موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

السبت، 26 نوفمبر 2011

أبحاث في الديمقراطية : (3)


أبحاث في الديمقراطية : (3)
رضوان محمود نموس
ما هية الديمقراطية:
الديمقراطية ليست عملاً إجرائيا يتمثل في الانتخابات (ترشيح وصندوق اقتراع وناخبون وفرز أصوات) ليست هذا فقط وبالتأكيد لا عند أصحابها من الغرب أو الشرق ولا عند المستوردين من العرب والدول ذات الشعوب المسلمة أو غيرهم من دول العالم.
الديمقراطية منهج حياة يستوعب كل مناحي الحياة كما أراد له أصحابه ومن يقلدهم. ولكي لا يظن أحد أن كلامي تجنياً أو مباينا للحقيقة سأسرد بعض نصوص الديمقراطيين:
يقول عدنان عويد: [مفهوم الديمقراطية: الديمقراطية ليست كلمة مجردة تغني عن الممارسة، أو هي مؤسسة تمثل مجلساً منتخباً فحسب، إنها الحياة اليومية المباشرة في مجراها العام.
الديمقراطية، في حدودها العامة، هي تجسيد عملي لشكل من أشكال الوعي البشري تحمل في جوهرها مفاهيماً وقيماً إنسانية، تتمثل في الحرية ، والعدالة ،  والمساواة](1)

وجاء في كتاب الإسلام والغرب والديمقراطية قراءة وتعليقات [إن الديمقراطية في مستوى السياسة عودة إلى الرشد ](2)
وجاء في كتاب النظم السياسية: الدولة والحكومة  [فلسفة الديمقراطية :
لقد تكلم بعض المتخصصين حو الأساس الفلسفي للديمقراطية ومبرراتها العملية .
يقول الدكتور محمد كامل ليلة: (الأساس الفلسفي للمبدأ الديمقراطي يرجع إلى نظرية العقد الاجتماعي التي نادى بها الفلاسفة وفقهاء القانون ، وازدهرت في كتابات – روسو- وخلاصتها أن العقد الذي أبرمته الجماعة هو الذي أنشاء السيادة وجعلها للأمة نفسها باعتبارها شخصاً معنوياً له إرادة تتكون من مجموعة إرادات الأفراد . وبين – روسو- خصائص هذه السيادة المركزة في الأمة ، فقرر أنها وحدة لا تقبل التجزئة ولا يصح التنازل عنها، إذ يجب بقاؤها دائماً بيد الأمة) . ...إن فحوى الديمقراطية هي أن السيادة إما أن تكون للشعب ممثلاً في نوابه فقط ، وبالتالي ليس للأفراد دور حقيقي في توجيه الدولة ، أو أن تكون للشعب ممثلاًَ في نوابه مع احتفاظه بدور معين يعبر فيه الأفراد عن آرائهم من خلال الاستفتاء الشعبي](3)
ويقول الدكتور عبد الرازق عيد: [العلمانية كضرورة ديوقراطية :
إن تأكيدنا على هذا الترابط الضروري، واستقصائه تاريخياً وفلسفياً وسوسيولوجياً. لا يلغي التأكيد أيضاً على أن العلمانية التي بدأت في صيغة فصل الدين عن الدولة، ليس معناها فصل الدين عن المجتمع والشعب . ... إن(( الدفاع عن الفلسفة الديمقراطية يكون دفاعاً ناقصاً أو مبتوراُ إذا أسقط من الحساب قضية العلمانية: فالديمقراطية تعني أن الشعب سيد نفسه، وأنه يخضع للقوانين التي يسنها لنفسه، ويطيع الحاكم الذي يكفلهم إدارة الشؤون العامة ما داموا أهلاً لثقته، إنها إذن تفرض وجود شعب واحد يتصرف سياسياً كما يتصرف الفرد تجاه نفسه، أي بإرادة عاقلة لا تعرف سلطة أعلى منها ، فهل يمكن تأسيس وحدة الشعب على الدين، وهل يمكن أن يتنازل الشعب عن سيادة الإرادة العاقلة ويبقى شعباً بالمعنى السياسي))؟
فالقضايا الكبرى، قضايا الأمة والمجتمع لا تحتمل التدليس والمخاتلة والمراوغة فلا بد من مواجهة القضايا وفق منظوماتها الداخلية، وأجناسها المنطقية، وأنساقها وبناها المعرفية التكوينية المتناغمة في تناسلها المفاهيمي .
فمفهوم العلمانية، كمفهوم الديمقراطية لا يشذ عن المفاهيم الفلسفية الأخرى التي نشأت معه في دائرة فلسفة الأنوار، إنه يماثل مفهوم الحرية والتسامح والتقدم ويتداخل معها في نسيج خطاب الأنوار، حيث وجدت سلسلة حلقات المنجزات الفكرية والعلمية والتقنية والسياسية والاقتصادية، وفي هذا السياق تحضر التجربة الكمالية في تركيا بوصفها تجربة تستدعي إطالة تأمل، قام بها ((اركون))(4)
ويقول الدكتور الطماوي: [خصائص الديمقراطية :
إن الديمقراطية التي حولتها الثورة الفرنسية من مجرد فكرة نظرية إلى شيء واقعي ملموس، هذه الديمقراطية تعرف في فقه القانون الدستوري وفي مجال السياسة بـ((الديمقراطية التقليدية)) أو ((الديمقراطية التقليدية الغربية)) أو ((الديمقراطية السياسية)) وهذه الديمقراطية بأسمائها المتعددة التي ذكرنا لها جملة خصائص نذكرها أو نذكر أهمها فيما يأتي : أولاً : الخصيصة الأولى .
الخصيصة الأولى والجوهرية للديمقراطية التقليدية قيامها على أساس أن الشعب وحده هو صاحب السيادة والسلطان، وأن أية سلطة في الدولة لا تستند إلى سيادة الأمة وسلطانها هي سلطة غير شرعية .
الدكتور الطماوي](5)
يقول الدكتور عمرو إسماعيل في بيان معنى الديمقراطية  .
]الديمقراطية ليست فقط صندوق الانتخاب، ... الديمقراطية كنظام هي حزمة كاملة من المبادئ وحرية الاعتقاد هي مبدأ أساسي من مبادئ أي نظام ديمقراطي، والتخلي عنه هو تخلي فعلي وعملي عن الديمقراطية نفسها، ومهما ادعى حزب، أو جماعة أنه ديمقراطي، إن لم يوافق على الحق الإنساني في حرية الاعتقاد، أو يدعو إلى دولة ليس فيها حق حرية الاعتقاد الكاملة، وليس اعتقاد الأديان السماوية فقط، هو يدعو في الحقيقة إلى دولة دينية مهما ادعى العكس. أما أن يكون النظام هو نظام ديمقراطي كامل يفصل بين الدين والدولة، والأحزاب فيه هي أحزاب مدنية، والأغلبية والأقلية هما أغلبية، وأقلية سياسية، وليست دينية وعرقية، النظام الديمقراطي الحقيقي يعني حرية التعبير، وحرية العقيدة، وحق الأقلية (السياسية) المحمي بالقانون في إعلان رأيها، ومحاولة اكتساب الشعب لتصبح هي الأغلبية يوماً ما حتى لو كانت هذه الأقلية فرداً واحداً لابد أن يحمي القانون هذا الفرد، ويعطي حقه كاملاً في محاولة الوصول برأيه إلى الناس. نحن على مفترق الطريق، إما أن نختار الديمقراطية بكل مبادئها وقيمها كحزمة كاملة؛ وإما أن نختار الدولة الدينية الإسلامية بجميع مقوماتها، والديمقراطية ليست جزءاًَ من هذه الدولة، لا وسيلة ولا غاية، أما أن نظل فيما نحن فيه ، فهو الانتحار الحضاري بعينه. الديمقراطية لم تكن أبداً هي فقط صندوق  الانتخاب، والخضوع للأغلبية، إنها حزمة كاملة من المبادئ والقيم أهم ما فيها سيادة القانون المدني، وحق الجميع السياسي، وليس الديني، أو العرقي في الوصول إلى الحكم والتنافس السلمي في ذلك، واحترام حرية العقيدة، وحرية التعبير، والرأي، وحقوق المواطنة بصرف النظر عن الدين، والجنس، واللون، والفصل بين الدين والدولة، ومنع قيام الأحزاب على أساس ديني، أو عرقي أنا أرى أن المستقبل هو للديمقراطية بهذا المعنى.(6)
وقال محمد أحمد علي مفتي: [إن قيام الديمقراطية يرتبط بتوفر شروط أساسية أهمها ((العلمانية)). فالديمقراطية نظام للحياة قائم على حيادية الدولة تجاه القيم الدينية والأخلاقية انطلاقاً من قاعدة أساسية للبناء الديمقراطي تتمثل في ((حرية العقيدة))؛ أي حق الأفراد المطلق في تبني ما يشاؤون من عقائد دون تدخل من أحد، ودونما تأثير على مسار المجتمع والدولة؛ وذلك لاندراج العقيدة ضمن الخيارات الفريدية التي لا يجوز للدولة التدخل فيها بحال من الأحوال .
وبناءً علية ؛ فالديمقراطية نظام لا ديني منبثق عن تصور عن الحياة قائم على فصل الدين عن الدنيا، ويسعى إلى بناء النظام السياسي على قاعدتين: قاعدة حيادية الدولة تجاه العقيدة، وقاعدة سيادة الأمة المترتبة عليها والتي تعني حق الأمة المطلق في تبني نظام الحياة الذي تراه مناسباً .](7)
[ فالديمقراطية نظام قائم على نظرة معينة للكون والحياة والإنسان، وهي تحمل بعداً "عقيدياً" وترتبط بمفهومات محددة، ومعتقدات مشتركة بين الجماعة. والديمقراطية بهذا المعنى تمثل نسقاً فلسفياً، أو قاعدة تبنى عليها النظرة إلى المجتمع، تستمد هذه النظرة جذورها من أفكار المدرسة الليبرالية التي يعد من أبرز مفكريها: جون لوك، وجون ستيوارت مل، وآدم سميث، وديفد هيوم].
فالديمقراطية باعتبار أصحابها نظام شامل للحياة له فلسفته وأسسه وأنظمته وأركانه وكتابه المقدس. ولا نكون مغالين إذ أطلقنا عليها اسم (دين) إي دين وضعي. بدأ بوضعه فلاسفة الثورة الإنكليزية أيام ثورة كرومويل في القرن السابع عشر ثم فلاسفة الثورة الفرنسية ومازال يتطور إلى الآن  .
وكما أنه لا يصح أن يطلق على الرجل أنه من المعتزلة حتى يؤمن بأصولهم الخمسة (التوحيد, العدل. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المنزلة بين المنزلتين, والوعد والعيد) ثم بعد ذلك اختلفوا في كثير من الفرعيات فيما بينهم . وكذلك المرجئة أخرجوا العمل من الإيمان ثم اختلفوا على فرعيات بينهم .
والشيعة لابد أن يؤمنوا بأن الإمام منصوص عليه والأئمة معصومون ولو أنهم بعد ذلك اختلفوا في الفرعيات.
والديمقراطية لها أسس, كبرى ويمكن الخلاف على الفرعيات الكثيرة بينهم. فمن أهم أسسهم:
1-             الشعب مصدر السلطات وله وحده حق التشريع والتقنين .
2-             الشعب هو صاحب السيادة المتفردة التي لا تعلوها سيادة.
3-             فصل الدين عن الدولة .
4-             الحرية المطلقة.
وهناك تفريعات كثيرة لهذا الدين الجديد
ولتحرير الموضوع نبين هنا ماهية الديمقراطية ومعنى الدين:
فبخصوص الديمقراطية تبين من أقوال أهلها أنها ليست إجراءً انتخابيا فقط بل هي نظام شامل للحكم والحياة :
يقول حافظ صالح: [الفكرة الأساسية للديمقراطية :
لكل مبدأ من المبادئ فكرة أساسية شاملة يقوم عليها حتى يصح أن يسمى مبدأ وتكون هذه الفكرة عقيدة المبدأ، وقاعدته الفكرية التي تنبثق عنها معالجات مشاكل الإنسان في الحياة ولما كانت العقيدة بمعناها الاصطلاحي كما جاء في القواميس اللغوية هي الفكرة الكلية عن الكون والحياة والإنسان، وعما قبلها، وعما بعدها، وعن علاقتها بما قبلها، وعن علاقتها بما بعدها .
أي هي الإجابة على كافة التساؤلات التي تجابه الإنسان حيثما كان فهو كائن يتمتع بالحياة على هذه الأرض في هذا الكون .
إذن فالديمقراطية فكرة أساسية شاملة أجابت على كافة الأسئلة التي تجابه الإنسان في الحياة، ووضعت له الأساس الذي تنبثق عنه كافة المعالجات لمشاكله في الحياة الدنيا، بغض النظر عن صحة هذه الأجوبة أو خطئها
وكانت كذلك قاعدة فكرية تبنى عليها أفكار الحياة ومفاهيمها، وقيادة فكرية أمن بها الكثير من الناس فانقادوا بها، وحملوها لغيرهم من الناس لاعتناقها وتطبيقها في حياتهم. فأنشئت عليها مجتمعات كثير وقامت عليها دول استطاعت أن تبسط سلطانها، وتفرض هيمنتها، وتمد نفوذها على غيرها من الدول والمجتمعات، وتطبق عليها نظمها وقوانينها، وبذلك اكتمل وجود هذه  الفكرة في الحياة وشقي العالم بها، وما زال يعاني من ويلاتها ومصائبها، وما سببت للإنسانية من كوارث ونكبات .
وبهذا تكون الديمقراطية قد أعطت فكرة شاملة عن الوجود وعن الحياة وعن وجهة النظر في الحياة وعن معنى السعادة. فكانت بذلك عقيدة لمبدأ وقاعدة فكرية تبنى عليها الافكار، وقيادة فكرية تنبثق عنها النظم والقوانين بجعل الإنسان مصدرها. فانقاد بها الكثير من الناس، وبنوا عليها كياناتهم السياسية ومجتمعاتهم وحملوها على غيرهم كذلك](8)
الدين :
الدين لغة: قال في لسان العرب: [ومنه قول ذي الإصبع العدواني:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب***** فينا ولا أنت دياني فتخزوني
 أي لست بقاهر لي فتسوس أمري والديان  الله عز وجل و الديان القهار وقيل الحاكم والقاضي وهو فعال من دان الناس أي قهرهم على الطاعة يقال دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا ومنه شعر الأعشر الحرماني يخاطب سيدنا رسول الله: (يا سيد الناس وديان العرب) وفي حديث أبي طالب  قال له عليه السلام  أريد من قريش كلمة (تدين لهم بها العرب أي تطيعهم وتخضع لهم) …. والدين الطاعة  وقد دنته و دنت له أطعته قال عمرو بن كلثوم:
  وأياما لنا غرا كراما**** عصينا الملك فيها أن ندينا ...  ثم قال  ثم دانت بعد الرباب أي ذلت له وأطاعته و الدين من هذا إنما هو طاعته والتعبد له وفي التنزيل العزيز (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك).
والمدينة الأمة المملوكة … و دنته أدينه دينا سسته و دنته ملكته و دينته أي ملكته ودينته القوم وليته سياستهم والديان السائس...  قال الخطابي  يعني قوله  يمرقون من الدين أراد بالدين الطاعة أي أنهم يخرجون من طاعة الإمام المفترض الطاعة وينسلخون منها والله أعلم](9)
وقال في القاموس المحيط: [والدين  بالكسر... القهر  والغلبة  والاستعلاء  والسلطان  والملك  والحكم  والسيرة  والتدبير  والتوحيد  واسم لجميع ما يتعبد الله عز وجل به ...والديان  القهار  والقاضي  والحاكم  والسائس  والحاسب  والمجازي الذي لا يضيع عملا  بل يجزي بالخير والشر.](10)
وقال في مختار الصحاح: [الدين أيضا الطاعة تقول دان له يدين دينا أي أطاعه ومنه الدين والجمع الأديان.](11)
وقال في العين [والدين  الطاعة ودانوا لفلان أي أطاعوه.](12)
وقال في غريب الحديث: الدَّيَّانُ: الملِكُ المُطاع وهو الَّذِي يَدِين النَّاسَ: أي يَقْهَرهُم عَلَى الطاعة.] غريب الحديث1-240) )
وقال في المحكم والمحيط الأعظم: [الدَّيّانُ هنا الذي يَلِي أَمْرَكَ وَيَسُوسُكَ](13)
وقال في أساس البلاغة: [من دان القوم إذا ساسهم وقهرهم فدانوا له.](14)
الدين في القرآن: وردة لفظة دين في القرآن في مواضع كثيرة نختار منها ما يبين المقصود. فالمراد الأول الطاعة:
في قوله تعالى" (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(39) الأنفال.
والمراد الثاني: النظام والمنهج الذي ارتضاه الله لنا :
وقال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج: (78)
والمراد الثالث: أنه سمى مناهج الكفر وأنظمته ديناً
فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة: (33)
وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) الفتح: (28)
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف: (9)
 أي ليظهر المنهج والنظام الإسلامي الذي ارتضاه الله لنا على جميع الأنظمة والمناهج.
وقال تعالى: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) يوسف: (76)
فسمى نظام الحكم ومنهجه عند فرعون (ديناً)
وقال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر: (26)
 أي أن يبدل المنهج والنظام الذي تسيرون عليه.
وقال تعالى:( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ(1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ(4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 6) سورة الكافرون .
 أي لن أتبع منهجكم ونظامكم وأنتم لن تتبعون منهجي ونظامي, ولا التقاء أو خلط بين المنهجين والنظامين.
 وقال في عقيدة التوحيد في القرآن الكريم: [إن مفهوم الدين في الإسلام واسع لا يقتصر على النواحي الاعتقادية والتعبدية فهو يشمل نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها الاعتقادية والتعبدية والفكرية والخلقية والعلمية والعملية والاقتصادية وغيرها، فإن كان هذا النظام مستندًا إلى شرع الله وسلطته، فهو دين الله الحق، وإن كان هذا النظام مستندًا إلى شرع البشر والحكام وسلطانهم فهو دين الحكام،... وقال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}4، فواضح في هذه الآية أن الدين يشمل النظام العام في البلاد وفي جميع مناحي الحياة؛ لأن نظام الملك وشرعه، ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه جزاء سرقته، إنما كان هذا نظام يعقوب وشريعة دينه، فالدين هنا هو النظام والشرع،](15)
 وقال أ. د. جعفر شيخ إدريس: [الدين دينان ينبغي أن لا نخلط بينهما فنحكم بأحدهما على الآخر، أو نستنتج من أحدهما نتائج ونسحبها على الآخر، أو نبني سياسة عملية على أحدهما حقها أن تبنى على الآخر.
الدين بالمعنى الأول هو الدين المنزل من السماء، المبلَّغ للناس عن طريق رسل الله. والدين بالمعنى الثاني هو ما يدين به الناس في الواقع فيما يعتقدون من عقائد، أو يلتزمون به من قيم، أو يمارسون من سلوك..... ونوع من الدين لا علاقة له بالدين المنزل من السماء البتة، وإنما هو من اختراع الناس، وهو المشار إليه في مثل قوله ـ تعالى ـ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]
}وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85[
}أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} [آل عمران: 83[
}أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ{ [الشورى: 21]
يدخل في هذا أديان المشركين من العرب، كما يدخل فيه من أهل زماننا أصحاب كل ما يسمى بالأيديولوجيات التي هي من اختراع البشر كالشيوعية والعلمانية. ولا تستغربن تسميتنا لها بالدين؛ لأن الدين في لغة العرب وحكم القرآن هو كل منهاج للحياة يجعله الإنسان ديدناً له مهما كان نوعه](16)
وقال سيد قطب: [بينما النص القرآني هنا يحدد مدلول «دين الملك» بأنه نظام الملك وشريعته. وكذلك «دين الله» فهو نظامه وشريعته.](17)
وقال الإمام المودودي: [المراد بـ (الدين) في جميع هذه الآيات هو القانون والحدود والشرع والطريقة والنظام الفكري والعملي الذي يتقيد به الإنسان فإن كانت السلطة التي يستند إليها المرء لاتباعه قانوناً من القوانين أو نظاماً من النظم سلطة الله تعالى، فالمرء لا شك في دين الله عز وجل، وأما إن كانت تلك السلطة سلطة ملك من الملوك، فالمرء في دين الملك، وإن كانت سلطة المشايخ والقسوس فهو في دينهم. وكذلك إن كانت تلك السلطة سلطة العائلة أو العشيرة أو جماهير الأمة، فالمرء لا جرم في دين هؤلاء. وموجز القول أن من يتخذ المرء سنده أعلى الإسناد وحكمه منتهى الأحكام ثم يتبع طريقاً بعينه بموجب ذلك، فإنه -لا شك- بدينه يدين](18)
وقال ابن الجوزي: [الشريعة سياسة إلهية](19)
وقد كتب ابن تيمية ـ رحمه الله ـ رسالة في السياسة الشرعية، قال في أولها: (فهذه رسالة مختصرة فيها جوامع من السياسة الإلهية)
 وقتال ابن مفلح [أكثر السلاطين يعملون بأهوائهم وآرائهم لا بالعلم، ويسمون ذلك سياسة، والسياسة هي الشريعة](20)
وقال محمد بن شاكر الشريف: [ولهذا جعل الله تعالى القوانين ديانة، فيسمى القانون ديناً، كما في قوله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف:76], معناه: في قانون الملك {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف:76]، فكل قانون غير شرع الله فهو دين أراد به صاحبه نسخ دين الإسلام وتغييره، فهو إشراك بالله العظيم عز وجل.](21)
وقال الشيخ أبو محمد المقدسي:
فصل[الديمقراطية دينٌ كفريٌّ مبتدع وأهلها بين أرباب مشرِّعين وأتباع لهم عابدين ](22)
فيتبين معنا أن الديمقراطية دين يناقض دين الإسلام ويحادَّه.
في دين الإسلام الحاكمية العليا لله. في الديمقراطية الحاكمية العليا للشعب.
في دين الإسلام السيادة لله . في الديمقراطية السيادة للشعب.
المرجع في دين الإسلام للكتاب والسنة المرجع في الديمقراطية للدستور والقانون.
في دين الإسلام المشرع هو الله في الديمقراطية المشرع هو مجلس النواب.
في دين الإسلام ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ))(المائدة: 48)
في الديمقراطية وأن احكم بينهم وفق أهوائهم وبحسب رأي الأكثرية.
في دين الإسلام يرد التنازع إلى الكتاب والسنة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا)) (النساء: 59)
في الديمقراطية فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى مجلس النواب وحسب رأي الأكثرية.
ودين الديمقراطية له تفريعاته وأصوله وفقه وفقهاؤه كما لدين الإسلام.
هذه هي ماهية الديمقراطية إذن وليست انتخابات فقط.

[1] - عدنان عويد / الديمقراطية بين الفكر والممارسة صفحة 9
[2] - جودت سعيد – عبد الواحد علواني / الإسلام والغرب والديمقراطية صفحة 174
   [3] - محمد كامل ليلة / النظم السياسية : الدولة والحكومة  صفحة 488
  [4] - الدكتور عبد الرازق عيد – الأستاذ محمد عبد الجبار/ الديمقراطية بين العلمانية والإسلام صفحة 87-90
   [5] - الديمقراطية الدستورية في لبنان والبلاد العربية والعام صفحة 73
[6] - عبد المجيد بن محمود الهتاري الريمي/ موقف الحركة الإسلامية من الديمقراطية صفحة 32/ 34/ 36/ 73.
  [7] - نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية /محمد أحمد علي مفتي صفحة 26/27
  [8] - حافظ صالح / الديمقراطية و حكم الأسلام فيها .صفحة 14-16
[9] - لسان العرب ج: 13 ص: 167 وما بعدها
[10] - القاموس المحيط ج: 1 ص: 1546
[11] - مختار الصحاح ج: 1 ص: 91
[12] - العين ج: 8 ص: 73
[13] - المحكم والمحيط الأعظم (8/ 206(
[14] - أساس البلاغة (1/ 306)
[15] - عقيدة التوحيد في القرآن الكريم (ص: 96): محمد أحمد محمد عبد القادر خليل ملكاوي 
[16] - مجلة البيان (203/ 9): الدين دينان منزل من السماء.. ومتخذ في الأرض: أ. د. جعفر شيخ إدريس
  [17] - في ظلال القرآن (4/ 2021
  [18] - المصطلحات الأربعة في القرآن (ص: 77
  [19] - تلبيس إبليس، ص 188.
   [20] - الفروع 6/ 386.
  [21] - مجلة البيان (201/ 5): قواعد في فقه السياسة الشرعية محمد بن شاكر الشريف
 [22] - الديـمقراطـيّة ديـن: لأبي محمد المقدسي ص 13

7 التعليقات:

إنشاء الله يزيل الله الديمقراطية الوثنية من ارض الإسلام الديمقراطية دين جديد دخل على المسلمين وراج بسبب المنافقين المروجون له

نعم ان شاء الله يزيل أفكار البشر العفنة التي لعبت بالبشرية وجهلتهم في الحضيض
من أمثال الديمقراطية والعلمانية والليبرالية والمدنية القذرة

لا شك أن هذه الأفكار نبتت في بلاد الكفر التي تفتقر إلى المنهج الرباني واستهوتها الشياطين إلى مناهج الضلال والأولى بنا دعوة الكفار إلى منهج الله وليس تقليدهم في منهجهم الشيطاني

وبكم بارك ربي وجزاكم الله خيراً

جزيت خيرا على الموضوع.
لقد دابنا منذ فترة على استخدام مصطلح العدالة الاجتماعية في حواراتنا و أدبياتنا أنا و كثير من الأصدقاء , و نحاول تكريس هذا المصطلح ضمن هذه الفوضى الفكرية التي اجتاحت الكثيرين و الهدف هو محاولة تقريب الفكر العام من أن الهدف من العمل السياسي هو تحقيق العدالة الاجتماعية و هي تشمل كل مناحي الحياة السياسية و المدنية و غيرها , أرى أن الحوار مع العلمانيين و المنادون بالنظام المدني سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين يسير في خطين متوازيين ( القصد هنا عدم القابلية للالتقاء ) مع الإسلاميين , لذلك كان لا بد من ابتداع لغة جديدة تقربهم أكثر من منظومة الأفكار الاجتماعية على أساس إسلامي لتخفف من حدة العداوة و الجفوة و قد يكون في ذلك مدخلاً لتبنيهم الكثير من الأفكار الإسلامية خصوصاً أن العلمانية في بلادنا هي في معظمها " موضة " و ليست أفكاراً متبناة عن قناعة , لكن الصدام مع الإسلاميين يجعلهم ( يتمترسون ) خلف أفكارهم و يقاتلون في سبيلها حتى النهاية , من خلال رؤيتي الاجتماعية و السياسية القائمة على الكثير من الحوارات و المشاهدات أرى أن معظم شبابنا تترسخ الأفكار عندهم من مبدأ التشنج للفكرة و ليس من باب إلزام الحجة , لذلك كان لا بد من البحث عن طريقة جديدة للحوار عبر مصطلحات يراها الآخرون تتناسب مع اللغة الحديثة للسياسة و لا تتعارض مع القيم الإسلامية
- متصفح الأفكار- Surfing ideas

جزاك الله خيراً أود أن أنوه إلى نقطة كنت قد ذكرتها في الحلقة الأولى وهي أن غالب الخلاف بين الناس يكون بسبب تعويم المصطلحات وما تهدف إليه ولا شك أن الأصل الأول الاتفاق على معنى المصطلح, والأفكار الواردة نشأت أصلاً في مجتمع كافر وكانت إفرازاً لهذا الكفر وساهم في نشرها الأنظمة المرتبطة بالغرب وفي أعلى حالاتها موظف في السفارة والمنهج الإسلامي منهج متكامل ويقدم الحلول لكل المشاكل لأنه منهج إلهي .أما العلمانيون فتقييمكم لهم فيه شيء من العمومية فهم ليسوا على نمط واحد ففيهم الكافر الشرس المصر على كفره المحارب للإسلام وفيهم الكافر اللامبالي وفيهم الكافر تقليداً وعلينا واجب إنقاذهم بالدليل وسحبهم إلينا وليس الذهاب إليهم والمهم قبل هذا وبعده عرض الحق بشكل لا لبس فيه والله يهدي من يشاء

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.