موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

أبحاث في الديمقراطية 5 الديمقراطية دين: ماهية الديمقراطية (2)


أبحاث في الديمقراطية 5
الديمقراطية دين: ماهية الديمقراطية (2)
رضوان محمود نموس
قلنا في نهاية المبحث الثالث أن الديمقراطية دين. ولتحرير الموضوع نبين هنا ماهية الديمقراطية ومعنى الدين:
فبخصوص الديمقراطية تبين من أقوال أهلها أنها ليست إجراءً انتخابيا فقط بل هي نظام شامل للحكم والحياة :
يقول حافظ صالح: [الفكرة الأساسية للديمقراطية :
لكل مبدأ من المبادئ فكرة أساسية شاملة يقوم عليها حتى يصح أن يسمى مبدأ وتكون هذه الفكرة عقيدة المبدأ، وقاعدته الفكرية التي تنبثق عنها معالجات مشاكل الإنسان في الحياة ولما كانت العقيدة بمعناها الاصطلاحي كما جاء في القواميس اللغوية هي الفكرة الكلية عن الكون والحياة والإنسان، وعما قبلها، وعما بعدها، وعن علاقتها بما قبلها، وعن علاقتها بما بعدها .
أي هي الإجابة على كافة التساؤلات التي تجابه الإنسان حيثما كان فهو كائن يتمتع بالحياة على هذه الأرض في هذا الكون .
إذن فالديمقراطية فكرة أساسية شاملة أجابت على كافة الأسئلة التي تجابه الإنسان في الحياة، ووضعت له الأساس الذي تنبثق عنه كافة المعالجات لمشاكله في الحياة الدنيا، بغض النظر عن صحة هذه الأجوبة أو خطئها .
وكانت كذلك قاعدة فكرية تبنى عليها أفكار الحياة ومفاهيمها ، وقيادة فكرية آمن بها الكثير من الناس فانقادوا بها، وحملوها لغيرهم من الناس لاعتناقها وتطبيقها في حياتهم. فأنشئت عليها مجتمعات كثير وقامت عليها دول استطاعت أن تبسط سلطانها، وتفرض هيمنتها، وتمد نفوذها على غيرها من الدول والمجتمعات، وتطبق عليها نظمها وقوانينها، وبذلك اكتمل وجود هذه  الفكرة في الحياة وشقي العالم بها، وما زال يعاني من ويلاتها ومصائبها، وما سببت للإنسانية من كوارث ونكبات .

وبهذا تكون الديمقراطية قد أعطت فكرة شاملة عن الوجود وعن الحياة وعن وجهة النظر في الحياة وعن معنى السعادة. فكانت بذلك عقيدة لمبدأ وقاعدة فكرية تبنى عليها الأفكار، وقيادة فكرية تنبثق عنها النظم والقوانين بجعل الإنسان مصدرها. فانقاد بها الكثير من الناس ، وبنوا عليها كياناتهم السياسية ومجتمعاتهم وحملوها على غيرهم كذلك]([1]).
الدين :

الدين لغة: قال في لسان العرب: [ومنه قول ذي الإصبع العدواني:

 لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب***** فينا ولا أنت دياني فتخزوني

 أي لست بقاهر لي فتسوس أمري والديان  الله عز وجل و الديان القهار وقيل الحاكم والقاضي وهو فعال من دان الناس أي قهرهم على الطاعة يقال دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا ومنه شعر الأعشر الحرماني يخاطب سيدنا رسول الله:(يا سيد الناس وديان العرب) وفي حديث أبي طالب  قال له عليه السلام  أريد من قريش كلمة (تدين لهم بها العرب أي تطيعهم وتخضع لهم) …. والدين الطاعة  وقد دنته و دنت له أطعته قال عمرو بن كلثوم  وأياما لنا غرا كراما**** عصينا الملك فيها أن ندينا ...  ثم قال  ثم دانت بعد الرباب أي ذلت له وأطاعته و الدين من هذا إنما هو طاعته والتعبد له وفي التنزيل العزيز (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك).

والمدينة الأمة المملوكة … و دنته أدينه دينا سسته و دنته ملكته و دينتَّه أي ملكته ودينتَّه القوم ولته سياستهم والديان السائس...  قال الخطابي  يعني قوله  يمرقون من الدين أراد بالدين الطاعة أي أنهم يخرجون من طاعة الإمام المفترض الطاعة وينسلخون منها والله أعلم]([2]).
 وقال في القاموس المحيط: [والدين  بالكسر... القهر  والغلبة  والاستعلاء  والسلطان  والملك  والحكم  والسيرة  والتدبير  والتوحيد  واسم لجميع ما يتعبد الله عز وجل به ...والديان  القهار  والقاضي  والحاكم  والسائس  والحاسب  والمجازي الذي لا يضيع عملا  بل يجزي بالخير والشر.]([3])

وقال في مختار الصحاح :[ الدين أيضا الطاعة تقول دان له يدين دينا أي أطاعه ومنه الدين والجمع الأديان.]([4]).
وقال في العين [والدين  الطاعة ودانوا لفلان أي أطاعوه.]([5]).
وقال في غريب الحديث: الدَّيَّانُ: الملِكُ المُطاع وهو الَّذِي يَدِين النَّاسَ: أي يَقْهَرهُم عَلَى الطاعة.]([6]).
 وقال في المحكم والمحيط الأعظم: [الدَّيّانُ هنا الذي يَلِي أَمْرَكَ وَيَسُوسُكَ]([7]).
وقال في أساس البلاغة: [من دان القوم إذا ساسهم وقهرهم فدانوا له.]([8]).
الدين في القرآن: وردة لفظة دين في القرآن في مواضع كثيرة نختار منها ما يبين المقصود. فالمراد الأول الطاعة:
في قوله تعالى" (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(39) الأنفال (40)
والمراد الثاني: النظام والمنهج الذي ارتضاه الله لنا :
وقال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج (78)
والمراد الثالث: أنه سمى مناهج الكفر وأنظمته ديناً
فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة (33)
وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) الفتح (28) .
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف (9)
 أي ليظهر المنهج والنظام الإسلامي الذي ارتضاه الله لنا على جميع الأنظمة والمناهج.
وقال تعالى :(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف (76)
فسمى نظام الحكم ومنهجه عند فرعون (ديناً)
وقال تعالى : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر (26)
 أي أن يبدل المنهج والنظام الذي تسيرون عليه.
وقال تعالى:( قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ(1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ(4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 6) سورة الكافرون .
 أي لن أتبع منهجكم ونظامكم وأنتم لن تتبعون منهجي ونظامي, ولا التقاء أو خلط بين المنهجين والنظامين.
 وقال في عقيدة التوحيد في القرآن الكريم: [ إن مفهوم الدين في الإسلام واسع لا يقتصر على النواحي الاعتقادية والتعبدية فهو يشمل نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها الاعتقادية والتعبدية والفكرية والخلقية والعلمية والعملية والاقتصادية وغيرها، فإن كان هذا النظام مستندًا إلى شرع الله وسلطته، فهو دين الله الحق، وإن كان هذا النظام مستندًا إلى شرع البشر والحكام وسلطانهم فهو دين الحكام،... وقال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} 4، فواضح في هذه الآية أن الدين يشمل النظام العام في البلاد وفي جميع مناحي الحياة؛ لأن نظام الملك وشرعه، ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه جزاء سرقته، إنما كان هذا نظام يعقوب وشريعة دينه، فالدين هنا هو النظام والشرع،]([9]).
وقال أ. د. جعفر شيخ إدريس: [الدين دينان ينبغي أن لا نخلط بينهما فنحكم بأحدهما على الآخر، أو نستنتج من أحدهما نتائج ونسحبها على الآخر، أو نبني سياسة عملية على أحدهما حقها أن تبنى على الآخر.
الدين بالمعنى الأول هو الدين المنزل من السماء، المبلَّغ للناس عن طريق رسل الله. والدين بالمعنى الثاني هو ما يدين به الناس في الواقع فيما يعتقدون من عقائد، أو يلتزمون به من قيم، أو يمارسون من سلوك.... ونوع من الدين لا علاقة له بالدين المنزل من السماء البتة، وإنما هو من اختراع الناس، وهو المشار إليه في مثل قوله ـ تعالى:
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] .
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] .
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} [آل عمران: 83] .
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[الشورى: 21] .
يدخل في هذا أديان المشركين من العرب، كما يدخل فيه من أهل زماننا أصحاب كل ما يسمى بالأيديولوجيات التي هي من اختراع البشر كالشيوعية والعلمانية. ولا تستغربن تسميتنا لها بالدين؛ لأن الدين في لغة العرب وحكم القرآن هو كل منهاج للحياة يجعله الإنسان ديدناً له مهما كان نوعه]([10]).
وقال سيد قطب: [بينما النص القرآني هنا يحدد مدلول «دين الملك» بأنه نظام الملك وشريعته. وكذلك «دين الله» فهو نظامه وشريعته.]([11]).
وقال الإمام المودودي : [المراد بـ (الدين) في جميع هذه الآيات هو القانون والحدود والشرع والطريقة والنظام الفكري والعملي الذي يتقيد به الإنسان فإن كانت السلطة التي يستند إليها المرء لاتباعه قانوناً من القوانين أو نظاماً من النظم سلطة الله تعالى، فالمرء لا شك في دين الله عز وجل، وأما إن كانت تلك السلطة سلطة ملك من الملوك، فالمرء في دين الملك، وإن كانت سلطة المشايخ والقسوس فهو في دينهم. وكذلك إن كانت تلك السلطة سلطة العائلة أو العشيرة أو جماهير الأمة، فالمرء لا جرم في دين هؤلاء. وموجز القول أن من يتخذ المرء سنده أعلى الأسناد وحكمه منتهى الأحكام ثم يتبع طريقاً بعينه بموجب ذلك، فإنه -لا شك- بدينه يدين]([12]).
وقال ابن الجوزي: «الشريعة سياسة إلهية»([13]).
وقد كتب ابن تيمية ـ رحمه الله ـ رسالة في السياسة الشرعية، قال في أولها: «فهذه رسالة مختصرة فيها جوامع من السياسة الإلهية» .
 وقتال ابن مفلح «أكثر السلاطين يعملون بأهوائهم وآرائهم لا بالعلم، ويسمون ذلك سياسة، والسياسة هي الشريعة» ([14]).
وقال محمد بن شاكر الشريف: [ولهذا جعل الله تعالى القوانين ديانة، فيسمى القانون ديناً، كما في قوله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف:76] , معناه: في قانون الملك {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف:76] ، فكل قانون غير شرع الله فهو دين أراد به صاحبه نسخ دين الإسلام وتغييره، فهو إشراك بالله العظيم عز وجل.([15]).
 وقال الشيخ أبو محمد المقدسي: فصل[الديمقراطية دينٌ كفريٌّ مبتدع وأهلها بين أرباب مشرِّعين وأتباع لهم عابدين ]([16]).
فيتبين معنا أن الديمقراطية دين يناقض دين الإسلام ويحادّه.
في دين الإسلام الحاكمية العليا لله. في الديمقراطية الحاكمية العليا للشعب.
في دين الإسلام السيادة لله . في الديمقراطية السيادة للشعب.
المرجع في دين الإسلام الكتاب والسنة المرجع في الديمقراطية الدستور والقانون.
في دين الإسلام المشرع هو الله في الديمقراطية المشرع هو مجلس النواب.
في دين الإسلام ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ))[المائدة:48]
في الديمقراطية وأن احكم بينهم وفق أهوائهم وبحسب رأي الأكثرية.
في دين الإسلام يرد التنازع إلى الكتاب والسنة:(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ))[النساء:59]
في الديمقراطية فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى مجلس النواب وحسب رأي الأكثرية.
ودين الديمقراطية له تفريعاته وأصوله وفقه وفقهاؤه كما لدين الإسلام.
هذه هي ماهية الديمقراطية إذن وليست انتخابات فقط.
يتبع


[1] - حافظ صالح / الديمقراطية و حكم الإسلام فيها .صفحة 14-16
[2] - لسان العرب ج: 13 ص: 167 وما بعدها
[3] - القاموس المحيط ج: 1 ص: 1546
[4] - مختار الصحاح ج: 1 ص: 91
[5] - العين ج: 8 ص: 73
[6] - غريب الحديث للخطابي (1/ 240)
[7] - المحكم والمحيط الأعظم (8/ 206)
[8] - أساس البلاغة (1/ 306
[9] - عقيدة التوحيد في القرآن الكريم (ص: 96): محمد أحمد محمد عبد القادر خليل ملكاوي
[10] - مجلة البيان (203/ 9): الدين دينان منزل من السماء.. ومتخذ في الأرض: أ. د. جعفر شيخ إدريس
[11] - في ظلال القرآن (4/ 2021)
[12] - المصطلحات الأربعة في القرآن (ص: 77)
[13] - تلبيس إبليس، ص 188.
[14] - الفروع 6/ 386.
[15] - مجلة البيان (201/ 5): قواعد في فقه السياسة الشرعية محمد بن شاكر الشريف
[16] - الديـمقراطـيّة ديـن: لأبي محمد المقدسي ص 13

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.