العقل والعقلانية والعقلانيون(2)
دور الماسونية في تقديم العقل.
رضوان محمود نموس
لما كانت الماسونية صنيعة إبليس في الأساس فقد أمرها بتنفيذ المخطط فأعلنت الماسونية النور شعاراً لها, وصورت نوراً يشرق على الدنيا, ثم فسرت النور بأنه العقل:
يقول يوسف الحاج:- وقد كان أحد الأساتذة العظام في الماسونية ثم منْ الله عليه فتركها- [ 1. يسمي الماسون الرمزيون المكان الذي يجتمعون فيه محفلا أو هيكلا رمزا للكون الذي هو هيكل الله، بينما الملوكيون يرمزون به إلى هيكل سليمان الذي يرى فيه اليهود شعار وطنهم القومي.
2. يستعمل الماسون النور رمزا إلى نور العقل الإنساني أما الملوكيون فيرمزون به إلى النور الذي كان يتجلى فيه الله لسيدنا موسى وإلى عامود النور الذي رافق بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر.
3. البناية الحرة هي نفس هيكل سليمان في عرف الملوكيين بينما يعتبرها الرمزيون علما إنسانيا يتقدم فيه الإنسان تدريجيا [( 1).
ويقولون: [خلود الروح هو خلود نور العقل [( 2).
] والحجر المنحوت هو حجر مكعب ولا يمكن التحقق منه إلا بالزاوية والبرجل الذي يدل على العقل البشري حينما يبلغ كماله]( 3)
وقال عبد الوهاب المسيري:[توجد ثلاث عناصر تميز الماسونية ... أما العنصر الثالث وهو العنصر الربوبي، أي الإيمان بالخالق بدون حاجة إلى وحي [( 4).
وقال المسيري: [وربما تكون مركزية رموز آلات البناء تعبيرا عن النسق الهندسي والآلي الكامن في الماسونية، وعن رغبة التحكم في كل من الذات الإنسانية والكون من خلال صيغ رياضية (ولعل المقارنة هنا مع فلسفة اسبينوزا وطموحه نحو لغة رياضية هندسية دقيقة مقارنة لها دلالة عميقة)
لا يمكن إذن فهم الماسونية إلا بوضعها في السياق الفكري وكما يعرف دارسو تاريخ أوربا فإنه بعد ظهور فكر عصر النهضة ولد فكر عصر العقل والاستنارة والإيمان بالقانون الطبيعي والعلمانية الشاملة هي نزع القداسة عن العالم الإنسان والطبيعة والإيمان بفعالية القانون الطبيعي في كافة مجالات الحياة الطبيعية والإنسانية وإنكار أي غيب، وإلا لما أمكن التحكم في الكون والإنسان والطبيعة وتوظيفه واستخدامه وتحويله إلى مادة استعمالية، وقد انعكس هذا في فكرة الإنسان الطبيعي العقلاني أو الأممي وهو إنسان عام لا يتميز عن إنسان آخر، صفاته الأساسية عامة، أما صفاته الخاصة فلا أهمية لها، وهو إنسان عقلاني إن أعمل عقله بما فيه الكفاية لتوصل إلى نفس الحقائق التي يتوصل إليها الآخرون بغض النظر عن الزمان والمكان، ومن ثم يمكن لهذا الإنسان أن يصل إلى فكرة الخالق بعقله بدون حاجة إلى وحي إلهي أو معجزات، أي دون الحاجة إلى دين مرسل، أي أن الإنسان الطبيعي العقلاني العالمي الأممي يمكنه أن يتوصل بعقله إلى الإيمان بدين طبيعي عقلاني عالمي.
ويمكن القول إن الدين الطبيعي أو الربوبية كما كانت تدعى هو تعبير عن معدل منخفض من العلمنة أو تعبير عن علمانية جنينية، فهي تستجيب لحاجة أولئك الذين فقدوا إيمانهم التقليدي بالدين ولكنهم لا يزالون غير قادرين على تقبل عالم اختفى منه الخالق تماما، أي أنهم بشر جردوا العالم من الدين والقداسة واليقين المعرفي والأخلاقي، ولكنهم احتفظوا بفكرة الخالق في صيغة باهتة لا شخصية، حتى لا يصبح العالم فراغا كاملا، والفكر الربوبي لا يطالب من يؤمن به أن يتنكر لدينه إذ أن المطلوب هو أن يعيد المؤمن تأسيس عقيدته لا على الوحي وإنما على قيم عقلية مجردة منفصلة تماما عن أي غيب، أي منفصلة عن الأنساق الدينية المألوفة للتفكير. فالربوبية في واقع الأمر هي فلسفة علمانية تستخدم خطابا دينيا أو ديباجات دينية للدفاع عن العقل المادي المحض وعن الرؤيا التجريبية المادية. ومن ثم فهي وسيلة من وسائل علمنة العقل الإنساني [( 5).
ويقول المسيري: [وإن أردنا تلخيص فكر أولى الماسونيات التي نقابلها ولنسمها "الماسونية العقلانية" أو"الماسونية الربوبية" لقلنا إنها تنادي بتوحيد كل البشر من خلال العقل، كما تنادي بإسقاط الدين مع الاحتفاظ بالخالق خشية الفوضى الشاملة، ولذا فقد جاء في تعريف الماسوني أنه (ذكر بالغ يلتزم بالنسق الديني الذي يوافق عليه جميع البشر) وهذا هو الإيمان بالخالق أو الكائن الأسمى "مهندس الكون الأعظم" أو الإيمان بالجوهر العقلي للدين والذي يمكن للعقل أن يصل إليه[( 6).
وقال أيضا: [وقد اكتشف الإنسان الغربي منذ عصر نهضته بعد ظهور ماكيا فيللي وهوبز وفكرة القانون الطبيعي وضعف الإطار المسيحي التقليدي واندماج سلطة الكنيسة الدنيوية أن المطلق الوحيد هو الدولة، وأن مصلحتنا العليا هو المطلق الأخلاقي الأسمى. ومثل هذه الفلسفة تضع الخالق والغيب في موضع هامشي بل والأهم من هذا أنها تعلم الإنسان وتجعله يستبطن هذه القيمة المطلقة حتى يخضع لإرادة الدولة بدلا من إرادة الخالق. لكن كل هذا يتم داخل إطار عقلاني هادئ يشجع على تطويع الإنسان وتطبيعه [( 7).
وقال أيضاً: [وفي هذا الإطار الجديد ظهرت الماسونية الثالثة التي تتخذ موقفا إلحاديا أكثر صراحة وبدلا من العقلانية الربوبية شبه المادية التي تستخدم ديباجات أخلاقية وروحية تسقط الماسونية تدريجيا كل هذه الديباجات وتدور تماما في إطار العقلانية المادية الكاملة [(8).
وقال أيضاً: [وقد بينا أن الماسونية بدأت كدعوة ربوبية فهي نسق فكري ديني متكامل يستند إلى العقل المادي وحسب لا إلى العقل والغيب معا يحدد علاقة الإنسان بالخالق وبالطبيعة وبطرق المعرفة [(9)
وقال أيضاً: [تشكل الماسونية دعوة ربوبية رخوة تعددية تستند إلى العقل وهي تطرح على المؤمن بها عقيدة متكاملة ](10).
ويقول أنور الجندي: [وفي إطار الماسونية مضت حركة التنوير وظهر فلاسفة التنوير الذين جعلوا دعوتهم الاعتماد على العقل ولم يقبلوا إلا سلطانه وهم دعاة الدين الوضعي، وذلك بعد أن أزالوا مفهوم الدين الحقيقي من الغرب لفرض مفهومهم البديل. فهم قد ورثوا الحضارة الغربية وتسلموها ولم يكونوا قد شاركوا فيها أساسا، إذ فرضوا أنفسهم على الفكر الغربي وسيطروا عليه سيطرة كاملة ثم أباحوه لا دينية ولا أخلاقية. والإباحة وفق مناهج فلسفية ذات طابع علمي براق، كان هدف الماسونية من ذلك تحطيم أوربا وعقيدتها لتجعلها مؤهلة للاحتواء داخل الفكر التلمودي الصهيوني لتحقيق هدفها في السيطرة، لقد استغلوا كل الفلسفات والآراء وحولوها إلى غايتهم، تحت اسم الفكر الحر والتحرير العقلي وكان فلاسفة الموسوعة هم مقدمة الثورة الفرنسية ديدرو، دالمبير، مونتسيكو، روسو, فولتير.
وبرزت فكرة الدين الوضعي أي الدين القائم على العقل بعقائده وطقوسه ومؤسساته وكان التركز على التحرر من سلطان المسيحية بالعمل على التحرر من سلطان الكنيسة، وكان كل العاملين في هذا المخطط الفلسفي من خدام اليهودية التلمودية التي تشكلوا فكريا في محافل الماسونية ومنهم فولباخ الذي أنكر وجود الله وخلود الروح وحولوا نظرية دارون عن أصل الأجناس والتطور البيولوجي إلى نظرية اجتماعية عامة لهدم القيم الأساسية والدينية والأخلاقية(11)[
] وكان من المبادئ الأساسية التي تبناها لوثر والبروتستانت المبدأ الماسوني القائل بالخروج من كل سلطة غير سلطة العقل [(12).
وقال زعيم الماسونية الفرنسية "روجيه": [إن الماسون لا يرضون براحة إلى أن يقفلوا كل الكنائس فيجعلوها هياكل لحرية الضمير ولإله العقل (13) [
فمختصر أقوال الماسون عن العقل هي:
1- العقل هو نور الدنيا.
2- العقل هو الإله.
3- إيجاد دين وضعي يستند إلى العقل فقط.
4- التحرر من كل سلطان بما في ذلك سلطان الله إلا سلطان العقل.
وبعد الفتوحات الإسلامية خولفت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ترجمت كتب الملل والثقافات الكافرة, فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ منْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُابِ, فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ فَقَالَ: {أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي(14).}
ولما خالف المسلمون هذه السنة, وعمدوا إلى كتب الكفر والضلال والزندقة فترجموها, تأثر بها بعضهم وتشوش اعتقاده, فوجدت الماسونية الظرف ملائماً فخرقت دفاعاتنا, وفعلت من التخريب ما فعلت.
[ قال شيخ الإسلام ابن تيمية الخ ما ذكره في الحموية ثم أصل هذه المقالة – أي مقالة تقديم العقل- إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين فإن أول من حُفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام هو الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه وقيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم اليهودي وأخذها طالوت عن لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وكان الجعد بن درهم هذا فيما قيل من أهل حران وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة... وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حران وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته وأخذها الجهم أيضا فيما ذكره الإمام أحمد وغيره لما ناظر السمنيَّة عن بعض فلاسفة الهند وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات فهذه أسانيد جهم ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالين إما عن الصائبين وإما من المشركين [(15).
وقال ابن القيم: [فاليهود شيوخ المحرفين وسلفهم فإنهم حرفوا كثيرا من ألفاظ التوراة وما غلبوا عن تحريف لفظه حرفوا معناه ولهذا وصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأمم ودرج على آثارهم الرافضة فهم أشبه بهم من القذة بالقذة والجهمية فإنهم سلكوا في تحريف النصوص الواردة في الصفات مسالك إخوانهم من اليهود ولما لم يتمكنوا من تحريف نصوص القرآن حرفوا معانيه وسطوا عليها وفتحوا باب التأويل لكل ملحد يكيد الدين فإنه جاء فوجد بابا مفتوحا وطريقا مسلوكة [(16).
وقال أيضاً: [وقال وكيع أحدث هؤلاء المرجئة الجهمية والجهمية كفار والمريسي جهمي وعَلَمَهم كيف كفروا قال يكفيك المعرفة وهذا كفر والمرجئة يقولون الإيمان قول بلا عمل وهذا بدعة ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر بما أنزل على محمد يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وقال وكيع على المريسي لعنه الله يهودي [(17).
وقال شارح الطحاوية [وكان جهم... اتصل بالجعد وقد قيل إن جعدا كان قد اتصل بالصابئة الفلاسفة من أهل حران وأنه أيضا أخذ شيئا عن بعض اليهود المحرفين لدينهم المتصلين بلبيد بن الأعصم الساحر الذي سحر النبي فقتل جهم بخراسان قتله سلم بن أحوز ولكن كانت قد فشت مقالته في الناس وتقلدها بعده المعتزلة ولكن كان جهم أدخل في التعطيل منهم لأنه ينكر الأسماء حقيقة وهم لا ينكرون الأسماء بل الصفات [(18).
وتمكنت الماسونية من تأسيس محفل كبير لها يرعى بقية محافلها، هذا المحفل هو ما عرف بـ(إخوان الصفا وخلان الوفا), لذا نرى أن جمال الدين الأفغاني عندما قدم طلباً للالتحاق بالماسونية قال فيه:
]يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة. جمال الدين الكابلي، الذي مضى من عمره سبعة وثلاثون سنة:
بأني أرجو من إخوان الصفا وأستدعي من خلان الوفا، أعني أرباب المجمع المقدس الماسون، الذي هو عن الخلل والزلل مصون،أن يمنوا علي ويتفضلوا إلي بقبولي في ذلك المجمع المطهر، وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر، ولكم الفضل.
الخميس 23 ربيع الثاني 1292 هـ.
التوقيع: جمال الدين الكابلي ]
وهذه صورة الرسالة بخط يده:
[1] - جذور البلاء – عبد الله التل,ص / 122- 133.
[2]- الماسونية نشأتها و أهدفها - أسعد السحمراني، ص/ 96.
[3] - الأسرار الخفية في الجمعية الماسونية – شاهين مكاريوس,ص / 41 – 47.
[4]- اليد الخفية - عبد الوهاب المسيري، ص / 117.
[5] - المصدر السابق ,ص / 122
[6] - المصدر السابق,ص / 123.
[7] - المصدر السابق,ص / 124.
[8] - المصدر السابق,ص / 125- 126.
[9] - المصدر السابق,ص / 131.
[10] - المصدر السابق,ص / 132.
[11] - المخططات التلمودية – أنور الجندي,ص /46- 51.
[12]- المسيح ولد يهودياً: مارتن لوثر - مقدمة المترجم محمد السماك.
[13]- الماسونية ذلك العالم المجهول,ص / 229.
[14] - رواه أحمد برقم (14736)
[15] - شرح قصيدة ابن القيم لاحمدبن إبراهيم بن عيسى, (1/ 49)
[16] - الصواعق المرسلة لابن قيم الجوزية (1/ 216)
[17] - المصدر السابق، (4/ 1402)
[18] - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (1/ 591)
0 التعليقات:
إرسال تعليق