لا
تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته (30)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة عن آل سعود
والتشريع من دون الله ويستمر في هذه الحلقة في نفس السياق
وقال ابن عبد البر اختلف في أهله – أي أهل الأمر في
قوله لا ننازع الأمر أهله - فقيل أهل
العدل والإحسان فلا ينازعون لأنهم أهله أما أهل الفسق والجور والظلم فليسوا بأهله
ألا ترى قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين البقرة. ([1]).
وقال شيح الإسلام رحمه الله [فصل: ذكر الله عن إمامنا
إبراهيم خليل الله أنه قال لمناظريه من المشركين الظالمين{ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا
أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ
إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ% الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ% } وفى الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي
فسر الظلم بالشرك وقال ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم فأنكر
أن نخاف ما أشركوا هم بالله من جميع المخلوقات العلويات والسفليات وعدم خوفهم من
إشراكهم بالله شريكا لم ينزل الله به سلطانا وبين أن القسم الذي لم يشرك هو الآمن
المهتدى وهذه آية عظيمة تنفع المؤمن الحنيف في مواضع فإن الإشراك في هذه الأمة
أخفى من دبيب النمل دع جليله وهو شرك في العبادة والتأله وشرك في الطاعة
والانقياد وشرك في الإيمان والقبول فالغالية من النصارى والرافضة وضلال الصوفية
والفقراء والعامة يشركون بدعاء غير الله تارة وبنوع من عبادته أخرى وبهما جميعا
تارة ومن أشرك هذا الشرك أشرك في الطاعة وكثير من المتفقهة وأجناد الملوك وأتباع القضاة
والعامة المتبعة لهؤلاء يشركون شرك الطاعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدى
بن حاتم لما قرأ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم فقال
يا رسول الله ما عبدوهم فقال ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا
عليهم الحلال فأطاعوهم فتجد أحد المنحرفين يجعل الواجب ما أوجبه متبوعه والحرام ما
حرمه والحلال ما حلله والدين ما شرعه إما دينا وإما دنيا وإما دنيا ودينا ثم يخوف
من امتنع من هذا الشرك وهو لا يخاف أنه أشرك به شيئا في طاعته بغير سلطان من الله
وبهذا يخرج من أوجب الله طاعته من رسول وأمير وعالم ووالد وشيخ وغير ذلك ]([2]).
وأخبر جل جلاله عن سوء المصير الذي ينتظر أولئك
الذين يطيعون الحكام طاعة عمياء لا يفرقون
بين معروف ومنكر. قال الله تعالى: { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا
سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ }([3]).
وقال الله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}([4]).
لذا فقد نهينا عن الطاعة إلا إذا كانت بما يرضي الله جل
جلاله قال الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}([5]).
وقال الله تعالى: {ولا تُطِيعُوا أَمْرَ
الْمُسْرِفِينَ }([6]).
وقال الله تعالى: {فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ }([7]).
والله عز وجل
أنزل علينا أحكاماً وأمرنا بأوامر ونهانا عن نواه فمن فعلها فقد عبد الله ومن تنكب
عنها وأطاع الطواغيت فقد عبد الطواغيت ومن أطاعها وأطاع معها أمر الطواغيت التي
تتعارض أو لا تتمشى مع أمر الله وأطاعها مختاراً دون ضرورة ملجئة فلقد أشرك مع
الله
ولقد قال تعالى: { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } أي لا يؤمر ولا ينهى وقال تعالى {أفحسبتم أنما
خلقناكم عبثا} أي بلا قصد ولا إرادة لتلعبوا وتلهوا وتتمتعوا كما تأكل الأنعام ؟!
لا. ليس الأمر كذلك بل خلق الإنسان ليقيم أمر الله عز وجل. [ قال مجاهد والشافعي
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى- أيحسب الإنسان أن يترك سدى- يعني لا
يؤمر ولا ينهى ]. ([8])
والتوحيد الذي أرسل الله به الرسل يمكن أن يميز به
اتجاهين
الأول هو التوحيد العلمي الخبري النظري: المتضمن إثبات
وجود الله جل جلاله وإثبات صفاته كما وصف نفسه جل جلاله ووصفه رسوله صلى الله عليه
وسلم من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تأويل وهذا التوحيد كان يؤمن به غالب
المشركين
والاتجاه الآخر هو التوحيد العملي الإرادي وهو المتعلق
بأفعال العباد وصرفها لله عز وجل وطاعة الله في أمره وتنفيذ ما طلب من العباد
أمراً أو نهياً وصرف كل ما يتعلق بالعبادة لله جل جلاله وهذا هو التوحيد الذي خلق
الله العباد لأجله في قوله تعالى:{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} والشرك في هذا
التوحيد له منحيان
المنحى الأول: وهو إيجاد وتشريع ما لم يأذن به الله من
أمر طاغوت واحد أو طواغيت اجتمعوا على ذلك وفرض أشياء على العباد أو إلزامها أو
أمر الناس بطاعتها فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة ومن شرَّع فقد ادعى الألوهية ومن
أطاع هذا المشرِّع فقد اتخذه رباً وعبده من دون الله قال الله تعالى: { أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ
وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ }([9]).
وقال الله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ
مِنْ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } ([10]).
والمنحى الثاني: هو الإعراض عن حكم الله وأمره ذهولاً
أو عصياناً أو إعراضاً أو لا مبالاة وهذا أيضاً كفر بالله قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ
رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا
عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ
تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا }([11]).
وقال الله
تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }([12]).
و قال الله تعالى:{ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلا
أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ ألا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }([13]).
وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}([14]).
0 التعليقات:
إرسال تعليق