موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 20 نوفمبر 2011

السمَّاعون


السمَّاعون
رضوان محمود نموس

بدأ الداء الخطير يتسلل إلى الدولة العثمانية بعد الامتيازات وتسلل الثقافة الغربية فأدخلت بعض القوانين والنظام القنصلي ثم جاءت المطالبة بالدستور فوضعوا دستوراً كدساتير أوربا  ونشأ الفكر القومي ودخلت الماسونية على الخط كما نشأت الجمعيات السرية والأحزاب وانتهت الدولة بعد ذلك.
واحْتُلت قبيل انهيار الدولة مصر من قبل الفرنسيين والهند من قبل الإنجليز فماذا كان هدف المحتل الأول؟!!
 بعد فرار نابليون من مصر وتسليم الأمور إلى كليبر، أرسل نابليون رسالة من فرنسا إلى كليبر في مصر ننقل فقرة منها لعلاقاتها الماسّة بموضوعنا ولتبيين خفيات الأمور.
يقول نابليون في رسالته:
[ ستظهر السفن الحربية الفرنسية بلا ريب في هذا الشتاء أمام الإسكندرية أو البرلس أو دمياط. يجب أن تبني برجاً في البرلس. اجتهد في جمع 500 أو 600 شخصاً من المماليك

حتى متى لاحت السفن الفرنسية تقبض عليهم في القاهرة أو الأرياف وتسفرهم إلى فرنسا، وإذا لم تجد عدداً كافياً من المماليك فاستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان، فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يحجزون مدة سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا، ولمّا يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب يضمّ إليه غيرهم. ]([1]).
ويتضح لنا من هذه الرسالة أن أخذ المصريين إلى فرنسا لنقل التقاليد والعادات الفرنسية هدف فرنسي، فلما فشل نابليون والحملة الفرنسية بتنفيذه قام به محمد علي باشا وحسن العطار ورفاعة الطهطاوي وطه حسين وأضرابهم. وسار محمد علي بتنفيذ المخطط الفرنسي.
يقول الشيخ محمود شاكر: [والحقيقة أن فكرة البعثات العلمية لم تكن نابعة من عقل محمد على، بل كانت نابعة من عقول تخطط وتدبر لأهداف بعيدة المدى، استغلت ما في نفسه من المطامع وحبه للسيطرة، أحاطت به القناصل وهي تراقب أهواءه ومطامعه, فجعلت تغذيها وتزيدها ... على أن تكون هذه القوة -قوة محمد علي- في قبضة المسيحية الشمالية تصرفها كيف تشاء، وتقضي عليها قضاءاً مدمراً يوم تحتاج إلى هذا التدمير،]([2]).
ويقول المودودي رحمه الله تعالى: [إن شبيبتنا لما اكتسبوا هذا التعليم الغربي بتلك العقلية المرعوبة بل المغلوبة, وبذلك التعليم والتربية غير الإسلامية ونشؤوا في بيئة الحضارة الغربية, كان من نتيجة ذلك ما يتقاضاه منطق الأشياء وهو أنهم افتقدوا قوة النقد والتمييز واعتبروا ما تعلموه من الغرب مقياس الصحة والصواب, ثم راحوا ينتقدون الإسلام بهذا المقياس مع علمهم الناقص ونظرهم الملون. فكل ما وجدوا فيه اختلافا ًبين الإسلام والغرب لم يشعروا بخطأ الغرب فيه, بل اعتبروا الإسلام هو على الخطأ في بابه, وأقبلوا على مبادئه وقوانينه يحرفونها عن وجهها ويستبدلون بها مبادئ أخرى.
وإن من الحق الذي لا مرية فيه أنه مهما كان من الفائدة التي نالت مسلمي الهند من التعليم الجديد, من ناحيتي السياسة والاقتصاد فإن الخسارة التي قد جرها هذا التعليم على دينهم وحضارتهم لا يمكن أن تتلافى بأية منفعة أو فائدة.]([3]).
ونتج عن هذا ظهور أحزاب علمانية لا دينية ارتدت على أدبارها وحاربت الدين جهاراً نهاراً دون مواربة أو استحياء وبعضها أعلن التبعية للغرب والسير بركابه والانتهال من موارده والعمل بمبادئه.
 يقول طه حسين: ["لقد التزمنا أمام أوربا أن نذهب مذهبها في الحكم, ونسير سيرتها في الإدارة, ونسلك طريقها في التشريع, التزمنا هذا كله أمام أوربا, فلو أننا همَمْنا الآن أن نعود أدراجنا, وأن نحيي النظم العتيقة لما وجدنا إلى ذلك سبيلاً,  ولوجدنا أمامنا عقاباً لا تجتاز ولا تذلل, عقاباً نقيمها نحن لأننا حِراص على التقدم والرقي, وعقاباً تقيمها أوربا لأننا عاهدناها على أن نسايرها ونجاريها في طريق الحضارة الحديثة"] ([4])
ويقول: [ولكن السبيل..واضحة بينة ليس فيها عوج ولا التواء, وهي واحدة فذة ليس لها تعدد, وهي أن نسير سيرة الأوربيين, ونسلك طريقهم... خيرها وشرها, حلوها ومرها, وما يحب منها وما يكره, وما يحمد منها وما يعاب ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع]([5]).
ثم أوجز فريد وجدي رئيس تحرير مجلة نور الإسلام الصادرة عن الأزهر هذا الأمر فقال: [ولد العلم الحديث وما زال يجاهد القوى التي كانت تساوره فتغلب عليها ودالت الدولة إليه في الأرض فنظر نظرة في الأديان وسرى عليها أسلوبه فقذف بها جملة إلى عالم الميثولوجيا -"الأساطير"-ثم أخذ يبحث في اشتقاق بعضها عن بعض واتصال أساطيرها بعضها ببعض فجعل من ذلك مجموعة تقرأ لا لتقدس تقديسا، ولكن ليعرف الباحثون منها الصورة الذهنية التي كان يستعبد لها الإنسان نفسه ويقف على صيانتها جهوده غير مدخر في سبيلها روحه وماله، وقد اتصل الشرق الإسلامي بالغرب منذ أكثر من مائة سنة فاخذ يرتشف من مناهله العلمية ويقتبس من مدنيته المادية فوقف فيما وقف على هذه الميثولوجيا، ووجد دينه ماثلا بها فلم ينبس بكلمة لأنه يرى الأمر أكبر من أن يحاوله ولكنه استبطن الإلحاد متيقنا أنه مصير إخوانه كافة متى وصلوا إلى درجته العلمية. وقد نبغ في البلاد الإسلامية كتاب وشعراء وقفوا على هذه البحوث العلمية فسحرتهم فأخذوا يهيئون الأذهان لقبولها دسّاً في مقالاتهم وقصائدهم غير مصارحين بها غير أمثالهم تفادياً من أن يقاطعوا أو ينفوا من الأرض]([6]).
وآخرون جعلوا ثقافة الغرب ومقاييس الغرب هي الناظم والمقياس للصحة والخطأ والخير والشر والجودة والرداءة والغث والسمين. فإذا أرادوا أن يثبتوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائداً عسكرياً فذاً قالوا أن الموسوعة العسكرية البريطانية تقول كيت وكيت والرسول صلى الله عليه وسلم فعل نفس الشيء ونابليون قال كذا وكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا([7]).      
وإذا أرادوا إثبات أن محمد صلى الله عليه وسلم سياسي بارع حاكموا أفعاله إلى ما قاله تشرشل وروزفلت وجورج واشنطن. أي انهزامية وانهيار نفسي هذا ؟!!!.
فإذا ما تكلم الغرب عن القيم الكفرية مثل الاشتراكية والديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية بادر المنهزمون ليقولوا الإسلام اشتراكي قبل أربعة عشر قرناً وألفوا في اشتراكية الإسلام واشتراكية محمد صلى الله عليه وسلم واشتراكية أبو ذر رضي الله عنه وديمقراطية الإسلام وعلمانية الإسلام والنشوء والارتقاء في الإسلام والليبرالية في الإسلام ولا يستبعد أن يأتي يوم يكتب فيه عن عدم قيام الساعة في الإسلام بل سمعت أحد الدعاة يفسر حديث علامات الساعة ومنه شروق الشمس من المغرب بأن شمس الحق والعلم تأتي من الغرب أي من أمريكا.
ولما انسحب الاحتلال الغربي من بلاد الإسلام سلم البلاد إلى وكلائه ممن يحملون أسماءنا ويتكلمون لغتنا ولهم لون بشرتنا. إهاب المسلمين ولحم وعظام وعصب وتفكير وإجرام الكافرين وجهزوا لهم جيوشا وأجهزة تجسس على الشعوب لممارسة القهر والظلم والاستبداد ولنشر الكفر وحمايته.
وقامت حركات إسلامية لتقاوم هذا الواقع الغريب عن الإسلام فلم تلق هذه الحركات إلا الحرب من الغرب ووكلائه في بلادنا, وكانت آخر وسائل هذه الحرب العمل على حرف هذه الحركات ومراودتها للقاء مع الكفر في منتصف الطريق وبدأت رحلة التنازل عن الدين خطوة خطوة.
 لذا نرى عدداً هائلاً ممن يطلقون على أنفسهم اسم دعاة أو مفكرين إسلاميين يرون الديمقراطية والدولة المدنية والليبرالية من الإسلام بل يدعون لها وللتعددية السياسية والمنهجية ولإلغاء حد الردة وإلغاء حكم الذمة وإلغاء وإلغاء .....كل حكم إسلامي لا ينسجم مع انبطاحهم وذلهم للكفر بل بدؤوا يدافعون عن العلمانية ويأسلموها.
ثم قال لهم الكفار اتركوا قرآنكم, وسنة نبيكم فهذا بين الإنسان وربه وقدموا لنا رؤيتكم أنتم لبناء الدولة والمجتمع: أنتم كبشر ما هو مخططكم ومنهجكم في الحكم وكيف ستعملون في الديمقراطية وحقوق المرأة وحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد وتداول السلطة والتعددية المواطنة والدولة الحديثة والمجتمع المدني و.  و. و.. الخ.
وانبرى المنهزمون المنبطحون يقدمون المشاريع الاستسلامية بل قل الردية.
وهكذا ظهر السمَّاعون يسمعون قول الكافرين والمنافقين فيرددونه كالببغاوات دون وعي منهم والذين يصدق عليهم قول الشاعر:
أثر البهتان فيه **** وانطلى الزور عليه
يا له من ببغاء **** عقـله في أذنيـه
هؤلاء الذين يضعون مشاريع كمشاريع أهل الزيغ والضلال مشاريع المنهزمين التائهين. مشاريع كفرية بمرجعية إسلامية (زعموا) علمانية ليبرالية اقتصاد ربوي تمكين المرتدين  رد القرآن والسنة من أجل الأهواء ثم نضع المكياج (بمرجعية إسلامية)
ومثل هؤلاء يجب الضرب على أيديهم وأيدي كل الداعين إلى الأخذ بنظم الكافرين ووسائل سياساتهم أو تحسينها أو السكوت عنها فكيف بمن يحطب في حبلهم ويسايرهم ويدعوا لطاعتهم في بعض الأمر وربما في كل الأمر وما أشبه هؤلاء بالمفتونين من أمة موسى حين جاوز الله بهم البحر وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ % إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)([8]).
ولقد برزت هذه الظاهرة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ليس من المؤمنين السابقين من المهاجرين والأنصار بل من قوم حدثاء عهد بكفر. فقد روى أبو واقد الليثي يقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر وكانوا أسلموا يوم الفتح قال فمررنا بشجرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط وكان للكفار سدرة يعكفون حولها ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط فلما قلنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال الله أكبر وقلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم ورواه ابن عيينة ومالك أيضا([9]).    
هؤلاء السماعون المفتونون أينما رأوا شيئاً يلمع ظنوه ذهباً وسارعوا إليه دون فحص وتمحيص دون إحكام لأصول الدين وقواعده. هؤلاء السماعون ذمهم الله تعالى لسلوكهم المشين هذا.
فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ)([10]).
وقال الله تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)([11]).
قال ابن تيمية: [ثم قال سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت فذكر أنهم في غذاءي الجسد والقلب يغتذون الحرام بخلاف من يأكل الحلال ولا يقبل إلا الصدق وفيه ذم لمن يروج عليه الكذب ويقبله أو يؤثره لموافقته هواه فيدخل فيه قبول المذاهب الفاسدة لأنها كذب لا سيما إذا اقترن بذلك قبولها لأجل العوض عليها سواء كان العوض من ذي سلطان أو وقف أو فتوح أو هدية أو أجرة أو غير ذلك وهو شبيه بقوله (إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله).
 وأهل البدع وأهل الفجور الذين يصدِّقون بما كُذِبَ به على الله ورسوله وأحكامه والذين يطيعون في معصية الخالق.... لأنه ليس قصدهم قبول الحق وسماعه مطلقا بل يسمعون ما وافق أهواءهم وإن كان كذبا وكذلك العلماء الذين يتقولون الروايات المكذوبة]([12]).
وقال: [فكل من تصديق الكذب والطاعة لمن خالف رسول الله من أعظم الذنوب ولفظ السميع يراد به الإحساس بالصوت ويراد به فهم المعنى ويراد به قبوله فيقال فلان سمع ما يقول فلان أي يصدقه أو يطيعه ويقبل منه بقوله سماعون للكذب أي مصدقون ... وكذلك سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي مستجيبون لهم مطيعون لهم كما قال في حق المنافقين وفيكم سماعون لهم أي مستجيبون لهم مطيعون لهم]([13]).
وقال: [وفيكم سماعون لهم. بين سبحانه أن المنافقين لو خرجوا في غزوة ما زادوا المؤمنين إلا خبالا ولأوضعوا أي أسرعوا خلالهم أي بينهم يطلبون لهم الفتنة وفي المؤمنين من يقبل منهم وهم  السماعون لهم أي يستجيبون لهم.
 المراد أنهم سماعون الكذب أي يصدقون به سماعون أي مستجيبون لقوم آخرين مخالفين للرسول وهذه حالة كل من خرج عن الكتاب والسنة فإنه لابد أن يصدق الكذب فيكون من السماعين للكذب ولابد أن يستجيب لغير الله والرسول فيكون سماعا لقوم آخرين لم يتبعوا الرسول وهؤلاء لهم نصيب من قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا % يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا %  لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا)]([14]).
وقال ابن كثير: [وفيكم سماعون لهم أي مطيعون لهم ومستجيبون لحديثهم وكلامهم يستنصحون وإن كانوا لا يعلمون حالهم فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير]([15]).
قال ابن القيم: [سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه مما يدل على أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه فإنه إذا قبل الباطل أحبه ورضيه فإذا جاء الحق بخلافه رده وكذبه إن قدر على ذلك وإلا حرفه]([16]).
 فالملاحظ أنه في كل مرة يقبل السماعون كلام المنافقين والكافرين والثقافات والفلسفات الوافدة ويصنعون ذات أنواط. يحدث ثلم وهدم وردم وخسف في الإسلام. وفي كل مرة يكون كلام السماعين أخطر من كلام المنافقين الأصليين لما يبدو في ظاهرهم من صلاح. فمن أعظم الجنايات على المسلمين جناية السماعين  بنقلهم لكلام الطوائف الضالة والكافرة والمبتدعة.وفلسفات ونظم الغرب ولم يكن لثقافات الكفر سبيل إلى أمتنا إلا عبر طابور المرتدين العلمانيين والليبرالين اللادينيين وأحزابهم وهم الأقل ضرراً لانكشاف أمرهم وظهور سوأتهم ومعرفة حالهم من عموم المسلمين. والسماعين وهم الأكثر ضرراً الذين تسرب الضلال والكفر من خلالهم وترديد مقالات الكفر ومحاولة التماس الأوجه لها والاتكاء على بعض المتشابهات ففتحوا لمقالات الكفر طريقا وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلا فظهرت دعوتهم بالمناظرة والأخذ والرد وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا للكفار أبواقاً يقبلون ماعندهم ويلمعونه, ولهم يصغى ويسمع, ويرد كتاب الله بحجة مخالفة العقول, وعدم قطعية النقول, وظنية الدلالة, واحتمال الأوجه, وترد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة أنها آحاد, ويقبل كلام الكفر ويداهن عليه ويصبح الكفار خلانا وإخوانا بعد أن كانوا في الله أعداء وأضدادا ويصبح أهل الحق خصوماً وأعداءً. بعد أن كانوا إخوانا.
وما لم يتصدى المسلمون لهذه الظاهرة وينكروا على أصحابها ويأخذوا على أيديهم ويردوهم إلى جحورهم خاسئين خائبين مقهورين مبكتين.ستنتشر وتستشري ويعم البلاء ويبدل الدين.
ولو أن البدع حوربت منذ الأيام الأولى لظهورها لانقمعت وارتدت وصار أهلها مقموعين أذلة. ولكنها عندما تركت؛ حتى استشرت في المجتمع وتمطت بصلبها وأردفت إعجازا ونائت بكلكل، نخرت المجتمع وخرَّبته وأصبح اقتلاعها ليس بالأمر السهل، كالداء يمكن علاجه بأسهل الدواء فإذا غفل عنه اجتاح الجسد واحتاج إلى عمل جراحي ربما استأصلت معه بعض الأعضاء، وما هذا إلا لعدم القيام بواجب الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر.
وقال الإمام ابن تيمية:[ ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف, أحبّ إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله, إذ إن تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته, ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين, وكان فسـاده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب, فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً, وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً]([17]).
وقال: [وأعداء الدين نوعان, الكفار والمنافقون, وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله: (يـَاأَيهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم) في آيتين من القرآن، فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعاً تخالف الكتاب، ويلبّسونها على الناس, ولم تبين للناس فَسدَ أمر الكتاب, وبُدِّل الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا, بما وقع فيه من التبديل, الذي لم ينكر على أهله.
وإذا كان أقوام ليسوا منافقين, لكنهم سمّاعون للمنافقين، قد التبس عليهم أمرهم, حتى ظنوا قولهم حقاً, وهو مخالف للكتاب، وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين، كما قال تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)([18]). فلا بدّ أيضاً من بيان حال هؤلاء, بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم, فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم, وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين, فلا بدّ من التحذير من تلك البدع, وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم, بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدع عن منافق, لكن قالوها ظانين أنها هدىً, وأنها خير, وأنها دين, ولو لم تكن كذلك لوجب بيان حالها]([19]).


[1] - من نص ترجمة الرسالة في كتاب أحمد حافظ عوض, فتح مصر الحديث، ص / 409 - 410.
[2] - في الطريق إلى ثقافتنا محمود شاكر ص / 139.
[3] - نحن والحضارة الغربية للمودودي 39-40
[4] - مستقبل الثقافة في مصر (1 / 36).
[5] - المصدر السابق, ص / 54.
[6] - عن موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين لشيخ الإسلام مصطفى صبري (1 / 24).
[7] - من أراد اخذ الأمثلة فلينظر كتب محمود شيت خطاب والعقاد وغيرهم ممن كتب في الجانب العسكري عن الرسول صلى الله عليه وسلم 
[8] - الأعراف(138)
[9] - السنة لابن أبي عاصم ج: 1 ص: 37  برقم 76 وقال عنه الألباني: إسناده حسن رجاله ثقات رجال يعقوب بن حميد وهو ثقة فيه ضعف يسير وقد توبع كما يأتي فالحديث صحيح
[10] - سورة المائدة: 41.
[11] - سورة التوبة: 47.
[12] - دقائق التفسير, (2/ 49).
[13] - المصدر السابق, (2/60).
[14] - درء التعارض (5 / 261).
[15] - تفسيرابن كثير (2/362).
[16] - إغاثة اللهفان (1/55).
[17]- مجموع فتاوى الإمام ابن تيمية  28 / 230 , 232.
[18]- سورة التوبة, الآية 47
[19] - مجموع فتاوى الإمام ابن تيمية  28 / 232 , 233.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.