قيادة المجلس السوري وعلامات الساعة
رضوان محمود نموس
روى البخاري بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {إِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الأمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ(1)]
وروى أحمد بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ, وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ, وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ, وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأمِينُ, وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَال: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ}(2)
أما بعد. فإني أقدم للقارئ سلسلة "تراجم بعض أهم شخصيات المجلس ليكون الناس على علم", بالأشخاص الذين يرشحونهم لريادة الأمة وقيادة الركب في هذه المرحلة الخطرة من تاريخنا
فالريادة أمر كبير, ومرتقىً خطير, لا يستطيعه إلا من وفقه الله للهداية, وأبعده عن مضلات الهوى والغواية, والرائد من الارتياد, والجمع روَّاد, وفي حديث عليّ في صفة الصحابة رضوان الله عليهم أَجمعين: "يدخلون رُوَّاداً, ويخرجون أَدلة " أَي يدخلون طالبين للعلم ملتمسين للحلم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويخرجون أَدلَّة هُداة للناس. وأَصل الرائد الذي يتقدّم القوم يُبْصِر لهم الكلأَ ومساقط الغيث(3)
فمن تقدَّم قومه كان رائدهم, فمنجيهم أو موبقهم, لاختياره المسالك, وتجنُّبه أو وروده المهالك, فمن ارتاد المنتجع الأوسع, والمكان الأرفه الأمتع, كان كوفد عبد القيس, فيما ابتغى من الكَيْس, فكان فأل القبيلة وسعدها, وبمثله قيل: (قتل أرضاً عالمها), ومن ترك اللائق, وركب المزالق, كان كقُدار, يُحلُّ أهله دار البوار, ويورد شيعته مهلكها, وبمثله قيل: (قتلت أرضٌ جاهلها), وفي المثل "الرائد لا يكذب أهله" ولا يمنع فضله.
والريادة طريقان: طريق فذٌّ واحد يهدي إلى الجنان, فأفرده الله عز وجل ووصفه بالنور فقال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور)(4)
وقال الله تعالى: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(5)
وآخر ينشعب إلى شُعَب, وكلها يُفضي إلى أم لهب, ووسمه الله تعالى بالظلمات وذكره بصيغة الجمع فقال سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(6)
وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(7)
وفرعون الذي اتخذه قومه رائداً فأطاعوه, وهادياً فاتبعوه, أوردهم ما يستعيذ منه المسلمون, ويحفد إليه ويسعى الكافرون, فقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِين * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)(8)
وقال الله تعالى: (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى)(9)
وأرشد الله تعالى عباده رحمة بهم, وشفقة عليهم إلى الأسوة والمثال, والقدوة والكمال, الذي إن اتبعوه وتأسَّوا به نجوا, وإن تنكَّبوا عنه ضلُّوا وهلكوا, فقال جلَّ من قائل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)(10)
وقال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) وقال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(11)
وروى الترمذي بسنده عَنْ حُذَيْفَةَ بن اليمان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: {اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ}(12).
وروى مسلم بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ, ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ, فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ}(13)
وروى ابن ماجة بسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه tِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: {فَخَطَّ خَطًّا وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ, وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ, ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأوْسَطِ فَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ, ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه]}(14)
وروى البخاري بسنده عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال: {كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ. قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا}(15)]
فقيادة الأمُم على الطريق الأمَم, شأن عظيم جليل, وحريٌّ بمن تصدى له: الانقياد للتنزيل, والاستضاءة بمشكاة النبوة, وأخذ ما أنزل الله بقوة, مع رسوخ قدم في الدين, والنزول منه في عين اليقين, والأخذ بمحمود الشمائل, وذروة الفضائل, من أرباب الاجتهاد, وأعلام الجهاد, مع توسُّط باحة الحق, وشغف بإنقاذ الخلق, ذو رأي بازل, يصيب من الصواب المفاصل, بعيد الغور, عميق الحور, جذل محكَّك, قطب محنَّك, يتبع منهج خير القرون, لا مناهج الاستشراق والماسون !!
وبرهان غليون. ما عرفناه إلا يسارياً اشتراكياً يافعاً, وماركسياً لينينياً شرقياً عندما استوى رجلاً, وعلمانياً غربياً لما صار كهلاً.
ويريد أن يقدِّم نفسه للأمة مصلحاً, ولنهضتها باعثاً, ولمجدها مجدِّداً, ومن خندق الحرية, وعلى جماجم الشباب؛ وأشلاء الشهداء, يريد قيادة السفينة وادعاء النضال. والمدّعون كُثر, والعاملون نُذر, ومن قنع بالدعاوى ضاع زمانه, ومن بحث وتحقق طالت أحزانه, فهو يدعو الأمة إلى طريق خطَّه قبلُ أقوام, كانوا وما زالوا حرباً على الإسلام.
فقمت - بعون الله - لكشف الغطاء, وفحص الادِّعاء, أحقٌّ هو أم افتراء؟! ففلَّيْت ما نطقت به ألسنتهم, وأمعنتُ النظر فيما رقمه بنانُهم, وأدرت الرأي بما شهد به المعاصرون, وأثبته المخاصمون, وقلَّبت الطرْف في نقل المحبين والأتباع, ونقّرت ما تواتر وشاع, باحثاً عن الحقيقة, مبيِّناً معالم الطريقة, ليحقَّ الحق ويَزهق الباطل, والزبد جفاء زائل.
وأنا على يقين أن جيوشاً من الخادعين والمخدوعين, والمعمَّى عليهم والعِمين, والسذَّج والمدلسين, وجحافل الماسون والمنافقين, وكتائب التهويش والتزوير أعلنت الحشد والنفير, مستخدمة دنيء الوسائل وخسيسها, متذرِّعة بمنحط الطرائق وخبيثها, لكَفْر الحق بركام الأباطيل, وحَجب الشمس بغرابيل التضليل, ولكن للحق نور يراه من لم تشوَّه فطرته, وسلِمت من الأهواء سريرته, وعصاً تلقف ما يأفكون, وريح تعصف بما يبهرجون, وصوت يسمعه القريب والبعيد إذا كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وبرهان غليون ورهطه على الزيغ متواطئون, وفي الضلالة سادرون, وفي الغيّ يعمهون, وفي الأهواء يسبحون, زمرة ألِفت المنكر وألِفها, ونكِرت المعروف ونكِرها, عشقت الآثام, وعاشرت الحرام, وأُشربت أفكارَ الملحدين, واستهوتها الشياطين, وتصدت للأخلاق, وركبت متن الشقاق, وسلَّت على الدين كل صارم, ضرباً بالأركان والدعائم, فأجلبت عليه بخيلها ورجِلها, واستنفرت زخرفها وباطلها, ومن ورائهم إبليس يؤزُّهم أزّاً, والماسونية ترجز لهم رجزاً.
فصحبه كُلَّهم أجمعين أبضعين أبتعين - إلا أقل القليل لذر الرماد في العيون - هم ما بين شيوعي مأفون, أو نصرانيّ هالك, أو علماني مظلم حالك, أودرزيّ على مذهب القدَّاح, أومرتدٍّ تلبَّس بالكفر البواح, أوقوميّ يدعو إلى المُنتنة, أو لا دينيٍّ من أصحاب المشأمة, أومن جمع هذه الخلال يريد عزل الدين عن حياة المسلمين, اتِّباعاً لطواغيته الكافرين.
ثم يزعم بعض الطغام أنهم هادون مهديُّون, وروَّاد مصلحون, مع إيلاجهم في الغواية, وإيغالهم في العماية, وإمعانهم في التيه والطغيان, وإبحارهم في الفساد والخسران, وانسيابهم في شِعاب الباطل, وتسكُّعهم في بيداء الرذائل, لايقبضون يداً عن منكر, أعماهم التصلف والبطر, نبذوا كتاب الله وراءهم ظهريَّا, وعبدوا أهواء ساداتهم بغياًً وغيّاً, ويسمُّون ذلك عقلاً, وعلماً وفضلاً, فلا يرضون بالقرآن والسنن الهادي لأقوم سنن, فالوحيان يتُّبعهما الرجعيون, بينما هم روّاد تقدميّون. زعموا أن لهم عقولاً أسمى من الآيات, تتحكم في الأرض والسموات, لها الأمر في الدنيا والدين, والأولين والآخرين, منها يؤخذ الجواب, والحكم وفصل الخطاب, وإليها وحدها المآل, صاحبة السيادة والجلال, تشرع الشرائع, دون معارض أو مدافع, وتسنّ القوانين والنظام, على جميع الأنام, لاتثبت أمامها النصوص, فلا يخضعون إلا لأهوائهم, بل لأهواء كبرائهم؛ من مستشرق حاقد, أو باطنّي معاند, أو ماسونيّ خسيس, تلقَّى عن إبليس, زاعمين أن اتِّباع الوحي خَطَل لايليق بمن عقل, ولقد أكذبهم الله فقال سبحانه: (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ)(16)
وقال الله تعالى: (بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(17)]
وقال الله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ(18)]
وقال الله تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا)(19)
وقال الله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ)(20)
فأخبرهم الله تعالى أنه لاعقول لهم، إنما ظنوا أهواءهم عقولاً, كمن يحسب السراب ماءً, والورَمَ امتلاءً, والعَجاجة جبلاً, والغائط عسلاً, ولكن ليس كل ما يَلْمع ذهباً, ولا كل ما يُعصَر عنباً.
ودلاّهُم دلاَّلُهُم بحسن حالهم, وعظيم مقالهم, فركبوا وأركبوا غيرهم متن الغرور والمصائب, وهَدوا إلى ريق الحية وحمة العقارب.
ولقد وصف الله تعالى حال أمثالهم وحالهم فقال
(وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)(21)
ولوكان لهم عقول لتقيَّدوا بالمنقول, وتمسَّكوا بالأصول, وتركوا العناد والخداع, وآثروا الاتباع.
قال تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)(22)
وقال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)(23)
اتبعوا الهوى فأصمَّهم وأعمى أبصارهم, وأذلَّهم وأرداهم, فخبطوا في الجهالات, وركبوا العشوات, وتهافتوا في الغرور, وتتابعوا في الشرور, ثم ألقوا رحلهم في خيمة الماسونية لبناء هيكل اليهودية, متخذين إبليسَ إمامهم, إذ مكَّنوه زمامهم, يأتمون بهديه, ويطرقون طريقته, ويجْرون على منهاجه, ويقتفون أثره, فبئس لهم الإمام والمستقر والمقام.
ولقد نهى الله سبحانه عن اتباع الهوى, وبيَّن أن من اتبعه فقد غوى. فقال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(24)
وقال الله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَالَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(25)
وقال الله تعالى: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)(26)
وقال الله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)(27)
وقال تعالى: (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)(28)
والآيات كثيرة لمن أراد أن يتدبر, وأن يتبع ما قال الله وأمر, ورغم هذا يحاول غليون ورهطه والمفتونون به ترويج باطلهم على الرِّعاع, بترَّهات وخداع, ومكر وروغان, ومداجاة وزيغان. وبأدنى نظر إلى ما صنف غليون ونشر, يتكشف عن باطن نَغْل, وحقد على الإسلام لاينحَلّ, وكشحٍ طُويَ على السخائم, وصدر فاح حسيكةً وعظائم, ينصب للمسلمين الحبائل, ويبثُّ لهم الغوائل, لم يتخلَّ يوماً عن ضلاله الذي كان عليه, وغيِّه الذي يدعو إليه. علمانية لادينية , وكفر متخندق بالمراكز العالمية.
فإذا نظرت إليهم وجدتهم يحملون أسماء إسلامية, وإذا نظرت إلى المضمون والإعداد, وجدته معول هدم في الإسلام, لا يحمله إلا مستغرب مُسَيَّر, أُشْرِب قلبه بالهوى والتفرنج. ومعلوم أن القول والفعل دليل على ما في القلب من إيمان ونفاق؟!...هذا مع ما يحيط بهم من غرور واستعلاء, تولّد من نفخ بعضهم في بعض.
أفمثل هذا الفريق الفاشل يجوز أن تُنصب له منابر الزعامة, ويوجّه الفكر في الأمة؟ ألا إن هذا مما يملأ النفس ألماً وحزناً وأسفاً على أمة يكون أمثال هؤلاء من أفرادها فضلاً عن أن يكونوا روَّاداً لها.
عارٌ - والله - أن تصبح قيادة الأمة في هذا العصر بأيدي هذه الفئة المضَلّلة المُسَيَّرة التي خالفت جماعة المسلمين, وفارقت سبيلهم, واشتغلت بتطميس الحق, ونصرة الهوى, عليهم من الله ما يستحقون, وحسابهم عند ربهم, ونحذرهم من سطوة الله وغضبه ومقته, ولن يغلب الله غالب, ونتلو عليهم قول الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)(29)
قال الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله تعالى - في مقدمة جامع الترمذي(30): (وليعلم من يريد أن يعلم... مِن رجل استولى المبشرون على عقله وقلبه فلا يرى إلا بأعينهم, ولا يسمع إلا بآذانهم, ولا يهتدي إلا بهديهم, ولا ينظر إلا على ضوء نارهم يحسبها نوراً, ثم هو قد سماه أبواه باسم إسلامي وقد عُدَّ من المسلمين - أو عليهم - في دفاتر المواليد وفي سجلاّتِ الإحصاء, ... ثم هو يأبى أن يعرف الإسلام ديناً أو يعترف به إلا في بعض شأنه في التسمِّي بأسماء المسلمين, وفي شيء من الأنكحة والمواريث ودفن الموتى. أو من رجل مسلم عُلِّمَ في مدارس منسوبة للمسلمين, فعرف من أنواع العلوم كثيراً, ولكنه لم يعرف من دينه إلا نزراً أو قشوراً, ثم خدعته مدنية الإفرنج وعلومهم عن نفسه, فظنهم بلغوا من المدنية الكمال والفضل, وفي نظريات العلوم اليقين والبداهة, ثم استخفَّه الغرور, ...أو من رجل كشف عن دخيلة نفسه, وأعلن إلحاده في هذا الدين وعداوته ممن قال فيهم القائل " كفروا بالله تقليداً " أو من رجل ممن ابتليت بهم الأمة في هذا العصر, ممن يسمِّيهم أخونا النابغة الأديب الكبير "كامل كيلاني" (المجدِّدينات)... هكذا – والله – سماهم هذا الاسم العجيب, وحين سأله سائل عن معنى هذه التسمية أجاب بجواب أعجب وأبدع: هذا جمع مخنث سالم ! فأقسم السائل أن اللغة العربية في أشد الحاجة إلى هذا الجمع في هذا الزمن)](31)
وإن ماقاله الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ومئات أضعافه عن أولئك أصحاب الألسنة المشقشقة, والقلوب المغلقة, هو في هؤلاء الأوشاب, فهم شرذمة مابين ملاّق وخلاّب, وكفر بعضهم لا تلابسه غمّة وقد أُميط حجابه, وسطعت عليه شمس الحقيقة فهتك إهابه, ومنهم من أدجنت على بعض المغفلين سماؤه, وخفيت على السذج أنباؤه, وبهؤلاء كبرت البلية, وعظمت الرزية, فانساح باطلهم على بعض المسلمين, وانطلت زخارف سماسرتهم على رهط من الصالحين, فقالوا بمدحهم غالطين, إمَّعة مقلدين, وهذا شيء من ظلام التقليد, فكم أفقد أهله الرأي السديد, وأزرى بالرجال, وضلل الأنجال, مَخجَلة لأهل الحياء, تكِأة لأهل الشقاء, فحقُّ الجاهل السكوت والاستماع, وليس التبجُّح والاختراع.
وأسأل الله العزيز أن يكون هذا البحث دفاعاً عن كيان الأمة ودينها من أن يُقتحَم عرينُها, أوتُدمّر ثقافتها, أويسلب تراثها, أويُضيَّع حاضرها, ويُسرق مستقبلها, أويعتدى على مقدساتها, أويعبث بذلك العابثون, ويحرفه المحرِّفون, وتصفق لهم الدهماء, وتؤازرهم الغوغاء في أعمالهم التخريبية, وأهدافهم التضليلية, لأن هؤلاء الضالين المضلِّلين يساهم بعضهم عن كيد وإصرار, وآخرون عن غفلة واستهتار في منع ظهور الريادة الحقيقية للأمة الإسلامية, ويؤثرون البقاء في ظلاماتهم لأنها أستر لتخريبهم, وأخفى لانحرافهم, ولكن الله يأبى إلا أن يتم أمره وينفذ قضاءه, ويشرق نور الإسلام على دياجير الظلام.
اللهم فهيء لنا أئمة ينالون عهد الرحمن, ولا يسيرون تحت راية الشيطان, يقتدون بإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام, وينكبون عن طريق الطواغيت أعداء الإسلام, يسيرون على نور الكتاب والسنن لا في ظلمات الأهواء والفتن, يهتدون بالمنقول والأثر, ولا يتبعون مضلات العقول والنظر, ينهجون نهج الرسول, لامنهاج ابن أبيِّ بن سلول.
اللهم إنا نسألك أن تهيء لنا علماءَ باعوا لك أنفسهم وأموالهم, ولم يبيعوا للحكام دينهم بدنياهم, اللهم نوِّر بصائرنا وأبصارنا فلا يخدعنا الخبُّ المخاتل, واعصمنا من مداجاة المراوغ المماحل.
اللهم إنك أرشدتنا لمعرفة المنافقين بلحن القول, فآتنا من لدنك قوة نواجه بها أعداءك فلا يخاف لهم صول, فبيدك القوة والحول.
[1] - رواه البخاري برقم (6496 ).
[2] - رواه أحمد برقم ( 7852 )
[3] - انظر لسان العرب ( 3 / 187 )
[4] - سورة البقرة: 257.
[5] - سورة إبراهيم: 1.
[6] - سورة البقرة: 257.
[7] - سورة الأنعام: 39.
[8] - سورة هود: 96 - 99.
[9] - سورة طه: 79.
[10] - سورة الأحزاب: 21.
[11] - سورة الممتحنة: 4 - 6.
[12] - رواه الترمذي برقم ( 3662 )
[13] - رواه مسلم برقم (50 )
[14] - رواه ابن ماجة برقم ( 11)
[15] - رواه البخاري برقم ( 3606 )
[16] - سورة القمر: 3.
[17] - سورة الروم: 29.
[18] - سورة البقرة: 171.
[19] - سورة الفرقان: 44.
[20] - سورة الملك: 10- 11.
[21] - سورة الأنعام: 119.
[22] - سورة البقرة: 9.
[23] - سورة هود: 21.
[24] - سورة الجاثية: 23.
[25] - سورة البقرة:120.
[26] - سورة المائدة: 48.
[27] - سورة المائدة: 49.
[28] - سورة المائدة: 77.
[29] - سورة البقرة: 235.
[30] - مقدمة جامع الترمذي ص / 71 - 72.
[31] - عن كتاب حراسة الفضيلة للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ص / 129 – 134.
0 التعليقات:
إرسال تعليق