالولد في حالة الردة - وذلك بأن تعلق مرتدة من مرتد، فحاصل ما ذكره الأصحاب ثلاثة أقوال: أحدها - أن للولد حكم الردة، نظراً إلى الأبوين، والقول الثاني - أن الولد في حكم الكافر الأصلي، فإنه لم يباشر الردة ولا الإسلام، وأبواه ليسا مسلمين. والثالث - أن حكمه حكم الإسلام لما في أبويه من عُلقة الإسلام، ولذلك يجبران على العَوْد إلى الإسلام، وما أتلفه المرتد في حالة الردة، فهو مطالب به، والصلوات التي تمر عليه مواقيتُها- مقضيةٌ، وكل ذلك من آثار علائق الإسلام، والمغلّب في المولود حكم الأصل.
فإن قلنا: أولاد المرتدين بمثابتهم، لهم حكم الردة؛ فلا يُسبَوْن كما لا يسبى آباؤهم، وإن حكمنا لهم بالإسلام، فلا شك أنهم لا يُسبَوْن، وإن قلنا: هم بمثابة الكفار الأصليين، فلا يمتنع أن يُسبَوْا ويُسترقوا، أو تقبل منهم الجزية إذا بلغوا، وأحكامهم أحكام الكفار الأصليين في كل معنى، ولا فرق عندنا بين أولاد المرتدين وبين أولاد أولادهم]([5]).
وقال الإمام النووي: [فَصْلٌ أَمَّا وَلَدُ الْمُرْتَدِّ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلا، أَوِ انْعَقَدَ قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَمُسْلِمٌ، حَتَّى لَوِ ارْتَدَّتْ حَامِلٌ، لَمْ يُحْكَمْ بِرِدَّةِ الْوَلَدِ، فَإِنْ بَلَغَ وَأَعْرَبَ بِالْكُفْرِ، كَانَ مُرْتَدًّا بِنَفْسِهِ، وَإِنْ حَدَثَ الْوَلَدُ بَعْدَ الرِّدَّةِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا، فَهُوَ مُسْلِمٌ بِلا خِلافٍ، وَإِنْ كَانَا مُرْتَدَّيْنِ، فَهَلْ هُوَ مُسْلِمٌ، أَمْ مُرْتَدٌّ، أَمْ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ؟ فِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ، أَظْهَرُهَا: مُسْلِمٍ.
قُلْتُ: كَذَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيُّ، فَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَبِهِ قَطَعَ جَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ، نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ «الْمُجَرَّدِ» أَنَّهُ لا خِلافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي أَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ أَمْ مُرْتَدٌّ، وَالأَظْهَرُ: مُرْتَدٌّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
... وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنِ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ عَقْدُ جِزْيَةٍ لَهُ; لأَنَّهُ لَيْسَ كِتَابِيًّا، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُرْتَدٌّ، لَمْ يُسْتَرَقَّ بِحَالٍ، وَلا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُسْتَتَابَ، فَإِنْ أَصَرَّ، قُتِلَ، وَأَوْلادُهُ أَوْلادُ الْمُرْتَدِّينَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ أَوْلادِ الْمُرْتَدِّينَ]([6]).
وقال ابن قدامة: [مَسْأَلَةٌ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ، وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمَا وَلا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلادِهِمَا مِمَّنْ كَانُوا قَبْلَ الرِّدَّةِ رِقٌّ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرِّقَّ لا يَجْرِي عَلَى الْمُرْتَدِّ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلا أَوْ امْرَأَةً، وَسَوَاءٌ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَقَامَ بِدَارِ الإِسْلامِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا لَحِقَتْ الْمُرْتَدَّةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، جَازَ اسْتِرْقَاقُهَا؛ لأَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَبَى بَنِي حَنِيفَةَ، وَاسْتَرَقَّ نِسَاءَهُمْ، وَأُمُّ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِهِمْ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، وَلأَنَّهُ لا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى كُفْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ كَالرَّجُلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الَّذِينَ سَبَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ كَانُوا أَسْلَمُوا، وَلا ثَبَتَ لَهُمْ حُكْمُ الرِّدَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْبَى. قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. فَأَمَّا أَوْلادُ الْمُرْتَدِّينَ فَإِنْ كَانُوا وُلِدُوا قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَإِنَّهُمْ مَحْكُومٌ بِإِسْلامِهِمْ تَبَعًا لآبَائِهِمْ، وَلا يَتْبَعُونَهُمْ فِي الرِّدَّةِ؛ لأَنَّ الإِسْلامَ يَعْلُو، وَقَدْ تَبِعُوهُمْ فِيهِ، فَلا يَتْبَعُونَهُمْ فِي الْكُفْرِ، فَلا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ صِغَارًا؛ لأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَلا كِبَارًا؛ لأَنَّهُمْ إنْ ثَبَتُوا عَلَى إسْلامِهِمْ بَعْدَ كُفْرِهِمْ فَهُمْ مُسْلِمُونَ، وَإِنْ كَفَرُوا فَهُمْ مُرْتَدُّونَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ فِي الاسْتِتَابَةِ، وَتَحْرِيمِ الاسْتِرْقَاقِ.
وَأَمَّا مَنْ حَدَثَ بَعْدَ الرِّدَّةِ، فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، لأَنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لأَنَّ آبَاءَهُمْ لا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ، وَلأَنَّهُمْ لا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، فَلا يُقَرُّونَ بِالاسْتِرْقَاقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وُلِدُوا فِي دَارِ الإِسْلامِ، لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمْ، وَإِنْ وُلِدُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ، جَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَوْلادِهِمَا الَّذِينَ وَصَفْتُ مِنْ الإِسْلامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، اُسْتُتِيبَ ثَلاثًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) . قَوْلُهُ: الَّذِينَ وَصَفْتُ. يَعْنِي الَّذِينَ وُلِدُوا قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَإِنَّهُمْ مَحْكُومٌ بِإِسْلامِهِمْ، فَلا يُسْتَرَقُّونَ. وَمَتَى قَدَرَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، أَوْ عَلَى أَوْلادِهِمَا، اُسْتُتِيبَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَمَنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ انْتَظَرْنَا بُلُوغَهُ، ثُمَّ اسْتَتَبْنَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى لا يَهْرُبَ]([7]).
وقال ابن تيمية:[الْحَمْدُ لِلَّهِ، هَؤُلاءِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الإِسْلامِ؛ فَإِنَّ الْنُصَيْرِيَّة مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا بِدُونِ اتِّبَاعِهِمْ لِمِثْلِ هَذَا الدَّجَّالِ فَكَيْفَ إذَا اتَّبَعُوا مِثْلَ هَذَا الدَّجَّالِ. وَهُمْ مُرْتَدُّونَ مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ رِدَّةً: تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتَغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ. وَسَبْيُ الذَّرِّيَّةِ فِيهِ نِزَاعٌ؛ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تُسْبَى الصِّغَارُ مِنْ أَوْلادِ الْمُرْتَدِّينَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سِيرَةُ الصِّدِّيقِ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ. وَكَذَلِكَ قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِرْقَاقِ الْمُرْتَدِّةِ: فَطَائِفَةٌ تَقُولُ: إنَّهَا تُسْتَرَقُّ]([8])
وموجز القول بأبناء المرتدين أو الزنادقة أنهم قبل سن البلوغ سواء كانوا على إسلام أو على ردة وزندقة إلحاقاً بآبائهم فهم غير مكلفين والقضية عند البلوغ فإن أعلنوا إسلامهم وتصرفوا تصرف المسلمين فهم مسلمون وإن تبعوا آباءهم على ردتهم أو زندقتهم فهم مرتدون أو زنادقة وتجري عليهم أحكام الردة أو الزندقة. وأبناء الأبناء كذلك حكمهم قبل البلوغ يكون تبعاً للآباء عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} [الروم: 30]([9]).
وبعد البلوغ إما أن يستمروا على ما عليه آباءهم أو يعودوا للإسلام.
وأولاد النصيريين وأولاد وأولادهم ...الخ قبل البلوغ لهم حكم آباءهم من الزندقة وتجري عليهم أحكام الزندقة كما نجري على أولاد أهل الكتاب حكم أهل الكتاب وأولاد الكفار الأصليين حكم الكفار الأصليين لا فرق.
والبالغون منهم أو من يبلغ إن بقوا على ما عليه آباءهم فهم زنادقة ولا خلاف في ذلك.
[2] - ابن عابدين 3 / 306، والبدائع 7 / 139 - 140، والخرشي 8 / 66، والمغني 8 / 137، والأحكام السلطانية للماوردي / 56.
[3] - الموسوعة الفقهية الكويتية (24/ 156)
[4] - فضائح الباطنية (ص: 157)
[5] - نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني (17/ 174)
[8] - مجموع الفتاوى (28/ 553)
[9] - متفق عليه صحيح البخاري (2/ 95) 1359 وصحيح مسلم (4/ 2047) 22 - (2658)
4 التعليقات:
السلام عليكم
جزاك الله خيرا وبارك فيك ونفعنا بعلمك
هل معنى كلامك -أن ابن الزنديق يعامل كزنديق- فهل يجوز قتله كأبيه وأمه؟
مع أنك في اسئلة سابقة رجحت عدم جواز قتل الاطفال
بارك الله فيك ياشيخنا مرة أخرى ... نحن نثقل عليك بكثرة الاسئلة فارجو أن يتسع صدرك لنا
هناك قول مرئي للشيخ بن عثيمين وهذا نص القول:
"أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه، فأنكر قتل النساء والصبيان. متفق عليه.قال الشيخ رحمه الله:[ عن ابن عمر
ففي هذا الحديث، دليل على فوائد: الأول ........
الثاني تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب .
فإن قيل لو فعلوا ذلك بنا بأن قتلوا صبياننا ونساءنا فهل نقتلهم ؟ الظاهر أنه لنا أن نقتل النساء والصبيان ولو فاتت علينا المالية لما في ذلك من كسر لقلوب الأعداء وإهانتهم ولعموم قوله تعالى : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " وتفويت المال على المسلمين ليس بشيء غريب ولهذا يحرق رحل الغال مع أن فيه تفويت مال على أحد الغزاة .
فإن قال قائل لو هتكوا أعراض نساءنا فهل نهتك أعراض نسائهم ؟ لا ، هذا لا نفعله لماذا ؟ لأن هذا محرم بنوع ولا يمكن أن نفعله لأنه ليس محرم لاحترام حق الغير ولكنه محرم بالنوع فلا يجوز أن نهتك أعراض نسائهم ولكن إذا حصلت القسمة ووقعت المرأة منهم سبياً صارت ملك يمين يطؤها الإنسان يملك يمين حلالا ولا شيء فيه " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " هم قتلوا نساءنا نقتل نساءهم ، هذا هو العدل ليس العدل أن نقول إذا قتلوا نساءنا ما نقتل نساءهم لأن هذا يؤثر عليهم تأثيراً عظيماً .
"انتهى
وهناك عدد من المجاهدين المعاصرين افتوا بجواز المعاملة بالمثل حتى تنكسر شوكتهم
ولكن الموضوع صعب وشائك ولم استطع الوصول للشيء الصحيح فما هو ترجيحك ياشيخ
السلام عليكم ورحمة الله الأطفال لا يقتلون بكل حال فهم إما سبي فهم مال للمسلمين إذا كانوا ممن يسبون وأما أولاد الزنادقة فيصبر عليهم ليبلغواويعرض عليهم الإسلام فإن قبلوا فهذا مانريد وإن أعرضوا ولم يقبلوا يقتلون وأما النساء فما قاله ابن عثيمين رحمه الله في نساء كافرات أصلاً وهنا علة القتل المُقَاتَلة فالمرأة لم تقاتل حتى نقتلها وإن قاتلت كما هو في جيوش الكفر الآن نقتلها أم في حال الزنادقة والردة فقتلها "حد" فمن بدل دينه فاقتلوه يشمل المرأة والرجل وعلى هذا الجمهور ولم يشذ إلا بعض الأحناف وهم محجوجون بالحديث وبقول أبي بكر الصديق أرأيت لو أن المرأة قتلت رجلاً أو امرأة أليس عليها القصاص ؟ الجواب نعم عليها ولم يخالف أحد لأنه هنا "حد" وكذلك قتل الزنديقة أو المرتدة "حد" أما الطفل فهو غير مكلف فلا يدخل في هذا والمباح في قتل الأطفال إذا تترس بهم أهلهم أو عند البيات أو رمي بالمنجنيق إي بالتبع ولا يقتل الطفل مباشرة والله أعلم.
السلام عليكم المعاملة بالمثل ليست على إطلاقها هل إذا اعتدوا على النساء وفجروا بهن نفجر بنسائهم ؟؟ لم يقل بهذا أحد من السابقين واللاحقين هل إذا فجر أحد ببهيمة لك تفجر ببهيمة له؟!! هل إذا ارتكبوا المحرمات في تعاملهم معنا نرتكب المحرمات ؟؟!! لا ولكن نعاقب بمثل ما عوقبنا بما هو حل لنا فنحن خاضعون لشريعة الله وهم خاضعون للشيطان فهل نتساوى بالأفعال؟!. لا.
إرسال تعليق