أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (73)
من ضلالات محمد عبده
رضوان محمود نموس
نتكلم
في هذه الحلقة عن محاولة محمد عمارة تحديد الأسوة والقدوة والرواد للصحوة
الإسلامية بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة
النسيان والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام
بالباطل, والرائد الرابع من الناحية التاريخية وهو الثاني والأهم من ناحية التأثير
هو محمد عبده. عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين
هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.]
حسب ما نشر
موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
المبحث
السادس عشر اتهام محمد عبده بالإلحاد وشهادة معاصريه فيه:
نتيجة لآراء محمد عبده السالفة الذكر
ولعمالته للإنجليز اتهمه عدد كبير من علماء عصره بالإلحاد, ويصور لنا أحد المعجبين
به وهو محمد حسين هيكل هذه الحالة فيقول: [ ولقد قام بعض علماء المسلمين في ظروف
مختلفة فحاولوا إدحاض مزاعم أولئك المتعصبين من أبناء الغرب واسم الشيخ محمد عبده
هو أنصع الأسماء في هذا الصدد لكنهم لم يسلكوا الطريقة العلمية التي زعم أولئك
الكتاب والمؤرخون الأوربيون أنهم يسلكونها لتكون لحجتهم قوتها في وجه خصومهم. ثم
إن هؤلاء العلماء المسلمين, والشيخ محمد عبده في مقدمتهم قد اتهموا بالإلحاد
والكفر والزندقة, فأضعف ذلك من حجتهم ]([1]).
وقال الأستاذ المراغي شيخ الأزهر في
خطبة ألقاها بمناسبة الاحتفال بذكرى الشيخ محمد عبده في 11 / يونيه / 1941م,
مدافعاً عن ما وصف به محمد عبده من إلحاد, فقال مستشهداً بكلام أبي حامد الغزالي:
[ أستصغر كل من بالكفر لا يعرف وبالضلال لا يوصف ].
ويعلق الشيخ مصطفي صبري على هذه
الحادثة فيقول: [ وكان هذا القول من الشيخ بعد كلام عن الاتهام المعروف الموجه نحو
الشيخ المحتفل بذكراه. لكن صيغة القول المذكور,كائناً من كان قائله سيئة جداً,
بحيث أن الإمام الغزالي إن كان قال هذا القول الذي يحث العلماء على الكفر
والضلال...كان أحق الناس عنده بالإكبار أكفرهم وأضلهم, في نفس الأمر فلا بد أن
يكون هو أي الإمام الغزالي أيضاً متهماً في دينه أو عقله ]([2]).
يقول الدكتور محمد محمد حسين [ كان
من وراء الأفغاني ومحمد عبده كليهما قوتان كبيرتان تعملان على ترويج آرائهما,
وإعلاء ذكرهما, وهما الماسونية -قمة الأجهزة الصهيونية السرية- والاستعمار. وقد
نجحت هاتان القوتان في تدعيم زعامتهما الفكرية والدينية في المجتمع الإسلامي
كلِّه, وفي إضعاف أثر أعدائهما الكثيري العدد من علماء الإسلام المعاصرين, وحجب ما
كتبوه عن جمهور القراء, فلم يمض على موت محمد عبده أكثر من ربع قرن حتى أصبح
الأزهر -موطن المعارضة الأصيل لمحمد عبده
والأفغاني- عامراً بأنصارهما الذين يحملون لواء الدعوة إلى(التجديد)
وإلى(العصرية) ولمن شاء أن يعرف المكان الصحيح والقيمة الحقيقية لمحمد عبده
وللأفغاني أن ينظر في الصحف اليومية والمجلات الدورية في كتب الكتَّاب الليبراليين
الذين لا يسمحون بأن يمس أيٌّ منهما, والذين يهاجمون بفظاظة وشراسة كلَّ من يمسهما
من قريب أو بعيد, مع أن هذه الصحفَ والمجلاتِِ والكتَّابَ لا يُعرَفُ عنهم غَيْرةٌ
على الإسلام في غير هذا الموضع, بل إنهم لا يثورون حين يمس رسول الإسلام صلى الله
عليه وسلم وأصحابه, ويرون أن ذلك مما تسعَه حرية الفكر واختلاف الرأي, بل أنهم
يلتزمون التزاماً دقيقاً أن لا يذكر اسم محمد عبده إلا مقروناً بلقب(الإمام),
ويذكرون اسم الرسول صلى الله عليه وسلم مجرَّداً, ويستكثرون إذا ذكر الرجل من
أصحابه أن يقولوا " سيدنا فلان " أو يتبعوه -كما تعود المسلمون أن
يقولوا في الدعاء له " رضي الله عنه ".
لذلك رأيت أن
أسوق جملة من النصوص التي وردت في كتب المعاصرين لمحمد عبده الذين نبهوا إلى فساد
فكره, وانحراف مذهبه, ومذهب أستاذه الأفغاني. وأول ما أبدأ به نقل نصوصٍ لأحد
أتراب محمد عبده. الذي صحبه في طلب العلم, وشهد الأفغاني, وحضر بعض مجالسه, وظل
على صلة بمحمد عبده إلى آخر عمره. وهو الشيخ محمد الجنبيهي.
-
شهادة الشيخ محمد الجنبيهي([3]).
قال في كتابه " بَلايَا بُوزَا
" - الذي صدر عام 1926 عقب ظهور كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي ",
لأنه نموذج لذلك الفكر المعارض للأفغاني ومحمد عبده الذي اندثر تماماً, واختفي من
الأسواق, وأصبح مجهولاًُ عند الناس.
و(بوزا) عند
الشيخ محمد الجنبيهي رمز لطه حسين ولمحمد عبده ولكل معاند يصر على الباطل ويأبى
التحول عنه, وهو كما يقول في صدر كتابه(قطعة من خشب وزنها خفيف, وجِرْمُها صغير لا
قيمة لها, صنعها صانعُها على هيئة قُبُل الرجال الموصوف بأنه عضو التناسل. ولقد
رُكبِّت تلك القطعة على مُقَعَّر من رصاص ثقيل لا تستطيع أن تتحول عن ذلك المركز
الذي وُضِعَت فيه بحالٍ من الأحوال, فتراها كلما ألقيت فوق الأرض, كانت قائمة على
هيئة الذكر. وتسمى تلك القطعة في اصطلاح الفرنساويين(بوزا). وأما في اصطلاح
المصريين(زِبّ الأرض). وقد ضربها عقلاء الأقدمين مثلاً لكل ضال حائر مغرور ذي
لَسَانَةٍ وسفه, فَقَدَ مزايا الأدباء, وشذَّ عن مناهج الفضلاء, متلبِّساً بعناد
وإصرار شيطاني من حيث لا يشعر بما يقول ولا بما يعمل, فلا تتوجه به أفعاله إلا إلى
مخالفة الفضلاء ومعارضة الأدباء بما لا يعلم عاقبته, ولا يستطيع أن يقيم على صحته
دليلاً)([4]).
وقصة طه حسين عند محمد الجنبيهي هي نفسها قصة
محمد عبده, في عمل الاستعمار وأعداء الإسلام على إعلاء شأنهما.(فالأسباب التي جعلت
ابن عبده الغرابلي([5])
محبوباً لفحول السياسة ولولاة الأمور من الدول المتحالفة على محو الإسلام اسماً
ورسماً, وصيرته محموداً عند محرري الجرائد الأورباوية تتمدح باسمه, وتتغنى بعمل
تذكارله, هي بعينها الأسباب التي يتناول بها أستاذ الجامعة المصرية مرتباً كبيراً
بسبب شهادة الدكتوراه التي نالها من أوربا لسبب عداوته للدين ورجاله, حتى يكون إذا
أعلوا شأنه فتنة لأبناء المسلمين)([6]).
يروي الجنبيهي قصته مع محمد عبده
وأستاذه الأفغاني فيقول:(نشأت بعد بلوغ الرشد وطلب العلم في الأزهر الشريف مصاحباً
لتلميذ الأفغاني ومحاذياًله قَدَماً بقدم بعدما أتى جمال الدين الديار المصرية.
وكثيراً ما جالست ذلك الرجل, وتذاكرت معه مذاكرات ذكرتها في بعض الكتب. وما كان
يدعوني إلى مجالسته إلا صاحبي الذي كان يظن أن يجذبني إلى الميل إلى ما مال إليه
من فتنة ذلك الفاتن. وكنت أطمع أن أكون سبباً في خلاصه من تلك الفتنة ولكنَّ اللهَ
غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ... فلما جمعته المقادير بجمال الدين, وسمع منه الطعن...
وعلى أئمة الدين وعلى الخلافة الإسلامية توهم أنه العالِم الوحيد, فكان أوَلَ
تلميذ له يجتمع عليه مع صبيان الطلبة كل من كُتِبَ عليه الشقاء, وحقَّت عليه كلمة
العذاب)([7])...ولما شرعت القوة
البريطانية في نفي الخونة العرابيين([8]) ذلك النفي الصوري, كان نفي ابن عبده
الغرابلي في البلاد الشامية وحده ليفتن فيها من أراد الله فتنته. فلما انقضت مدة
النفي, ورجع إلى الديار المصرية كانت ثقة اللورد كرومر به أكبر ثقة. فسكن في(منشية
الصدر) بعيداً عن أعين الرقباء, وكانت الواسطة بينه وبين اللورد رجلا إنكليزياً
يسمى(بلنت) كان يتزيّا هو وزوجته بزي عرب البادية, وكانا يحيطان علماً بلغات
القبائل العربية وأنسابهم وعوائدهم, وكانا يسكنان في(عين شمس) قريباً من(منشية الصدر).
فلما قويت رابطة التواصل بين ذلك الإنكليزي وبين ابن عبده الغرابلي أعطاه قطعة أرض
من ملكه في(عين شمس) ليكون له جاراً...ثم عينه -أي اللورد كرومر عين محمد عبده-
مفتياً بالديار المصرية ليكون له الحق في التدخل في شؤون الأزهر, الذي أجمع
السياسيون على ضرابه. وهناك ابتدأت بلايا(زب الأرض) في الظهور. فكان كل من أراد أن
يلتحق بالمناصب العالية يتظاهر بازدراء الدين ورجاله, ويكون كزب الأرض في ثباته
على تمثيل هيئة العناد والإصرار, بعدم الانقياد لأي واعظ كان من النصحاء)([9]).
ويقول الجنبيهي:(إن اللورد كرومر
أجهد نفسه في إعلاء شأن ابن عبده الغرابلي, وجعل
له نفوذاً تاماً في جميع الدوائر السياسية, حتى صيره نافذ الإرادة والأمر في القصر
المصري بحالة تدهش المفكرين, وتستميل قلوب البسطاء من الأمة إليه, ليستعمله
في تنفيذ الأغراض السياسية التي أجمع عليها ساسة الدول المتحالفة. وقد ذكرناها من
قبل([10]). فلما ولاه وظيفة
الإفتاء ليتداخل في الشؤون الأزهرية... -ولما- قرر(عبس باشا الثاني) انفصال
الإفتاء عن الأزهر,... كتب -أي محمد عبده - أبياتاً من الشعر معناها أن من العجب
أن ذئب(عابدين) يعوي, وأسد دار الحماية يسمع ويسكت. وهذا نص البيتين:
(قصر الدبارة) ما لليثك رابضاً
إني سمعت(بعابدين) عواءة |
والذئب في بيت الإمارة يحجل
فعجبت كيف يسود من لا يعقل([11]) |
... فلما قضى نحبه -أي محمد عبده- نعاه اللورد كرومر نعياً سياسياً
يستنهض به أتباعه الذين افتتنوا به, حتى يكونوا مكانه في التضليل. وفي تنفيذ ما
أجمع عليه السياسيون مما سبق بيانه. وهذه عبارة نعيه التي نشرتها الجرائد في ذلك
الحين: " فقدنا رجلاً كان يرشدنا في الدين, وفي السياسة, ونرجو من تلامذته
ألا تخور عزائمهم بموته" فكان ذلك النعي سبباً في تظاهر السفلة بالطعن على
رجال الدين وازدراء أوامره ونواهيه تنفيذاً لتلك الأغراض السياسية فأجهدوا نفوسهم
تفنناً في إنشاء الفتن التي تذهب بمجد الأمة ودينها, وتجعلها أورباوية لا عربية
ولا إسلامية, فكان منهم صاحب(تحرير المرأة) الذي سن التهتك للنساء في المدن
والقرى. وكان منهم صاحب (المنار) الذي نادى على ابن عبده الغرابلي بأنه الإمام
العليم الحكيم)([12])]([13]).
- شهادة الشيخ يوسف النبهاني([14]).
قال محمد محمد حسين: [ اجتمع
بالأفغاني ومحمد عبده في القاهرة حين كان مجاوراً في(الأزهر), ثم عاد فالتقى الشيخ
محمد عبده في بيروت أثناء إقامته بها منفياً بعد فشل الثورة العرابية ومحاكمة زعمائها,
حين كان النبهاني رئيساً لمحكمة الحقوق بها. ونشأت بينهما مودة, فكان محمد عبده
يزور يوسف النبهاني في أكثر الأيام. والقيمة الكبرى للرأيين, رأي الجنبيهي
والنبهاني, تعود إلى أن لرأي كل منهما قيمة أخرى إلى جانب قيمته الفقهية والفكرية,
وهو أنه شهادة من شاهدَيْ عَدْلٍ معاصرين. فكلاهما كان معروفاً بين أهل عصره
بالصلاح والتقوى والعلم, وكلاهما كان صديقاً لمحمد عبده لم يصدر في كلامه عن حقد
أو ضغينة, ثم إن الرأيين يصوران الجانب
الآخر لصدى دعوة الأفغاني ومحمد عبده عند المعاصرين, وهو الجانب الذي اختفي الآن,
أو كاد يختفي تحت تأثير الضغوط والحماية التي تساند هذه المدرسة وتحارب خصومها.
أوضح يوسف النبهاني رأيه في أكثر من
موضع من مؤلفاته شعراً ونثراً... ولخص رأيه في هذه المدرسة في مقدمة ديوانه
-العقود اللؤلؤية- فقال:
(لما اجتمعت بالشيخ رشيد رضا([15])
ذاكرته بشأن شيخه الشيخ محمد عبده, فقلت له في شأنه: إنكم تتخذونه قدوة في دينكم,
وتدعون الناس إلى ذلك, وهذا غير صواب, فإنه لم يكن محافظاً على الفرائض الدينية,
فلا يصح أن يكون قدوة في الدين. فمن المعلوم المسلَّم أنه كان يترك كثيراً من
الصلوات بلا عذر, وأنا نفسي رافقته من وقت الضحى إلى قبيل المغرب عند رجل كان
دعانا في جبل لبنان, فلم يصلِّ الظهر ولا العصر, ولم يكن له عذر, بل كان بكمال
الصحة, ورآني صليت الظهر والعصر ولم يصلِّهما, فسلم الشيخ رشيد رضا تركه لبعض
الصلوات, وقال في الجواب عنه: لعل مذهبه يجوِّز الجَمْعَ في الحَضَر,فتعجبت من هذا
الجواب, لأن الجَمْعَ إنما يجوز في السفر والمطر والمرض عند بعض الأئمة بين الظهر
والعصر, وبين المغرب والعشاء, كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ذلك. ولم يقل أحد إن
الظهر والعصر يجمعان مع المغرب والعشاء حتى نحتمل صحة هذا الجواب ولو جَدَلا.
قلت له: وأيضاً كان تاركاً للحج إلى
بيت الله الحرام مع الاستطاعة وبتلك الاستطاعة التي كان مالكاً لها من القوة
الجسمية والمالية كان يحج باريز ولندرة وغيرهما من بلاد أوربا وغيرها مراراً
كثيرة, ولم يخطر له أن يكون سفره مرة واحدة للحج مع قرب الديار, فلا شك أنه آثم
بذلك أشد الإثم, وتارك لركن من أركان الإسلام. ثم قلت له: ومما لا يختلف فيه أحد
أنه كان هو وشيخه جمال الدين الأفغاني داخلين في الجمعية الماسونية, وهي ضد
السلطات كلها, الدينية وغيرها, فكيف يمكن أن يكون قدوة في دين الإسلام مع كونه
ماسونياً, وكذلك شيخه. فقال الشيخ رشيد: نعم هما داخلان في الماسونية, ولكن أنا لم
أدخل فيها.
قلت له: فلو قلتم: إن الشيخ محمد
عبده هو فيلسوف الإسلام, بمنزلة ابن سينا والفارابي, لسلمنا لكم ذلك وإن كان خلاف
الحقيقة, لأنه لا ضرر فيه علينا ولا على ديننا, وأما أن يكون من أفسق الفساق بتركه
أركان الإسلام, ومع ذلك تقولون عنه: إنه في دين الإسلام إمام, فهذا شيء منكر لا
يقبله أحد من ذوي الأحلام([16]).
-ثم يقول عن مدرسة الأفغاني ومحمد
عبده:-(وهؤلاء الجهال كلُّ واحد منهم يعد نفسه بمنزلة الأئمة الأربعة, رضي الله
عنهم. وقد رسخ هذا الضلال في نفوسهم الخبيثة, فليس للموعظة فيهم أدنى تأثير, وهم
يجتهدون في أن تكون الناس على شاكلتهم ضالين مضلين, ومع هذا الفساد العظيم يزعمون
أنهم هم مصلحون لهذا الدين المبين. ولا شك أنهم من جملة الذين شملهم قوله تعالى في
سورة البقرة:) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا
إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ %
ألا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (
-وقال أيضاً-:(واعلم أن هؤلاء
المفتونين يدعون الاجتهاد المطلق, واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة, ويرفضون
المذاهب الأربعة مع جهلهم المركب, وفسقهم المحقق, وتهتكهم في أنواع المعاصي من
الكبائر والصغائر وسائر الآثام, وتركهم ما عدا الشهادتين من أركان الإسلام, فلا
صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صيام. ومع كونهم كأنعام أو أضل من الأنعام يدعي كل واحد
منهم أنه من أئمة الإسلام, ويدعو الناس إلى الاجتهاد حتى العوام, وهم مع كل ذلك لا
يتقيدون بالحلال والحرام, وإنما دينهم كلام في كلام. وصارت أحكام الدين عندهم كل
ما يخطر ببالهم, ووافق أغراضهم, وجرى على ألسنتهم من الألفاظ المنمقة, والمعاني
الملفقة التي تلقفوها من مقالات الفلاسفة وكتاب الإفرنج مما لا يوافق دين الإسلام,
ولا يقوله من عنده في هذا الدين إلمام, فينشرونه في كتبهم وجرائدهم بصفة ترضي
إخوانهم مُرَّاق المدارس, وفُسَّاق العوام, الذين لا يبالون بالإسلام ولا بأحكام
الإسلام...إن هؤلاء المفتونين الضالين قد مشوا ببدعتهم على أثر البروتستانت من
النصارى يدَّعون إصلاح دين النصرانية)([17]).
وقد تتبع النبهانيُّ زعماءَ هذه
المدرسة: الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا في قصيدته(الرائية الصغرى في ذم البدعة
ومدح السُّنَّة الغَرَّا), وهي قصيدة طويلة تبلغ 553 بيتاً, فخصَّ كل فرد منهم
بفصل منها.
يقول في سوء سيرة كل المنتمين إلى
هذه الجماعة:
تراهم إباحيين أو هم نظيرهم
وكل امرىء لا يستحي في جداله فمن قال صَلُّوا قال قائلهم له وإن قيل لا تشرب يقول شربتها فيجهر كل بالمعاصي مجادلا فلا صام, لا صلى, ولا حج, لا حبا وفي الألف منهم واحد ربما أتى وأخبرني من لا أشك بصدقه ولازمه حتى أتى بعد مسجداً أشدُّ من الكفار فينا نكاية من الكفر ذو الإسلام يأخذ حذره |
إذا كنت عن أسرارهم تكشف السِّتْرا
من الكِذْب والتلفيق مهما أتى نُكْرا يجوز لنا في البيت نجمعها قصرا بقصد الشفا أو قال ليس اسمها خمرا بما نَفَثَ الشيطان في قلبه سرا فقيرا وإنْ أودَى به فقره بِرَّا مساجدنا لكنْ إذا كان مضطرا بأن قد رأى من بال منهم بلا استِبْرا فصلى ولم يُحدِثْ من الحَدَث الطُهْرا وأعظمُ منهم في ديانتنا ضَرّا ومن هؤلاء القوم لا يأخذ الحِذْرا |
ويقول في محمد عبده:
تَولَّع بالدنيا وصَيَّر دينه
يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن فمن جهة يُدعَى الإمامَ و ويَقْتَدي يذم خيارَ المسلمين وعندمَا لكيما يُقال الشيخُ حرٌّ ضميرُه وأيَّـد أعداء البلاد بسعيه يُحسِّن بين الناس قُبحَ فِعالهم بمقدار ما خان البلاد وما أتَى ونال بجَاه القوم في الناس رتبةً فمِنْ رهبةٍ أو رغبةٍ كم سعى له وقد ضَلَّ في القرآن مع عُظْمِ نوُرِه أحذِّر كل الناس من كتب دينه يعاشر نسوان النصارى ولا يرى ويأكل معهم كل ما يأكلونه ويفتي بحلِّ المسكرات جميعِها ويأكل مخنوقا ويفتي بِحِلِّه وتحليلُه لبس البرانط والربا وقد كنت في لبنان يوما ًصحبته وصليتُ فرض الظهر والعصر بعده وقبل غروب الشمس صاحبت شيخه ولم أره أدَّى فريضة مغرب |
إليها على
ما فيه من خِفَّةٍ جسرا
يساراً سعى يعدو إليها من اليسرى بأعمال أهل الكفر من جهةٍ أخرى يَرَى حاجةً للكفر يَستحسن الكفرا فيبلغ عند القوم مرتبةً كبرى وأوهَمَ أهلَ الجهل أن بهم خيرا ومهما أساؤوا راح يلتمس العذرا لأعدائها نُصْحاً علا عندهم قَدْرا بها حاز فيمن شاءه النَفْعَ والضرا طَغَامٌ من الجهاَّل أكسَبُهمْ خُسْرا كما خَبَطَتْ عشواءُ في الليلة القمرا وبالرد والإعراض تفسيرُهُ أحْرَى بذلك من بأسٍ وإن كشَفَ السِّتْرا([18]) ويشربها حمراءَ إن شاء أو صَفْرا إذا هي بالأَسماء خالفت الخمرا لئلا يقولوا إنه ارتكب الوزْرا به بعضُ أهلِ العلم قد أَلْحَقَ الكُفْرا لقرب غروب الشمس من ضَحْوَةٍ كبرى لديه وما صلّى هو الظهر والعصرا لقرب العشا أيام جاورت في مصرا فقاطعت شيخ السوء من أجلها الدَّهْرا([19]) |
[3]-
نسبة إلى(جَنْبِيه) وهي قرية في إقليم البحيرة الذي ينتمي محمد عبده إلى قرية أخرى
فيه, وهو من علماء الأزهر المعروفين بالصلاح والتقوى,...وكان الشيخ الشنقيطي
متزوجاُ أخته, وهو امتد به العمر إلى أكثر من عشرين عاماً بعد وفاة محمد عبده.
[5] -لقبه الجنبيهي
بالغرابلي, لأن أهله من الذين يسكنون خياماً رثة من الخيش ويمتهنون صناعة الغرابيل
التي تتخذ سيورها من جلود الحيوانات الميتة كالحمير. والهوامش لمحمد محمد حسين.
[8] - يرى المؤلف أن عُرابي
كان خائناً, وأنه كان يمثل الجناح الحربي في مدرسة الأفغاني,بينما كان محمد عبده
يمثل الجناح الفكري,ويستدل على ذلك بصلتهما المشتركة وصلة أستاذهماالأفغاني من قبل
بالمستر بلانت, الذي كان يعمل على تمزيق الدولة الإسلامية, فالمستر بلانت-كما هو
معروف- هو الذي تولى الدفاع عن عرابي في محاكمته, وهو الذي أصدر بياناً في جريدة
التايمز, يصف فيه الحزب الوطني -القديم- الذي أعد للثورة بأنه حزب سياسي لاديني.
أما صلة بلانت بمحمد عبده فهي مشهورة معروفة. وقد صدر كتاب بلانت المشهور(التاريخ
السري للاحتلال البريطاني لمصر) بالاشتراك مع محمد عبده. أما صلة بلانت بالأفغاني,
فهي ثابتة من مجموع الوثائق التي أصدرتها جامعة طهران. وفيها صور لرسائل خطية
تبادلها الأفغاني والمستر بلانت وزوجته(آن بلانت)(الهامش لمحمد محمد حسين).
[14] - هو يوسف بن إسماعيل بن
يوسف النبهاني(1265-1350هـ)(1849- 1932م) جاء في " الأعلام
للزركلي"(شاعر أديب من رجال القضاء نسبته إلى "بني نبهان " من عرب
البادية بفلسطين استوطنوا قرية " إِجْزِمْ " التابعة لحيفا في شمال
فلسطين. وبها ولد ونشأ.وتعلم بالأزهر بمصر(1283-1289هـ)وذهب إلى الأستانة فعمل في
تحرير جريدة(الجوائب) وتصحيح ما يطبع في مطبعتها ورجع إلى بلاد الشام(1296هـ)
فتنقل في أعمال القضاء إلى أن صار رئيسأً لمحكمة الحقوق في بيروت(1305هـ) وأحام
بها زيادة على عشرين سنة, وسافر إلى المدينة مجاوراً, ونشبت الحرب العالمية الأولى
فعاد إلى قريته.
ومن نحوعام جاءني فنصحته
وذاكرته في شيخه وهو عبده |
كما تنصح الثعبان أو تنصح الفأرا
تملكه الشيطان عن قومه قسرا |
وقد جاء في ص/400من
كتابه(العقود اللؤلؤية) أنه أنشأ هذه القصيدة سنة 1327هـ(الهامش لمحمد محمد حسين).
[18] - قال في هامش هذه
الأبيات0االعقود اللؤلؤية ص /370): "
والذي أعلمه من حال الشيخ محمد عبده, أنه حينما كان في بيروت منفياً كان كثير
المخالطة للنصارى والزيارة لهم في بيوتهم والاختلاط مع نسائهم بدون تستر. هذا مما يعلمه كل من عرف حاله في هذه
البلاد, فضلاً عن أسفاره المشهورة إلى بلاد أوربا واختلاطه بنساء الإفرنج وارتكابه
المنكرات من شرب الخمر وترك الصلوات. ولم يدَّعِ هو نفسه الصلاح, ولا أحد توهمه
فيه. فكيف يكون قدوة وإماماً في دين الإسلام, نعم هو إمام للفساق والمرَّاق مثله.
ولذلك تراهم على شاكلته, لا حج ولا صيام ولا غيرها من شرائع الإسلام ". وقال
بعد ذلك " دعاني رجل من أهل جبل لبنان سنة 1305هـ إلى بيته فتوجهت معه فوجدت
هناك الشيخ محمد عبده. فتصاحبنا من الصباح إلى المساء لم أفارقه نهاراً كاملاً.
فصليت الظهر والعصر ولم يصل ظهراً ولا عصراً. ولم يكن به علة ولا عذر له, إلا خوفه
من أنه إذا صلى بحضوري يقول أولئك الحاضرون الذين كان لا يصلي أمامهم إنه يرائي في
هذه الصلاة لأجلي, فغلب عليه شيطانه وأصر على عدم الصلاة, وإلا فقد بلغني عنه أنه
كان يصلي تارة ويترك تارة, والترك أكثر "
0 التعليقات:
إرسال تعليق