موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 27 نوفمبر 2011

دراسات حول سوريا (16)


دراسات حول سوريا (16)

رضوان محمود نموس

محاولات إنهاء الخلافة:
فكرت فرنسا في إنهاء الخلافة العثمانية وكان المخطط المفضل لديها ثورة عربية ضد الأتراك وأن يكون منطلق الثورة من بلاد الشام والذي يتزعم الثورة ينسب لآل البيت فوقع اختيارها على العميل الفرنسي الماسوني (عبد القادر الجزائري) وعلمت الاستخبارات البريطانية بالمخطط الفرنسي فبادرت هي الأخرى بسرقة المخطط وتنفيذه على طريقتها ووقع الخيار الإنكليزي على أمير مكة (حسين بن علي) لما لمكة من شأن عند المسلمين  ويقول مصطفى كامل موضحاً الخطط الإنجليزية في هدم الخلافة: [ وقد علمت انجلترا أن احتلالها لمصر - كان ولا يزال قائماً ما دام قائماً - سبباً للعداوة بينها وبين الدولة العلية, وأن المملكة العثمانية لا تقبل مطلقاً الاتفاق مع انجلترا على بقائها في مصر... ولذلك رأت انجلترا أن بقاء السلطة العثمانية يكون عقبة أبدية في طريقها ومنشأً للمشاكل والعقبات في سبيل امتلاكها مصر, وأن خير وسيلة تضمن لها البقاء في مصر ووضع يدها على وادي النيل هو هدم السلطنة العثمانية، ونقل الخلافة الإسلامية إلى أيدي رجل يكون تحت وصاية الإنجليز وبمثابة آلة في أيديهم، ولذلك أخرج ساسة بريطانيا مشروع الخلافة العربية مؤملين به استمالة العرب لهم وقيامهم بالعصيان في وجه الدولة العلية ولذلك أيضاً كنت ترى الإنجليز ينشرون في جرائدهم أيام الحوادث الأرمنية مشروع تقسيم الدولة العلية -حماها الله- جاعلين لأنفسهم من الأملاك المحروسة مصر وبلاد العرب، أي السلطة العامة على المسلمين والذي يبغِّض الإنجليز على الخصوص في جلالة السلطان الحالي هو ميله الشديد إلى جمع كلمة المسلمين حول راية الخلافة الإسلامية.. ومن ذلك يفهم القارئ سبب اهتمام الإنجليز بالأفراد القليلين الذين قاموا من المسلمين ضد جلالة السلطان الأعظم وسبب مساعدتهم لهم بكل ما في وسعهم فإن مشروع جعل الخلافة الإسلامية تحت وصاية الإنجليز وحمايتهم هو مشروع ابتكره الكثيرون من سُوَّاسهم منذ عهد بعيد. وقد كتب كتَّاب الإنجليز في هذا الموضوع ومنهم المستر "بلانت" المعروف في مصر. فقد كتب كتاباً قبل احتلال الإنجليز لمصر في هذا المعنى سماه "مستقبل الإسلام" وأبان فيه أغراض حكومة بلاده وأماني الإنجليز في مستقبل الإسلام وقد كتب في فاتحة كتابه:
 لا تقنطوا فالدر ينثر عقده *** ليعود أحسن في النظام وأجملا

أي أن هدم السلطنة العثمانية لا يضر بالمسلمين بل إن هذا العقد العثماني ينثر ليعود عقداً عربياً أحسن وأجمل. ولكن ما لم يقله المستر بلانت هو أن قومه يريدون هذا العقد العربي في جِيد بريطانيا لا في جِيد الإسلام !!.. ويبين المستر بلانت أيضاً: " أن مركز الخلافة الإسلامية يجب أن يكون مكة وأن الخليفة في المستقبل يجب أن يكون رئيساً دينياً لا ملكاً دنيوياً " أي أن الأمور الدنيوية تترك للإنجليز لتدبير أمورها كيف تشاء! ويعقب المستر بلانت ذلك بقوله: "وإن خليفة كهذا يكون بالطبع محتاجاً لحليف ينصره ويساعده وما ذلك الحليف إلا انجلترا !!" وبالجملة فحضرة المؤلف لكتاب مستقبل الإسلام يرى -وما هو إلا مترجم عن آمال أبناء جنسه- أن الأليق بالإسلام أن ينصب إنجلترا دولة له ولم يبق للمستر بلانت إلا أن يقول بأن الخليفة يجب أن يكون إنجليزياً !! ]([1]).
وسنعود إلى المخطط الإنكليزي لأنه هو الذي نجح وسنتكلم الآن عن الدمية الفرنسية عبد القادر الجزائري
ظاهرة عبد القادر الجزائري
لماذا كان قدوم عبد القادر الجزائري إلى سوريا وما هو السر وراء ذلك.
وتقول الوثائق والبحوث التاريخية:
أن الأمير الذي ولد في 23 رجب 1222هـ / مايو 1807م، بقرية "القيطنة" بوادي الحمام من منطقة معسكر "المغرب الأوسط" الجزائر، ثم انتقل والده إلى مدينة وهران تلقى مجموعة من العلوم فقد درس (الفلسفة, ورسائل أخوان الصفا, وأرسطوطاليس,) ومارس حياة التصوف، وسلك الطريقة القادريّة، ولقي الشيوخ فيها والعلماء ورأى من الصواب الجنوح للسلم، وتولّع بكتب الصوفية، خصوصاً مؤلفات ابن عربي وكان أول من طبع كتاب الفتوحات المكية على نفقته وطبع كل ما استطاع جمعه من كتب ابن عربي.
و قد تواتر عنه أنه كان يشتري كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن قيم الجوزية بأغلى الأثمان ليحرقها، و ذلك لأنهم كانوا يفتون بكفر ابن عربي، كما يؤججون روح الجهاد في الشارع المسلم.
قال الشيخ الجليل محمد نصيف : "أقول انا محمد نصيف بن حسين بن عمر نصيف : سألت السائح التركي "ولي هاشم" عند عودته من الحج في محرم سنة 1355 عن سبب عدم وجود ما صنفه العلماء في الرد على ابن عربي ، وأهل نحلته الحلولية والاتحادية من المتصوفة ؟ فقال : قد سعى الأمير السيد عبدالقادر الجزائري بجمعها كلها بالشراء والهبة ، وطالعها كلها، ثم أحرقها بالنار، وقد ألف الأمير عبدالقادر كتابا في التصوف على طريقة ابن عربي.  صرّح فيه بما كان يلوح به ابن عربي، خوفا من سيف الشرع الذي صرع قبله :" أبو الحسين الحلاج " ، وقد طبع كتابه بمصر في ثلاث مجلدات ، وسماه المواقف في الوعظ والارشاد، وطبع وقفا، ولا حول ولاقوة الا بالله” اهـ
قال الأمير عبد القادر الجزائري: [لو أصغى إلي المسلمون و النصارى، لرفعت الخلاف بينهم، ولصاروا إخوانا، ظاهرا و باطنا، ولكن لا يصغون إلي].اهـ ([2]).
وقال الأمير عبد القادر الجزائري في المواقف:
فطوراً تراني مسلما أيُ مسلمٍ********زهودا نسوكا خاضعا طالبا مدا
وطوراً تراني للكنائس مسرعا *******وفي وسطي الزنار أحكمته شدا
وطوراً بمدارس اليهود مدرساً  *******أقرر توراة و أبدي لهم رشدا([3]). 
وهذا من تأثره بشيخه ابن عربي عندما يقول:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة ……فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائـف ……وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهـت …..ركائبه فالحب ديني وإيماني
و هذا المنهج الديني اللاديني الذي تختطه العقيدة الصوفية تجعل لا فرق بين مسلم أو نصراني  أو ما بين مؤمن أو مشرك ، في حين تلقي بعقيدة البراء خارج القائمة.
و بالتالي فإن الصوفية والماسونية تدوران في فلكٍ واحد، ولذلك لم يكُن بِدعاً من الرأي أن ينتهج الأمير الخط الماسوني بعد المذهب الصوفي لكونه بذلك لم يخرج عن نفس المسار وإنَّما انتقل من مدار إلى مدار.
كانت فرنسا أكثر الدول الأوربية علاقة بالدولة العثمانية ولما أحست فرنسا بتراخي قبضة الدولة على ممتلكاتها وبداية أفول شمسها انقض نابليون على مصر وتابع إلى فلسطين لإقامة دولة يهود التي كان يهود يسعون إليها يهود عبر مؤسساتها وخاصة الماسونية وكان نداء نابليون الشهير بدعوة يهود لمساندته من أجل إقامة دولتهم.
 [أيها الاسرائيليون: انهضوا فهذه هي الحظه المناسبه"......(نابليون بونابرت في نداء موجه ليهود العالم ..... من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وأسيا الى ورثة فلسطين الشرعيين.
أيها الاسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط.
إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين - وان لم تكن لهم مقدرة الأنبياء مثل أشعياء ويوئيل -قد أدركوا ماتنبأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع أن عبيد الله (كلمة اسرائيل في اللغة العبرية تعني أسير الله أو عبد الله) سيعودون إلى صهيون وهم ينشدون، وسوف تعمهم السعادة حين يستعيدون مملكتهم دون خوف.
انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه. إن أمامكم حربا مهولة يخوضها شعبكم بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تقسم بينهم حسب أهوائهم... لابد من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت نير العبودية، وذلك الخزي الذي شل إرادتكم لألفي سنه. إن الظروف لم تكن تسمح بإعلان مطالبكم أو التعبير عنها، بل إن هذه الظروف أرغمتكم بالقسر على التخلى عن حقكم، ولهذا فإن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، وبالرغم من شواهد اليأس والعجز.
إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل وراءه، قد اخنار القدس مقراً لقيادته، وخلا ل بضعة أيام سينتقل الى دمشق المجاورة التي استهانت طويلا بمدينة داود وأذلتها.
ياورثة فلسطين الشرعيين
إن الأمة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم الى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء.
انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تحالفهم الأخوي شرفا لأسبرطة وروما، وأن معاملة العبيد التي طالت ألفي سنه لم تفلح في قتل هذه الشجاعه
سارعوا! إن هذه هي اللحظة المناسبة- التي قد لا تتكرر لألاف السنين- للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لألاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي المطلق في عبادة الهكم يهواه، طبقا لعقيدتكم، وافعلوا ذلك في العلن وافعلوه الى الأبد"... بونابرت]

ونتيجة للعداء المتمكن بين بريطانيا وفرنسا أرادت بريطانيا إفشال خطة نابليون كما أرادت أن تكون هي التي تعيد يهود إلى فلسطين .
وبدأ السباق بين فرنسا وبريطانيا لتدمير الخلافة العثمانية وبدأت كلتا الدولين تبحثان عن مساعد لها من العرب شريطة أن يحمل نسب آل البيت ليكون مبرراً قويا لاستعادة الخلافة إلى العرب بل إلى آل البيت .
وعثرت بريطانيا على المدعو "الشريف حسين بن علي" والي مكة وعثرت فرنسا على عبد القادر الجزائري الذي ينسبونه لآل البيت.
[لقد كان المخطط الفرنسي لوراثة التركة العثمانية يقضي بالسعي للقضاء على الخلافة العثمانية من خلال تأجيج ثورة عربية يترأسها بعض المنتسبين للبيت النبوي، ويقوم بجر جميع تلك البلدان الى حظيرة الهيمنة الفرنسية
و لكن خطة فرنسا فشلت في الحقيقة لكون المنطقة بكاملها سرِقت منها فيما بعد ، نظراً لاكتساح السياسة البريطانية للمنطقة وتفوق اللاعب البريطاني، فقد كان السقوط الفرنسي قد ابتدأ مسبقاً مع الفشل العسكري للحملة الفرنسية على مصر، لتتتابع بعد ذلك سلسلة الإخفاقات الفرنسية، ومن ثمَّ تَمَّت سرقة المخطط بِرُمَّته ـ انجليزياً ـ من الحقيبة الفرنسية.
ليتم بعد ذلك تطبيقه بحذافيره على يد الجنرال البريطاني الشهير "اللنبي" لتنصيب دمية أخرى هي "الشريف فيصل بن الحسين".
و ليحتل الجيشان البريطاني والعربي الأراضي السورية، بتاريخ11 تشرين الأول 1918 تنفيذاً لاتفاق غير معلن ، وليصرح اللنبي بقوله عندما وصل إلى القدس "الآن انتهت الحروب الصليبلية" وليتم قبل ذلك وعد وزير خارجية بريطانيا "بلفور" لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين. وكما فعل القائد الإنكليزي فعل الجنرال الفرنسي "غورو" بعد ذلك في دمشق عند قبر صلاح الدين بقوله: "ها قد عدنا يا صلاح الدين " وبعد ذلك يدخل الأمير فيصل دمشق تلبية لأمر والده الشريف حسين.
و من الغرابة بمكان أن يقوم الطابور الخامس الماسوني السوري وقبل يومين من وصول الأمير فيصل بإعلان استقلال البلاد باسم الشريف حسين، ورفع العلم العربي على سارية دار الحكومة، و من ثمَّ تبدأ عملية تنظيم وإكمال تشكيلات الدولة العربية و الجيش العربي ، وإزالة كل ما يمت للعهد العثماني واللغة التركية بِصلة، كل ذلك بسرعة غريبة وسطوة عجيبة ، بينما لم يكن من أعلن استقلال البلاد، و حَكَم البلاد خلال ذَين اليومين الطويلين في تاريخ الأمة الإسلامية الأمير محمد سعيد الجزائري القطب لأعظم للمحفل الأكبر السوري العربي الماسوني ، وحفيد الأمير عبد القادر الجزائري  إلا أن فيصل عزل الجزائري وولى رضا الركابي بناْ على الأمر الإنكليزي حتى لا يكون لفرنسا أي أثر].([4]).
وعوداً عل المخطط الفرنسي: (ففي عام 1852م استدعى نابليون الثالث بعد توليه الحكم، عبد القادر الجزائري وأهداه سيفاً وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأمير كافة الشؤون السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته.
 اقترح نابليون الثالث على الأمير أن يترأس الإمبراطورية العربية في الشرق بعد أن يتم تحريرها من الاحتلال العثماني
ورحل الأمير عبد القادر إلى الشرق براتب باهظ من الحكومة الفرنسية ، وبوعدٍ غير واضحٍ من الإمبراطور الفرنسي بتنصيبه إمبراطوراً على البلاد العربية

فتحول إلى خادم مطيع ومريد متحمس للدولة الفرنسية و إلى كل ما يمت إلى الفرنسيين بِصِلة
 توقف عبد القادر في إسطنبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقر به المقام في دمشق منذ عام 1856 م وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء .
توجّه سنة 1281 إلى الأستانه لزيارة السلطان عبد العزيز، فاجتمع به وأهداه الوسام العثماني الأول انتسب إلى (جمعيّة العروة الوثقى) وكان قد انتظم في سلك الماسونيّة بالإسكندريّة ، وهو في طريق عودته من الحجاز، بمحفل الأهرام التابع للشرق الفرنسي، وكان يجهر بانتسابه.
وعندما طرحت صيغة الإمارة العربيّة في أجواء الحرب (الروسيّة ـ العثمانيّة) وأجواء (معاهدة سان استيفانو) ومؤتمر برلين، اقترح (إمارة عربية تعيد الخلافة للعرب) وبويع عبد القادر زعيماً لهذه الحركة وأميراً مرتقباً على بلاد الشام وقد كان موقف الأمير عبد القادر من الخلافة العثمانية حين كان في بلده الجزائر موقفاً انفصالياً سيئاً.
وقد كانت الجمعية الماسونية قد أخذت على عاتقها محاربة الخلافة العثمانية لكونها تقف سدا منيعا أمام الأطماع العالمية في العالم العربي والإسلامي، ولذلك فقد حاولت الجمعية آنذاك بتدبيرٍ من الأمير عبد القادر الجزائري رئيس المحفل السوري الماسوني آنذاك اغتيال متصرف جبل لبنان العثماني للاستقلال عن الدولة العثمانية.
إن المتتبع لحياة الأمير عبد القادر بدمشق، سوف يثير انتباهه علاقة عبد القادر بيهود ونصارى البلاد كما علاقته بالسفراء الأجانب وشيء آخر وربما هي نقطة ضعفه الأساس غير ردته عن الدين بانتسابه للماسونية وهي تكالب الأمير على اقتناء الدور والأراضي الفلاحية، والحصول على المال مهما كانت الوسائل المتبعة في ذلك. ففي البداية أقرت الحكومة الفرنسية منح الأمير راتباً بما قدره  300000 فرنك فرنسي كما تقول حفيدته الأميرة بديعة الحسني الجزائري وهو في ذلك الوقت مبلغ خيالي للغاية ، بل يفوق ميزانيات كثير من المصالح الحكومية العثمانية،

وقد ضغط السفير الفرنسي على الدولة العثمانية لمنح الأمير دوراً ومبلغاً يعادل 100000 فرنك وقد قدمت له الدولة العثمانية ذلك. وقد كان الأمير خلال إقامته في الشام يعيش عيشة الملوك ، فقد كان محاطاً بنحو 180 شخصاً من عائلته، وكان يعمل لديه ألفا شخص كحراس شخصيين أو مزارعين أو موظفين، وشيئاً فشيئاً وصل إلى دمشق زهاء 15 ألف مغربي وجزائري وتونسي التحقوا بخدمته ، وكان يتولى الإشراف على أحوالهم.
 و لسنا من السذاجة بحيث نعتقد أن ذلك الكرم الفرنسي إنما كان حُباًّ من الإمبراطورية الفرنسية لشخص الأمير عبد القادر، وتقديراً منها لجهاده ضد الفرنسيين!!!، دون أجندة عمل فرنسية. كان الأمير ـ في المقابل ـ مطالبٌ بتنفيذها بكلِّ دقَّة ،و لعلَّ تلك الأجندة قد أسفرت عنها المواقف الأميرية المتضامنة مع المصلحة الفرنسية.
فحين أفرزت خيانة النصارى غضباً عارماً في دمشق والشام على المسيحيين الذين راسلوا وجلبوا المستعمر الأجنبي الفرنسي إلى ديار المسلمين، عندما قام يوسف بك كرم الماروني في (1859 ـ 1860 م) بثورة على داود باشا أول متصرف عثماني على الجبل اللبناني، وطالب بالحكم المحلي لموارنة الجبل ، ثم دعا إلى التدخل الفرنسي هو والمطران “طوبيا عون” ( لعلَّه جد العماد ميشيل عون الذي يسير الآن على خُطى جدِّه في العمالة لصالح فرنسا.
قام الأمير عبد القادر آنذاك، باعتراف العديد من قادة تلك الفترة بحماية و إنقاذ حوالي 15000 مسيحي ويهودي عام 1267هـ 1860م  احتموا بالأمير من غضب جماعات ثائرة ، إذ استضافهم في منازله ، و قد حمل مع أتباعه السلاح لحمايتهم.
وهو ما دفع العديد من ملوك وقادة تلك الفترة ورجالات الدين إلى منح الأمير أوسمة شرف عرفانا لإنقاذ أرواح عدد من رعاياهم بمن فيهم قناصلة روسيا وفرنسا واليونان وأمريكا وقد انتهت تلك المؤامرة بالتدخل الفرنسي ، وبعد تلك الخدمة الجليلة للتاج الفرنسي تهاطلت على الأمير الأوسمة والنياشين من عدد كبير من رؤساء الدول الأوربية ، وعلى الخصوص من نابليون الثالث الذي وشحه وسام الشرف الفرنسي الأول، ونتيجة لذلك أخذت تنتشر في أوربا التآليف التي مجدت الجانب الإنساني للأمير وتسامحه.
وهناك نص ماسوني موثق كتبه الدكتور أنطوان عاصي رئيس معهد الطقوس في المحفل الأكبر اللبناني الموحد .
يقول الدكتور عاصي:
(في الأحداث الدامية التي وقعت في دمشق في تموز من العام 1860 بين المحمديين والمسيحيين كلف عبد القادر بمهمات إنقاذية، ووضع تحت حمايته آلاف المسيحيين الذين لقوا الحماية تحت لوائه.
هذه البادرة قدرها نابليون الثالث وقلد الأمير وسام الشرف الفرنسي وأرسلت من بعدها المحافل الماسونية كتابات شكر وتقدير له أهمها محفل هنري الرابع الذي اخذ المبادرة.
وفي العام 1861 رد الأمير عبد القادر الحسني الجزائري على محفل هنري الرابع الباريسي بقوله: ( لم ألمس في المبادئ الماسونية ما يتعارض وشريعة القران الكريم والسنة والفقه
وفي عهد داود باشا عام 1865 و خلال وجوده في فرنسا عقد الأمير اجتماعات مع الماسونية الفرنسية في مدينة Amboise واعترف أمام أساتذة الماسونية في هذا المذهب أن ( هناك بعض المصاعب التي ستواجهها الحركة في الشرق العربي نظراً للانتماءات المذهبية رغم أن مبادئها هي من أجل المبادئ السامية والأخلاقية.
و بعد عودته إلى سوريا حجب الأمير عبد القادر بعضا من نشاطاته الماسونية وبقي في الظل. بهذا المفهوم تصرف الأمير بمعنى أن الماسونية ليست نسخة عن هذا العالم . لقد فهم الأمير أنه لا يجوز كشف أسرار النظام الكوني أمام أهل العماء.)([5]).
هذا النص التفصيلي الاستثنائي يفسر لنا كثيرا من الأسرار التي أحاطت بشخصية الأمير عبد القادر في تلك المرحلة.
وفي عهد مخلص باشا وخلال حقبة تسلط جمعية الاتحاد و الترقي على الدولة العثمانية كانت الجمعية تعين الولاة و المتصرفين من الماسونيين أنفسهم ، فعُين مخلص باشا الماسوني والياً على دمشق، والذي بدأ بنشر الماسونية بسرعة وجرأة عاليتين.
بمساعدة عبد القادر لما له من علاقة بالقنصلية الفرنسية، و اطلاعه على المحافل الماسونية الفرنسية
و في عهد راشد باشا ( أو رشيد باشا ) الماسوني أيضا الذي عُيِّن والياً سنة 1865م دخلت الأفكار الماسونية حيز التنفيذ ، فتعاون مع الأمير عبد القادر بعد رجوعه من مصر بهذا الخصوص فأسَّسا محفل سوريا أو الجمعية الماسونية ، و كانت هذه الجمعية تتستر تحت اسم  (لجنة الإصلاح).
يقول جرجي زيدان الماسوني في كتابه تاريخ الماسونية العام 
[إن الماسونية دخلت دمشق بمساعي الأمير عبد القادر الجزائري ، وأن أول محفل تأسس فيها هو محفل “سوريا” بشرق دمشق ، … فثبت بمساعي الأخوة وتنشيطهم]([6]).
كان الإعلام قد صنع هالةً ضخمة جداً على اسم الأمير عبد القادر كما فعل مع محمد عبده وأتاتورك وكما هو يصنع الآن. فانخدع أكثر الناس بالماسونية ، بل وأقبلت الطبقة الراقية في سوريا للانخراط في “السلك” الماسوني.
مرحلة العمالة السافرة:
لقد تدرج التحول بالأمير حتى وصل إلى مرحلة العمالة السافرة ، فكان عاملا من عوامل تمزيق الدولة الإسلامية:
و أدى به طمعه بالحكم إلى أمور منها: أنه بعد إجبار الدولة العثمانية على توقيع معاهدة مع روسيا بسبب هزيمتها كانت المعاهدة تتضمن إنشاء كيانات قومية في كل الولايات العثمانية، ونتيجة لذلك سافر أحمد الصلح من بيروت عام 1877 إلى صيدا والجبل ودمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية وحوران وجبل الدروز يرافقه محمد الأمين وأحمد عباس الأزهري، ومن خلال هذه الجولة عقدت عدة اجتماعات سرية بعضها في مصيف الأمير عبد القادر في دمر قرب دمشق ، وبعضها في دار حسن تقي الدين الحصيني، ويذكر المؤرخ محمد جابر آل صفا أسماء ممثلي الجبل في الاجتماعات السرية وهم:
محمد الأمين (شيعي) وعلي عسيران (شيعي) والشيخ علي الحر الجبعي (شيعي) وشبيب باشا الأسعد الوائلي (شيعي) ([7])ويقول ((وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر يشترك فيه الشيعيون للنظر في استقلال البلاد الشامية وفصلها عن جسم الدولة العثمانية ، وقرر المؤتمرون اختيار عبد القادر الجزائري أميراً على سوريا) ([8]).
مجاهرته بالماسونية:
بدأ الأمير بعد ذلك بالمجاهرة الفجة بالماسونية ، بل بالفرنسماسونية بشكل خاص ، يقول: [إنني أعتبر منظمة البنائيين الأحرار كأول مؤسسة في العالم. وفي رأيي أن كل رجل لا يجاهر بالعقيدة البنائية الماسونية يعد رجلاً ناقصاً وأؤمل يوماً أن أرى فيه انتشار مبادئ الفرنسماسونية في العالم ، ويومئذ فإن كل شعوب العالم ستعيش في سلام وأخوة]
والنصوص في ذلك عنه كثيرة، إذ تحتفظ الدوائر العلمية الشرقية والغربية بكثير من رسائل الأمير إلى كثير من المتنفذين والمسئولين المتعلقة بتكريس الماسونيين الجدد، وافتتاح محافل ماسونية جديدة، و ما إلى ذلك من المهام الماسونية المناطة به.
اجتهد الأمير عبد القادر في تأسيس “محفل سوريا المستقل” ، وكما أسس عدة محافل فرعية تابعة له ، وقد ترقى إلى أعلى الدرجات حتى لقب بأستاذ أعظم للشرق.
و قامت ذرية الأمير عبد القادر برعاية المحفل الأكبر، وسلسلة المحافل التابعة له ، وقامت ذرية الأمير عبدالقادر الجزائري برعاية الماسونية في سوريا إلى منتصف القرن الماضي، وكان الشيخ محمد عبده المصري ـ و هو ماسوني شهير ـ أثناء منفاه البيروتي في ضيافة وموضع حفاوة أولاد الأمير عبد القادر الجزائري.
وقد بقي حفيده الأمير محمد سعيد حتى الستينات قطبا أعظم لمحفل جدِّه “محفل سوريا المستقل” بدمشق، و الذي دعِي ـ حينذاك ـ باسم “المحفل الأكبر السوري” ، وذلك عام 1939كما لعب الأمير محمد سعيد دورا كبيراً في تاريخ سوريا الجديد، وكان يُعامل خلال الحكومات المتعاقبة معاملة الرؤساء .
وكان الأمير محمد سعيد قد خصص جناحاً في قصره الدمشقي لاجتماع المحافل الماسونية المشرقية وهي عديدة منها محفل ميسلون، ومحفل أمية ومحفل أبي العلاء ومحفل العدل الشقيق، ومحفل يحمل اسم الأمير عبد القادر الجزائري نفسه.
وكانت (بيهم الجزائري، عادلة) (1900-1975): زوجة الأمير مختار عبد القادر الجزائري رائدة الحركة النسائية في سوريا. ولدت في بيروت ودرست فيها. واستقرت في دمشق. كتبت مقالات في الصحف الوطنية خلال العهد العثماني تحث النساء العربيات على المساهمة ضد الحكم العثماني والحفاظ على الكيان العربي. شاركت 1927 في تأسيس جمعية "يقظة المرأة الشامية" التي كانت تهدف إلى تحرير المرأة من الدين . أسست مع زميلاتها معاهد وجمعية "دوحة الأدب". أسست "جمعية الأمور الخيرية للفتيات العربيات". وضعت سنة 1933 نواة الاتحاد النسائي السوري، وانتخب رئيسة له وظلت في المنصب حتى 1967. كانت لها أيضاً نشاطات على المستوى العربي، وكانت من مؤسسات الاتحاد النسائي العربي.
هلك عبد القادر في منتصف ليلة 19 رجب 1300هـ/ 24 مايو 1883 عن عمر يناهز 76 عامًا، وقد دفن بجوار ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها ، وبعد استقلال الجزائر طلبت الحكومة الجزائرية من الحكومة السورية نقل جثمانه إلى الجزائر ، فتمَّ ذلك في عام 1965
واليوم وبالاتفاق بين المفوضية الأوروبية والإدارة المحلية والبيئة في حكومة أسد، وضمن برنامج تحديث الإدارة البلدية، يجري تأهيل بيت الأمير عبد القادر الجزائري الواقع في ضاحية دمر، غرب دمشق، والقصر هو مصيف كان للأمير في «الربوة»، على ضفاف بردى، وسط روضة من الأشجار الوارفة.
والقصر الذي سكنه عبد القادر مع عائلته عام 1871، ثم سكنه أبناؤه وأحفاده، وكان آخرهم محمد سعيد الجزائري، رئيس مجلس الوزراء في عهد حكومة الملك فيصل،.([9])
لقد أسس عبد القادر وأولاده وأحفاده المحافل الماسونية والجمعيات المتفرعة عنها مثل "العربية الفتاة" و"العهد" و"العهد السوري" وانتسب لهذه الجمعيات عدداً غير قليل ممن هيأتهم هذه المحافل الفرنسية ليكونوا طابوراً خامساً يخدم بكل تفاني مصالح فرنسا ويهود ومن هذه المحافل تخرج الذين تعاونوا مع فرنسا إبان الاحتلال الفرنسي. وفيما بعد ذلك وهو ما أسموه الحكومات الوطنية والجيش الوطني كما سنثبت ذلك.  


[1] - المسألة الشرقية. لمصطفى كامل ص / 19- 22.
[2] - ذكرى العاقل و تنبيه الغافل:ص/107
[3] - المواقف:ج1/ص20.

[4] - فك الشفرة الجزائرية و فتح الأيقونة الباريسية الأمير عبد القادر الجزائري و الماسونية

[5] - رئيس معهد الطقوس في المحفل الاكبر اللبناني الموحد الدكتور انطوان عاصي
[6] - تاريخ الماسونية العام  ص 200
[7] - تاريخ جبل عامل ص208.
[8] - المرجع السابق ص96
[9] - من مراجع هذا الفصل ويكبيديا (الموسوعة الحرة) , كتاب أعلام الصحوة الإسلاميّة: محمد علي شاهين
كتب ( برونو إتيين ) مجلدًا موثقًا عن الجزائري بعنوان ” عبدالقادر الجزائري ” ، أثبت فيه عقيدته الصوفية ( وحدة الوجود ) . ( ص 19 و 27 ) . ( و305 وما بعدها تميعه مع النصارى . ( ص 284و412 ماسونيته (ص341و 348و355 و359 و370   و379و405وهو مهم دعوته لوحدة الأديان ! ( ص 345و360




5 التعليقات:

جزاك الله خبرا على التوضيح والبيان الحقيقي لأحداث مزورة في كتبناالمدرسية التي كنا ندرسها فالهالك عبد القادر الجزائري يوصف بالشهيد وكذلك النصراني جول جمال.....الرجاء سرد حقائق عن الثورة السورية الكبرى والعربية الكبرى وثورات هنانو وصالح العلي والبقية ..

جزاك الله كل خير شيخ رضوان يوجد سؤال شغل بال الكثيرين ما البديل عن المجلس الوطني الكفري ؟و لماذا لم يعلن الجهاد الى هذه اللحظة ؟ و جزاك الله كل خير

البديل العمل على وحدة صف المسلمين وإنهاء حالة التشرذم المنطقوي والفئوي والاتفاق على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشكيل مجلس إسلامي من مسلمي سوريا الذين يشكلون 87% من الشعب السوري وليس من الأحزاب فقط. وطلب النصرة من الله لامن الكفار.
ولم يعلن الجهاد حتى الآن لأننا ابتعدنا عن ديننا والوسائل الشرعية وبعض الناس تصرح أنها قررت التحاكم إلى الصندوق !!!! ونسيت الجهاد واعتبرته وسيلة غير حضارية. فعلينا أن نعود إلى ربنا لينصرنا ونسير بالوسائل الشرعية. فالغاية الشرعية لا يتم الوصول لإليها إلا بوسيلة شرعية والله من وراء القصد .

يا صاحب المقال لقد وصفت الأمير عبد القادر بالعميل والماسوني مع أن الأمير رفض مشروع تولبته على بلاد الشام من قبل نابليون الثالث وتحفظ على مشروع أعيان الشام
وفي المقابل ذكرت إسم الشريف حسين دون وصف مع أن الشريف حسين وأبنائه كانوا الأيادي التي نفذت المخطط البريطاني في القضاء على الخلافة تحت إشراف الجاسوس لورنس
إنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.