موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأربعاء، 11 يوليو 2012

الجماعة 17


الجماعة 17
رضوان محمود نموس
قانون إبليس:
لقد عمل إبليس جاهداً للتوصل إلى قانون يحرّف فيه كلام الله ويبدّله عن مواضعه، ولقد حذرنا الله هذا الكيد وهذا التحريف والتبديل. قال تعالى:{ فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذي ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون }([1]) وقال تعالى:{ فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون }([2]) وقال تعالى:{ يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلك قال الله من قبل }([3]) وقال تعالى:{ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه يقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}([4]) وقال تعالى:{ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه }([5]) وقال تعالى:{ يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تأتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا }([6]) وقال تعالى:{ أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون }([7]).
ولكن الواقع يشير أن إبليس نجح في مساعيه وتمكن من إغواء البشر، ووضعوا قانونا كما يريد لتحريف كلام الله عن مواضعه هذا القانون اشترك في وضعه رجال كثير ومرّ بمراحل عديدة حتى أخذ شكله الذي عليه الآن، وسنحاول إلقاء نظرة عابرة على المراحل التي مر بها القانون.
حسب استطلاعنا فإن أول من حاول وضع هذا القانون هو ابن سينا الذي قال في كتابه، " رسالة أضحويه في أمر المعاد " [ أمّا ما أمر به الشرع فينبغي أن يعلم فيه قانون واحد، وهو أن الشرع والملل الآتية على لسان نبي من الأنبياء يراد فيها خطاب الجمهور كافة.
ثم من المعلوم الواضح أن التحقيق الذي ينبغي أن يرجع إليه في صحة التوحيد من الإقرار بالصانع موحدا مقدسا عن الكم والكيف والأين والمتى والوضع والتغيير حتى لا يصير الاعتقاد به أنه ذات واحدة لا يمكن أن يكون لها شريك في النوع أو يكون لها جزء وجودي كمّي أو معنوي ولا يمكن أن تكون خارجة عن العالم ولا داخله ولا بحيث تصح الإشارة إليه أنها هناك ممتنع إلقاؤه إلى الجمهور ولو ألقى هذا على هذه الصورة إلى العاربة أو العبرانيين والأجلاف لتسارعوا إلى العناد واتفقوا على أن الإيمان المدعو إليه إيمانٌ معدوم أصلا ولهذا ورد التوحيد تشبيها كله ثم لم يرد في القرآن من الإشارة إلى هذا الأمر الأهم شيء ولا أتى بصريح ما يحتاج إليه من التوحيد ببيان مفصل بل أتى بعضه على سبيل التشبيه في الظاهر وبعضه تنزيها مطلقا عاما جدا لا تخصيص ولا تفسير له.
وأما أخبار التشبيه فأكثر من أن تحصى ولكن القوم لا يقبلونها وإذا كان الأمر في التوحيد هكذا فكيف فيما هو بعده من الأمور الاعتقادية، ولبعض الناس أن يقولوا إن للعرب توسعا في الكلام ومجازا وأن ألفاظ التشبيه مثل اليد والوجه والإتيان في ظل الغمام والمجيء والذهاب والضحك والحياة والغضب صحيحة ولكن نحو الاستعمال وجهة العبارة يدل على استعمالها استعارة ومجازا ويدل على استعمالها غير مجاز ولا مستعارة بل محققة... ثم هب أن هذا كله مأخوذ عن الاستعارة فأين النصوص المشيرة إلى التصريح بالتوحيد المحض وأين الإشارة إلى الدقيق من المعاني المستندة إلى علم التوحيد، مثل أنه عالم بالذات أو عالم بعلم، فظاهر من هذا كله أن الشرائع واردة لخطاب الجمهور بما يفهمون مقربا ما لا يفهمون إلى أفهامهم بالتشبيه والتمثيل، ولو كان غير ذلك لما أغنت الشرائع البتة وكيف يكون ظاهر الشرع حجة في هذا الباب ولو فرضنا الأمور الأخروية روحانية غير مجسمة بعيدة عن إدراك بداية الأذهان لحقيقتها لم يكن سبيل الشرائع في الدعوة إليها والتحذير عنها مبهما بالدلالة عليها بل بالتعبير عنها بوجوده من التمثيلات المقربة إلى الأفهام، فهذا كله هو الكلام على تعريف من طلب أن خاصا من الناس لا عاما وأن ظاهر الشرائع غير محتج به في مثل هذه الأبواب ]([8]).
ومؤدى هذا الكلام أن الأنبياء قرّروا الشرائع بقدر أفهام العوام وخاطبوهم على قدر عقولهم وشبهوا ومثلوا لهم، وبالتالي فكلام الشارع أي القرآن والسنة ليس هو حقيقة التوحيد والشرع بل الحقيقة شيء آخر يفهمه الفلاسفة ولكن الأنبياء قالوا هذا الكلام ليناسب عقول العوام وجاء التطوير الأول لقانون إبليس الذي وضعه إبليس أولا على لسان بن سينا، جاء هذا التطوير على لسان الفيلسوف ابن رشد ليجعله أكثر قبولا فقال:[ إن الشريعة قسمان ظاهر ومأوّل وإن الظاهر منها هو فرض الجمهور وإن المأوّل هو فرض العلماء وأما الجمهور ففرضهم فيه حمله على ظاهره وترك تأويله وإنه لا يحل للعلماء أن يفصحوا بتأويله للجمهور ]([9]).
ثم وضع القانون بشكله الصريح عنده فقال في كتابه:" فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال "[ فإن أدّى النظر البرهاني إلى نحو مّا من المعرفة بوجود ما فلا يخلو ذلك الموجود أن يكون قد سكت عنه في الشرع أو عرف به وإن كانت الشريعة نطقت به، فلا يخلو ظاهر النطق أن يكون موافقا لما أدى إليه البرهان أو مخالفا فإن كان موافقا فلا قول هناك، وإن كان مخالفا طلب هناك تأويل، ونحن نقطع أن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي]([10]).



[1] - سورة البقرة   59.
[2] - سورة الأعراف   162.
[3] - سورة الفتح    15.
[4] - سورة النساء   46.
[5] - سورة المائدة   13.
[6] - سورة المائدة   41.
[7] - سورة البقرة   75.
[8] - رسالة أضحويه في أمر المعاد لابن سينا. تحقيق سليمان دنيا، ص  44 - 51.
[9] - مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد. تحقيق د. محمد قاسم، ص  132 - 133.
[10] - فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال   ص 15 - 16.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.