الخيانة
والخونة
رضوان
محمود نموس
قال
في تاج العروس:{خون : (الخَوْنُ : أَن يُؤْتَمَنَ الإِنْسانُ فلا يَنْصَحَ ؛ وقالَ
الحراليُّ الخِيانَةُ التَّفْريطُ في الأَمانَةِ وقالَ الرَّاغبُ:
الخِيانَةُ والنِّفاقُ واحِدٌ ، ولكنَّ الخِيانَةَ تُقالُ باعْتِبارِ العَهْدِ
والأَمانَةِ، والنِّفَاقَ باعْتِبارِ الدِّيْن، ثم يَتَداخَلانِ ،! فالخِيانَة
مُخالَفَة الحَقِّ بنقْضِ العهْدِ}([1]).
والخيانة
فعل ذميم يتنافي مع الإيمان والطبع السليم والسلوك القويم والأخلاق الفاضلة وهي
سبة ووصمة عار وشنار على مرتكبها.
{عَنْ
مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :«
يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ إِلاَّ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ }([2]).
{وعن
أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول : ( ... وأعوذُ بِكَ منَ الخِيَانَةِ ، فَإنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ}([3]).
و{عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لا يَجْتَمِعُ الإيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ وَلا يَجْتَمِعُ
الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا وَلا تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَلأمَانَةُ
جَمِيعًا}([4]).
وعَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: {عَادَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ
فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا
سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ عَلِمْتُ
أَنَّ لِي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً،
يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ
الْجَنَّةَ»}([5]).
وعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ
الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ
رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ "([6]).
{وقال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه من استعمل رجلا لمودة أو لقرابة لا يستعمله إلا
لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين قال وحدثت عبيد الله بن جرير الغنكي حدثنا عبد
الله بن رجاء حدثنا فرج بن فضالة عن النضر بن شفى عن عمران بن سليم عن عمر بن
الخطاب قال من استعمل فاجرا وهو يعلم انه فاجر فهو مثله}([7]).
وهذا
لا يخص الأمير فقط فكل من كان في موقع اختيار الأمير أو الزعيم أو القائد أو
الرئيس بغض النظر عن الاسم ثم لم يختر الأفضل فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين
وهنا أقول هذا في عدم اختيار الأفضل من بين المؤمنين فكيف بالذين اختاروا برهان
غليون لقيادة المجلس السوري، وبرهان غليون علماني مرتد كافر مجاهر بعلمانيته
وشيوعيته مهاجم للإسلام في أحاديثه وكتبه ومقابلاته, ثم لما كثر النقد وانتهت المدة وذاب الثلج وبان ما تحته وأرادوا اختيار قائد جديد كان المرشح لهذا المنصب إما جورج صبرا النصراني أو عبد الباسط سيدا الشيوعي وبضغط من غليون اختاروا الشيوعي فهؤلاء ارتكبوا أعظم خيانة
لله ولرسوله ولجماعة المؤمنين, فكيف يتم اختيار مثل هؤلاء لقيادة المجلس سيقولون لك خشية
من القوى العالمية ونقول لهم :قال تعالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}, وقال
تعالى:{ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم
مُّؤُمِنِينَ}. ولكنه النفاق الذي دب في القلوب والخيانة التي لا تلتقي مع الأمانة
والإيمان, خيانتهم مضاعفة لأنهم ضللوا الذين لا يعلمون فقال الأتباع لو كان مرتداً
لما اختاروه وأتباعهم كسائر الهمل الذين يسيرون وراء طواعيتهم ولسان حالهم يقول:
وما
أنا إلا من غزية إن غوت ** غويت وإن ترشد غزية أرشد
وهم
قدموا المصالح الشخصية على مصلحة الدين والأمة . فلا أدري هل هؤلاء من المؤمنين
وهل يفكرون بيوم الحساب والوقوف بين يدي الرحمن ؟؟!!! وهل أعدوا الجواب إذا سئلوا
لماذا اخترتم المرتد ؟؟!! إن من يفكر بهذا ويكون عاقلاً يستحيل أن يختار غليون !!
هذا العلماني المرتد, بل يقوم كبيرهم بدور حمار الدجال ليعلن في خطبة الجمعة بيعة
برهان غليون المرتد أسأل الله أن يحشر من اختار برهان غليون معه. ثم جريمة أخرى
ارتكبوها وهي الغش للأمة .
جاء
في شرح رياض الصالحين: { وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته: " ما من أمير
يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة"
إن
من ولّى أحداً من المسلمين على عصابة وفيهم من هو خير منه فقد خان الله ورسوله
والمؤمنين؛ لأنه يجب أن يولي على الأمور أهلها بدون أي مراعاة، يُنظر لمصلحة
العباد فيولي عليهم من هو أولى بهم. والولايات تختلف، .... المهم أنه يجب على ولي
المسلمين أن يولي على المسلمين خيارهم، ولا يجوز أن يولى على الناس أحداً وفيهم من
هو خير منه؛ لأن هذا خيانة.
وكذلك
أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه: " ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت
يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة" والعياذ بالله}([8]).
وروى
أبو يعلى الموصلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مسنده "، عن حذيفة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس وعلم أن في العشرة من هو أفطن منه، فقد غش
الله ورسوله وجماعة المسلمين»([9]).
وفي
الحديث: { ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله
عليه الجنة ". أخرجه البخاري (4 / 387) ومسلم (1 / 88 و 6 / 8) والدارمي (2
/324) وأحمد (5 / 25) ([10]).
وعن
أبي هريرة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ... ومن غشنا فليس منا ([11]).
وعن
حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : ... وليس منا من غشنا([12]).
فهل
فكر هؤلاء بهذه الأحاديث عندما غشوا الأمة باختيارهم هذا المرتد أم أنهم جهلة لا
يعرفون حديثاً ولا آية تربوا على الكذب والمناورات والخداع فلا يعلمون معروفاً
ليقروه ولا منكراً لينكروه عاشوا حياتهم بالتحالفات الخاسرة مع الكفار والمرتدين
فمن تحالفهم مع البعث اليميني بقيادة ميشيل عفلق وأبو عبدو الجحش والدروز ممثلين
بشبلي العيثمي وحمود الشوفي والشيوعيين جناح رياض الترك والنصيريين جماعة سليمان
الأحمد ثم دخولهم في جبهة الخدام العميل المرتد ثم مغازلاتهم لبشار النصيري المرتد
وأخيراً اختيارهم العلماني المرتد برهان غليون, فماتت عندهم الروح الإسلامية
فهي أطلال لم يسكنها حبيب وكل من مر بها غريب.نسوا الله فتاهوا ونسوا ما ذكروا به
فاختلفوا
{الَّذِينَ
اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ
بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }الأعراف51
{فَلَمَّا
نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ
وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
}الأعراف165
{قَالُوا
سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء
وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً
بُوراً }الفرقان18
نعم
إنهم قوم بور لا يثمرون ولا ينتجون إلا الشوك والعلقم والتحالفات مع الكافرين
ومبايعة المرتدين
جاء
في الحديث: عن ابن عباس {مَنْ أَعَانَ ظَالِماً لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقّاً
فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ}([13]).
عَنْ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ،
إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ
أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ : إِنَّ الَّذِينَ إِذَا رَأَوْا
ظَالِمًا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ بِعِقَابٍ([14]).
والكفر
هو أعظم الظلم :قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ
كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }الأنعام21
وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا
}الكهف57
وقال
تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا
تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }لقمان13
هذا
فيمن أعان الظالم فكيف بمن اختاره ليبايعه قائدا للمسلمين هل قرأ هؤلاء القرآن في
حياتهم هل سمعوا بآيات الولاء والبراء ؟؟!!
{أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ
الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج46
قال
الإمام ابن تيمية: {فصل أما أداء الأمانات فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الأمْرِ أَنْ
يُوَلِّيَ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَصْلَحَ مَنْ
يَجِدُهُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَوَلَّى رَجُلا
وَهُوَ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «من ولى رجلاً عَلَى عِصَابَةٍ، وَهُوَ يَجِدُ
فِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وَخَانَ الْمُؤْمِنِينَ».
رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ
عُمَرَ: لابْنِ عُمَرَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا
فَوَلَّى رَجُلا لِمَوَدَّةٍ أَوْ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَالْمُسْلِمِينَ ". وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ. فَيَجِبُ
عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوِلايَاتِ مِنْ نُوَّابِهِ عَلَى
الأمْصَارِ؛ مِنْ الأمَرَاءِ الذين هم نواب ذي السلطان، والقضاة، ونحوهم، ومن
أمراء الأجناد ومقدمي العساكر الصغار وَالْكِبَارِ، وَوُلاةِ الأَمْوَالِ: مِنْ
الْوُزَرَاءِ، وَالْكُتَّابِ، وَالشَّادِّينَ، وَالسُّعَاةِ عَلَى الْخَرَاجِ
وَالصَّدَقَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأمْوَالِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ. وَعَلَى
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاءِ، أَنْ يَسْتَنِيبَ وَيَسْتَعْمِلَ أَصْلَحَ مَنْ
يَجِدُهُ؛ وَيَنْتَهِي ذَلِكَ إلَى أَئِمَّةِ الصَّلاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ،
والمقرئين، والمعلمين، وأمراء الْحَاجِّ، وَالْبُرُدِ، وَالْعُيُونِ الَّذِينَ
هُمْ الْقُصَّادُ، وَخُزَّانِ الأمْوَالِ، وَحُرَّاسِ الْحُصُونِ،
وَالْحَدَّادِينَ الَّذِينَ هُمْ الْبَوَّابُونَ عَلَى الْحُصُونِ وَالْمَدَائِنِ،
وَنُقَبَاءِ الْعَسَاكِرِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَعُرَفَاءِ الْقَبَائِلِ
وَالأسْوَاقِ، وَرُؤَسَاءِ الْقُرَى الَّذِينَ هُمْ " الدهاقين ". فَيَجِبُ
عَلَى كُلِّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ هَؤُلاءِ
وَغَيْرِهِمْ، أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيمَا تَحْتَ يَدِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ
أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلا يُقَدِّمُ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ طلب
الولاية، أو سبق في الطلب؛ بل يكون ذلك سبباً للمنع؛ فإن في الصحيح عن النبي صلى
الله عليه وسلم: «أن قوماً دخلوا عليه فسألوه ولاية؛ فَقَالَ: إنَّا لا نُوَلِّي
أَمْرَنَا هَذَا مَنْ طَلَبَهُ» . .... فَإِنْ عَدَلَ عَنْ الأحَقِّ الأصْلَحِ
إلَى غَيْرِهِ، لأجْلِ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ وَلاءِ عَتَاقَةٍ أَوْ
صَدَاقَةٍ، أَوْ مرافقة فِي بَلَدٍ أَوْ مَذْهَبٍ؛ أَوْ طَرِيقَةٍ، أَوْ جنب:
كَالْعَرَبِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ، وَالتُّرْكِيَّةِ، وَالرُّومِيَّةِ، أَوْ
لِرِشْوَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهُ مِنْ مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
مِنْ الأسْبَابِ، أَوْ لِضِغْنٍ فِي قَلْبِهِ عَلَى الأحَقِّ، أَوْ عَدَاوَةٍ
بَيْنَهُمَا: فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَدَخَلَ فِيمَا
نُهِيَ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا
اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[الأنفال: 27]([15]).
وقال:
{فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إنِّي مُحَدِّثُك حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً
يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
الْجَنَّةَ} وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمِ: {مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي مِنْ أَمْرِ
الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إلا لَمْ يَدْخُلْ
مَعَهُمْ الْجَنَّةَ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {أَلا
كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى
أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ
بَعْلِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُ. وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ
وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ
عَلَيْهِمْ رَجُلا؛ فَأَوْقَدَ نَارًا فَقَالَ: اُدْخُلُوهَا. فَأَرَادَ النَّاسُ
أَنْ يَدْخُلُوهَا وَقَالَ الآخَرُونَ. إنَّا فَرَرْنَا مِنْهَا فَذَكَرَ ذَلِكَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلَّذِينَ
أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ لِلآخَرِينَ قَولا حَسَنًا؛ وَقَالَ: لا طَاعَةَ فِي
مَعْصِيَةِ اللَّهِ؛ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ}([16])
وقال
الإمام الدوسري:{فمن أحب غير الله معظماً مستسلماً لحكمه منفذاً لنظامه منقاداً
لتشريعه، أو عطل حدود الله ولم يقم بأوامره ويحافظ على شريعته فهو خائن لله
ورسوله، ناقض لهذا العهد العظيم، قاطع صلته بحبله المتين.
وفي
ذلك يقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}([17]) .
قال
الإمام ابن تيمية: {مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا بُلِيَ بِهِ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ
الظَّلَمَةِ مَنْ أَهْلِ الأقْوَالِ وَالأعْمَالِ؛ وَأَهْلِ الْبِدَعِ
وَالْفُجُورِ. وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ مِنْ خَبَرٍ أَوْ
أَمْرٍ أَوْ عَمَلٍ فَهُوَ ظَالِمٌ. فَإِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ رُسُلَهُ لِيَقُومَ
النَّاسُ بِالْقِسْطِ }([18]).
وجاء
في الدرر السنية: {فإذا كان من أعان ظالماً فقد شاركه في ظلمه، فكيف بمن يعين
الكفار، والمنافقين على كفرهم ونفاقهم؟ وإذا كان من أعان ظالماً مسلماً في خصومة
ظلم عند حاكم، شريكاً للظالم، فكيف بمن يعين الكفار، ويذب عنهم عند الأمراء؟ وإذا
كان الحرامية الذين يأخذون أموال الناس، إذا بذلوا للأمير مالاً على أن يكف عنهم،
فهو رئيسهم، فما ظنك بمن يسرّ إلى الكفار بالمودة، ويعلمهم أنه يحبهم، ليواصلوه
ويكرموه؟ كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، قدس الله روحه، وغيره }([19]).
وقال
رشيد رضا: وَذَلِكَ مِنْ تَوْسِيدِ الأمْرِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ الَّذِي
يُقَرِّبُ خُطُوَاتِ سَاعَةِ هَلاكِ الأُمَّةِ، وَمِنْ عَلامَاتِهَا ذَهَابُ
الأمَانَةِ وَظُهُورُ الْخِيَانَةِ، وَلا خِيَانَةَ أَشَدُّ مِنْ تَوْسِيدِ
الأمْرِ إِلَى الْجَاهِلِينَ، رَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: مَنِ اسْتَعْمَلَ عَاملا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ
فِيهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ، وَأَعْلَمَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ
نَبِيِّهِ، فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّ
لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي تَوْسِيدِ الأمْرِ إِلَى غَيْرِ
أَهْلِهِ مُقَدِّمَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
قَالَ: إِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ انْتَظِرِ السَّاعَةَ قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، وَمَا إِضَاعَتُهَا؟ فَقَالَ: " إِذَا وُسِّدَ الأمْرُ إِلَى غَيْرِ
أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ " وَالأحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ
كَثِيرَةٌ}([20]).
وقال:
السيد محمود آل غازي العاني {مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة
والأحاديث الواردة فيها وتواصي الأصحاب في ذلك:
وهذا
خطاب عام على الإطلاق لكل أحد وخاص بالأمراء والحكام يرمي إلى حثّ ولاة الأمور أن
يقوموا برعاية الرعية ويحملهم على إحقاق الحق بمقتضى الشرع وأن لا يولوا المناصب
غير أهلها لأنها أمانة بأيديهم، ولأن تولية الأمور لغير أهلها ظلم وهو من علامات
الساعة كما جاء في الحديث الصحيح إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة. وقوله
صلّى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة.}([21]).
فهؤلاء
الذين اختاروا برهان غليون جمعوا بين الخيانة لله ورسوله والمؤمنين والغش للمسلمين
عامة ولأتباعهم خاصة والظلم والخداع والتعاون على الإثم والعدوان وموالاة الكفرة
والمرتدين ومعاداة المؤمنين المجاهدين وكل واحدة من هذه الجرائم تكفي لزلزلة
القلوب التي شمت يوما ما رائحة الإسلام ونقول لهم ما زال هناك وقت للتوبة والأوبة
إلى الله ومراجعة حساباتكم الخاسرة فعودوا إلى الله قبل أن يلعنكم الله وملائكته
والناس أجمعين توبوا قبل أن تحاسبوا في الدنيا والآخرة كفاكم جرائم في حق الدين
والناس, كفاكم سيراً وراء الوسواس الخناس, كفاكم مراوغة ودجلاً وتلبيساً والتباس,
كفاكم تحالفاً مع المرتدين والكافرين, كفاكم حرباً على المسلمين المجاهدين كفاكم
نفاقاً لأعداء الدين. كفاكم تزويراً للإسلام كفاكم تضليلاً للأنام أما ترعووا أما
تذكرون يوم الحساب أما تذكرون القبور والبعث والنشور عجباً لكم هل فعلاً تؤمنون
أنه لا إله إلا الله وأن بيده كل شيء اللهم أرح الأمة منهم وخذهم أخذ عزيز مقتدر
فإنهم ضللوا المسلمين وتحالفوا مع الكافرين وولوا المرتدين وحاربوا المجاهدين
ونافقوا للصليبيين وشوهوا الإسلام والدين .
ونقول
لأتباعهم إن قياداتكم الخاسرة البائرة لن تنفعكم يوم الدين وستتبرأ منكم كما تبرأ
إبليس أتباعه. قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ
اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ }البقرة166
{وَقَالَ
الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا
تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ
عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ }البقرة167
فيا
أيها الأتباع عودوا إلى ربكم وتمسكوا بدينكم وبكتاب الله وسنة رسول الله ولن تغني
عنكم قيادتكم شيئا {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً }مريم95
ولن
يجديكم قولكم : {وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ
اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا
مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ
سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }إبراهيم21.
[1] - تاج
العروس من جواهر القاموس (30/ 411)
[2] - السنن
الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي (10/ 197) برقم: 21349
[3] - رياض
الصالحين (2/ 158): رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
[5] - صحيح مسلم
(1 / 125) برقم: 142
[6] - المستدرك
على الصحيحين للحاكم (4 / 104) برقم: 7023 والسنة لابن أبي عاصم (2 / 626-
627) برقم: 1462 السنن الكبرى للبيهقي (10 / 201) برقم 20364 وغيرها
[7] - مسند
الفاروق لابن كثير (2 / 537)
[8] - شرح رياض
الصالحين (2 / 424)
[9] - البناية
شرح الهداية (9 / 9)
[10] - سلسلة
الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6 / 276) رقم : 2631
[11] - الجمع
بين الصحيحين البخاري ومسلم - (3 / 220)
[12] - المعجم
الكبير - (8 / 308)
[13] - فيض
القدير (6 / 72) برقم: 10993[حكم الألباني] (حسن) انظر حديث رقم: 6048 / 1 في صحيح
الجامع الصحيحة (1020)
[14] - الآحاد
والمثاني - (1 / 37) برقم 63
[15] - السياسة
الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (ص7-8)
[16] - مجموع
الفتاوى (35 / 15)
[17] - الأجوبة
المفيدة لمهمات العقيدة (ص: 28)
[18] - مجموع
الفتاوى (4 / 48)
[19] - الدرر السنية
في الأجوبة النجدية (8 / 156)
[20] - تفسير
المنار (5 / 176)
[21] - بيان
المعاني (5 / 567)
0 التعليقات:
إرسال تعليق