تقدمية ورجعية(2)
رضوان محمود نموس
زارني أبو ضمضم بعد يومين من لقائي به وكلامنا عن تطور المناهج وتقدميتها, وبعد السلام والاطمئنان قال: يا أبا الهيجاء عندما تكلمت عن تطور المناهج ودور الكلاب فيها, وكيف احتل الكلب المنزلة الرفيعة كأني أراك أهملت دور القطط وما لها من شأن في المناهج والحضارة التقدمية مع علمي بأنها لم تبلغ شأن الكلب بعد.
-أصبت يا أبا ضمضم فللقطط دور لا يقل عن دور الكلاب في المناهج التعليمية والتي هي إفراز سياسي واجتماعي للحركة التقدمية العلمانية الليبرالية كما قلنا, وهناك محاولات حثيثة للتهجين بين الكلاب والقطط فإيجاد سلالات قططية تقوم بشيء من مهمة الكلاب بعد أن قصر عدد الكلاب عن تلبية الطلبات’ ولقد تكلموا عن القطط في المناهج شعراً ونثراً ومقالة وقصة ومسرحية, ولكن الذي يؤسف أن جميع القصص والمسرحيات مترجمة ولا يوجد هناك أدب محلي.
-يا أبا الهيجاء إذا كان الأصل ترجمة فالناتج سيكون ترجمة بالتأكيد.
-ماذا قصدت؟
-العلمانية والتقدمية والليبرالية هي ترجمة رديئة لزبالة الأفكار الغربية أو قل هي ظل مشوه لقمامة الغرب فالناتج عنها من أفكار سيكون أردأ منها .
-صدقت ورب الكعبة, أما الشعر والنثر فذلك منه الكثير, أذكر لك نثراً:
قط أروى, ذيل طويل, ذيل طويل, قط أروى ذيله طويل, أحمد شد ذيل قط أروى, أحمد شد وشد, قط أروى غضب.
ومقالة القطة البيضاء ومقالة قطتنا, إلى غير ذلك.
أما شعراً فحدث ولا حرج, وإليك بعض النماذج من مختلف المناهج التقدمية:
لي قطة صغيرة ... سميتها سميرة ... تنام في الليل معي ... وتلعب في أصابعي
بشعرها الجميل... وذيلها الطويل,,, ودائماً تغني .... وما تخاف مني ... لأنني أحبها ... وما أريد ضربها.
أما في منهج آخر فكانت القصيدة:
قطتنا الأثيرة ... كأنها أميرة ... جميلة العينين ... لطيفة اليدين ... مواؤها أنغام
وكلها إقدام ... إذا رآها الفأر ... يحار منه الأمر ... ويفقد التدبيرا ... تأتي به أسيرا.
أما المقطع الثالث:
يا قطتنا ما أحلاك ... نونونونونونو
ما أجملك ما أبهاك ... نونونونونونو
في مدرستي لا أنساك ... نونونونونونو
فرحي يكبر في لقياك ... نونونونونونو
-ولكن يبدو أن دور الكلاب في مناهجنا ما زال أقوى من دور القطة.
-هو كذلك أما في المستقبل فربما تفوقت القطط على الكلاب.
-وهل هناك من إرهاصات حول ذلك؟
-
حدثنا عنها رعاك الله.
-لا بد قبل الحديث؛ من سرد القضية تاريخياً, ذلك أن جيوشنا عندما كانت رجعية اختارت لفظ الله أكبر صيحة للنصر تأسياً بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الغزو كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثاً, وفي سنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً"
وعندما أصبحت تراتيب الدفاع في الجيوش الحديثة خنادق دفاعية قتالية قرر في مناهج الكليات الحربية أنه عند اقتحام الخندق المعادي يقوم الجندي بإلقاء قنبلة يدوية على الخندق صائحاً الله أكبر بأعلى صوته وكانوا قد أدركوا أهمية التكبير حتى قال شاعرهم:
بمواقع الإفرنج كان أذاننا *** قبل الكتائب يفتح الأمصارا
ولما أصبحنا تقدميين وصارت جيوشنا تقدمية, تقرر إلغاء الله أكبر واستبدالها بـ (عا) ممدودة, وكان ذلك أيام التقدمية الغربية, ولما انتقلت أنظمة الحكم في بلادنا إلى التقدمية الشرقية وانسجاماً مع حركات النظام المنضم الشرقية والتي تتسم بالسرعة والقصر للتناسب مع الأجواء الباردة استبدلت (عا) الممدودة بـ (عو) القصيرة, فدخل الكلب في المعركة التقدمية من أوسع الأبواب وأقنعت القيادات السياسية التقدمية الجيوش التقدمية بأنواع قواتها وصنوفها أن (عو) هو صوت مخيف ويؤثر سلبياً على معنويات العدو وإيجابياً على معنويات الصديق وفلسفوا القضية كسائر الفلسفات التقدمية ابتداء من الجدلية المادية إلى المادية التاريخية إلى بؤس الفلسفة إلى عقدة أوديب واستعانوا بفلسفة هيكل، وانكلز ماركس، وكانت وديكارت ودوركهايم، ليدللوا على أهمية (عو) في المعركة.
وعندما انتهت الدولة الشيوعية على أيدي أناس كانوا يقولون: (الله أكبر) وليس (عو) وانفردت أمريكا بالساحة وفرض النظام العالمي الجديد وأصبح بعض ذكور أمتنا يسمون أبناءهم على اسم بوش وبعضهم الآخر يكتبون بوش على الرقع والتمائم ويعلقونها في أعناقهم تعوذاً من صدام حسين أو من رؤيته في المنام وبعد أن دخلت الأمة مرحلة ما بعد مدريد وأوسلو وشرم الشيخ؛ طلبت إسرائيل تغير (عو) إلى (سي سي) وهو صوت الفأرة تمشياً مع مرحلة السلام عفواً الاستسلام والانهزام العربي التقدمي العلماني الليبرالي وانسجاماً مع عصر الكومبيوتر الذي يستخدم الفأرة في إصدار الأوامر استغناء عن الأوامر الكتابية عن طريق (دوز) ولما رفض عرب مدريد (سي سي) بشمم وكبرياء ورجولة وإباء، انطلاقاً من شعار (سلام الشجعان الذي أطلقه بائع الجولان) تدخل الوسيط الأمريكي وألقى بثقله على الطرفين وطرح (نو) بدلاً من (عو) و (سي سي) فقبل عرب الاعتدال وامتنع عرب الصمود والتصدي والممانعة وما يدور في فلكها من أحزاب، فقام عرب الاعتدال بإقناع عرب الصمود والتصدي والممانعة والتقدمية بأن لا يخربوا المحادثات من أجل (عو) و(نو) وأحضروا القواميس ابتداء من القاموس المحيط إلى المعجم الوسيط مروراً بلسان العرب وتاج العروس، ودرسوا الموضوع فوجدوا أن (عا) أصلها (عو) حيث قلب حرف العلة الألف عن أصله الواو وأن (نو) و(عو) و(هو) كلها ذات وزن واحد وإيقاع موسيقي واحد وجرس واحد، وتخلى عرب الصمود والممانعة والتقدمية عن احتجاجهم بعد أن دفعت دول الاعتدال (بخشيش) تشجيعي ودونت ملاحظة هامة بهذا الشأن وهي ضرورة التمهيد الفني والثقافي والإعلامي لـ (نو).
وتقرر بث الأغاني التي تحتوي على مفردات (نو) والتركيز على (نو) تعليمياً حتى تستسيغ القوات المسلحة (نو) عوضاً عن (عو)
وهكذا كان فبدأت الإذاعات ومحطات الرائي أي التلفاز والقنوات الفضائية تبث الأغاني والمسرحيات والصور والأفلام عن القطط و(نو) ومن ذلك أغنية المغنية التقدمية جداً (ميادة) بمعانيها الرائعة فاستمع رعاك الله وهي تقول:
شفت الأُطة ** نيو نيو عم تتلطى ** نيو نيو نطت نطة ** نيو نيو ما بعرف كيف طاروا السمكات *** نيو نيو نيو نيو
وبدأ التركيز على هذا الموضوع حتى أن أحد أبناء أمتنا كان مسافراً إلى دولة من دول عرب مدريد التقدمية الممانعة، وفي المطار وقبل ختم الجواز سأله الضابط:
-ما شعارك في الحياة؟
-قال الرجل: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ}
فرفض الضابط أن يضع تأشيرة الدخول قائلاً: ارجع من حيث أتيت, وحاول الرجل معه بالحسنى ولكن الضابط أبى بشمم وكبرياء ونخوة تقدمية ليبرالية.
-فقال الرجل: بل شعاري في الحياة:
بس بس نو بس بس نو هذا الجو بدا يحلو
فابتسم الضابط وختم على جوازه قائلاً (ادخلوها بسلام آمنين)
وخذ ما تناولته الصحف البريطانية حول القط همفري ونقلته صحفنا العربية التقدمية تمشياً مع مرحلة (نو) ولإشعار القارئ بأهمية القطط عالمياً: (عندما تمت انتقال السلطة من حزب المحافظين إلى حزب العمال في بريطانيا في أعقاب هزيمة جون ميجر وانتصار توني بلير، انشغل البريطانيون بشيء هام وانهالت الاتصالات على مقر رئاسة الوزراء تستفسر عن مصير القط (همفري) وماذا سيفعل به؟ وهمفري هو قط لقيط لا يعرف أحد أصله، حل ضيفاً على رئيس الوزراء السابق فقبل الأخير بقاؤه معه في المنزل سنوات طويلة، وحدث يوماً أن التهم همفري كمية كبيرة من البسكويت فحدثت له مشكلة صحية استدعت خضوعه لنظام غذائي صارم.
كان وجود (همفري) أول محك لسياسة توني بلير في موقعه الجديد، فرئيس الوزراء لا يقوى على طرد (همفري) من البيت ومن ثم يحل عليه غضب أنصار حقوق الحيوان ويخسر أصوات الجماهير التي انتخبته لذا فقد سارعت شيري زوجة توني بلير في الإعراب عن عطفها على (همفري) ولتأكيد حبها الأصيل له قال متحدث باسم رئاسة الوزراء إن شيري بلير كان لها في طفولتها قط تلاعبه، بل وكلب أيضاً واضطرت شيري أن تقف أمام المصورين وهي تضم القط بين يديها لتنفي ما تردد من رغبتها في رحيل القط همفري.
وصرح المتحدث باسم رئاسة الوزراء أن عائلة توني بلير وزوجته وأولادهما الثلاثة سعداء بوجود همفري بينهم رغم ما يمكن أن يسببه لهم من مشكلات مع القصر الملكي القريب، كأن يعتدي كما حصل على البط الملكي الذي يمرح في حديقة سانت جيمس أمام قصر باكينجهام وقد أشار بعض المراقبين إلى خطورة هذا التعدي لكنهم استبعدوا حدوث أزمة بين الملكة ورئيس الوزراء.
-بمناسبة التمهيد الفني يبدو أن للفن دوراً عظيماً عند القوميين والتقدميين فلقد قرأت عدة مقالات تعزف على وتر واحد هو أن أحد أسباب النكسة عام 1967 هو غياب العنصر الفني عن المعركة، فهل هذا صحيح؟!!
- قبل الإجابة لا بد من ملاحظة، وهي أنك متأثر بإعلامهم فتسمي الفاجعة والكارثة نكسة ؟!! تهويناً لشأنها.. هذا الذي يسمونه نكسة احتلت به إسرائيل أكثر من أربعة أضعاف مساحتها، فاحتلت شبه جزيرة سيناء كاملة وإغلاق قناة السويس كما احتلت الضفة الغربية مع القدس، واحتلت هضبة الجولان وعاصمتها القنيطرة بيعاً باتفاق بين النصيرية ويهود لإقامة دولة نصيرية وتحقيق نبوءة وحيد العين، وكل الدنيا تعرف كيف أذيع نبأ سقوط القنيطرة قبل سقوطها على لسان وزير دفاع سوريا آنذاك النصيري حافظ أسد والذي كوفئ بأن أصبح رئيساً للدولة على ما قدمه لأسياده اليهود، الذين فوجؤوا كما فوجئ سكان القنيطرة بالنبأ.
وتم تدمير ثلاث جيوش عربية تقدمية وقتل عشرات الآلاف من أبناء هذه الأمة المنقادة للتقدميين، وصفَّت إسرائيل الأسرى على الأرض وقتلتهم بتمرير الدبابات فوقهم لأنهم كما صرح اليهود لا يستحقون أن يضيع من أجلهم طلقة بندقية، وغنمت إسرائيل من السلاح والعتاد ما لم تتسع له مخازنها فترك في العراء أشهراً حتى تم بناء مستودعات بشكل سريع له ثم قامت ببيع هذه الأسلحة لدولة خليجية كبيرة عن طريق أمريكا ثم بعد ذلك يا طويل العمر تقول نكسة؟!!
وفي حرب يوم الغفران؛ التي يسميها التقدميون حرب تشرين التحريرية، والأصل أن الحرب يجب أن تسمى بالاسم الذي حدده المنتصر وكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يعلم أن المنتصر هم اليهود لأنهم على جبهة سوريا خرقوا خط الفصل بين الفرقة السابعة والفرقة التاسعة ووصلوا إلى تل عنتر ومشارف الزريقة وأصبح طريق دمشق درعا عند منطقة الزريقة وغباغب على مرمى الرشاشات وهي بحدود 5_ 8 كم ووصلوا في القطاع الشمالي إلى سهول قطنا وعندما تدخلت قوات عراقية وصدت الهجوم اليهودي وأرجعته إلى ما بعد (أم باطنة) على محور دير العدس – كفر ناسج _ نبع الصخر، واحتلت أم باطنة وسلمتها للقوات السورية بقيادتها الأبية التقدمية عادت القوات السورية وسلمت الموقع لليهود ليعودوا ثانية إلى تل عنتر، ومشارف الزريقة واحتل اليهود 39 قرية، وشردوا أهلها وسمى التقدميون ذلك (جيبا) تلطيفاً للهزيمة، وفي الجبهة المصرية ابتدعت تسمية (ثغرة الدفرسوار) للخرق الذي صنعه شارون واقتحم القناة إلى الضفة الغربية لها وكادت السويس أن تسقط لولا أن هب الرجعيون بقيادة الشيخ حافظ سلامة ودافعوا عن بلادهم التي يحكمها القوميون العلمانيون التقدميون وحوصر الجيش المصري الثالث وكاد يقع بالأسر جميعاً وأسمت إسرائيل المفاوضات "مفاوضات الكيلو متر "101" إشارة إلى أنه بقي "101" كم عن القاهرة"
ثم بعدها يقول التقدميون العلمانيون العرب حققنا المعجزة وانتصرنا فإذا سألتهم أي نصر هذا؟!
قالوا وبكل اعتزاز وفخر حررنا الإرادة العربية!! وعندما أخذت سوريا القنيطرة بالمفاوضات كانت الشروط الملتزم بها إلى الآن منع دخول أي جندي إلى المنطقة وهي ما تزال مسكناً للخفافيش ولو أن اليهود أرسلوا الحجارة من تل (أبو الندى) لدمرت القنيطرة كما احتلوا مرصد حبل الشيخ الذي يرصد بالمناظير العادية إلى النبك.
ثم لا يكفينا إعلامهم بتسميته هذه الأحداث نكسة ثم حرب تشرين التحريرية حتى تأتي أنت وتردد ذلك وتنكأ جراحي وترش عليها الملح.
-أنا آسف لما سببته لك من ذكرى مؤلمة وأرجوا أن تحدثني عن قضية العنصر الفني في المعركة ؟؟ !!
-أما قولهم أن أحد ِأسباب الهزيمة هي غياب العنصر الفني عن المعركة فذلك غير صحيح أيضاً، فما أن أطلت القومية التقدمية العلمانية برأسها حتى ظهر ما يسمونهه فناً معها وهذا أيضاً قلب للأسماء ولعب بالمصطلحات.
-كيف ؟؟!!
-هم يسمون الدعارة والخنا وقلة الحياء فناً، وعن قصص الفراش أدباً، وعن الزنا حباً، وعن الخمور مشروبات روحية، وعن الدين رجعية، وعن الالتزام تزمت، وعن الكفر تقدمية. وعن الردة علمانية، وفي رواية عقلانياً، وقائمة التضليل هذه لا تنتهي.
أما الفن والفنانات أي العهر والعاهرات فسأورد لك بعض الحقائق عن اقتحام الفن للمعركة في عدة بلدان تقدمية علمانية.
خذ مثلاً مصر: وهي رائدة التقدمية والقومية العربية والعلمانية والليبرالية كانت تنظم سهرات ليلية ودورية لقطعات الجيش مع ما يسمونه فنانات للترفيه عن الجنود، وكانت (سهير رمزي) أشهر راقصة هز بطون وأرداف متخصصة بالسهرات للطيارين، (ونجوى فؤاد) للقوات البرية، وكانت (برلتني عبد الحميد) متخصصة لسيادة المشير عبد الحكيم عامر، حتى رسموها وكتبوا على ثدييها القاهر والظافر إشارة إلى أسماء صاروخين كان الجيش المصري يدعي امتلاكهما، وكان الصراع على أشده بين أقطاب الثورة ا لتقدمية حول بعض العاهرات وكان لصلاح نصر القدح المعلى في ذلك، ولأن موقعه قوي استطاع أن يبعد أو يسجن أو يطرد كل من ينافسه على عاهرة، يليه صفوت الشريف ولما تم تدمير الطيران المصري على مدرجات المطارات كان الطيارون يغطون في نوم عميق بعد سهرة طويلة مع الفنانة سهير رمزي وأدى التنافس على مطربة يقولون أنها اعتزلت إلى الإطاحة ببعض الناس خارج البلاد، وقصصهم لا تنتهي وإذا أردت الاستزادة فراجع كتاب زوجة المشير لبشير العوف وكتاب عامر وبرلتني لعبد الله إمام وحكايتي مع عبد الناصر لاعتماد خورشيد ولها أيضاً قصتي مع صلاح نصر والكتب حول هذا الموضوع كثيرة حتى أن أي عاهرة من هذه الطبقة كانت تعرف بقرار الحرب وتنقلات الضباط وترقيتهم وأمثاله من القرارات الخطيرة قبل رئيس الوزراء وشيخ الأزهر ومفتي البلاد، وإمعاناً في إقحام الفن في المعركة خرجت إذاعة القاهرة أيام حرب حزيران 1967 لتقول لنا: أم كلثوم معكم في المعركة ثم يبدأ المكاء والتصدية
أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب فإنما الأيام مثل السحاب
وعيشنا طيف خيال فنل حظك منه قبل فوت الشباب
واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان
وتقول للمقاتلين: خدني بحنانك خدني عن الوجود وابعدني بعيد بعيد أنا وانت آه بعيد بعيد وحدينا..
ولما غنت عام 1973أصبح عندي الآن بندقية.. قامت إذاعة صوت العرب من القاهرة ولم تقعد تشيد بدور البطلة القومية التقدمية أم كلثوم في المعركة وكونها رائدة النضال العربي ومنحت أعلى وسام في مصر، وأما في عهد السادات الهالك فقد منح الفنان محمد عبد الوهاب رتبة لواء أركان حرب لأنه لحن نشيد الاستسلام بعد كامب ديفيد.
أما في سورية فكانت المسيرة الفنية تمشي بشكل لا يقل أهمية عن الشقيقة مصر؛ فبينما كانت الـ (....) سميرة توفيق تحيي حفلاً فنياً بمقهى الميماس بحمص ترفيهاً عن القوات المسلحة بعد الغزوات المظفرة على الشعب السوري وزج أبنائه في السجون، وحضر هذا الحفل كل من مصطفى طلاس قائد اللواء الخامس في حمص وكان مقره ثكنة خالد بن الوليد, وناصر الدين محمد ناصر مدير الكلية الحربية بحمص (منطقة الوعر) والقريبة جداً من مقهى الميماس، وبينما كانت سميرة تغني أخذها الحال وقفزت على الطاولة وهي تقول (يا عين موليتي واتنا عشر موليه، جسر الحديد انقطع من دوس رجليه) وتصيح القيادة المظفرة (هويلو) وترفع سميرة فستانها وتحركه بين فخذيها ويعلو الصياح ثم ألقى مدير الكلية الحربية ورقة مع أحد مراسليه على الطاولة يدعو فيها سميرة توفيق إلى قضاء الليل معه، ليضمها ضمة رفاقية تقدمية ليبرالية، فأحس مصطفى طلاس بأنه سيخسر الجولة فاستدعى سريتين من الدبابات طراز (ت 55) تقدمتا إلى الميماس السرية الأولى على محور طريق دمشق، الدبلان، القرابيص، الميماس، والسرية الثانية طريق دمشق الدبلان المونتانا الوعر الكلية الحربية لتقطع الطريق على أي تقدم من الكلية الحربية إلى الميماس وطبق خطة الكسندر إيفانو فيتش بالتطويق والإحاطة.
ولما حمي الوطيس، واشتد البأس قفزت سميرة فوق الطاولة وصدحت: (لو صفوا لي الذهب من بيروت لحلب ما ريدو ما ريدو..) وفاز طلاس بسميرة وضمها إليه ضمة تقدمية ليبرالية، وخسر ناصر الجولة.
وإكراماً للتقدمية والليبرالية والاهتمام بالفنانين قامت القيادة السياسية بتعيين طلاس وزيراً للدفاع وناصر الدين محمد ناصر وزيراً للداخلية.
أما الرائد سليم حاطوم قائد كتيبة المغاوير، الذي كان مختصاً بـ "لودي" و"دلال الشمالي" صاحبة "من قاسيون أطل يا وطني" فقد كانت أي كلمة أو انتقاد أو غمز أو لمز بالمصونة "لودي" يعتبر مساساً بالأمن القومي وتهديداً للقومية والعلمانية ولا يعرف مصير صاحبه إلا الله، وتحول أهل الاختصاص إلى لغة الألغاز، فكانوا يشيرون إلى ثدييها بالطلائع الثورية، وإلى عجيزتها بالقاعدة الشعبية، وإلى سليم حاطوم بالقائد، فيقولون: لقد قام القائد برعاية الطلائع الثورية والاهتمام بالقاعدة الشعبية وتجهيز الحرس القومي إلى غير ذلك، ثم كشف الأمر وأصبحت أي كلمة من هذا القبيل تتراوح عقوبتها بين الإعدام والسجن المؤبد، وعكفت إذاعة دمشق على ترديد أغاني لودي ومثيلاتها، مثل:
ميراج طيارك هرب ... مهزوم من نسر العرب....والميغ علت واعتلت... بالجو تتحدى القدر
ولما كانت تقام حفلات سفاهة ودعارة بإحضار العاهرات والداعرين إلى مقر قيادات الفرق الألوية ويتغيب بعض الضباط، يتم استدعاؤهم إلى الأمن من قبل محمد ناصيف أو علي دوبا المستشار الأمني للرئيس للتحقيق معهم عن أسباب تغيبهم عن الحفل وهل هو بدافع وجود أعمال مهمة جداً أو بدوافع رجعية ؟؟!!
-إذن كان الفن موجوداً في المعركة وفي التهيئة للمعركة !!
-طبعاً موجود، ونتيجة وجوده ووجود القوميين العرب والتقدميين والعلمانيين والليبراليين هزمنا عام 1948 وعام 1956 والتي يحاول بعض المغفلين تسميتها نصراً، ففي هذه المعركة أخذت شرم الشيخ، وجزء من سيناء المطل على خليج العقبة، وسكت الإعلام التقدمي عن هذه الهزيمة، وسماها نصراً كعادته في التضليل ثم ازددنا تقدماً فهزمت القوات التقدمية في حرب 67- 73- 82. وتحولت لبنان إلى مضرب عصا وحديقة خلفية للمحتل الإسرائيلي.
ثم طورنا هجومنا التقدمي بزج القوات الاحتياطية ونشر مفارز السدود المتحركة (مفسم) والاحتياطات المضادة للدروع.
-ماذا تقصد بها؟
-رفع اللآت، وتجنيد البنات، وتدريب المظليات، ونزع غطاء المحجبات.
-أي لاآت ؟؟!!
-لا للإسلام، لا للأخلاق، لا للوحدة، ثم تمشياً مع التيار التقدمي العلماني الليبرالي الجارف عقد عدة مؤتمرات على مستوى الوزراء والقمة قرروا خلالها تحويل اللآت إلى نعم، مع بعض التعديل في ازدهار عصر النعم والنعمات، فعندما تعود لسان الشعب على نعم للقائد، نعم للتقدمية، نعم للاشتراكية، نعم لمجلس الشعب، نعم للقيادة القطرية، نعم للقيادة القومية، نعم للأمير، نعم للملك، نعم للرئيس، وكان المندفعون أكثر يرددون نعمين وثلاث نعمات وفي غمرة هذه النعمات برز نعم للسلام، نعم للاستسلام، نعم لليهود، نعم لأمريكا، نعم للقمار، نعم للرذيلة، نعم لكلينتون، نعم لبوش نعم لأوباما نعم لباراك، نعم لنتنياهو نعم للانفتاح على إسرائيل، نعم لقيادة اليهود العالمية.
ثم اخذهم هوس نعمي وأصبحوا يغنون لإسرائيل أغنية العندليب:
نعم يا حبيبي نعم ... أنا بين شفايفك نغم ... حياتي قبلك ندم ... وعمري بعدك عدم ... نعم يا حبيبي نعم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق