موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

الأجوبة الشرعية على الأسئلة الشامية (29)‏ الرضا بالمحكمة الدولية



الأجوبة الشرعية على الأسئلة الشامية (29)
الرضا بالمحكمة الدولية
رضوان محمود نموس
شيخنا الفاضل تعلمون حاجة الثورة السورية إلى معرفة حكم الله عزوجل في كل أمورها ولكن هناك أمور أهم من غيرها, وربما أهمها طريقة حل هذه الأزمة و مستقبل الثورة. يكثر الحديث في هذه الأيام عن تسوية الوضع السوري وفق الطريقة اليمنية, والمقترح تنحي بشارالأسد مع بقاء البعث والنصيرين في مواقعهم والدعوة لخطة طويلة المدى للإصلاح ودخول المعارضة للحكم بنسب معينة. وأكثر الأمور خطورة الرضابتحويل هؤلاء المجرمين إلى المحاكم الدولية وهذا ما تعهد به الجيش الحرللأسف.
شيخنا الفاضل ما حكم الإسلام في هذا الحل ؟
ما حكم الرضا بتحويل هؤلاء المجرمين إلى محاكم دولية لا يوجد بها أحكام إعدام وهي وهمية ؟
ما حكم تعهد الجيش الحر بذلك وهل يجب عليه التراجع عن هذه التعهدات؟
هل يبقى الشعب على تأييد من يرضون بهذا الحل؟أم يتوكلوا على الله ويثقوا به رغم طول الطريق؟
أفتونا بحكم الله ورسوله علما انه لم يصدر أي عالم فتوى بخصوص هذا الموضوع رغم أهميته سوى الشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان حفظه الله.


أقول وبالله التوفيق يتضمن هذا السؤال أسئلة ثلاث:
الأول: ما هو الحل على الطريقة اليمنية وما هو حكمه؟
الثاني: ما حكم الرضا بتحويل هؤلاء المجرمين إلى محاكم دولية؟
الثالث:ما حكم تعهد الجيش الحر بذلك وهل يجب عليه التراجع عن هذه التعهدات؟
الجواب الأول: تتألف المعارضة في اليمن من عدة شرائح؛ أهمها أحزاب اللقاء المشترك، وهي لقاء جماعة الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح) مع الشيوعيين والناصريين والبعثيين والعلمانيين والليبراليين بشتى فصائلهم، والحراك الجنوبي والحوثيين.
هؤلاء عارضوا وثاروا ضد حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وهو حزب علماني، والحقيقة أن الثورة اليمنية ليست قائمة على مبدأ وأهداف، إنما هو صراع على السلطة فالإخوان وهم أهم شريحة في اللقاء المشترك كانوا شركاء لعلي عبد الله صالح, والحزب الاشتراكي اليمني (الشيوعيون) قسمان؛ قسم متحالف مع الإخوان، وقسم متحالف مع المؤتمر, وقُل مثل ذلك عن البعثيين والناصريين، بل حتى في آخر انتخابات أعلن الأمين العام للإصلاح عبد الله حسين الأحمر أنه مع الرئيس.
فأصل النزاع هو نزاع على السلطة وليس صراع إيمان وكفر، وليس صراع مبادئ، وليس صراع ضد النفوذ الأمريكي، فالمؤتمر كان يخضع لبعض الأجندة الأمريكية، ولكن المعارضة بقيادة اللقاء المشترك تزاود عند أمريكا على حزب المؤتمر وتصرح علناً بأنها الأقدر على تنفيذ الأجندة الأمريكية سيما في حرب المجاهدين؛ حيث ستحاربهم باسم الإسلام المعتدل (الأمريكي)  بينما الحكومة لا تستطيع ادعاء الإسلام. بل في البرلمان كان المؤتمر يعارض بعض الأجندة الأمريكية مثل تمرير الموافقة على اتفاقية السيداو وعلى قانون زواج الصغيرة وعلى إعطاء أمريكا قواعد ثابتة بينما يندفع اللقاء المشترك وعلى رأسهم الإخوان والشيوعيين لتأييد الأجندة الأمريكية دون تحفظ, بل إن نواب وقيادات الإخوان صرحوا بقبول وصاية أمريكا على البلاد، وأنهم هم الأجدر والأقدر في حرب المجاهدين التي تسميها أمريكا الحرب على الإرهاب والتطرف.

فأهم ما كان يؤخذ على الحكم السابق هو التواطؤ مع أمريكا لضرب المجاهدين والتراخي مع الحوثيين مع علمانية الدولة, فلما جاءت حكومة الثورة جاءت متحالفة مع الحوثيين الذين يريدون إنشاء دولة شيعية بأجندة فارسية, والحراك الجنوبي الذي يريد الانفصال والعودة إلى ما قبل الوحدة, وهو مخطط أمريكي سعودي لتقسيم اليمن.كما أنهم يعلنون علمانية الدولة القادمة, وأول شيء قامت به الحكومة الجديدة لم يكن إنعاش الاقتصاد أو إصلاح الكهرباء أو المياه أو رفع المعاناة الشديدة عن المواطنين حيث عشرة ملايين تحت خط الفقر المدقع واليمن مهدد الآن بكارثة غذائية طبية كان أهم شيء عندهم تنفيذ التوجيهات الأمريكية بشن حربًا بقيادة أمريكا على المجاهدين.
والتوصيف الشرعي لثورة اليمن هو (ثورة جاهلية ضد حكم جاهلي وربما يكون الحكم السابق أقل جاهلية مع التأكيد على أن كلا الطرفين جاهلية من منظور الإسلام).
وعلى هذا لا يجوز شرعاً أن يكون الجهاد في سوريا وفق النموذج اليمني لا ابتداءً ولا أسلوباً ولا طريقة ولا نهاية وغاية.
فالجهاد في سوريا هو جهاد مسلمين ضد طائفة زنادقة وردة.

مع أن الكثير يحاول صرف التوجه الإسلامي الإيماني عن الجهاد وجعله ثورة ديمقراطية ضد الاستبداد لإنشاء دولة علمانية مدنية حديثة، ويقدم الإخوان ورقة التوت ويحسبون ذلك غطاءً شرعياً مزورًا لهذا الكفر. فنكون استبدلنا كفراً بكفر وهذا لا يجوز بأي حال من الأحوال.
السؤال الثاني: ما حكم الرضا بتحويل هؤلاء المجرمين إلى محاكم دولية؟.
والجواب أنه من المعلوم أن المحاكم الدولية تحكم بقوانين وضعية جاهلية والرضى بحكم الجاهلية كفر قال الله تعالى:(( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ))[المائدة:44]
وقال الله تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[النساء:65]
والقاعدة الشرعية أنه من نوى أن يكفر في المستقبل يكفر حالاً.
جاء في الموسوعة الفقهية: [قَال الإْمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَزْمُ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَل كُفْرٌ فِي الْحَال، وَكَذَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ يَكْفُرُ أَمْ لاَ؟ فَهُوَ كُفْرٌ فِي الْحَال، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ كُفْرَهُ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ .. وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ،]([1]).
فإعلان جهة ما أنها تقبل بأحكام غير أحكام الله هو كفر والعياذ بالله من ذلك.
الثالث: ما حكم تعهد الجيش الحر بذلك وهل يجب عليه التراجع عن هذه التعهدات؟.
لا بد من التنبيه أن الجيش الحر لا ينبغي أن يقود الجهاد أصلاً فغاية هؤلاء أن يكونوا جنوداً بعد أن خرجوا من الكفر وأعلنوا إسلامهم وهذه سنة الخلفاء الراشدين كما بينتها في مقال سابق بهذا العنوان.
فمن نعم الله على الجيش الحر التي يجب أن يشكروها أن منَّ الله عليهم وهداهم لترك جيش الطاغوت فليشكروا الله على نعمه. قال الله تعالى: ((قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ))[الحجرات:17] وهم مشكورون أيضاً أن تركوا الكفر والتحقوا بالإسلام ضد الطاغوت ولكن لا بد من التنبيه إلى أن الجيش الحر الذي انشق عن الدولة في غالبهم لا يحسنون الصلاة بل قسم منهم لا يصلي أصلاً وبالتالي هم لا يفقهون مثل هذه الأحكام والأصل أن لا يصدر الجيش الحر ولا أي جهة ثورية أمراً أو يتعهدوا تعهداً إلا بعد عرضه على العلماء الثقاة، والأصل أيضاً أن يتعلموا أمور دينهم وأن يندب لهم من يعلمهم الدين. وكل قول أو شرط أو تعهد مخالف لشريعة الله فهو باطل.
وعلى المجاهدين أن لا يتركوا أمثال هؤلاء يعبثون بجهلهم والأولى أن ينبهوا ويعلموا وتكون قيادة الجهاد بأيدي المجاهدين الذين يعلمون حدود ما أنزل الله. وقبولهم بالمحكمة الدولية باطل شرعاً, فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلا أَنْ يَكُونَ الوَلاَءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»([2]).
والأصل أن هذا الجهاد قام لإزاحة الحكم الكافر وإقامة دولة الإسلام فيجب ألا يتوقف حتى تحقيق الهدف في إقامة حكم الله عز وجل. وإن صدقنا مع الله ونفذنا شرطه فالنصر قريب بإذن الله فما علينا إلا أن نعبد الله حق العبادة ونقدّم حكمه في كل شيء ونلقي بالأهواء وراء ظهورنا ونتكل على الله حق الاتكال والله غالب على أمره.
وكتبه رضوان محمود نموس يوم الإثنين 15/رجب/1433هـ


[1]- : الموسوعة الفقهية الكويتية (42/ 307) ووردت بألفاظ متقاربة في شرح منظومة الإيمان (ص: 143، و العناية شرح الهداية (1/ 266) و شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/ 301) والمنثور في القواعد الفقهية (3/ 298) وفتح القدير للكمال ابن الهمام (1/ 266) وروضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 65) و كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: 495) و تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (9/ 89)
[2]- متفق عليه: صحيح البخاري (3/ 73) 2168 وصحيح مسلم (2/ 1142) 8 - (1504)


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.