دراسات حول سوريا (9)
رضوان محمود نموس
ولد إبراهيم باشا في مدينة (دراما) في المقاطعة العثمانية روميليا، والتي تقع الآن في المنطقة المقدونية من اليونان، لامرأة يونانية اعتنقت الإسلام، ورجل يدعى (تورماتيزيس).
تزوجت أمه بعدها بمحمد على الذي تبنى طفلها، وسماه إبراهيم، ورباه على الثقافة العثمانية.
يعتبر إبراهيم باشا من أشرس قواد الجيوش جهزه محمد علي بدعم فرنسا بالأسلحة المتطورة لتحقيق الأهداف الفرنسية الماسونية.
انتسب إبراهيم للماسونية وحاز على الأوسمة الدولية الماسونية التالية:
الأوسمة والنياشين:
- نوط مجد تركيا - 1817
- نوط القديس يوسف التوسكانى بدرجة فارس - 1845
- الصليب العظيم لفيلق الشرف من فرنسا - 1845
- الصليب العظيم لنوط البرج والسيف (من البرتغال )GCTE- 1846
- وسام الفارس الماسوني
- وصل درجة 33
عينه متبنيه قائدا للحملة المصرية ضد الصحوة الإسلامية في نجد وجزيرة العرب (1816- 1819 م ) فقضى على حكمهم، وأسر أميرهم وأرسله لمتبنيه في القاهرة، فأرسله محمد علي إلى الأستانة، فطافوا به في أسواقها ثلاثة أيام ثم قتلوه، فنال إبراهيم باشا من السلطان مكافأة سنية وسمي واليا على مكة، ونال أبوه محمد علي لقب خان الذي لم يحظ به سواه رجل من رجال الدولة غير حاكم القرم ونالوا قبل ذلك غضب الله وسخطه.
وحين طمع محمد علي في ممتلكات السلطة العثمانية بالشام ولتحقيق الهدف الماسوني في التوطئة ليهود أنفذه مع جيش مصري قوي ففتح فلسطين ودمشق وبعد أيام توجه إبراهيم باشا نحو حمص وإثر معركة قرب أسوارها الجنوبية دخلها، وتابع نحو حلب، ثم احتل قونية في قلب الأناضول، وأسر الصدر الأعظم بعد هزيمة آخر الجيوش العثمانية التي أعدت له. كان رأي إبراهيم باشا مواصلة الزحف ودخول الآستانة بعد أن أصبح الطريق نحوها سالكاً، وهناك يصبح بإمكانه فرض شكل الحكم الذي يريده على الدولة العثمانية أو طريقة السلام معها، لكن معارضة متبنيه محمد علي الشديدة أوقفته، فقد كان محمد علي يعرف تماماً عواقب هذا التقدم لدى الدول الأوروبية، فماطل وأجل الرد على كتبه وسوف بقراره، آملاً التوصل إلى حل مناسب بالمفاوضات مع العثمانيين والأوروبيين. ولكن إبراهيم باشا تابع التقدم غرباً حتى وصل كوتاهية غير البعيدة عن الآستانة، وهناك جاءه كتاب متبنيه بالتوقف حيث عقدت معاهدة كوتاهية مع الدولة العثمانية برعاية أوربية فرضت الأمر الواقع على الساحة.
وكان محمد علي قد أعد له أعواناً في الشام قبل غزوها، حيث استمال الأمير بشير الشهابي (درزي) حاكم جبل لبنان منذ عام 1822م وتحالف معه، برعاية أوربية ويبدو أنه كان متأكداً من تقبل أهالي الشام لحكمه اعتماداً على استمالته لعدد من زعمائهم، ولبعض المجموعات العرقية والطائفية هناك، أما الترك فكان واثقاً من هزيمته لهم بجيشه الحديث.([1])
يدعم هذا ما جاء في كتاب مذكرات تاريخية عن حملة إبراهيم باشا على سوريا
أما من جهة سكان سوريا فقد أمن محمد علي باشا حاكم جبل لبنان لطرفه مع سكان جبل لبنان والمسيحيين عامة لأن المسيحيين في سوريا وعن طريق أقباط ومصر والأرمن قرروا التعاون مع الماسوني القادم ضد الخلافة وقد اعتمد محمد علي باشا على تأييدهم له بسبب كرههم للأتراك.... وقام محمد علي باشا تمهيدا لغزو سوريا بإعلان مشروع قيام الدولة العربية وأيده في هذه الدعوة ربيبه إبراهيم تأييدا مطلقا ورفع دعوى القومية العربية مع أنه يوناني!!!!.
في أواخر تموز سنة 1822 تمرد عبد الله باشا على السلطان فوجد محمد علي باشا هذه فرصة عظيمة في سبيل تنفيذ مشروعه فكاشف الأمير بشير بمرامه وأمده بالرجال والسلاح قرر محمد علي باشا غزو سوريا واضعا ستارا شرعيا أمام السلطان العثماني , هو تأديب عبد الله باشا الذي كثر تمرده على السلطان ومحاولاته الاستقلال عن السلطنة , ولم يكن ستار الشرعية هذا ليخدع السلطان العثماني الذي أدرك أهداف محمد علي , بدأت حملة محمد علي على سوريا بتوجيهه ربيبه إبراهيم باشا مع ثلاثين ألف رجل وأربعين مدفعا ميدانيا آخر من مدافع الحصار تساندهم قوة بحرية قوامها ثلاث وعشرون سفينة بحرية وسبع عشرة سفينة نقل بقيادة أمير البحر عثمان نور الدين بك , توجهت الحملة البرية من القاهرة باتجاه غزة في تشرين الأول عام 1831حيث احتلت غزة ويافا وحيفا واقتربت من عكا في أواخر تشرين الثاني , وبعد حصار دام ستة أشهر , سقطت عكا في 27أيار 1832 كان النصر فيها لصالح إبراهيم باشا وكان قسم من الجيش المصري قد تابع زحفه باتجاه دمشق التي سقطت دون مقاومة ,واتجهت القوات باتجاه حمص حيث وقعا أول معركة مع الأتراك , في 8 تموز 1832 كان النصر فيها لصالح إبراهيم باشا , الذي تابع زحفه إلى حماة وحلب , واتجه نحو مضيق بيلان , حيث تجمعت القوات التركية وفي يوم 29 تموز 1832 شهد انكسار الجيش التركي وهروب قائده حسين باشا مع بقية قواته إلى أضنة , مما اضطر السلطان العثماني لتبديل قائده حسين باشا برشيد محمد باشا , الذي جمع ستين ألف مقاتل في قونية ليواجه ثلاثين ألف من القوات المصرية ولكن براعة إبراهيم باشا جعلت النصر حليفه.
طبعاً لا ننسى أنه وفي هذا التاريخ بالذات احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830 فلم يتحرك محمد علي باشا لنصرة الجزائريين لأن محمد علي يعمل بالتوجيهات الفرنسية ولتخريب الدولة من الداخل ولا يعمل لحمايتها.
عندها طلب السلطان مساعدة الدول الأوروبية , فكانت فرنسا منحازة لمصر بشكل سافر , بينما وقفت روسيا بجانب السلطان , أما إنكلترا فقد كانت تسعى للصلح بين محمد علي الذي تكن له العداء, وبين السلطان, وذلك لتفويت الفرصة على روسيا, ومنع تدخلها في المنطقة.
ورغم الإنذار الروسي لمحمد علي بالتدخل , ووعد الأمير بوقف العمليات العسكرية إلا أن الاضطرابات قد وقعت في مناطق التماس واحتل إبراهيم باشا كوتاهيه في 2- 2- 1833 مما أجبر السلطان على أن يطلب من روسيا المعونة وقد سارعت بإرسال أسطولها إلى مياه البوسفور .... فأجبر التدخل الروسي كلا من فرنسا وإنكلترا للسعي لمصالحة محمد علي مع السلطان , حيث تم الصلح في كوتاهيه في 4 أيار 1833 وبموجبه أصدر السلطان فرمانا بتثبيت حكم محمد علي على مصر والجزيرة العربية والسودان وكريت , ويكون هذا وراثيا لمحمد علي أما بلاد الشام فتبقى تحت حكم إبراهيم باشا لمدة أربع سنوات شريطة بقاء محمد علي تابعا للسلطان وشريطة جلاء إبراهيم باشا عن الأناضول.([2])
وقد شهدت فترة الحكم المصري للشام (1831-1840)، تزايد الاهتمام الأوروبي ببلاد الشام عامة وفلسطين والقدس خاصة، وكانت نقطة التحول البارزة في هذا الاهتمام، حين أخذت الكفة تميل لصالح الدولة العثمانية حيث حاول محمد على باشا شق صف التحالف الدولي المناهض لاحتلاله بلاد الشام عن طريق استمالة بريطانيا – القطب الرئيس في التحالف – فسمح لها بفتح قنصلية في مدينة القدس، لتكون بذلك أول قنصلية تفتح أبوابها هناك. وعكست الإجراءات والأوامر الصادرة عن محمد علي باشا وربيبه إبراهيم باشا والهيئات الإدارية التابعة لهما في القدس المأزق الصعب الذي أخذ يعاني منه الحكم المصري في القدس. فبعد أن استجاب محمد علي باشا لمطلب القنصل البريطاني بشراء بيت للسكن متجاوزاً القواعد الشرعية، ازدادت الضغوط يوماً بعد يوم من جانب قناصل الدول الأوروبية لتملك العقارات، بل تعدى بعضهم على الأراضي أو قام بشرائها وبناء البيوت ودور العبادة عليها دون الحصول على إذن مسبق من السلطة المصرية، وأسوة بغيرهم من الطوائف، لم يلتزم اليهود بنصوص أوامر الترميم والبناء،
ومن مراجعة الوثائق المتعلقة بحكم محمد علي باشا للشام، والمحفوظة في قصر عابدين في مصر نشر قسماً منها خالد بني هاني في كتاب: تاريخ دمشق وعلماؤها خلال الحكم المصري، وقد أصدرته دار صفحات في دمشق عام 2007.
هذه الوثائق كانت بمعظمها رسائل متبادلة بين محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا حاكم الشام، نجد أنها تغطي جوانب متعددة من الحياة السياسية والدينية والاجتماعية للشام في تلك الفترة. فمنها وثيقتان تتعلقان بتعطيل الحج، الأولى تتضمن فتوى لشيخ الإسلام في الآستانة تقضي بتعطيل الحج لذلك العام، وذلك لإعلان محمد علي باشا خارجاً عن الإسلام، وأن الأماكن المقدسة الإسلامية تحت سيطرة حاكم غير مسلم، هذا من جهة ومن جهة أخرى ليتفرغ الناس لمحاربته وإنقاذ المقدسات دون أن يشغلهم عنه شيء (وثيقة رقم 115 محفظة رقم 232 عابدين تاريخ 12 شوال 1247 هـ.
أما الوثيقة الثانية فيعلم فيها إبراهيم باشا أباه محمد علي باشا بأن علي باشا والي الشام العثماني، وأدهم أفندي أمين الصرة قد كتبا محضراً وقعه علماء الشام، يؤيدون فيه قرار قاضي الشام بعدم جواز ذهاب الحجاج إلى الكعبة بسبب مخالفة محمد علي باشا (للرضا السامي، والتحدي والخيانة الصادرين من ابنه الخبيث إبراهيم باشا). وبالفعل فقد تعطلت قافلة الحج الشامي عن المسير لعام 1247 هـجرية (وثيقة رقم 17 محفظة رقم 233 عابدين تاريخ 8 ذي القعدة 1247 هـ وربما كان من أعجب الوثائق وأغربها تلك التي تحتوي على أمر من إبراهيم باشا حاكم الشام إلى متسلم صفد، يتضمن الموافقة على التماس مائتين من اليهود الروس للإقامة في صفد، ويضيف: (مع العلم أن المنطقة الراغبين الإقامة فيها خالية من السكان). (وثيقة رقم 26 محفظة رقم 251 عابدين تاريخ 13 محرم 1251 هـ). أما حول يهود الشام فهناك وثيقة تتضمن التماسهم موافقة إبراهيم باشا لترميم معبدهم القديم في جوبر، حيث يقولون بأن عمره أكثر من ألفي عام(وثيقة رقم 469 محفظة رقم 250 عابدين تاريخ 24 ذي الحجة 1250 هـ([3])
وعندما انسحب محمد علي باشا من بلاد الشام خلّف للدولة العثمانية تركة ثقيلة وضعتها أمام إشكالية سياسية واقتصادية واجتماعية في منتهى الصعوبة والتعقيد. فسياسة الامتيازات للطوائف المسيحية واليهودية ورعايا الدول الأجنبية لا يمكن نقضها على المستويين الرسمي والشعبي، لأن ذلك من شأنه أن يثير حفيظة الدول الأوروبية التي وقفت إلى جانب الدولة العثمانية في مواجهة محمد علي باشا.
ومع انطلاقة عجلة النشاط الثقافي والديني والاقتصادي، سارعت الدول الأوروبية إلى تعيين قناصل لها في القدس، وهو ما أدى إلى كثرة التدخل الأجنبي في شؤون مدينة القدس. وعجزت الدولة العثمانية عن وقف نشاط الإرساليات الأجنبية والقنصليات في القدس بعد عودتها لحكم بلاد الشام في العام 1840م. وليس هذا فحسب، بل حصلت الدول الأوروبية (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، وإيطاليا) على امتيازات كثيرة، كان من أبرزها التدخل في شؤون الدولة العثمانية الداخلية وفرض الوصاية على الطوائف والأقليات الدينية باعتبار أن تلك الدول تعتبر نفسها الحامي والمدافع عنها, وأصبح الكثير من المسيحيين واليهود بمثابة مواطنين للدول الأجنبية بعد أن فقدت الدولة العثمانية صلاحياتها تجاههم وأصبحت هذه الحماية – بحد ذاتها – إحدى وسائل تلك الدول للتدخل في الشؤون الداخلية. وكلما ازدادت الدولة العثمانية ضعفاً، كان يزداد تبعاً لذلك، تنافس الدول الأوروبية فيما بينها على الحصول على مكتسبات أكبر منها.([4])
قام إبراهيم باشا بعدة أمور في سوريا أهمها:
1- منح الأجانب امتيازات كبيرة
2- منح النصارى واليهود والطوائف المرتدة امتيازات مماثلة
3- السماح لليهود الروس وغيرهم بالاستيطان والتملك وشراء العقارات
4- بث الروح القومية بين صفوف الشعب مع أنه ألباني وليس عربياً.
5- تنشيط الزراعة وتشجيعها وتحديد الضرائب الزراعية بدقة.
6- تشجيع إنشاء القرى الجديدة.
7- التوسع في موضوع الجمارك لزيادة الإيرادات للسلطة الحاكمة.
8- محاولة توطين البدو.([5])
تتميز الفترة التي حكم بها إبراهيم باشا سوريا وفلسطين بأنها كانت فترة ذهبية بالنسبة لليهود والنصارى والدروز فقد أسقط عنهم الضرائب وأعفاهم من الخدمة العسكرية وسمح لهم بالسلاح وقد تواترت هذه الأخبار عنه بكتب التاريخ والدراسات التي أرخت لتلك الفترة فقد جاء في كتاب حروب إبراهيم باشا المصري تعليق وتدقيق الدكتور أسد رستم , الجزء الثاني:
"أن اللبنانيين ولا سيما المسيحيين منهم كانوا العنصر الوحيد الموالي لإبراهيم باشا والقوة الوحيدة التي أمكنه الاعتماد عليها في سوريا , فكلفهم مهمة حفظ الأمن في البلاد المغلوبة وجباية الأموال الأميرية وإخماد الفتن والثورات ولم تكن هذه المهمة بالأمر الهين لأنهم اضطروا وحدهم أن يقاوموا كل العناصر السورية "
ثم يشرح الكاتب عوامل الثورات وأهمها كما يذكر العوامل الداخلية التي تمثلت في استياء الشعب اللبناني من الحاكم بشير حليف المصريين , وعوامل مادية تمثلت في زيادة الضريبة الأميرية من ألفين وثلاثمائة كيس في عهد الدولة العثمانية إلى ستة آلاف وثلاثمائة كيس في عهد إبراهيم باشا , وزادت حكومة إبراهيم باشا عليهم مالاً يدعى (الفردة) وضريبة أخرى سموها الشونة تجمع المؤونة للجيش المصري بالقوة , وتسخير الناس مع دوابهم للعمل في خدمة أعضاء الحكومة في أوقات السلم والحرب على حد سواء , وغيرها.. ثم يقول وأما النصارى فلا يظن بهم لأن إبراهيم باشا ظاهر لهم كل حب وانشراح خاطر, حتى أنهم في زمان دولته حصلوا على إنعامات لم تكن لهم سابقا أجابوه أن هذه الإنعامات والاستمالة صارت لأجل خاطر الدولة الفرنساوية ,.... وأن التدبير كله من تدبير الفرنساوية الذين عنده نظير سليمان باشا وبعض من البيم باشيه فكل ليلة يجتمع وقت الشرب ويتحدث وإياهم بنوع السؤال عن السوالف التي حدثت معهم في الحروب ويسترق منهم بالراي والحيلة ,..([6])
كما جاء في كتاب القدس في عهد محمد علي باشا والي مصر الذي أعلن انفصاله عن الحكم العثماني، واستيلائه على مدينة القدس وبلاد الشام في عام 1831، تحسنت أوضاع الطوائف اليهودية في فلسطين. فقد أعفاهم من الضرائب والمغارم التي كان الباشا العثماني يفرضها على زعمائهم، وأصبح لهم تمثيل في المجالس المحلية الجديدة. كما سمح الحكم المصري لليهود بترميم كنيسهم في بيت المقدس وسمح لهم بزيارته حائط البراق والصلاة فيه والبكاء على سقوط الهيكل وخرابه وأحياء مناسباتهم في القدس.([7])
وقد اعتمد إبراهيم باشا في حكمه بسوريا على القوى السياسية التالية:
اعتمد على الأمير بشير الشهابي الدرزي في منطقة لبنان
اعتمد على شيوخ عبد الهادي في منطقة نابلس.
اعتمد على المسيحيين في أكثر المناطق الأخرى وذلك للأسباب التالية
اعتماده عليهم في الإدارة كما اعتاد في مصر لأن محمد علي كان يعتمد عليهم إذ كان يرى أن المناصب الكبرى في الدولة يجب أن تكون إما من نصيب الأتراك أو المسيحيين ولم يكن محمد علي ليسمح بأن ترسل رسالة إلى أي كان إلا عن طريق كاتب تركي أو مسيحي , وقيام المسيحيين بالخدمة في حكومته بإخلاص بسبب جو الحرية والتسامح والمساواة الذي أعطاه للطوائف الدينية , إضافة إلى قيام إبراهيم باشا بإعطاء المسيحيين الامتيازات سيما أن مستشاره العسكري فرنسي وقيام المسيحيين بتأييد دخول قوات إبراهيم باشا في سورية ومساعدته ودعمه.
واعتماده على قوات عسكرية أجنبية مسيحية في جيشه جعله بطبيعة الأمر يعتاد التعامل مع المسيحيين في سوريا. هذه الأسباب كانت ممهدة للفتن والحوادث التي أدت فيما بعد إلى حوادث عام1860 ([8]).
يذكر الكاتب بالتفصيل كيف أن النصارى في ثالث يوم لدخول إبراهيم باشا عملوا عراضة في شوارع دمشق وحملوا زهور على هيئة الصلبان وسكروا في الشوارع وكانوا يهتفون إبراهيم باشا يا منصور الله يلعن المقهور , وكيف أن أهل السنة لم يكن بيدهم إلا البكاء ,... ثم يذكر عن حضور حنا البحري الضي هو أول من تلقب ببيك من النصارى في الشام كلها حيث لم يكن هذا اللقب يمنح إلا للمسلمين , وأن محمد علي هو الذي أوصى إبراهيم باستعماله فوكله فترة على القيام بأمر عكا ثم لحق به إلى الشام , وأن أحمد بيك كان اسما فقط أما الفعل فكان إلى حنا البحري والذي يقوله لا بد أن ينفذ وصار يدور في الحارات والشوارع ومعه الكتبه على الخيول ليزعج المسلمين الذين كانوا يقولون صارت الدولة للنصارى !خلصت دولة الإسلام !.. ثم يتابع: وبدا صرامة الحكم , وكلما وقع زلمة من الإسلام بذنب يضربوه أجواب (كرباج0) حتى يتلف وبعده يحبسوه في القلعة كم يوم حتى يتجمعوا نحو خمسة عشر زلمة يخشبوهم ويرسلوهم إلى عكا , يشتغلوا بالورشة بالنهار وبالليل ويذكر أن أمرا صدر من إبراهيم باشا شخصيا بإنشاء أول خمارة في الشام وعمل لها مزادا بين اليهود والنصارى كما أنه فتح دار دعارة وسموها (كار خانة).. ويذكر دخول القنصل الإنكليزي إلى دمشق واستقبال النصارى له وهم يحملون الصلبان ويدورون في أحياء دمشق ,.. ثم يعرض على ذهاب إبراهيم إلى القدس وكيف أخذ مفتاح كنيسة القيامة من المسلمين وأعطاه للنصارى وأبطل عنهم الضريبة التي كانت مفروضة من أيام صلاح الدين.. ويذكر ثورة أهالي صفد على اليهود فيقول ....ثم توجه الأمير بشير من طرف إبراهيم لقصاص أهالي صفد فنزل على صفد ومعه نحو خمسة آلاف عسكري من الجبل فقرروا له يهود صفد أن الذي نهبوهم الإسلام أربعة وتسعين خزنة مال عدا الذي لم يعرفوا فيه , فصار الأمير بشير يجيب أهالي صفد ويخلص مال اليهود منهم ما عدا العذاب الذي عذبهم إياه , فزبط بيوتتهم وأرزاقهم ومن الجملة راح منهم نحو ميتين زلمة قتل في عكا.
وحيث أن الدروز مالو مع الإنجليز وإبراهيم ومحمد علي مع الفرنسيي،... ويتحدث في إسهاب طويل عن ثورات الدروز على إبراهيم لرفضهم التجنيد ورفضهم المساعدة بالأموال والمعارك التي نشبت بينهم وبين إبراهيم وهزموا فيها يقول: فلما حضر الأمر من محمد علي إلى الأمير بشير بنقل السلاح إلى النصارى أصدر هذا أمرا وهذه صدوره مضمونة إلى العسكر العيسوية القاطنين جبل لبنان بوجه العموم تحيطون علما أنه بحيث تحقق حبكم وطاعتكم إلى هذه الدولة السعيدة فقد صدر لنا أمر كريم من سعادة ولي النعم الخديوي الأعظم مضمونه السامي بأنه أنعم عليكم بستة عشر ألف بندقية مع جباخانه لأجل حفظ مالكم ولكي تفتخروا بها على أقرانكم طائفة الدروز الخائنة الكافرة الناكرين وجود الله وأنبيائه وإن شاء الله تعالى يكونوا غنيمة لكم هم وأملاكهم ونقلكم السلاح(يكون ) دائما سرمدا لكم وإلى أولاد أولادكم.([9])
يصف الشيخ عبد الرازق بن إبراهيم بن حسن البيطار الدمشقي الميداني في كتابه "حلية البشر " عن إبراهيم باشا بن محمد علي ـ عليهما من الله ما يستحقاه ـ: إبراهيم باشا بن محمد علي باشا خديوي مصر والقاهرة
غشوم ظالم، وظلوم غاشم،، محتو على الفساد، منطو على الإنكاد، مجبول على الغلظة والقساوة، مجعول من الفظاظة معدوم من اللطافة والطلاوة، ممتلىء منه البذا، متضلع من الأذى، لم يخلق الله تعالى في قلبه شيئاً من الرحمة فينتزع، ولم يودع الله لسانه لفظاً من الخير فيستمع، سفاك لدماء المسلمين، نباذ لطاعة أمير المؤمنين، كان يعتقد أن ذلك ليس أمراً ذميماً، ولا يهوله قوله تعالى: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً "... وكان قد تمكن إبراهيم باشا من البلاد الشامية وقهر الناس واستباح الحرام، وفعل جميع الموبقات والآثام، فلم يبق شيء من القبائح في زمنه إلا وقد فعل بدون إنكار ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.... واستولى العسكر على أكثر المساجد والمدارس والتكايا، ومنعوا المصلين من دخولها وجعلوها لسكناهم ولدوابهم، وذلك سنة تسع وأربعين، فكان ذلك سبباً لضياع أوقافها وخرابها، وقدم العيسوية على المحمدية، وأذل أهل الشرف والعلم وذوي الاحترام، وأعز الأسافل والطغاة على الإسلام، ثم بعد رجوعه من البلاد الرومية، لا زال يدور في البلاد الشامية، حتى وصل في أواخر سنة تسع وأربعين إلى القدس الشريف في أيام الموسم، فوقعت هناك فتنة بين العيسوية تلف منها خلق كثير، وفي سنة ألف ومايتين وخمسين اشتغل بإدخال من وقع في أيديهم من الناس في العسكرية، فهرب الناس وتشتت أمرهم وكثر البكاء والنحيب وتوقفت الأشغال والمصالح... ويصفه بأنه خوان للعهود فيقول: ثم دار على الساحل، ففعل بأهله هذه الرذائل، ولم يزل يتتبع آثار قاسم الأحمد حتى قبض عليه، وقتله بدمشق هو والبرقاوي ونكث العهد الذي عهد به إليه، وأمر بجمع السلاح من سائر البلدان، التي تحت أمر هذا الشيطان، ولم يزل في ظلم وعناد، وقبح وفساد، وسفك وسلب، وقتل وضرب، إلى أن دخلت سنة ثلاث وخمسين هجرية. ([10])
[2] - مذكرات تاريخية عن حملة إبراهيم باشا على سوريا تحقيق وتقديم المحامي أحمد غسان سبانو
[4] - كتاب القدس دراسة ونشر المركز الفلسطيني للإعلام
[5] - مذكرات تاريخية عن حملة إبراهيم باشا على سوريا تحقيق وتقديم المحامي أحمد غسان سبانو
[6] - حروب إبراهيم باشا المصري تعليق وتدقيق الدكتور أسد رستم , الجزء الثاني
[7] - كتاب القدس دراسة ونشر المركز الفلسطيني للإعلام
[8] - مذكرات تاريخية عن حملة إبراهيم باشا على سوريا تحقيق وتقديم المحامي أحمد غسان سبانو
[9] - مذكرات تاريخية عن حملة إبراهيم باشا على سوريا تحقيق وتقديم المحامي أحمد غسان سبانو
[10] - حلية البشر في التاريخ القرن الثالث عشر,للبيطار
0 التعليقات:
إرسال تعليق