موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

مواقف (1)


مواقف (1)

رضوان محمود نموس

روى الإمام الدارمي في سننه قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ثنا محمد بن عمرو بن الكميت ثنا يحيى بن وهب الهمداني حدثنا الضحاك بن موسى قال مر سليمان بن عبد الملك بالمدينة وهو يريد مكة، فأقام بها أياماً فقال: هل بالمدينة أحدٌ أدرك أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا له أبو حازم([1])، فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟
قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين وأي جفاء رأيت مني؟
قال: أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني؟
قال أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك.
قال فالتفت سليمان إلى محمد بن شهاب الزهري فقال أصاب الشيخ وأخطأت.
قال سليمان: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟
قال: لأنكم أخربتم الآخرة وأعمرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.
قال: أصبت يا أبا حازم، فكيف القدوم غداً على الله؟
قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه.
فبكى سليمان وقال: ليت شعري ما لنا عند الله ؟!
قال: اعرض عملك على كتاب الله.
قال: وأي مكان أجده؟

قال: إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم.
قال: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟
قال: رحمة الله قريب من المحسنين.
قال: يا أبا حازم، فأي عباد الله أكرم؟
قال: أولو المروءة والنهى.
قال: فأي الأعمال أفضل؟
قال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.
قال: فأي الدعاء أسمع؟
قال: دعاء المحسن إليه للمحسن.
قال: فأي الصدقة أفضل؟
قال: للسائل البائس وجهد المقل، ليس فيها منٌ ولا أذى.
قال: فأي القول أعدل؟
قال: قول الحق عند من تخافه وترجوه.
قال: فأي المؤمنين أكيس؟
قال: رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها.
قال: فأي المؤمنين أحمق؟
قال: رجل انحط في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره.
قال: أصبت، فما تقول فيما نحن فيه؟
قال: يا أمير المؤمنين أو تعفني؟!
قال له سليمان: لا، ولكن النصيحة تلقيها إلي.
قال: يا أمير المؤمنين، إن آباءك قهروا الناس بالسيف، وأخذوا هذا الملك عنوة على غير مشورة من المسلمين ولا رضاهم، حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، فقد ارتحلوا عنها فلو شعرت ما قالوه وما قيل لهم.
فقال له رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم.
فقال أبو حازم: كذبت، إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.
قال له سليمان: فكيف لنا أن نصلح؟
قال: تدعون التصلف، وتمسكون بالمروءة، وتقسمون بالسوية.
قال: وكيف لنا بالمأخذ به؟
قال: تأخذه من حله وتضعه في أهله.
قال له سليمان: هل لك أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك؟
قال: أعوذ بالله.
قال له سليمان: ولم ذاك؟
قال: أخشى أن أركن إليكم شيئاً قليلاً فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات.
قال له سليمان: ارفع إلينا حوائجك.
قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة.
قال سليمان: ليس ذلك إلي.
قال أبو حازم: فمالي إليك حاجة غيرها.
قال: فادعوا لي.
قال أبو حازم: اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والآخرة، وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى.
قال سليمان: قط
قال أبو حازم: قد أوجزت وأكثرت، إن كنت من أهله وإن لم تكن من أهله فما ينفعني أن أرمي عن قوس ليس لها وتر.
قال سليمان: أوصني.
قال: سأوصيك وأوجز، عظم ربك ونزهه أن يراك حيث نهاك، ويفقدك حيث أمرك.
فلما خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار، وكتب إليه أن أنفقها ولك عندي منها الكثير.
قال: فردها عليه وكتب إليه: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلاً أو ردي عليك بذلاً، وما أرضاها لك، فكيف أرضاها لنفسي، وقص عليه قصة موسى عليه السلام ... حيث قال موسى عليه السلام في آخر القصة عندما قدم له الطعام، أعوذ بالله، فقال له شعيب: لم أما أنت جائع؟
قال بلى ولكني أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما وإنا من أهل بيت لا نبيع شيئاً من ديننا بملء الأرض ذهبا.
فقال له شعيب: لا يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام، فجلس موسى فأكل.
فإن كانت هذه المائة دينار عوضاً لما حدثت فالميتة والدم ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحل من هذه، وإن كان لحق في بيت المال، فلي فيها نظراء، فإن ساويت بيننا وإلا فليس لي فيها حاجة.
·                  سنن الدارمي، المقدمة/ باب 56/ باب في إعظام العلم.



[1] - أبو حازم: هو سلمة بن دينار، الإمام القدوة الواعظ، شيخ المدينة النبوية، أبو حازم المدني المخزومي مولاهم، الأعرج، الأفزر، روى عن سهل بن سعد، وأبي أمامة وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وروى عن ابن شهاب وغيره، وثقه ابن معين وأحمد وأبو حاتم، وقال ابن خزيمة: ثقة لم يكن في زمانه مثله، روى ابن عيينة عنه أنه قال: اشتدت مؤنة الدين والدنيا، قيل: وكيف؟ قال: أما الدين فلا تجد عليه أعواناً، وأما الدنيا ، فلا تمد يداك إلى شيء منها إلا وجدت فاجراً فد سبقك إليه، وعنه أيضاً: ليس للملوك صديق، ولا للحسود راحة، والنظر في العواقب تلقيح العقول، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما رأيت أحداً الحكمة أقرب إلى فيه من أبي حازم، وقال أيضاً: إن خير الأمراء من أحب العلماء وإن شر العلماء من أحب الأمراء.
توفي سنة 135 هـ / عن سير أعلام النبلاء /باختصار.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.