وعـد الله
رضوان محمود نموس
إلى كل الشباب المسلم في كل مكان.
إلى الأباء والأمهات والأبناء والأخوة والأخوات في الله.
إلى كل الذين يعانون من تسلط الطواغيت وتمادي الظلم والاستبداد.
إلى كل الذين يتألمون من تغييب شريعة الله.
إلى الذين يقضُّ مضاجعهم حال أمتهم.
أزُّفُّ إليكم وعد الله لكم.
وهو وعد مشروط وما أسهله من شرط فلنعمل على تحقيقه.
قال تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) [النور:55]
يقول المولى عز وجل وهو الحق وقوله الحق ووعده الحق والرسول حق والقرآن حق بأنه:
"وعد الذين آمنوا"
-"ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم"
-"وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم"
-"وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا"
وأناط المولى عز وجل تحقيق هذا الوعد بتحقيق العبودية له وعدم إشراك كائن من كان معه فقال: {لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا{
فهناك واعد, ووعد, وموعود.
والواعد: هو الله وهو أصدق الصادقين وأحكم الحاكمين ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)) [النساء:87]
((وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا)) [النساء:122] مالك الملك العزيز الجبار المتكبر
((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [آل عمران:26]
من إذا أراد أمراً يقول له كن فيكون. ((إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة:40]
((ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)) [التوبة:26]
((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)) [الفتح:4]
((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ )) [المدثر:31]
والوعد: استخلاف وتمكين وأمن.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) [محمد:7[
)) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) [الحج:40]
والموعودون: نحن, أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهل حققنا ما أنيط بنا لنحصل على الوعد وتكتمل أطراف المعادلة؟ ولأنها لم تكتمل وبما أن الله لا يخلف وعده
((إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)) [آل عمران:9]
(( وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)) [الرعد:31]
إذاً لا ريب بأن الخلل واقع فينا.
((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [آل عمران:165]
((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)) [الشورى:30]
فنحن الذين لم نحقق العبودية الخالصة لله وأشركنا معه شركاً خفياً وغير خفي.
الله يقول لنا ((فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ )) [المائدة:3]
ويقول: ((فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا)) [المائدة:44] ولكننا نخشى الله ونخشى معه النظام العالمي الجديد والطواغيت والظلمة, ونخشى ضياع المال والجاه وكساد التجارة.
الله يقول: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ)) [يوسف:40]
وقال:((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [المائدة:50]
وقال: ((إن الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)) [الأنعام:57]
وقال: ((أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)) [الأنعام:62]
وقال: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)) [يوسف:67]
وقال: ((وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [القصص:70]
وقال: ((لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [القصص:88]
وقال: ((فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ)) [غافر:12]
وقال: ((فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)) [الإنسان:24]
وقال: ((وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) [الرعد:41]
وقال: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)) [الشورى:10]
وقال: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) [المائدة:44]
وبعد هذه البيانات المتكررة والنداءات المكثفة والآيات المتواصلة والعظات المتلاحقة هل أفردنا الله بالحكم؟ واستسلمنا لأمره ونهيه؟ أم أشركنا معه الكثير؟.
لا جرم أننا نتحاكم لله ولغير الله.
نتحاكم لله في الزواج والطلاق وبعض الميراث, ونتحاكم لغيره في سائر أمور حياتنا.
فاقتصادنا مبني على البنوك الربوية, وقوانيننا أساسها العقول الفاسدة, والنظم البائدة, من بقايا اليونان وجديد أهل الكفر والطغيان.
فالدساتير والقوانين أصلها الدستور والقانون الفرنسي والإنجليزي وما لحق به من دساتير وقوانين أوربا.
فهل أمر الله بقانون الجنسيات؟! وطرق المرافعات؟! وقسّم المحاكم إلى عسكرية ومدنية وجنائية وشخصية؟! وقال طبقوا شرعي بالزواج وكل ما سواه لشرائعكم وأهوائكم؟؟
نعم.. إنا أطعنا الله في بعض بعض الأمور وعصيناه في الكثير, أطاع الله من صلى منا بالصلاة, وأطاع الطغاة في باقي شؤون الحياة, قدم من زكى منا لله الزكاة, وقدم للطغاة الضرائب والمكوس والرسوم وشتى مسميات الجاهلية.
من يصلي يطع الله في اليوم نصف ساعة إلى ساعة ويطع الطاغوت سائر يومه
قال لنا ربنا: ((إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء:92]
وقال: ((وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)) [المؤمنون:52]
وقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المسلمون أمة واحدة دون سواهم وهم يد على من عاداهم}
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا حلف في الإسلام ... إنما هي أخوة} أو كما قال.
ولكننا قلنا: لا. لا. لا. نحن دول عربية نربو على العشرين ودولة إسلامية نربو على السبعين وكلنا معترف بالآخر ونحن أمم شتى وأمم مختلفة لكل دولة ميثاق, ودستور وقانون, وعلَم ونشيد وطني, وطاغية على رأس ذلك كله.
ولا يحق لأحد لا يحمل جنسية الدولة ولو كان مسلماً أن يتملك أو يمارس البيع والشراء أو البناء أو أو ...الخ
أما من يحمل جواز الطاغوت ولو كان نصرانياً أو بوذياً أو نصيرياً, أو.. أو. فله كل الميزات والحقوق لأنه معترف به من قيل الطاغوت وأمر الطاغوت في دولنا مقدم على أمر الله .
وقام سدنة الطاغوت _ممن يلصقون أو يلصق الناس بهم اسم_ العلماء يباركون ويؤيدون ويصدرون كل الفتاوى اللازمة وغير اللازمة لإسباغ الشرعية على تصرفات الطاغوت وأقواله وأفعاله وشخيره ونقيره من استحلال المحرمات وإسباغ الشرعية على الأوضاع القائمة والتي تغوص في أنتن مستنقعات الجاهلية.
ومن ذلك مثلاً:
((وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)) [البقرة:275] والطاغوت يقول لا يجوز البيع إلا لمن نسمح له والربا حلال لكل الناس وهاك البنوك فادخلوها آثمين, والعلماء والعوام يرددون: حيا الله أمير البلاد يسير بنا على درب الرشاد.!!
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما}
وسقطت الخلافة فجاء الاحتلال الصليبي الأخير ثم وكلاؤه ممن يتسمون بأسماء المسلمين وينفذون مخطط الصليبيين فأنشأ كل مجموعة زنادقة بدعم من الصليبيين دويلة
مستبيحين تعدد الإمارات والبيعات والأحزاب والولاءات, والله يقول: ((وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)) [الروم: 31/32].
فنحن نحرم التمكين من تقصيرنا وغفلتنا ولربما يتوهم البعض أنه بمفازة من اللوم والمسؤولية, والعتاب والإثم والعقاب, لأنه بايع أميراً وهذه مسؤولية الأمير وأن هذا الواجب هو فقط على عاتق المفتي الأكبر والأصغر وشيخ الديار وحامي الذمار ورئيس شؤون الدعوة والإرشاد والمرجع الديني واختصاصيي التخدير والتبرير وكل الأسماء والألقاب التي ما أنزل الله بها من سلطان, بل هي جزء من كيان وهيكل الطاغوت والتي بدونها سيتعثر الطاغوت في سيره وينكشف عواره فجعلوا من أنفسهم غطاء لسوأته وأبواقاً لتبرير ضلالته.
والقرآن خطاب الله عز وجل لكل الناس وكل ابن أنثى مخاطب شخصياً بهذا الكتاب ومطلوب منه بالذات تنفيذ ما به وسيسأل وحده عن أعماله وعن تقيده بما أمر به من قِبَلِ المولى عز وجل.
ويقول سيد رحمه الله في ظلال الآية: (وعد الله ...):
لقد تحقق وعد الله مرة وظل متحققاً وواقعاً ما قام المسلمون على شرط الله "يعبدونني لا يشركون بي شيئاً" لا من الآلهة ولا من الشهوات ويؤمنون _من الإيمان_ ويعملون صالحاً ووعد الله مذخور لكل من يقوم على الشرط من هذه الأمة إلى يوم القيامة إنما يبطئ النصر والاستخلاف والتمكين لتخلف شرط الله في جانب من جوانبه الفسيحة أو تكليف من تكاليفه الضخمة حتى إذا انتفعت الأمة بالبلاء وجازت الابتلاء وخافت فطلبت الأمن وذلت فطلبت العزة وتخلفت فطلبت الاستخلاف كل ذلك بوسائله التي أرادها الله وبشروطه التي قررها الله تحقق وعد الله الذي لا يتخلف ولا تقف في طريقه قوة من قوى الأرض جميعاً .. فهذه هي العدة, الاتصال بالله وتقويم القلب بإقامة الصلاة والاستعلاء على الشح وتطهير النفس .. وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والرضى بحكمه وتنفيذ شريعة الله في الصغيرة والكبيرة وتحقيق النهج الذي أراد للحياة.
فإذا استقمتم على النهج فلا عليكم من قوة الكافرين فما هم بمعجزين في الأرض وقوتهم الظاهرة لن تقف لكم في طريق وأنتم الأقوياء بإيمانكم, أقوياء بنظامكم, أقوياء بعدتكم التي تستطيعون, إنه ما من مرة سارت هذه الأمة على نهج الله وحكمت هذا النهج في الحياة وارتضته في كل أمورها إلا تحقق وعد الله بالاستخلاف والتمكين والأمن.
ألا وإن وعد الله قائم, ألا وإن شرط الله معروف فمن شاء الوعد فليقم بالشرط ومن أوفى بعهده من الله.
لذا نوجه نداءنا إلى كل المسلمين
إلى كل المستريحين على أرصفة الأحلام من دعاة الإسلام حتى يعرفوا أن التاريخ ليس قاعة انتظار وأن الإسلام لم تعلو رايته بمناشدة مراكز الظلم والطغيان التي يسمونها الأمم المتحدة أو الهيئات الدولية التي صنعتها الماسونية ولم يفتح بلاد الفرنجة بصناديق التبرعات ولا بالمراكز الإسلامية بين ظهراني الكافرين, وبين عاهرات أوربا وحاناتهم ومواخيرهم وزرائب خنازيرهم, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا بريء من رجل يجلس بين ظهراني المشركين} ويقول: {لا تتراءى ناراكما}
إلى كل جندي وصف ضابط وضابط يدافع عن الطاغوت تحت أي مبرر فلتعلم أنك محشور معه ولك نفس المصير إن لم تتدارك نفسك بتوبة والتحاق بجند الحق قال تعالى: ((إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)) [القصص:8] فمصير الجنود هو مصير القادة
((وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)) [القصص:6] فجمع الجنود والقادة بذات العقوبة
((إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ)) [البقرة:166]
((وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)) [البقرة:167]
((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) [العنكبوت:12] فلن ينفعكم في الآخرة العتاب والتبرؤ عندما تعلمون أن طواغيتكم كذبة لايغنون عنكم من الله شيئا.
إلى كل الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون.
إلى كل علماء السلاطين الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
إلى كل أبواق الطغاة ورافعي رايات التضليل اعلموا أنكم مجموعون ليوم لا ريب فيه وأنكم ستجزون بما كنتم تعملون.
إلى كل المسلمين في الدنيا الذين يؤمنون بأن الله أرسل محمداً رسولاً وبشيراً ونذيراً وأنزل معه القرآن هدى وسراجاً منيراً, وأنكم مخاطبون بهذا الكتاب ومجموعون ليوم كان شره مستطيرا.
اعلموا أن الله يريد لكم الإمامة ما قمتم بشرطه وأنه معكم ما دمتم معه وأنكم لا تتقربون إليه شبراً إلا تقرب إليكم ذراعاً وأن الحق معكم ولكم فانهضوا على بركة الله وسيروا على طريق الله لإعادة الخلافة فأنتم الموعودون بالاستخلاف واطرحوا الشقاق والخلاف فالله معكم يسمع ويرى وأنه ناصركم فهو القائل وكان حقاً علينا نصر المؤمنين, والمؤمن من آمن بالله واستسلم إليه وبرئ من حوله وقوته والتجأ إلى الله فلا حول ولا قوة إلا بالله واستنصر الله بخالص قلبه وعلَم علْم اليقين أن النصر مع الإيمان والتوكل على الله حق توكله لا مع كثرة عدد وتهيئة وسائل وإعداد أساليب ولا مع الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوربي أو أمريكا أو الدعوات الباطلة كالديمقراطية والمجتمع المدني وأسماء كثيرة لها بريق وتخفي خلفها السم الزعاف والشقاق والخلاف. ولا مع الشرك في الشعارات من مثل قول الناس (الله وسورية وحرية وبس) فما هي سوريا والأرض أجمع حتى تقرن مع الله. أين عقولكم أيها الناس ؟! وهل الحرية تقرن مع الله؟! لا تستخفنكم الشعارات الشركية والتثليثية التي ما إنزل الله بها من سلطان.
ولا شك ولا ريب أن الإعداد مطلوب على الوسع, فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ومن لم يستطع الصلاة قائماً فليصلها جالساً .. مضطجعاً .. الخ. ومن لم يستطع تجهيز الدبابات والطائرات فالوسع يكفي, فبعد أن انفض الجمع عن طالوت وشربوا من النهر ثم تخاذل آخرون وقالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. ولم يبق إلا القلة المؤمنة المستمسكة بحبل الله المتين وعروته الوثقى أنزل الله عليهم النصر وحسم الموقف بضربة حجر من يد مؤمنة وانتهت المعركة لصالح الإيمان المستمسك بالعروة الوثقى, الواثق من وعد ربه له.
لقد انقضى تسعة عقود من الزمن على سقوط الخلافة على ما كانت عليه من دخن وانحراف, وقطع جسم الأمة إلى دويلات وفي كل رقعة قام هبل وخلفه كل كهان الدجل لهم رسالة واضحة محددة وهي أن يا جماهير المسلمين ناموا واستكينوا وارتعوا ولا تفكروا فهبل هو الذي يفكر لكم ويقود سفينتكم إلى حيث شاء لأنه هو الأذكى والأعلم والأقدر والأفهم موفق مسدد ملهم تصرفاته رشيدة وأقواله سديدة يعمل كثيراً وعلمه أكثر وهو فوق ذاك تقي عابد ناسك مجاهد لا يبرز إلى الناس كثيراً لأنه لا يملك إلا قميصاً واحداً.
وأن السياسة حشيش والصمت فضيلة وذكر فضائل السلطان منقبة والنصح مفسدة والتكلم في أمور البلاد والعباد ضلالة وكل ضلالة في النار وأن المعارضون للسيد التقي النقي القابع في قصره وراء أسلاك وأسلاك وخنادق من أجهزة الأمن والجيش مغسول الدماغ وأنواع الحرس والطوابير من الجواسيس والعملاء والبغايا والمضللين وأحفاد بلعام ممن منحهم الطاغوت وظيفة مفتي أوعالم أوأئمة المساجد والبوليس والقوات الخاصة وجموع المرتزقة هم بغاة جزء لا يتجزأ من نظام الطاغوت ينطبق عليهم حد الحرابة في أحسن الأحوال أو أنهم كفرة مارقوان ولأننا ألفنا هذا واستكنا إليه وخلدنا إلى الأرض واتبعنا أذناب البقر رأينا ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: {يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها, فقال قائل أو من قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلبكم الوهن, فقال قائل وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت}
وإن الكثير ليشفقون من اتباع شريعة الله والسير على هداه ويشفقون من عداوة أعداء الله ومكرهم ومن تألب الخصوم عليهم ويشفقون من المضايقات الاقتصادية وغيرالاقتصادية وإن هي إلا أوهام كأوهام قريش يوم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)) [القصص:57] فلما اتبعت هدى الله سيطرت على مشارق الأرض ومغاربها في ربع قرن أو أقل من الزمن.
وعندما غابت الخلافة الراشدة أطل الاستبداد علينا برأسه فلما سقطت الخلافة كلياً تربع الاستبداد في أرضنا وأردف إعجازاً وناء بكلكل وما أدراكم ما الاستبداد. الاستبداد كما وصفه الكواكبي فقال عنه: "الاستبداد لو كان رجلاً وأرد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة وأخي الغدر وأختي المسكنة وعمي الضر وخالي الذل وابني الفقر وابنتي البطالة وعشيرتي الجهالة ووطني الخراب وأما ديني وشرفي وحياتي فالمال. المال. المال"
إنه بلاء يحل على العباد الخاملين لا يرفع عنهم حتى يتوبوا توبة الأنفة.
نعم.. الاستبداد أعظم بلاء لأنه وباء دائم بالفتن وجدب مستمر لتعطيل الأعمال وحريق متواصل بالسلب والغصب وسيل جارف للعمران وخوف يقطع القلوب وظلام يعمي الأبصار وألم لا يفتر وصائل لا يرحم وقصة سوء لا تنتهي.
وكل مسلم لامس الإيمان شغاف قلبه يعلم أن ما حل بنا هو نتيجة طبيعية لما فرطنا في تضييع الخلافة وترك هذا الواجب والسكوت عنه والشعور بالعجز عن القيام به ولنرجع للوراء لنرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهاجر إلى المدينة والشعاب قد امتلأت بالعيون والخيول والفرسان قد انتشروا يطلبون دمه لينعموا بالجائزة وهو صلى الله عليه وسلم يحمل دعوته ويمضي, والطريق إلى يثرب طويلة, وسنابك الخيل تطوي الأرض بحثاً عن المصطفى صلى الله عليه وسلم, ودماء أقدامه صلى الله عليه وسلم التي سالت بفعل حجارة الطائف ما زالت ماثلة في الوجدان, وإيذاء قريش وبطشها قائم في الذاكرة وامتناع القبائل عن النصرة لم ينس بعد, لم ترهبه قوة الباطل ولم يثنه صدود الطغيان وهو يغذ السير للقاء أصحاب بيعة العقبة لإعلان الدولة الإسلامية الأولى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق