موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 20 نوفمبر 2011

الطابور الخامس


الطابور الخامس

رضوان محمود نموس

خطورة العدو الداخلي:
لقد خبر إبليس أشكال الخطوب وأنواع الحروب, فوجد أعمقها أثراً وأكثرها ضرراً نقل المعركة إلى أرض الخصوم؛ لتكون غائرة الكلوم. فالقاتل والمقتول من الجيش وأجهزة أمن الدولة في النار, والتابع والمتبوع إلى دار البوار, والحاكي والسامع من الأشرار, فأفنى الليل والنهار, بتجييِش جيوش النفاق وجحافل الشقاق, ودس الدسائس لتجهيز الطابور الخامس([1]), ليحقق مراده ويصنع حصان طروادة([2]), وينقل المعركة داخل الحصون؛ ليعمَّ البلاء والفتون.
 وأعان الله المؤمنين, وبيَّن لهم خطر المنافقين وأساليبهم, وكشف خططهم, ودلَّ على صفاتهم, وأرشدَ إلى طريقة معرفتهم, ومكر أقوالهم, وسبيل أفعالهم, وإلى من يركنون, وعن من يأخذون, ومن يجالسون ويوادّون, فأنزل الله صدر البقرة, وآل عمران, والنساء, والأنفال, والفاضحة التي بينت منهم السوأة السوآء, والعنكبوت,  والأحزاب, والفتح, والحديد, والحشر, و(المنافقون), والتحريم, تبكيتاً لكل عنيد.

فلقد بيَّن الله مواقف الناس من هذا الدين, في أول كتابه الذي أنزله هدىً للعالمين, فأول ما ذكر بعد ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (, صفات عباده المؤمنين, الذين هم صفوة الخلق أجمعين, بأربع آيات نَيِّرات, وكل كلام الله نور, أعلمنا فيها صفة أهل السعادة والحبور, ثم ثَنَّى سبحانه بالكافرين لأنهم الأقل خطراً, والأضعف أثراً,  فذكرهم بآيتين وأوعدهم سوء المصير,  لمَّا لم ينتفعوا بما وهبهم الخالق القدير, ثم ثلَّث جلَّ جلاله ببيان حال المنافقين الذين نكثوا وتردوا بعد علم, وخدعوا أنفسهم بسوء الفهم, وادَّعوا ما ليس لهم بحال, واتبعوا طريق أبي رغال. فجزاهم الله عاقبةً أنكى من عاقبة الكفار, وأسكنهم الدَّرْكَ الأسفل من النار, فقال سبحانه: ) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (([3]). وقال الله تعالى: ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ % يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ %ـ إلى قوله تعالى - % صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ % (([4]).
وقال تعالى مبيناً مكرهم: ) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ % لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ % (([5]).
ولقد أعلمنا الله بسماتهم, وهيآتهم وشاراتهم, بدلائل ناطقة, وبينات سافرة, ونصب لنا في المفازة أعلاماً, ووضع لنا صُوىً ومناراً, فغدا أمرهم لا تخالطه شبهة, ولا تلابسه غمة, وانزاحت عن طرائقهم الأستار, وبان عوارهم في وضح النهار, فانكشف المورَّى واتَّضح المعمَّى, وظهر الصبح لذي عينين, حتى لم يبق عذر لجاهل, وحجة لمماحل, فهم ناهون عن المعروف آمرون بالمنكر, لا يستترون من الله ويستترون من البشر, ويكثرون الحلف لخداع البعض, ويسعون فساداً في الأرض, يوالون الأشرار, ويبنون مساجد للضرار([6]), ويؤذون الرسول صلى الله عليه وسلم , ولا يلتزمون بالمنقول, لقولهم لحن فاضح, يعرفه من كان لدينه ناصح. مع المسلمين عتاة أباة مع الكافرين يتخلقون بالحلم والأناة مع المجاهدين أفاعٍ وعقارب مع الكفار مودة ولين الجانب.
قال الله تعالى في وصفهم: [كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ] نعم لا يستطيعون القيام والثبات وحدهم لا بد من أن يستندوا إلى شيء فسلفهم ابن أبي كان يستند إلى يهود وعلمانيو فلسطين يستندون إلى يهود والعلمانيين عموماً يستندون إلى أمريكا والغرب والشيعة قديما استندوا إلى التتار وحديثاً استقدموا أمريكا وهكذا طريق النفاق لا يقوى على الثبات وحده فيستند إلى عدو للإسلام
قال ابن القيم في وصفهم: [أحسن الناس أجساما وأخلبهم لسانا وألطفهم بيانا وأخبثهم قلوبا وأضعفهم جنانا فهم كالخُشب المسنّدة التي لا ثمر لها قد قلعت من مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها لئلا يطأها السالكون )وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ( ... فخذ وصفهم من أول المطففين وآخر والسماء والطارق فلا ينبئك عن أوصافهم مثل خبير ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( فما أكثرهم وهم الأقلون وما أجبرهم وهم الأذلون وما أجهلهم وهم المتعالمون وما أغرهم بالله إذ هم بعظمته جاهلون )وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ( إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم ذلك وغمهم وإن أصابهم ابتلاء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم ولا يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون )إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ % قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(...
 كره الله طاعاتهم لخبث قلوبهم وفساد نياتهم فثبطهم عنها وأقعدهم وأبغض قربهم منه وجواره لميلهم إلى أعدائه فطردهم عنه وأبعدهم وأعرضوا عن وحيه فأعرض عنهم وأشقاهم وما أسعدهم وحكم عليهم بحكم عدل لا مطمع لهم في الفلاح بعده إلا أن يكونوا من التائبين فقال تعالى )ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين( ثم ذكر حكمته في تثبيطهم وإقعادهم وطردهم عن بابه وإبعادهم وأن ذلك من لطفه بأوليائه وإسعادهم فقال وهو أحكم الحاكمين)لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم  سماعون لهم والله عليم بالظالمين( ثقلت عليهم النصوص فكرهوها وأعياهم حملها فألقوها عن أكتافهم ووضعوها وتفلتت منهم السنن أن يحفظوها فأهملوها وصالت عليهم نصوص الكتاب والسنة فوضعوا لها قوانين ردوها بها ودفعوها ولقد هتك الله أستارهم وكشف أسرارهم وضرب لعباده أمثالهم. واعلم أنه كلما انقرض منهم طوائف خلفهم أمثالهم فذكر أوصافهم لأوليائه ليكونوا منها على حذر وبينها لهم فقال )ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم(  هذا شأن من ثقلت عليه النصوص فرآها حائلة بينه وبين بدعته وهواه فهي في وجهه كالبنيان المرصوص فباعها بمحصل من الكلام الباطل واستبدل منها بالفصوص فأعقبهم ذلك أن أفسد عليهم إعلانهم وإسرارهم )ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم % فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم % ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم( أسروا سرائر النفاق فأظهرها الله على صفحات الوجوه منهم وفلتات اللسان ووسمهم لأجلها بسيماء لا يخفون بها على أهل البصائر والإيمان وظنوا أنهم إذ كتموا كفرهم وأظهروا إيمانهم راجوا على الصيارف والنقاد كيف والناقد البصير قد كشفها لكم )أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم % ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم( فكيف إذا جمعوا ليوم التلاقِ وتجلَّى الله جل جلاله للعباد وقد كشف عن ساق ودعوا إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون]([7]).
وإذا استقرأنا التاريخ في هذه السنين الطوال, ألفينا من آثار مكرهم ما تميد له الجبال.


[1] - الطابور الخامس: تعبير يطلق على المنافقين والعملاء الذين يعملون من داخل جماعة ما لصالح عدوها. وأصله أن قائداًً انتصر على عدوه فسئل أي الطوابير كان أفعلُ في حربك فأجاب: الطابور الخامس. وكان جيشه أربعة طوابير فأشار بالخامس إلى العملاء داخل عدوه.
[2]- حصان طروادة: تعبير يطلق على العملاء الذين يدمرون من الداخل. والأصل فيه يرجع إلى قصة حصار مدينة طروادة لعشرة أعوام وهي صامدة لا تسقط ثم أُدخل على المدينة بالمكر والدهاء مجموعة من الفرسان وقاموا بالتخريب من الداخل وفتح أسوار المدينة.
[3]- سورة النساء: 145.
[4]- سورة البقرة: 8 - 20.
[5]- سورة التوبة: 56- 58.
[6]- وفي هذا العصر ينشئون هيئات وصحفاً ومجلات ودور نشر وكتباً ومدارس وجامعات ومعاهد وإذاعات وقنوات, وغير ذلك كثير, وكلها ضرار في ضرار تؤدي نفس رسالة مساجد الضرار.
[7]- مدارج السالكين (1 / 345).

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.