موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 20 نوفمبر 2011

الدولة السعودية الثالثة وطريق الأشواك(1)


الدولة السعودية الثالثة وطريق الأشواك(1)


رضوان محمود نموس
مقدمة تاريخية
إن أطماع محور الشر المتمثل في التحالف الصهيوني البروتستنتي, في المنطقة الإسلامية ليس حديثاً, فمنذ أمد بعيد هاجموا أطراف العالم الإسلامي, في الأندلس وما جاورها ومنها ما هو محتل علانية حتى الآن مثل "سبتة" و "مليلة" من مراكش, ثم هاجموا الطرف الآخر فاحتلوا الهند منذ القرن السابع عشر ميلادي, وبدأت عملية تآكل الأطراف فامتد في المغرب ليشمل الجزائر والمغرب وتونس وامتد في المشرق ليشمل الهند وأفغانستان وإيران وسواحل جزيرة العرب وأطراف العراق الجنوبية ومصر وفي الشمال الشرقي هاجمت روسيا القيصرية ثم الشيوعية طاجيكستان, والشيشان, وأذربيجان, وأوزبكستان, وكازكستان, وجميع البلدان والكور المتاخمة, ولم تغفل الصين عن الفرصة المتاحة فاحتلت تركستان.
 بعد ذلك أكملوا احتلال بقية الأطراف مثل ليبيا, والسودان, والصومال. وغيرها ثم انقضوا على القلب فسقطت الخلافة, واحتلوا فلسطين, وسلموها لليهود بمؤازرة الطابور الخامس من القوميين العرب والعملاء من الأعراب وبدو الخليج.

وبدأ التركيز على منطقة الخليج من وقت مبكر سيما أنه قد ظهر فيها النفط كما ظهر ما هو أهم من النفط وهو الصحوة الإسلامية التجديدية الأصيلة فخشي محور الشر المتمثل في التحالف الصهيوني البروتستنتي أن تبعث هذه الصحوة دماءً جديدة في عروق الأمة المنهكة وتعيد نهضتها وريادتها.
هذه الدعوة التجديدية الإصلاحية الجهادية باللسان والسنان التي أعادت لهذا الدين مكانه في منطقة نجد وما حولها, ووصل تأثيرها إلى أغلب بلاد المسلمين، وهي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
هذه الدعوة التي حاربت الشرك والبدع والجهل والظلم ونشرت التوحيد والسنة والعلم والعدل في كثير من البلدان؛ بل لم يبق بلد إلا ووصل إليه شعاع من نور هذه الدعوة.
وقد ولد الشيخ المجدِّد محمد بن عبد الوهاب عام 1115هـ، وطلب العلم على علماء زمانه, وأقبل على الكتاب والسنة يستمد منهما الحق، وبدأ بدعوته سنة 1139هـ، وحورب وأوذي, ثم هيأ الله له من يساعده ويشدّ أزره سنة1153هـ، عندما بايعه أمير الدرعية محمد بن سعود، فبدأ ساعد الدعوة يقوى ويشتد وانتشرت خلال عشرين سنة في سائر نجد، ثم امتدت إلى العراق والحجاز والبحرين وعمان(1), فاستنجد والي مسقط, ووالي البحرين بالإنكليز.
ثم قام الإنكليز والفرنسيون بتحريض الدولة العثمانية على هذه الدعوة على أن يساعد الإنكليز والي بغداد، ويساعد الفرنسيون محمد علي سرششمة - الذي أصبح  باشا - والي مصر للقضاء على الدعوة. وهُزم والي بغداد شرّ هزيمة، ووصلت جيوش الدعوة إلى بغداد وكربلاء, وأزالوا مظاهر الشرك، ثم جاء جيش محمد علي باشا بدعم الدولة الفرنسية, والدولة العثمانية مع رغبة محمد علي باشا باحتلال الحجاز ونجد, ليتابع هجومه على الشام وتركيا, ويحقق أمله في تدمير الخلافة, وإقامة حكم علماني عميل، وأرسل ابنه طوسون على رأس حملة كبيرة، واستغلّ إرسال هذه الحملة, وجمع رؤوس المماليك ليوَدّعوا طوسون في القلعة فغدر بهم وقتلهم في معركة القلعة الشهيرة.
ودخل الحجاز ودارت معارك شديدة كانت سجالاً بين جيوش الدعوة وجيش محمد علي أداة الماسونية في مصر انتهت بهزيمة جيش محمد علي ورجوعهم، ومات طوسون بعد سنة فأعاد محمد علي الهجوم ثانية بقيادة ابنه إبراهيم باشا, وتم له تدمير الدرعية ومركز الدعوة، وأسر الأمراء والعلماء, واقتادهم إلى مصر واستنبول حيث قتلوهم هناك، ثم غدر بحليفه الشريف غالب أمير مكة الذي تحالف معه ضدّ الدعوة، فلما انتهت الحرب أسر الأمير غالب وأولاده وحرمه, ووضعهم في السجن -وهذه نهاية أغلب العملاء- وولَّى مكانه "سرور يحيى".
وفي عام 1240هـ قامت الدعوة مرة أخرى بقيادة أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وتركي آل سعود ونشرت راية التوحيد من جديد وأزالت مظاهر الشرك.
وخلال هذه الأعوام ومن خلال الدعوة في الحرم المكي في موسم الحج وغيره، انتقلت الدعوة إلى سائر العالم الإسلامي. وكان من أبرز الذين تأثروا بها:
1.  في اليمن: تأثر بهذه الدعوة المباركة الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، المتوفى 1182هـ, وهو صاحب كتاب سبل السلام.
ومما قاله في هذه الدعوة والصحوة في قصيدة تنوف على مائة بيت:

سلام على نجد ومن حل في نجد
قفي واسألي عن عالم حل ساحها
محمد الهادي لسنة أحمد

وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي

وكذلك تأثر بهذه الدعوة الإمام الشوكاني وهو محمد بن على الشوكاني المولود سنة 1173هـ, والمتوفي سنة 1250هـ. والإمام الشوكاني غنيٌّ عن التعريف، فهو صاحب مصنفات: الروضة الندية, ونيل الأوطار, والسيل الجرار, وإرشاد الفحول وغيرها.
وكذلك تأثر بها الشيخ حسين النعمي وغيرهم، وكان بفضل الله ثم جهود هؤلاء العلماء صحوة شرعية علمية عمَّت أرجاء اليمن.
ومما قاله الإمام الشوكاني في رثاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

مصاب دهى قلبي فأذكى غلائلي
إمام الهدى ماحي الردى قامع العدى
إمام الورى علامة العصر قدوتي
لقد أشرقت نجد بنور ضيائه

وأضحى بسهم الإفتجاع مقاتلي
ومروي الصدى من فيض علم ونائل
وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل
وقام مقامات الهدى بالدلائل

والقصيدة أكثر من مائة بيت.
2.  وفي الشام: تأثر بهذه الدعوة والصحوة المباركة الشيخ ناصر الدين الأثري، والشيخ أبو اليسار الميداني الدمشقي، والشيخ جمال الدين القاسمي صاحب التفسير المشهور(محاسن التأويل)، وله كتب في علوم الحديث والفقه وخاصة في دقيق المسائل والفرق وغيرها، كما تأثر بهذه الدعوة الشيخ محمد بهجة البيطار.
3.  وفي قطر: تأثر بهذه الدعوة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع، والشيخ أحمد بن حجر بن محمد آل بوطامي، والشيخ محمد بن حسين المرزوقي.
4.  وفي البحرين: الشيخ عبد العزيز بن حمد آل معمر.
5.  وفي العراق: تأثر بهذه الدعوة العلامة نعمان خير الدين الألوسي، والعلامة محمد شكري الألوسي، والعلامة نعمان الألوسي -وهو غير الأول-، وله مؤلفات أهمها شقائق النعمان، وجلاء العينين في محاكمة الأحمدين.
 وأما العلامة محمد شكري الألوسي فقد قام بنشر الدعوة بكل ما يستطيع فصدر أمر بنفيه إلى الأناضول، فلمّا وصل إلى الموصل قام أعيانها ضدّ نفيه, وكتبوا إلى السلطان فأعاده إلى بغداد، ومن مصنفاته: (تاريخ نجد), و(فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية للإمام محمد بن عبد الوهاب), و(فتح المنان), وغيرها.
6.  وفي الهند: تأثر بهذه الدعوة العلامة المحدث بشير السهسواني الهندي، والعلامة النواب أمير بهاولبور (صديق حسن خان القنوجي) صاحب التصانيف المفيدة مثل: (الدرر البهية) شرح الدررالندية في الفقه, و(الحطة) في الحديث,و (عون الباري تهذيب فتح الباري), و (الأسوة الحسنة) و (الدين الخالص)...الخ, والشيخ عبد الحق بن فضل الهندي، والشيخ حسين بن محسن السبعي الأنصاري.
7.  وأما مصر التي حارب جيشها هذه الصحوة, وأسر أهلها وقتلهم، وأحضر عدداً من علماء هذه الدعوة أسرى إلى مصر، فبعد إطلاق سراحهم تأثر بهم عدد من العلماء, وبرزت دعوة الشيخ محمد شاكر, وولداه, أحمد شاكر الذي حقق مسند الإمام أحمد, وتفسير الطبري, وتفسير ابن كثير, وغيرها من الكتب، وأخوه محمود شاكر والشيخ خليل هراس، والشيخ محمد حامد الفقي وغيرهم.
كما ظهرت حركة أنصار السنة المحمدية، وانتشر فكر الصحوة رغم أنوف أعدائها. وساعد في ذلك عالم دمشقي كان يسكن القاهرة ولديه مطبعة اسمها (المطبعة المنيرية) هذا العالم هو محمد بن منير بن عبده آغا الدمشقي، الذي اهتم بكتب ورسائل الدعوة وطبعها ونشرها بين الناس، خاصة رسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب.
8.  وفي المغرب والجزائر تأثر بهذه الدعوة جمع غفير من العلماء.
9.  أما في إندونيسيا فكان التأثر بواسطة الحجاج الإندونيسيين الذين نقلوا أفكار الدعوة التجديدية إلى بلادهم.
10.  وفي السودان تأثر بها الشيخ عثمان فودي، المولود عام 1168هـ أحد أبناء قبيلة الفولاني في السودان الغربي.
وكان أول ما سمع عن هذه الدعوة التجديدية من جبريل بن عمر الذي كان قد حج عام 1210هـ, فلما علم بهذه الدعوة عزم على الحج, وسافر لهذه الغاية عام 1220هـ, وهناك التقى بعلماء الدعوة, ونسخ من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الكتب التالية: (كتاب التوحيد, مسائل الجاهلية, نواقض الإيمان, فضل الإسلام, الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, نصيحة المسلمين, الكبائر, معرفة العبد ربه ودينه, التقليد جائز لا واجب) وعاد الشيخ إلى بلاده وكله حماس لنشر الدعوة، وبدأ فعلاً بذلك وحصلت معارك بينه وبين الملك، وأيدته قبيلته (الفولاني) ضد قبائل الحوصة الوثنية, وبعد معارك عديدة أَسَّس دولة مساحتها حوالي 400.000 كم مربع يسكنها حوالي عشرة ملايين إنسان, واستمرت أكثر من خمسين سنة، ثم هاجمها الإنكليز والفرنسيون وعملاؤهم ودمروها.
ثم انحرف أمراء آل سعود وتقاتلوا على الإمارة واستعان بعضهم بالإنجليز والبعض الآخر بالعثمانيين ضد بعض فانتهت الدولة الثانية, وآل الأمر إلى آل الرشيد.
في هذا الوقت كانت سواحل الجزيرة العربية والخليج تحت السيطرة الإنجليزية فللإنجليز قواعد في عدن, والبحرين, ومسقط, والكويت, والبصرة, وبندر عباس, وما يسمى الآن بالإمارات العربية, واعتبروا المنطقة على رأس اهتماماتهم ومما قيل في ذلك الوقت: ماكتبته صحيفة" إنديا تايمز" عام 1899:[ وحول الخليج العربي تتجمع العواصف السياسية المستقبلية وتدور المعركة الحقيقية للسيطرة على السياسة.](2) 
ـــــــــــــــــــــــــــــــ 
[1] - وكان الإمام محمد بن عبد الوهاب منذ بدأ بالدعوة إلى أن توفاه الله يجاهد بنفسه وعلمه وماله، وهو الذي يوجه السرايا ويقسم الفيء، وقد ترك ثروة علمية جمعت في ثلاثة عشر مجلداً أغلبها في التوحيد وأركانه ونواقضه, ورسائل إلى البلدان لشرح أصول هذه الدعوة, والعودة بالدين إلى ما كان عليه السلف الصالح, والأخذ من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة, والاقتداء بهم, والسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون الثلاثة المفضلة.

[2] - الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والصراع في الشرق الأوسط. د. غازي ربابعة ص67-68

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.