موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

السبت، 26 نوفمبر 2011

دراسات جهادية (8)


دراسات جهادية (8)
(حب الله للمجاهدين)
رضوان محمود نموس
الحب هو الذي يبعث الحياة والفاعلية في الإنسان ويحيل هذا الإنسان من كائن خامل إلى جذوة متوقدة متوثبة متحفزة ويجعل للمفاهيم والعقائد قيم أخرى لا يعرفها غير المحب فإشارة المحبوب عند المحب أمر واجب التنفيذ ويجد المحب لذة عميقة في تنفيذ رغبة المحبوب وهذه الإشارة لا تعني شيئاً عند غير المحب بل يمر عليها ويراها ويرى الأمر الصريح ولا يبالي وكأن كل هذا لا يعنيه. لذا قال الشاعر
لا يَعْرِفُ الشَّوْقَ إِلا مَنْ يُكَابِدُهُ ... وَلا الصَّبَابَةَ إِلا مَنْ يُعَانِيهَا.
وقال آخر:لا تَعْذِلِ الْمُشْتَاقَ فِي أَشْوَاقِهِ...حَتَّى تَكُونَ حَشَاكَ فِي أَحْشَائِهِ
ومن يدعي الحب ولا ينفذ رغبة المحبوب فادعاؤه باطل وقوله كلام مماحل
قال الله تعالى:(( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[آل عمران:31] وقال الشاعر:
 تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع 
وقيل الحُب [مأخوذة من الحَب جمع حبة وهو لباب الشيء وخالصه وأصله فإن الحب أصل النبات والشجر]([1]).
قال الإمام ابن القيم :[إذا تبين أصل هذا فأصل المحبة المحمودة التي أمر الله تعالى بها وخلق خلقه لأجلها: هي محبته وحده لا شريك له، المتضمنة لعبادته دون عبادة ما سواه.
فإن العبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا لله عز وجل وحده.... ومدار كتب
الله تعالى المنزلة من أولها إلى آخرها على الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهي عن محبة ما يضادها وملازمتها، وضرب الأمثال والمقاييس لأهل المحبتين، وذكر قصصهم ومآلهم، ومنازلهم، وثوابهم، وعقابهم، ولا يجد حلاوة الإيمان، بل لا يذوق طعمه، إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله سلم قال: "ثَلاَثٌ مَنْ كُن فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَة الإيمَانِ - وفى لفظ: لا يَجُد طَعْمَ الإِيمَانِ إلا مَنْ كانَ فِيهِ ثَلاثُ: مَنْ كانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مَّمِا سِوَاهُما، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَرْجِعَ في الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنُقَذَهُ اللهُ تعالى مِنْهُ، كما يَكْرَهُ أَنْ يُلقَى في النَّارِ".

وفى الصحيحين أيضا عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجَمَعِينَ"]([2]).
وقال أيضاً : [ فَصْلٌ الْحُبُّ أَصْلُ كُلِّ عَمَلٍ: وَإِذَا كَانَ الْحُبُّ أَصْلَ كُلِّ عَمَلٍ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ، فَأَصْلُ الأعْمَالِ الدِّينِيَّةِ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا أَصْلُ الأقْوَالِ الدِّينِيَّةِ تَصْدِيقُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكُلُّ إِرَادَةٍ تَمْنَعُ كَمَالَ الْحُبِّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُزَاحِمُ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ أَوْ شُبْهَةٍ تَمْنَعُ كَمَالَ التَّصْدِيقِ، فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لأصْلِ الإيمَانِ أَوْ مُضْعِفَةٌ لَهُ، فَإِنْ قَوِيَتْ حَتَّى عَارَضَتْ أَصْلَ الْحُبِّ وَالتَّصْدِيقِ كَانَتْ كُفْرًا أَوْ شِرْكًا أَكْبَرَ، وَإِنْ لَمْ تُعَارِضْهُ قَدَحَتْ فِي كَمَالِهِ، وَأَثَّرَتْ فِيهِ ضَعْفًا وَفُتُورًا فِي الْعَزِيمَةِ وَالطَّلَبِ، وَهِيَ تَحْجُبُ الْوَاصِلَ، وَتَقْطَعُ الطَّالِبَ، وَتُنَكِّسُ الرَّاغِبَ، فَلا تَصِحُّ الْمُوَالاةُ إِلا بِالْمُعَادَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ إِمَامِ الْحُنَفَاءِ الْمُحِبِّينَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 75- 77].
فَلَمْ يَصِحَّ لِخَلِيلِ اللَّهِ هَذِهِ الْمُوَالاةُ وَالْخُلَّةُ إِلا بِتَحْقِيقِ هَذِهِ الْمُعَادَاةِ، فَإِنَّهُ لا وَلاءَ إِلا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ، قَالَ تَعَالَى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 4]([3]).
فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ مَحَبَّةِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عَلَى مَحَبَّةِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَمَا الظَّنُّ بِمَحَبَّةِ مُرْسِلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عَلَى مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ؟ .
وَمَحَبَّةُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ تَخْتَصُّ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ فِي قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا وَإِفْرَادِهِ سُبْحَانَهُ بِهَا: فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، بَلْ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَنَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، فَيَكُونُ إِلَهُهُ الْحَقُّ وَمَعْبُودُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالشَّيْءُ قَدْ يُحَبُّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَقَدْ يُحَبُّ بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُحَبُّ لِذَاتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إِلا اللَّهَ وَحْدَهُ،
 [وَكُلُّ حَرَكَةٍ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ فَأَصْلُهَا الْمَحَبَّةُ، فَهِيَ عَلَيْهَا الْفَاعِلِيَّةُ وَالْغَائِيَّةُ]([4]).
 [فَالْوِلايَةُ أَصْلُهَا الْحُبُّ، فَلا مُوَالاةَ إِلا بِحُبٍّ، كَمَا أَنَّ الْعَدَاوَةَ أَصْلُهَا الْبُغْضُ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ، فَهُمْ يُوَالُونَهُ بِمَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وَهُوَ يُوَالِيهِمْ بِمَحَبَّتِهِ لَهُمْ، فَاللَّهُ يُوَالِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِحَسَبِ مَحَبَّتِهِ لَهُ]([5]).
قال الإمام ابن تيمية: [ أما بعد فَهَذِهِ قَاعِدَة عَظِيمَة فِي الْمحبَّة وَمَا يتَعَلَّق بهَا : الْحبّ والإرادة أصل كل فعل وحركة فِي الْعَالم والبغض وَالْكَرَاهَة أصل كل ترك فِيهِ
قَالَ رَضِي الله عَنهُ فصل فِي الْحبّ والبغض والمحمود من ذَلِك والمذموم وأصل كل فعل وحركة فِي الْعَالم من الْحبّ والإرادة فَهُوَ أصل كل فعل ومبدؤه كَمَا أَن البغض وَالْكَرَاهَة مَانع وصاد لكل مَا انْعَقَد بِسَبَبِهِ ومادته فَهُوَ أصل كل ترك إِذا فسر التّرْك بِالأمر الوجودي كَمَا يفسره بذلك أَكثر أهل النّظر... فَأَما وجود الْفِعْل فَلا يكون إِلا عَن محبَّة وَإِرَادَة حَتَّى دَفعه للأمور الَّتِي يكرهها ويبغضها هُوَ لما فِي ذَلِك من المحبوب أَو اللَّذَّة يجدهَا بِالدفع فَيُقَال شفى صَدره وَقَلبه والشفاء والعافية بمحبوب
والمحبة والإرادة تكون إِمَّا بِوَاسِطَة وَإِمَّا بِغَيْر وَاسِطَة مثل فعله للأشياء الَّتِي يكرهها كشرب الدَّوَاء وَالْمَكْرُوه وَفعل الْأَشْيَاء الْمُخَالفَة لهواه وَصَبره وَنَحْو ذَلِك
فَإِن هَذِه الْأُمُور وَإِن كَانَت مَكْرُوهَة من بعض الْوُجُوه فَإِنَّمَا يفعل أَيْضا لمحبة وَإِرَادَة وَإِن لم تكن الْمحبَّة لنَفسهَا بل الْمحبَّة لملازمها فَإِنَّهُ يحب الْعَافِيَة وَالصِّحَّة المستلزمة لإِرَادَة شرب الدَّوَاء وَيُحب رَحْمَة الله ونجاته من عَذَابه المستلزم لإِرَادَة ترك مَا يهواه كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِمَّا من خَافَ مقَام ربه وَنهي النَّفس عَن الْهَوِي فَلَا يتْرك الْحَيّ مَا يُحِبهُ ويهواه إِلا لما يُحِبهُ ويهواه لَكِن يتْرك أضعفهما محبَّة لأقواهما محبَّة كَمَا يفعل مَا يكرههُ لما محبته أقوي من كَرَاهَة ذَلِك وكما يتْرك مَا يُحِبهُ لما كَرَاهَته أقوي من محبَّة ذَلِك
وَلِهَذَا كَانَت الْمحبَّة والإرادة أصلا للبغض وَالْكَرَاهَة وَعلة لَهَا ولازما مستلزما لَهَا من غير عِلّة ... وَلِهَذَا كَانَ رَأس الإيمَان الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله وَكَانَ من أحب لله وَأبْغض لله وَأعْطِى لله وَمنع لله فقد اسْتكْمل الإيمَان فالمحبة والإرادة أصل فِي وجود البغض وَالْكَرَاهَة وَالأصْل فِي زَوَال البغيض الْمَكْرُوه فَلَا يُوجد البغض إلا لمحبة ولا يَزُول البغيض إِلا لمحبة

فالمحبة أصل كل أَمر مَوْجُود وأصل دفع كل مَا يطْلب الْوُجُود وَدفع مَا يطْلب الْوُجُود أَمر مَوْجُود لكنه مَانع من وجود ضِدّه فَهُوَ أصل كل مَوْجُود من بغيض ومانع ولوازمهما
وَهَذَا الْقدر الَّذِي ذَكرْنَاهُ من أَن الْمحبَّة والإرادة أصل كل حَرَكَة فِي الْعَالم فقد بَينا فِي الْقَوَاعِد وَغَيرهَا أَن هَذَا ينْدَرج فِيهِ كل حَرَكَة وَعمل فَإِن مَا فِي الأجْسَام من حركه طبعية فَإِنَّمَا أَصْلهَا السّكُون فَإِنَّهُ إِذا خرجت عَن مستقرها كَانَت بطبعها تطلب مستقرها وَمَا فِيهَا من حَرَكَة قسرية فأصلها من القاسر القاهر فَلم تبْق حَرَكَة اختيارية إِلا عَن الإرَادَة ... وجماع الْقُرْآن هُوَ الأمر بِتِلْكَ الْمحبَّة ولوازمها وَالنَّهْي عَن هَذِه المحبات ولوازمها وَضرب الأمْثَال والمقاييس للنوعين وَذكر قصَص أهل النَّوْعَيْنِ
وأصل دَعْوَة جَمِيع الْمُرْسلين 0 قَوْلهم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره وعَلى ذَلِك قَاتل من قَاتل مِنْهُم الْمُشْركين كَمَا قَالَ خَاتم الرُّسُل
أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لا إله إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إلا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله قَالَ الله تَعَالَى شرع لكم  من الدَّين مَا وَصِيّ بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيمُ ومُوسَى وَعِيسَى أَن أقِيمُوا الدَّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ كبر على الْمُشْركين مَا تدعوهم إِلَيْهِ
وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ ثَلاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الإيمَان وَفِي رِوَايَة فِي الصَّحِيح لا يجد طعم الإيمَان إِلا من كَانَ فِيهِ ثَلاث أَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَأَن يحب الْمَرْء لا يُحِبهُ إلا لله وَأَن يكره أَن يرجع فِي الْكفْر بعد إِذْ أنقذه الله كَمَا يكره أَن يلقِي فِي النَّار]([6]).
هذا المطلوب من الإنسان ليكون محباً لله فكيف إذا أرشدنا الله تعالى إلى أفعال تحقق طرفي المعادلة بأن نكون محبين محبوبين وهذا الذي يتحقق بالجهاد نقدم أنفسناً حباً في الله ولقتل أعداء الله
قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ )[الصف:4]
وقال الله تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] المائدة 54
قال الشيخ سفر الحوالي: [فالكارهون للجهاد لا يمكن أبدا أن يكونوا محبين لله ورسوله ولا أولياء له ولرسوله]([7]).
وذكر في آية المائدة: أربع علامات لمن يحبهم الله
[العلامة الأولى: أن المحبين لله يكونون أذلة على المؤمنين؛ بمعنى أنهم يشفقون عليهم ويرحمونهم ويعطفون عليهم؛ قال عطاء رحمه الله: "يكونون للمؤمنين كالوالد لولده".
العلامة الثانية: أنهم يكونون أعزة على الكافرين؛ أي: يظهرون لهم الغلظة والشدة والترفع عليهم، ولا يظهرون لهم الخضوع والضعف.
العلامة الثالثة: أنهم يجاهدون في سبيل الله بالنفس واليد والمال واللسان؛ لإعزاز دين الله أعدائه بكل وسيلة.
العلامة الرابعة: أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم؛ ]([8]).
 [ثم قال تعالى: (يأيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) فأخبر تعالى، أنه لابد عند وجود المرتدين: من وجود المحبين المحبوبين المجاهدين. ووصفهم بالذلة والتواضع للمؤمنين، والعزة والغلظة والشدة على الكافرين]([9]).
وقال في فتح المجيد: [الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد والمال واللسان. وذلك تحقيق دعوى المحبة. وأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم. وهذه علامة صحة المحبة. فكل محب أخذه اللوم على محبوبه فليس بمحب على الحقيقة. وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}([10]).
فهم المجاهدون الذين يحبون الله فتدفعهم محبته للجهاد في سبيله وإعلاء كلمته فيحبهم الله لأنهم أحبوه وبرهنوا على صدق حبهم له جل وعلا بالجهاد [فهم لا غَيرهم حزب الله الَّذين بشروا بقول الله: {أَلا إِن حزب الله هم المفلحون} وهم لا غَيرهم الموصوفون بقوله تَعَالَى {يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم ]([11]).
وقال سيد :[ ومعرفة طبيعة المعركة وطبيعة الأعداء فيها.. أمران مهمان سواء في تحقيق شرائط الإيمان أو في التربية الشخصية للمسلم، أو في التنظيم الحركي للجماعة المسلمة.. فالذين يحملون راية هذه العقيدة لا يكونون مؤمنين بها أصلاً، ولا يكونون في ذواتهم شيئاً، ولا يحققون في واقع الأرض أمراً ما لم تتم في نفوسهم المفاصلة الكاملة بينهم وبين سائر المعسكرات التي لا ترفع رايتهم، وما لم يتمحض ولاؤهم لله ورسوله ولقيادتهم الخاصة المؤمنة به، وما لم يعرفوا طبيعة أعدائهم وبواعثهم وطبيعة المعركة التي يخوضونها معهم، وما لم يستيقنوا أنهم جميعاً إلب عليهم، وأن بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة والعقيدة الإسلامية على السواء.
والنصوص في هذا الدرس لا تقف عند كشف بواعث المعركة في نفوس أعداء الجماعة المسلمة. بل تكشف كذلك طبيعة هؤلاء الأعداء ومدى فسقهم وانحرافهم، ليتبين المسلم حقيقة من يحاربه، وليطمئن ضميره إلى المعركة التي يخوضها، وليقتنع وجدانه بضرورة هذه المعركة، وأنه لا مفر منها...
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ.. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» ..
وكل هذه التقريرات خطوات في المنهج، وفي صياغة الفرد المسلم، والجماعة المسلمة على الأساس المتين.... ويحسن أن نبين أولاً معنى الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى.. إنها تعني التناصر والتحالف معهم]([12]).
وقال الإمام ابن تيمية: [قَوْله قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وَإِخْوَانكُمْ وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره وَفِي قَوْله تَعَالَى فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلا يخَافُونَ لومة لائم فَأخْبر أَن الْقَوْم الَّذين يُحِبهُمْ الله وَرَسُوله هم أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله ولا يخَافُونَ لومة لائم كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الآيَة الأخْرَى أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم فوصفهم بالذلة وَالرَّحْمَة لأوليائه إخْوَانهمْ والعزة والشدة على أعدائه أعدائهم وأنهم يجاهدون فِي سَبِيل الله]([13]).
وقال: [فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَحْبُوبَاتُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ، وَقَالَ فِي الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} . فَلا بُدَّ لِمُحِبِّ اللَّهِ مِنْ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ وَالْمُجَاهَدَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ بَلْ هَذَا لازِمٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ. قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} فَهَذَا حُبُّ الْمُؤْمِنِ لِلَّهِ]([14]).
وقال أيضاً:[إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} وكانوا قد سألوه: لو علمنا أي العمل أحب إلى الله لعملناه]([15]).
قال الإمام ابن كثير: [ولهذا قال تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فَهَذَا إِخْبَارٌ من الله تعالى بمحبة عباده المؤمنين إذا صفوا مُوَاجِهِينَ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَدِينُهُ هُوَ الظَّاهِرُ الْعَالِي عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ]([16]).
فالجهاد هو الطريق المشرع لنيل محبة الله ومن أحبه الله فاز في الدنيا والآخرة ومن يحب الله لا بد من أن يحب أولياء الله ويبغض أعداء الله ولا تستقيم دعوى محبة الله مع تقديم المرتدين للقيادة أو التحالف معهم في إقامة دولة تحفظ حقوق المرتدين المزعومة فليس للمرتد حق في الحياة وحقه ضربة بسيف أما هؤلاء الذين يتحالفون مع المرتدين ويدعون أنهم يحبون الله فهم الكاذبون المخادعون الذين نسوا الله الموالون للكفار الذين وصفهم الله بقوله (( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ))[المجادلة:19]


[1] - روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص: 17):

[2] - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 133)
[3] - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 195)
[4] - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 200)
[5] - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 229)
[6] - جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (2/ 193 وما بعدها)
[7] - ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي ص: 401/ 402)
[8] - الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد ص: 76/77 للشيخ صالح  الفوزان
[9] - الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك (ص: 53)
[10] - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 334)
[11] - السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات (ص: 376)
[12] - في ظلال القرآن (2/ 908)
[13] - جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (2/ 280)
[14] - مجموع الفتاوى (8/ 364)
[15] - الإيمان لابن تيمية (ص: 345)
[16] - تفسير ابن كثير ط العلمية (8/ 134)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.