تقدمية ورجعية (3)
رضوان محمود نموس
-يا أبا الهيجاء حدث معي اليوم ما أربكني أمام تلاميذي وحرت فيه جواباً !!
-أي شيء هو يا أبا ضمضم؟
-جاءني طالب في كلية اللغة العربية _ ولطالما كنت أحبب لهم اللغة العربية والشعر وأهمية تذوقه وأحضهم على حفظ مقاطع من ديوان الحماسة والمفضليات_ فسألني قائلاً: يا أستاذ قرأت نصين شعريين في المجلات التي تصدر ببلادكم العربية ولكني مع الأسف لم أفهم شيئاً فأرجوا أن تفهمني معاني هذا الشعر !!
أما النص الأول فقد ورد في المجلة العربية العدد 194 للمدعو بهاء الدين رمضان يقول فيه:
تعلق أعضاءك المتعبات
بناصية الشعر
تنثر بالوجع الأزلي انشطارك
تبلله بالتواصل
وأما النص الثاني فقد ورد في مجلة الحرس الوطني العدد 124 بعد تقديم صاحبه بقولهم: الشاعر المغربي الكبير: "محمد الأشعري" رئيس اتحاد كتاب المغرب، قامة شعرية كبيرة أثبتت جدارته واحتلت مكانته الشعرية، يقول:
أنا الجرح
نفيت نفسي من الكلام
قبل أن أولد بأذنين وعينين كابيتين
كان لي رأس يحتل كل شساعة جسدي ..
وأصابع فقط تتدلى من ثقب الحنجرة، وبها أرى الأشياء
وألمس الشقوق الأرجوانية المبثوثة في اشتهائي
وكنت سعيداً، غير أن شيئاً كان ينقصني قبل أن أولد.
هو الخروج من سجن الكلمات، إلى حرية التجرد المبهم
أشتاق للبحر خلف قصائدي
فيخونني جنوني، موج بلا أفق.
فقرأت النص مراراً ولكنني لم أفهمه فلا هو مترابط أو منسجم ولم ترتب المفردات لتعطي معان، فرأيته أشبه ما يكون ببعر الإبل
-لم تفهم النص يا أبا ضمضم ؟!
-لا والله !!
-إذن أنت رجعي تراثي سلفي ظلامي متخلف لا تواكب مسيرة التاريخ، تستحضر الماضي بقوالبه الثابتة.
-ليست هذه المشكلة ولكني ما عرفت من أين أبدأ وماذا يريد؟
-هكذا يريد الحداثيون التقدميون العلمانيون الليبراليون؛ يريدون أن لا تفهم النصوص، وتنفصل الكلمة عن مدلولها، واللغة عن معانيها، فإذا اعترض عليهم معترض انهالت سيول التهم جاهزة، ومثلهم كمثل اللصوص الذين قالوا للملك سنخيط لك ثوباً من خيوط الذهب الخالص المنقى ومن روح الذهب فإذا لبسته لا يراك لابساً إلا من يحبك ويحترمك ويوقرك، وإذا كان غير ذلك يحسبك عرياناً، وأشاعوا ذلك بين الناس، وأخذوا من الذهب مئات الكيلوات ليستخرجوا من روح الذهب ملابساً للملك وبدؤوا يعملون بالهواء حركات بهلوانية كأنما ينسجون ثوباً وبعد زمن جاءوا يلبسون الملك ثيابه الجيدة فخلعوا ملابسه وقاموا بحركات وكأنما يلبسونه، وبدأت الوفود بالدخول وكانوا يباركون الثياب الجميلة الزاهية ولا يتجرؤون أن يقولوا أن الملك عارياً حتى لا تلحقهم تهمة كراهية الملك والخيانة العظمى، التي يترتب عليها الحكم بالإعدام وأعلن عن العرض، وسار الملك عارياً في ساحات المدينة وكان كل من يراه يبارك الثوب الجميل الزاهي، والملك نفسه لا يرى شيئاً ولا يحس أنه يبلس ثياباً، حتى صاح طفل بريء لم يعلم ألاعيب السياسة بعد؛ الملك يسير عرياناً الملك مجنون، فاستعاد الملك وعيه وأمر باللصوص فقبض عليهم على حدود المملكة فارين، وسيقوا إلى ساحات الموت.
-ولكن الذي أراه أن غالب المثقفين لم يستعيدوا الوعي بعد، ويرددون مع الغربان بجمال وإبداع شعر الحداثة.
-إن هذا الشعر يا أبا ضمضم مهمته الأولى أن لا يُفهم، وهنا تكمن المؤامرة على اللغة، ومهمته الثانية نشر الرذيلة والكفر، وهذه هي أهداف التقدمية والعلمانية.
يقول محمد البيتي _كائن سعودي_ في المجلة العربية العدد 189 ص: 60
حين تنطفئ امرأة فوق كفي
أدفعها للقمر
أعد لها وطناً من جراح
أحتسي وجهها في الصباح
فيأتي المطر
ويقول زعيم عبد السادة _تعرف قيمته من اسمه كائن مجهول_ في مجلة اليوم السابع العدد 283
استنغت خوذة
كسيدة تنهض في فجر
أشقر قرب نعاس البلوط
ولو أردت أن أجمع لك من غثائهم وهرائهم، هنالك الكثير الكثير الذي لا تتسع له المجلدات، ولكنني أجلّك عن ذكر أسمائهم ونباحهم أمامك.
وسأعرض عليك فقط ما أبين به تآمرهم وكفرهم:
إن هؤلاء رأس جسر في حملة غزو فكري إلحادي شيوعي علماني ليبرالي غربي، وهدفهم واضح جداً بالنسبة لهم، ويسيرون نحوه بخطى مدروسة.
لقد بدأت المهمة عندما حاول بعضهم مثل سعيد عقل وعبد العزيز باشا فهمي وغيرهم الدعوة إلى الكتابة بالأحرف اللاتينية تمشياً مع ثقافة الغرب، وسيراً في ركابه، وتقليداً لتركيا أتاتورك الذي دمر الخلافة واستبدل الأحرف العربية باللاتينية، ففصل بين الشعب وبين تاريخه وثقافته وتراثه، واحتجوا بصعوبة اللغة العربية والقواعد والنحو والإملاء، فلما تحطمت دعواهم على صخرة الرجعية برز في مصر رفاعة الطهطاوي وسلامة موسى وعبد الحميد عبد الغني ولويس عوض وغيرهم يرددون مقولات المستشرقين أمثال "ولهلم سبتيا" الألماني و"ويلتكس" الإنجليزي و"كارل فولرس" الألماني وغيرهم، وكانوا يدعون إلى الكتابة بالعامية وترجمة القرآن إلى اللهجة العامية ووصفوا ذلك بأنه ضرورة ملحة ليفهم الشعب ما يكتب له، وقامت حملة إعلامية تروج لهذا الاتجاه، ولكنها تحطمت على صخرة الرجعية، وأبى الرجعيون إلا الحفاظ على تاريخهم ولغتهم وثقافتهم، وعدم الالتحاق الذيلي بالغرب الكافر.
فبرزت دعوة ثالثة تدعوا إلى كتابة الإملاء كما تنطق الكلمة لأن في اللغة العربية صعوبة، وضربوا لذلك أمثلة اللام القمرية التي تلفظ وتكتب، واللام الشمسية التي تكتب ولا تلفظ، وأن هناك أحرفاً تلفظ ولا تكتب مثل "لكن، هؤلاء .." وأن هناك ما يكتب ولا يلفظ مثل "ذهبوا" والتنوين الذي يلفظ نوناً ولا يكتب بشكل حرف النون، وعقدت لذلك المؤتمرات والندوات ثم تحطمت هذه على صخرة الرجعية أيضاً.
وأخيراً وليس آخراً برزت دعوة الشعر الحداثي على أيدي الطاغوت بدر شاكر السياب الشيوعي الضال وصحبه، فدعوا إلى تدمير البحور والقوافي وإدخال الرموز والطلاسم وأبقوا إلى أجل على التفعيلة.
ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا التفعيلة والمعنى والإملاء والنحو واتبعوا كل ناعق أثيم من الشيوعية والملاحدة واليهود الغربيين، يروج لهم جيش عرمرم من النقاد وأساتذة الجامعات ويقف وراءهم جميعاً الأنظمة الحاكمة المرتدة وإعلامها، وتقف الماسونية وراء هذا الحشد الضال، عملاً على إحياء وثنية اليونان وتدمير ثقافتنا ولغتنا وديننا، وهم الآن بدؤوا يخرجون من جحورهم إلى الملأ ليعلنوا أهدافهم.
يقول طاغوتهم الأكبر "أدونيس" مشيراً إلى سبب التمسك باللغة في كتابه "الثابت والمتحول" 2/ 204 [السبب الذي يكمن وراء التمسك بالأصل اللغوي هو الربط بين اللغة والدين ربطاً جوهرياً ومن هنا كان الدين عاملاً أولاً في دراسة اللغة والشعر الجاهليين[
وبعد معرفته لهذا السبب يقول في كتابه "زمن الشعر" ص: 131 [يجب أن تحددوا مقاييس الثورة في الشعر وأرى أن تحديد هذا المقياس يجب أن يعتمد على تفكيك البنية الثقافية العربية القديمة التي تتعارض مع الثورة وهدم هذه البنية وتجاوزها _ ثم يقول: _الثورة اللغوية هنا تكمن في تهديم اللغة القديمة أي إفراغها من القصد، _ثم يتابع_ والثورة التي نتطلع إليها إنما هي تفجير اللغة من الداخل.
ويقول سعيد السريحي السعودي، في كتابه "الكتابة خارج الأقواس" إن ظاهرة الغموض التي من شأنها أن تعد السمة الأولى للقصيدة الجديدة حتمية أفضت إليها سلسلة من التطورات ... ومن هنا أصبح من الصعب علينا أن نتفهم القصيدة الجديدة بعد أن تخلت عن أن يكون لها غرض، وأصبحت اللغة فيها لا تشير أو تحيل إلى معنى محدد.
وتقول الشاعرة السعودية سعدية مفرح في ديوانها آخر الحالمين نقلاً عن المجلة العربية العدد 194:
لغتي الحبلى بالأحرف
أتركها فوق الأرفف
تنساها في خرج ذلولك
ويقول الهالك غازي القصيبي الشاعر السعودي وسفير بلاده في لندن بعد أن يقرأ نصاً لأحد الحداثيين في المجلة العربية العدد 251 يقول: لا أزعم أني فهمت النص؛ المعنى يبقى في بطن المؤلف، ولكنني استمتعت بقراءة النص ولا أريد من نص أدبي أكثر من هذا.
-إذن ماذا يريدون يا أبا الهيجاء.
-يريدون أن يفصلوا بين الكلمة ومعناها، وبين النص ومدلوله، وبين الاسم والمسمى، وبالتالي يتم تدمير اللغة ويصبح الناس غير قادرين على التعبير باللغة الحديثة، وتصبح اللغة نهيق بغال أو قرقعة أحجار، لا مفهوم ولا معلوم، فيفصلوا بين الأمة وبين دينها وتراثها وفقهها وتاريخها وأدبها، فإذا اجتثت عن أصلها لا بد أن تموت.
بل إن بعضهم يكفر علناً ثم يأتي أساتذة الجامعات وغيرهم ممن يكتب أمام اسمه د. أي يحمل الدكتوراة، وهي اسم للمتعمق بالبحث في التوراة، فأصل الكلمة كلمتين، (دك) (توراة) داك أي متعمق، وتوراة أي توراة اليهود، أي أصبح يهودياً متعمقاً بالضلال، والأولى بالعلماء والمربين والمجازين الرجعيين أن لا يهتموا بهذه الألقاب اليهودية، ويعودوا إلى ألقاب سلفنا الصالح، وما أردنا إلا تبيان معنى الكلمة مع علمنا أنه يوجد الكثير من الصالحين الذين يحملون هذا اللقب، ولم يدروا ما معناه أو لم يخطر ببالهم التنقيب عنه وهم أجل من أن يكونوا متطابقين مع معناه فنستميحهم عذراً لهذا التبيان.
أقول يأتي هؤلاء الذين تخرجوا من جامعات أمريكا وأوربا أو من مدرسة طه حسين ليقولوا لك ليس في الشعر كفر إنه الشعر والرمز، لا تحاكموا الشعراء إلى لغتكم وما تفهمون منها، إن لهم لغة تترفع عن الأصوات والمقاطيع إلى آخر هذا الغثاء.
-وهل هناك من يصرح بالكفر والردة في بلادنا؟!
-مسكين أنت يا أبا ضمضم الدنيا تخرب والكفر سافر وتقول لي هل يوجد من يعلن ردته ؟! بل هل يوجد من يعلن إسلامه كما ينبغي؟!
-كنت عازماً على قراءة كتبهم وترددت لعلمي بسماجتهم ولم أتصور أنهم وصلوا إلى الكفر ولكن يبدو أنني سأضطر إلى قراءة غثائهم عملاً بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} الأنعام55
وحبذا لو أسمعتني شيئاً من كفرهم، وناقل الكفر ليس بكافر.
-لك هذا، اسمع يا رعاك الله، يقول محمد جبر الحربي السعودي في قصيدة له نشرت في مجلة اليمامة السعودية العدد 887 يقول فيها:
أقول كما قال جدي الذي ما انتهى
رأيت المدينة قانية
أحمرٌ كان وقت النبوءة.
ويقول عبد العزيز المقالح اليمني رئيس جامعة صنعاء، في المجلة العربية السعودية عدد شعبان 1405هـ:
صار الله رماداً
صمتاً رعباً في كف الجلادين
حقلاً ينبت سبحات وعمائم
بين الرب الأغنية، الثورة، والرب القادم من هوليود
ويقول عبد الوهاب البياتي العراقي الهالك في ديوانه ص: 526
الله في مدينتي يبيعه اليهود
الله في مدينتي مشرد طريد
أراده الغزاة أن يكون
لهم أجيراً شاعراً قواد
يخدع في قيثاره المذهب العباد
لكنه أصيب بالجنون
ويقول محمد درويش الفلسطيني في ديوانه المحاولة رقم 7 ص: 19
كانت صنوبرة تجعل الله أقرب
كانت صنوبرة تجعل الجرح كوكب
كانت صنوبرة تنجب الأنبياء
ويقول فتحي سعيد المصري في قصيدته المنشورة بمجلة الحرس الوطن عدد 78
فاشرب فقد هتك الحياء لها النقاب
من مغتسل مندى أو شراب
ونضدت عن البدن الثياب
وغلقت في الليل باب
لو لا رأى برهان ربك فاستجاب
فطفقت مسحاً بالرقاب
والريح رضوا ما أصاب
حتى توارت بالحجاب
فقرأت فاتحة الكتاب
ويقول أدونيس السوري اللبناني النصيري في الأعمال الشعرية الكاملة 1/ 288
من أنت ما تختار يا مهيار
أنى اتجهت الله أو هاوية الشيطان
هاوية تذهب أو هاوية تجيء
والعالم اختيار
لا الله أختار ولا الشيطان
كلاهما جدار
كلاهما يغلق لي عيني
هل أبدل الجدار بالجدار.
ويقول ناصر محمود السهيلي الفلسطيني في مجلة اليوم السابع العدد 292:
ومعاذ الثورة أن يهجر صبرا
أزقتها
ومعاذ الشهداء
أن تنسى بيروت ليلة الذبح
وعمان لون الدم الناري
ويقول سميح قاسم الدرزي الفلسطيني والرقيب المتطوع في جيش اليهود الإسرائيلي في ديوانه جهات الروح، ص: 173:
بين اللات والعزى مكان فارغ لله
ويقول كمال الجزوي السوداني في اليوم السابع العدد 278:
يا واحداً في كل حال
خذني بعشقك تلتقيني ساجداً
زدني بعلمك أصطفيك
إني وأنت البعض والبعض المكمل
ويقول أحمد عودة الله الشقيرات الأردني في كتابه الاغتراب في شعر بدر شاكر السياب ص125 تعليقاً على قول بدر شاكر السياب:
فيا أربابنا المتطلعين بغير ما رحمة
عيونكم الحجارة نحسها تنداح في الظلمة
لترجمنا بلا نقمة
يقول الشقيرات بعد ذلك: [ويضيع حلم السياب الذي كافح من أجله طوال حياته كما صنع جد أبيه أو هو نفسه، في إرم ذات العماد، المدينة المسحورة التي حدث عنها جد أبيه وهي من أساطير العرب]
-يا أبا الهيجاء والأمر كما وصفت، فأين علماء الأمة ولماذا يسكتون عن هذا الكفر؟
-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا ضمضم كما قلنا إن أي جهاز فتوى أو عالم موظف، هو جزء من النظام الذي يعمل فيه وتجري عليه أحكامه وتلحقه أوصافه، فهؤلاء موظفين عند الحكومات بمهمة الإفتاء أو ما شابهه، لا يتكلمون إلا إذا قيل تكلموا، حرِّموا، فسقوا، بدِّعوا، كفِّروا، أو اسكتوا، .. إنهم أشبه ما يكونون بآلة تسجيل صوتي تضع فيهم وزارة الداخلية أو الجهات الأمنية شريطاً، ثم تشغله فينطق الكائن بما تحبه الجهات المالكة.
-إن هؤلاء الحداثيون وراءهم الماسونية، والماسونية هي التي عينت الحكام وأمرتهم بإفساح المجال للحداثيين، فلا يستطيع الحكام ولا الموظفون عندهم أن ينبسوا ببنت شفة والكتاب والشعراء الحداثيون تقدميون جداً، ومثلهم الأعلى الغرب وثقافته، فهم يروجون لها، وهم بهذا قادة الموجة التقدمية، وعندما دعا طه حسين الهالك إلى اتباع الغرب في كل شيء وهاجم القرآن والدين في كتابه "في الأدب الجاهلي" عقد مجلس النواب المصري عدة جلسات وطالب بإقالة طه حسين من الجامعة ومنع الكتاب، فماذا حصل ؟! هددت الحكومة العميلة بحل مجلس النواب وإعادة تشكيل الوزارة، إذا تم المطالبة بهذا الأمر، وذهب مجلس النواب وبقي طه حسن في الجامعة ثم وزيراً للتعليم ورفع في عهد العبد الهالك إلى عميد الأدب العربي !! منذ ذلك الوقت حفظت الناس درساً جيداً وأصبح الحداثيون يتكلمون بشكل علني وسافر.
يقول علي اللواتي التونسي في مجلة الحرس الوطني العدد 71 متذوقاً شعر بيريس الفرنسي والذي ترجم ديوانه أدونيس ثم أعاد اللواتي الترجمة: "فالنص البيريسي يعتمد من حيث الشكل على استعمال خصوصي لإمكانات اللغة يتضارب كلياً مع المقدمات المعروفة لفن الشعر الحديث، إذ عمد هذا الشاعر إلى الإطاحة بقدسية الشكل كعنصر كلاسيكي وإلى الإخلال بالتوازن بين اللغة ودلالتها منادياً بانمحاء اللغة كمؤسسة اجتماعية منظمة للعالم أمام الاندفاع الفوضوي للفظ المعبر عن الثورة الذاتية المضطربة المحطمة .. ثم يعلق اللواتي: هذا ما يجعل قراءة بيريس متعة تشبه متعة حل اللغز أو الأحجية]
ألا ترى أن هذا الذي ردده أدونيس عن الثورة على اللغة بعد أن أخذ الدرس من أستاذه الفرنسي
ويقول محمد برادة في مجلة فصول المجلد الرابع العدد الثالث ص: 13:
الخيبة التي انتهى إليها بودلير من مراهنته على حداثته ليس فقط أن الشاعر بودلير يعاني موت الجمال ويبكيه إنه يعاني كذلك غياباً، لا غياب الله أو موته بل أكثر من ذلك، الحداثة تغلف، تقنع، غياب البراكسيس وإخفاقه بمعناه الماركسي الثوري الشامل، وستكون الحداثة داخل المجتمع البرجوازي هي ظل الثورة الممكنة.
ويقول غالي شكري في كتابه شعرنا الحديث إلى أين: [فالنقد الحديث الذي يود أن يرافق شعراءنا الجدد عليه أن يلتفت إلى جوهر القصيدة الغربية الحديثة إذا أراد أن يكتشف جوهر القصيدة العربية الحديثة]
ويقول جبرا إبراهيم جبرا في كتابه الرحلة الثامنة: [حركة الشعر الجديد متصلة بحركة الفن الحديث في أوربا]
ويقول محمد برادة في مجلة فصول المجلد الرابع العدد الثالث ص: 11:
[إن الحداثة مفهوم مرتبط أساساً بالحضارة الغربية وبسياقاتها التاريخية وما أفرزته من تجاربها في مجالات مختلفة[
ويقول غالي شكري: [عندما أقول الشعراء الجدد، وأذكر مفهوم الحداثة عندهم، أتمثل كبار شعراء الحركة الحديثة من أمثال أدنويس، وبدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب البياتي، وخليل حاوي ... عند هؤلاء سوف تعثر على إليوت وإزار باوند، وربما على رواسب من رامبو وفاليري وربما على ملامح من أحدث شعراء العصر في أوربا وأمريكا، ولكننا لن نعثر على التراث العربي[
ويقول في شعرنا الحديث إلى أين ص: 16: [وقديماً كان بودلير نبياً للشعر الحديث[
أما إذا أردت أن تعرف من هو نبيهم فإليك تعريفه كما نقله مصطفى السحرتي في مقدمة الترجمة لديوان بودلير، "أزهار الشر" يقول: [لقد كانت مراحل حياته منذ الطفولة نموذجاً للضياع والشذوذ ثم بعد نيل الثانوية قضى فترة في الحي اللاتيني حيث عاش عيشة ترف وانحلال وهناك أصيب بداء الزهري وعاش في شبابه عيشة تبذل وعلاقات شاذة مع مومسات باريس ولاذ في المرحلة الأخيرة من حياته بالمخدرات والشراب[
ويقول إبراهيم ناجي مترجم أزهار الشر لبودلير: [إن بودلير كان يحب تعذيب الآخرين، ويتلذذ به، وكان يعيش مصاباً بمرض انفصام الشخصية[
ومع التحلل الفرنسي وميوعة وفساد مجتمع فرنسا فقد منعت بعض قصائده لفسادها.
ويقول عنه كاتب أوربي: [إن بودلير شيطان من طراز خاص]
ويقول آخر: [إنك لا تشتَّم من شعره الفن والأدب إنما تشتَّم رائحة الأفيون]
أما رامبو فقد نقل عوض القرني في كتابه الحداثة ص: 24 عن عبد الحميد جيدة [أي أن رامبو دعا إلى هدم عقلاني لكل الحواس وأشكال الحب والعذاب والجنون ودعا إلى أن يكون الشعر رؤية ما لا يرى، وسماع ما لا يسمع، وفي رأيه أن الشاعر لا بد أن يتمرد على التراث وعلى الماضي ويقطع أي صلة مع المبادئ الأخلاقية والدينية]
وينتقد شاكر النابلسي في كتابه دراسة نقدية للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان فيبدأ بالهجوم على طريقة الخنساء في الرثاء وأنها لم تزد أن مدحت أخاها ويثني على فدوى أنها انتقلت من رثاء أخيها وربطته بالقضية الفلسطينية، ثم يقول مع هذا هي قصرت والأولى انتهاج نهج الفيلسوف والشاعر الريالي أندره بريتون في قصيدته إلى شارل فورييه لأنها إنسانية حيث يقول فيها:
يا فورييه الظلمة أكثر من أن تستطيع رؤيتهم
يخرجون من إحدى أسوأ بالوعات التاريخ
ليس فقط إن سبارتا كوس ما يزال ضد كريزوس ولو كاللوس
إن هؤلاء الحداثيون اتبعوا قمامة الثقافة الغربية حتى تشكل منها نخاعهم وعوامل تفكيرهم.
-هناك سؤال يا أبا الهيجاء ألم يقف في وجههم أحد، ألم ينبه على أخطارهم نذير، أم نكبر على العلماء أربع تكبيرات؟!
-أما علماء الأنظمة فليتنا نكبر عليهم ونرتاح فيصمتون بشكل دائم، وأما الآن فهم صامتون عن المنكر والضلال، عقبة في وجه الحق والدعوة، إن تكلموا ففتواهم بتضليل الشباب المجاهد، أو دعوة للخضوع للمرتدين، أو تحليل ربا، أو إباحة بيع خمر وخنزير، فهم من غلاة المرجئة مع الحكام وأتباعهم، ومن غلاة الخوارج مع شباب الإسلام، ولكن برز لهؤلاء الطغام الحداثيون من رد عليهم وبين خطرهم مثل المرحوم محمود محمد شاكر في كتابه أباطيل وأسمار، والشيخ عوض القرني في كتابه الحداثة في ميزان الإسلام، والأخ جمعان الزهراني في كتابه أسلوب جديد في حرب الإسلام، وغيرهم، كما قام البعض بكتابة بعض المقالات وأطلعك على حوار صحفي مع الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد الذي أجرى الحوار مع مجلة الحرس الوطني العدد 72 وحاولت الصحيفة استجراره للدفاع عن الحداثة ولكن موقفه كان صلباً وواضحاً، وإليك ما قال:
]ننظر الآن إلى كثير مما يكتب محسوباً في عداد الشعر وسوف نجد تواطؤاً على مختلف المستويات بين الشعراء والنقاد يتسلل إلى قيم الجمهور والقارئ ضحيته الأولى الشعر نفسه وبمختلف التسميات لا أستطيع أن أحدد بالضبط معالم هذه الأزمة إنها أزمة إنسانية أساساً، ربما كان هذا العصر بحاجة إلى نفحات إلهية لأنني بقلق كبير أحس بجاهلية من نوع متطور جداً في هذا الزمان، جاهلية بلا براءة الجاهلية، وبلا عفوية الجاهلية، وبلا احتدام الجاهلية، إنها تلتف على كل شيء وعلى الإيمان قبل كل شيء، وهنا قد يحتاج كل إنسان إلى صوت إلهي في داخله، أرى هؤلاء الشعراء ناطقون بلا صوت، خرس أصحاب الشعر في هذا الزمان، وإلا لما رأينا كل شي يذبح من الوريد إلى الوريد، الإنسان وقيم الإنسان والمثل، والشعر ما زال يمتلك قدرة أن يفرح وأن تكون له أجنحة ملونة وأن لا يخرج الصوت الشعري إلا مكوياً جميل الياقة أنيقاً بربطة عنق، مليئاً بالألغاز والأحاجي، خاوياً إلى حد الخراب.
أنا لا أؤمن بأنصاف القيم إذن، لا أؤمن بأنصاف الشعراء، أريد كلمة تحمل من الصدق ثقل، لا أن تطير مثل فقاعة لا ترى بعد لحظات، لقد غامت رؤية الشعراء إلى حد الإظلام وعتم شعرهم إلى حد الإبهام، إنني أدعو إلى نموذج للبطولة يختصم مع كل ما هو ليس شعراً وليس إنسانياً، ولا بد أن نقول كلمتنا للتاريخ حتى لا يأتي من يقول بعدنا إنهم جميعاً كانوا شياطيناً خرساً ساكتين عن الحق، إنني أرفض أن يلفق علينا باسم الحضارة صولجان يغرق في قطرة ماء، هذا العبث الذي لا ينتهي والتركيب اللغوي للجملة إلى حد انقطاع النفس، قد تنطلي اللعبة على بعض الأدباء ولكنها بالتأكيد لا تنطلي على الجميع إنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ولكنك بالتأكيد لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
-جزاه الله خيراً
-هذا لا يكفي يا أبا ضمضم بل هناك مهمة ملقاة على عاتقك أنت وأمثالك، أنت أستاذ جامعي، وجامعة خاصة غير خاضعة لتوجيهات الأنظمة الحداثية، فتستطيع أن تبين أمر هؤلاء الكفرة وتبين مدى خطورتهم على الإسلام واللغة والفضيلة والخلق، باستطاعتك أن توجه طلابك لدراسة الشعر العربي الملتزم وخاصة من الشعر الإسلامي الرصين، وأكثر من ثمانين بالمائة من شعراء العصر من ذوي الشعر الجيد أو الملتزم إسلامياً، ولكن سدت في وجوههم سبل النشر لأن الذي يمتلك الفسح والمنع والترخيص والإلغاء هي الحكومات التقدمية، فلماذا لا تساهم وتدعو غيرك أن يساهم في نشر الشعر السوي الصحيح، والشعراء ولله الحمد كثر.
فهناك عبد الرحمن العشماوي مثلاً، وعدنان رضا النحوي، وعصام العطار، ويوسف العظم، وعبد الله عيسى سلامة وأحمد محرم وسيد قطب ووليد الأعظمي ويوسف أبو هلالة ويحيى الحاج يحيى ومحمد منلا غزيل ومحمد صيام، ومثلهم مئات كثيرة، فلماذا هذا الجفاء لشعرائنا ومشاركة التقدميين في محاولة التعتيم عليهم ؟! فابذل ما في وسعك وأبذل ما في وسعي، وننصح غيرنا بذلك، والله ولي التوفيق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق