النصيرية النشأة والتاريخ(3)
رضوان محمود نموس
النصيرية وحرب 1967
وفي حرب 1967 أرادوا أن يحققوا نبوءة كاذبة في كتبهم فتخلى النصيري حافظ أسد عن الجولان ليهود من أجل ذلك هذه النبوءة هي:
نبوءة وحيد العين: يوجد في أهم كتاب من كتب النصيرية واسمه كتاب الأسوس في الصفحة 213 نبوءة خطيرة فسرها شيوخ الطائفة النصيرية بما يخدم اليهود وهذا هو نص النبوءة
(عندما يبلغ المريخ إلى مرتبة الأوتاد الأربعة ويكون بهرام في الطالع يظهر من الجنوب وحيد العين الذي يكون مجتمعا فيه حدث الميم وقدم الدال عندما يصبح بهرام في الوتد بمقدار عشر درجات يكون وارد الوقت وحيد العين قد ظهرت أعلامه الخضراء من الشرق راكبا الميمون وبيمينه ذو الفقار المسنون، فيطهر البلاد ويقضي على الفساد وينصب الخيام على العاصي وينهي الناس عن المعاصي ويطعم الجائع وعندما يصل بهرام إلى المغارب في تلك السنة يكون صاحب حدث الميم وقدم الدال قد وصلت راياته إلى دمشق واتجهت جيوشه إلى الشمال لتلتقي مع جيوش وارد الوقت وحيد العين،
فتتلألأ الأنوار القدسية وتظهر الأظلة والأيتام من خلف القباب وتؤدى الطاعة إلى وارد الوقت سيدنا وحيد العين ويدوم العز في رؤوس العوالي وترفرف الأعلام فوق الجبال لمدة سبعين عاما بالتقريب، تكون كلمة وارد الوقت وحيد العين هي السائدة يخدمه وحيد العين صاحب حدث الميم وقدم الدال)
وبدأ النصيريون يطبقون هذه النبوءة ويفكون رموزها ويحللون أسرارها على الشكل التالي كما شرحه شيخ من شيوخهم {إن السيد أو شعيب الذي كان وحيد العين أي أعور، سيحتجب عن طريق التناسخ ، فيظهر من الجنوب فيحتل دمشق ويتجه نحو الشمال ليؤدي الطاعة إلى وارد الوقت وحيد العين أعور، وعندما يلتقي الأعوران سيدوم حكمهما مدة سبعين عاما وأبو شعيب يفسره مشايخنا اليوم هو: موشي دايان حدث الميم موشي وقدم الدال دايان
وتكريساً لهذه النبوءة قرر وزير الدفاع حافظ أسد تسليم البلاد وفتح الطريق أمام موشي دايان قائد جيش يهود عام 1967إلى دمشق ولقد أشرف قائد الجيش وزير الدفاع آنذاك حافظ أسد على تسليم قلعة المشرق العسكرية، وخطوط دفاعاتها الحصينة ومدينة القنيطرة ومرتفعات الجولان إلى الجيش الإسرائيلي دون قتال.. وقد أصبحت قصة إعلان سقوط القنيطرة من قبله والأمر بالانسحاب الكيفي للجيش السوري من خطوط القتال قبل 48 ساعة من الدخول الإسرائيلي إليها معروفة يوم العاشر من حزيران لعام 67 بالبيان العسكري الصادر عن وزارة الدفاع برقم 66 ذكرها كثير من الساسة الغربيين في مذكراتهم وروى تفاصيلها كثير من ضباط أركان الجيش السوري والمصري والأردني الذين عاصروا المرحلة .
ومن ذلك ما رواه سعد جمعة رئيس وزراء الأردن في حينها في كتابه (المؤامرة الكبرى ومعركة المصير) حيث قال :
" ظهر الخامس من حزيران اتصل سفير دولة كبرى في دمشق بمسؤول كبير ودعاه إلى منزله لأمر عاجل هام! وتم الاجتماع في الحال، فنقل السفير للمسؤول السوري نص برقية عاجلة من حكومته تؤكد أن سلاح الجو الإسرائيلي قد قضى قضاء مبرماً على سلاح الجو المصري، وأن المعركة بين العرب وإسرائيل قد اتضحت نتائجها وأن إسرائيل لا تنوي مهاجمة النظام السوري، وأن إسرائيل من قبل ومن بعد بلد (اشتراكي) يعطف على التجربة الاشتراكية البعثية (خاصة البعثية العلوية) ولذا فمصلحة سوريا مصلحة الحزب، ومكاسب الثورة أن تكتفي بمناوشات بسيطة لتكفل لنفسها السلامة، وذهب المسؤول السوري ليعرض ما سمعه لتوه على رفاق القيادة القطرية والقومية، وعاد الرسول السوري غير بعيد ليبلغ السفير استجابة الحزب والحكومة والقيادات لمضمون البرقية العاجلة وهكذا كان(1)
وشواهد هذا كثيرة كما قلنا في الكتب المعاصرة ومذكرات الزعماء.
وبقيام العلوية النصيرية بدورهم على يد زعيمهم وزير الدفاع، الذي عقد صفقة من جملتها تعهد من اليهود والدول الصليبية بتسليمه رئاسة الدولة وتمكين العلوية النصيرية من ملك سوريا(2)
وبكل وقاحة خرج وزير خارجية سوريا البعثي النصيري إبراهيم ماخوس ليعلن في خطابه : (ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق أو حتى حمص وحلب فهذه جميعاً أراضي يمكن تعويضها وأبنية يمكن إعادتها، أما إذا قضي على حزب البعث فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية، لا تنسوا أن الهدف الأول من الهجوم الإسرائيلي هو إسقاط الحكم التقدمي في سوريا، وكل من يطالب بتبديل حزب البعث فهو عميل لإسرائيل](3)
وعلى مر ثلاثة سنوات رتبت فصول المسرحية التي أعلنت بالحركة التصحيحية في شهر 10 عام 1970 بالانقلاب الأبيض الذي حمل حافظ أسد إلى رئاسة الجمهورية، وهكذا وصلت المسرحية إلى فصلها الأساسي، ولو أراد الباحث أن يتقصى تاريخ سوريا ولبنان والشام مع مسير أسد النصيرية من شهر 10 عام 1970 إلى شهر 6عام 2000 لتطلب منه ذلك مجلدات سوداء كثيرة يسود بها وجه تاريخ هذه المنطقة ولكن نكتفي بالمحطات من حصاد هذه الثلاثين سنة المرة ..
وهذه شهادة أحد أركان نظام سورية الذي كان للأسد فيه الكلمة الأولى فهو قائد الجيش وزير الدفاع وقائد الطيران والمتحكم الأول في القرار آنذاك يقول سامي الجندي في كتابه كسرة خبز، وسامي الجندي هذا كان وزيراً للإعلام وعضو القيادة القطرية ومن مؤسسي حزب السلطة وهو الذي اعترف أنه أرسل سفيراً إلى باريس في مهمة سلمية..
لم أُخفِ أبداً أن النظام في سورية يعد لهزيمة وليس لاسترداد فلسطين نعم .. نعم.. لم تكن هناك أية بادرة للنصر، ولا أعني أنه كان يعد لهزيمة نفسه وإنما لهزيمة العرب الآخرين، كي يبقى الثوري الوحيد سيد المناخ الثوري العربي (من كتاب سامي الجندي كسرة خبز)
ثم يتطرق الجندي إلى سبب اختياره للمهمة في باريس فيقول:
اختارني ماخوس وزير الخارجية السوري لهذه المهمة وهو لم يعدم الأشخاص ولا الوسيلة للاتصال بإسرائيل.. ثارت أقاويل في باريس نفسها عن أمين منظمة الحزب التابعة لدمشق وأنا (وهنا بيت القصيد) متأكد من اتصالات جرت عن طريق أكثر من دولة ثالثة وفي أكثر من عاصمة (اتصال مع إسرائيل) ... ولست بحاجة ـ بعد ذلك للقول إن إعلان سقوط القنيطرة ـ قبل أن يحصل السقوط ـ أمر يحار فيه كل تعليل يبنى على حسن النية. إن تداعي الأفكار البسيط يربط بين عدم وقف إطلاق النار والحدود سليمة والإلحاح بل الاستغاثة لوقفه بعد أن توغل الجيش الإسرائيلي في الجولان، إشارة هنا إلى أن اليهود عرضوا وقف النار قبل توغلهم فرفض العرض. ونتابع أقوال السيد سامي الجندي بهذا الصدد فهي مهمة كونها صادرة عن إنسان مسؤول ومهم في النظام الذي سلم الجولان.
وعندما نتتبع فصول معركة الجولان نجد أن العسكريين الذين قاوموا اليهود فعلوا ذلك دون أوامر أما الذين صدرت إليهم الأوامر فقد انسحبوا بناء على خطة.
ترى ما هي الخطة؟.. ونتابع.. فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون في باريس مندوب سورية جورج طعمة في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة (وذلك من خلال البلاغ 66 الصادر عن وزير الدفاع حافظ الأسد) الذي أعلن وصول قوات إسرائيل إلى مشارف دمشق بينما المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة يؤكد أن شيئاً من كل ذلك لم يحصل .
فلماذا يصدر الأسد البلاغ المشؤوم قبل وصول القوات الإسرائيلية إلى القنيطرة بيومين؟
ولماذا يطلب الانسحاب الكيفي من الجيش؟
ولماذا يقول اللواء أحمد سويداني رئيس الأركان عندما سئل عن هذا البلاغ إنني كمسؤول عن الجيش لم استشر في البلاغ الذي أعلن سقوط القنيطرة، لقد سمعته من الإذاعة كغيري.. ؟ ! ولقد عوقب سويداني بعد ذلك على هذا التصريح.!!!!
إن في طيات هذا الكلام كله الإجابة الشافية عن كنه خطة الانسحاب من دون قتال. إنها العمل على تحقيق نبوءة وحيد العين
وهذه شهادة إبراهيم ماخوس وزير الخارجية السورية آنذاك.
ماخوس وأمام عدد كبير من المسؤولين العرب رداً على قول أحد هؤلاء المسؤولين (إنها لفاجعة كبيرة ونحمد الله أن إحدى العواصم لم تمس). قال: وهل في ذلك غرابة لو حصل؟!.. إن الغريب في الأمر أن العواصم لم تسقط، وإننا من جهتنا كنا عاملين حسابنا على أن دمشق ستسقط.
نعم هكذا حسابهم وهكذا تخطيطهم لقيام دولة الأعور حسب نبوءة وحيد العين
ويتساءل المرء.. كيف يصدق هذا الكلام والأسد يقول في أحد تصريحاته قبل بدء المعركة ونقلته (الثورة السورية 20/5/67): إننا أخذنا بعين الاعتبار تدخل الأسطول الأمريكي السادس.. إن معرفتي لإمكانياتنا يجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشل .
إن هذا الكلام لا ينسجم إلا إذا رتبنا كل ما قرأناه آنفاً جنباً إلى جنب فنفهم منه نحن وغيرنا أن صاحب القرار في سورية آنذاك (الأسد على رأس ذلك القرار) كانت له ارتباطاته المسبقة التي جعلته يحرض على المعركة قبل وقوعها ثم ليتلكأ في دخولها ، ثم ليصدر البلاغ 66 بسقوط القنيطرة والانسحاب الكيفي تنفيذاً لارتباطاته المتفق عليها.. والمرتبة تماماً بحيث تبدأ بعد ذلك عملية العد التنازلي في العلاقة مع الكيان الصهيوني لتصل الأمور في النهاية إلى ما هي عليه الآن.. مدريد وأخواتها .
إعلان سقوط الجولان قبل 48 ساعة من إخلائها وفق الاتفاق النصيري الإسرائيلي:
في يوم السبت العاشر من حزيران سنة 1967 أعلن وزير الدفاع السوري حافظ أسد الساعة9.30 البلاغ العسكري رقم 66 وهذا نصه:
إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة وكان طيران العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى، وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل ، أن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن، كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد ستأخذ مراكزها في المعركة .
وفي اليوم نفسه الساعة 12.05 ظهراً أصدر وزير الدفاع الأسد البلاغ التالي: إن قتالاً عنيفاً لا يزال يدور داخل مدينة القنيطرة وعلى مشارفها. وأن القوات السورية مازالت حتى الآن تقاتل داخل المدينة وعلى مشارفها جنباً إلى جنب مع قوات الجيش الشعبي بكل ضراوة وصمود بحيث لم يتمكن العدو من السيطرة الكاملة على مدينة القنيطرة .(وهذا يناقض البلاغ السابق القائل بالسقوط) ذلك لكي يخدع الناس بأن المقاومة لازالت مستمرة وأنه لم يسلمها بموجب اتفاق. علماً أن كل ما أذيع من قتال في كل البلاغات لا أساس له من الصحة لأنها سلمت دون إطلاق رصاصة واحدة وأن كل من خالف قرار الانسحاب وقاوم حوكم على مخالفته الأوامر .
وفي يوم الأحد 11 حزيران 1967 أصدر وزير الدفاع السوري حافظ أسد بلاغاً جاء فيه خلال المعارك القاسية التي جرت بين قواتنا الباسلة وقوات الاستعمار الثلاثي حاول العدو اختراق خطوط دفاعنا أكثر من مرة بكل ما يملك من أسلحة وطيران متفوق وكانت قواتنا تصد تلك الهجمات المتكررة وتقصف مواقع العدو منزلة به الدمار مما يؤكد بشكل قاطع أن دول العدوان الثلاثي تساهم في المعركة وليس إسرائيل فقط وهم الآن يتمركزون في خط الدفاع الثاني الذي يبعد عن القنيطرة 40- 55 كم يعني على أبواب دمشق (عن سقوط الجولان صفحة 170) يقول الدكتور سامي الجندي أحد قادة البعث في كتابه كسرة خبز صفحة: 17 لست بحاجة إلى القول بأن سقوط القنيطرة قبل أن يحصل أمر يحار منه كل تعليل مبني على حسن النية .
ويقول: فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون مندوب سورية في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة وأن قوات إسرائيل وصلت إلى مشارف دمشق والمندوب الإسرائيلي يؤكد أن شيئاً من ذلك لم يحصل واعترف أمامي الدكتور ماخوس وزير الخارجية النصيري أن قضية سقوط القنيطرة كانت خطة مدبرة لكي يكسب تأييد الأمم المتحدة .
يقول الدكتور عبد الرحمن الأكتع وزير الصحة السوري آنذاك: كنت في جولة تفقدية في الجبهة وفي مدينة القنيطرة بالذات عند إذاعة بيان سقوط القنيطرة وظننت أن خطأً قد حدث فاتصلت بوزير الدفاع حافظ أسد وأخبرته أن القنيطرة لم تسقط ولم يقترب منها جندي واحد من العدو وأنا أتحدث من القنيطرة ودهشت حقاً حين راح وزير الدفاع يشتمني شتائم مقذعة ويهددني إن تحدثت بمثلها وتدخلت فيما لا يعنيني. فاعتذرت منه وعلمت أنها مؤامرة وعدت إلى دمشق في اليوم الثاني وقدمت استقالتي .
رواية الملك حسين: عقدت سورية مع مصر معاهدة دفاع مشترك قبل الحرب بأيام وحذت الأردن حذوها وبموجب هذه المعاهدة أصبح الفريق المصري عبد المنعم رياض قائداً للجبهة الأردنية السورية والفريق محمد فوزي رئيساً لأركان القيادة الموحدة. وانطلاقاً من هذه المهمة طلب عبد المنعم رياض من سوريا إمداد الأردن ببعض الألوية لأن سورية تستطيع حماية جبهتها بثلث قواتها يقول الملك حسين في تلك الليلة 4 حزيران استخدمنا خطوط المواصلات العسكرية في طلب الإمدادات من السوريين ولكنهم لزموا الصمت ومنذ الساعة التاسعة اتصلت قيادة العمليات بالسوريين فكان جوابهم أنهم بوغتوا بالأحداث وقمنا بطلبات متكررة لالتحاق طائرات الجيش السوري بطائرات الأردن فطلبوا إمهالهم ساعة فساعة وفي الساعة الحادية عشرة أقلعت الطائرات العراقية من قواعدها لتنضم إلى سلاحنا الجوي وتساهم بالمهمة المشتركة ويمكنني أن أوضح أن تأخر الطيران السوري في التدخل فوت علينا فرصة ذهبية كان يمكن أن ننتهزها لقلب الموقف لصالح العرب ولاستطعنا اعتراض القاذفات المعادية وهي في طريق عودتها إلى قواعدها بعد قصف القواعد المصرية وقد فرغت خزاناتها من الوقود وفقدت ذخيرتها وكان بإمكاننا مفاجأتها حتى وهي جاثمة في مطاراتها تملأ خزاناتها استعداداً لشن هجمات جديدة فلولا تأخر الطيران السوري لتبدلت نتائج المعركة وخط سيرها.
تصفية جماعة الحوارنة
لم ينس أسد تصريح سويداني أنه لا علم له بسقوط القنيطرة والآن تفرع أسد لسويداني ورفاقه .
قوي مركز النصيريين من جراء حملة التصفية للضباط السنة تاريخياً حيث لم يبق إلا مجموعة الحوارنة مجموعة أحمد سوياني التي كانت موالية لصلاح جديد) مع التنظيم الممدني ثم تصفية مجموعة الدروز عسكرياً ومدنياً وبدأت مجموعة الحوارنة تشعر بالقلق حيث أُكِلَ الثور الأبيض والأحمر ولم يبق إلا الأسود سود الله آخرتهم. وخلال الشهور الأولى من عام 1967 قدم قادة بعض الفروع والشعب والفرق استقالتهم من مهام وظائفهم الحزبية، رافضين الاشتراك في أية اجتماعات أو نشاطات حزبية أخرى، تعبيراً عن قلقهم تجاه التوترات الطائفية والإقليمية الجماعية المتداخلة في جهاز الحزب والقوات المسلحة وأيضاً إظهاراً لقلقهم تجاه سيطرة جماعات معينة –خاصة النصيريين- سواء كانت طائفية أو إقليمية أو عشائرية(4)
وقد تم التعبير ظاهراً عن هذه التوترات عندما هدد ثلاثة وزراء من محافظة حوران بتقديم استقالتهم من الحكومة السورية(5). وفي أعقاب هزيمة (حزيران) 1967 فقد بعض البعثيين المدنيين البارزين من حوران مراكزهم في قيادة الحزب والحكومة وفي 14 فبراير (شباط) 1968 تم إعفاء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش السوري – وهو من حوران وكان فيما سبق من أبرز أنصار صلاح جديد - من مهام منصبه في الجيش(6). وكان هذا يعني خلع الشخصية العسكرية الرئيسية المتبقية من حوران(7). وفي الواقع كان يعني هذا الإجراء تصفية أو تحييد البعثيين العسكريين والمدنيين الحورانيين من جهاز الحزب والجيش بوصفهم كتل قوى منفصلة، وهذا لم يكن يعني عدم وجود أي ضباط حورانيين بالجيش أو أن البعثيين الحورانيين قد حرموا من شغل مناصب عليا في جهاز الحزب، بل كان يعني نهاية دورهم كمجموعة قوة لها وزنها، ولم يمنحوا فيما بعد فرصة إعادة تجميع أنفسهم كجماعات ذات قوة في القوات المسلحة أو داخل الحزب.
تصفية الإسماعيليين:
وقبيل انعقاد المؤتمر القطري الاستثنائي بوقت قصير قام رفعت الأسد بمحاصرة مقر قيادة العقيد عبد الكريم الجندي (إسماعيلي) رئيس المخابرات العامة ورئيس الأمن الوطني وقام جماعة رفعت باختطاف عدد من مساعدي الجندي وأنصاره ومصادرة السيارات الخاصة بمكتبه، وقتلوا عبد الكريم الجندي وقالوا أنه انتحر(
وكذلك طورد أحمد المير ففر خارج سوريا وتم اعتقال الضباط الإسماعلييين الفاعلين وانتهى تأثيرهم كقوة.
تصفية جماعة صلاح جديد.
بعد ذلك، تجمع معظم الضباط البعثيين وأعضاء الحزب المدنيون، وكانوا في الغالب نصيريين أو إمعات تحمعوا حول صلاح جديد أو حافظ الأسد اللذين كانا أبرز السياسيين في سوريا حينذاك وكلاهما نصيري.
وبالرغم من أن جديد عمل على الطريقة الروسية والماوية فلم يتقلد مناصب عسكرية واكتفى بكونه الأمين العام القطري للحزب وأصبح هذا المنصب أكبر من منصب رئيس الدولة.
كم سيطر على جزء من القوات المسلحة عن طريق اتصالات جانبية شخصية مباشرة.
أما الأسد، وكونه كان في وضع أفضل من حيث القوة العسكرية فقد كان الأسد عضو اللجنة العسكرية منذ تأسيسها وقائداً القوات الجوية منذ عام 1964. ووضع قادة للقواعد والأسراب بمعيار الولاء له.
وبعد انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 أصبح وزيراً للدفاع وبعد الهزيمة العسكرية في حزيران (حزيران) 1967، أصبحت علاقاته بأمريكا ويهود أقوى فالتجأ إلى مصادر القرار والقوة في المنطقة.
وقد باتت الخلافات في الرأي بين جديد والأسد واضحة جلية في المؤتمرات القطرية والقومية التي عقدت بدمشق في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) 1968.
وقد فاز جديد وأنصاره بأغلبية ساحقة خلال المؤتمر وتمكنوا من جعل أفكارهم السياسية مقبولة ومعتمدة كمقررات رسمية لسياسة الحزب.
ولم يقبل الأسد نتائج مؤتمرات الحزب ورفض حضور اجتماعات أخرى للقيادة القطرية أو الاجتماعات المشتركة للقيادة القطرية السورية والقيادة القومية ولم يعد يعول على الحزب في شيء واعتمد على القوة العسكرية الداخلية والتحالف مع يهود وأمريما خارجياً فبالرغم من انتخابه في القيادة القطرية، إلا أنه في الواقع استقال من تلك المؤسسة وقد قرر إحكام سيطرته على القوات المسلحة عن طريق فصل الجهاز العسكري للحزب عن قيادة الحزب المدنية، كما أصدر أوامر بمنع أعضاء القيادة القطرية أو مسئولي الحزب المدنيين من زيارة ا, الاتصال بالقوات المسلحة.
وفي فبراير (شباط) 1969 عندما حاول أنصار جديد المسيطرون على فرع الحزب باللاذقية التخلص من تأثير الأسد أصدر حافظ الأسد أوامره باعتقال قيادة فرع الحزب باللاذقية واستبدال أعضائها بأنصاره كما فرضت الإقامة الجبرية على محافظ اللاذقية، وهو أيضاً في قيادة فرع الحزب المحلي، في 27 فبراير (شباط) 1969 ومُنع من دخول مكتبه أو المقر الرئيسي المحلي للحزب، وتم أيضاً الإغارة على مكاتب الحزب بطرطوس وقد أصدر الأسد تعليماته للمخابرات العسكرية بمختلف المحافظات بمنع أعضاء قيادة الحزب من الاتصال بالجهاز المدني لفروع الحزب، وذلك عن طريق تحذيرهم وتهديدهم بالاعتقال، وقد اتخذت أعنف الإجراءات في محافظتي اللاذقية وطرطوس وفي الواقع كانت هذه الإجراءات التي اتخذها الأسد في أواخر فبراير (شباط) 1969 أشبه ما تكون بانقلاب عسكري، ونتيجة لذلك فقدت القيادة القطرية السورية معظم قوتها، بغض النظر عن استمرارها رسمياً وتواجدها بمنصبها، وقد احتلت قوات الأسد مبنى إذاعة دمشق ومبنى إذاعة حلب، بالإضافة إلى مكاتب أكبر جريدتين سوريتين (تحت سيطرة البعث) وهما البعث والثورة، وتم فرض الرقابة العسكرية على نشرات الأخبار والتعليقات السياسية وجميع البرامج السياسية والثقافية والإعلامية(8)
وفي سبتمبر (أيلول) 1970 اتخذ قادة سوريا السياسيون قراراً في صالح التدخل العسكري في الحرب الأهلية في الأردن إلى جانب المنظمات الفدائية الفلسطينية التي كانت تحارب في ذلك الوقت معركة خاسرة ضد الجيش النظامي الأردني تحت قيادة الملك حسين، فتلقى الأسد الإشارة من أمريكا للقيام بانقلاب ضد جماعة جديد الذين أرادوا تأييد الفلسطينيين.
فأمر الأسد العسكريين بتاريخ 13/11/1970باحتلال مكاتب القسم المدني للحزب، وكذلك المنظمات الشعبية البعثية، بالإضافة إلى إلقاء القبض على أبرز قادة الحزب المدنيين، بمن فيهم صلاح جديد والرئيس نور الدين الأتاسي، وقد فر الكثير من أعضاء المؤتمر إلى لبنان بغية تفادي الاعتقال، واستمروا في معارضة النظام وأعلن في 16/11/ 1970 وبدأت الحقبة الأسدية المشؤومة وكل البعث وطوائف الردة شؤم.
إذن استولى حافظ أسد على الحكم بتاريخ 16/ 11/ 1970م ووضع أحمد الخطيب وهو معلم مدرسة رئيساً للجمهورية وليس بيده حل ولا ربط إنما هو واجهة سنية ريثما يتم جس النبض فلما وجده بالنزع الأخير تقدم في 1/ 3/ 1971م ورشح نفسه لرئاسة الجمهورية كمرشح وحيد وكانت نتيجة الانتخابات 99,99% وأصبح رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة وبذلك بدأت مرحلة النصيرية العلنية.
سرت همهمات داخل البلاد لأنه أول مرة يصبح رئيس الجمهورية غير سني وكما أصدر دستور للبلاد استبعدت منه مادة كانت تكرر في كل دساتير البلاد وهي (أن الإسلام دين رئيس للدولة) وإزاء هذا الواقع الجديد والذي تم فيه إبعاد السنة, والدروز, والإسماعيليين, وفرقة من النصيريين, وجد حافظ أسد نفسه بحاجة إلى حلفاء جدد يمكن أن يقضي بهم حاجته ولا يشكلون خطراً محتملاً عليه.
وفي عام 1975 دخل النصيريون إلى لبنان لإكمال مخطط الاستيلاء على المنطقة بالتنسيق مع يهود فسعوا في تخريب البلاد وسفك دماء العباد, وأبادوا المسلمين الفلسطينيين في تل الزعتر(9), تنفيذاً لأمر المطران الأكبر, وفي صبرا وشاتيلا آزروا الكتائب ويهود, وأمدوهم بسلاح وجنود. وهذا فعلهم على مر الزمان. فهل يتعظ أهل الإيمان.
وبدأ مسلسل جرائمهم الذي لم ينته إلى الآن فمنذ سنة1976-1983قاموا بحملات تصفية للمسلمين فقصفوا دمشق وحمص وحلب والدير ودرعا وإدلب, ودمروا مدينة حماه على سكانها, وهدموا المساجد على عُمَّارِها, وحفروا في تدمر الأخدود الشهير, وألقوا فيه بألف شاب أسير,وذبحوا المسلمين في طرابلس لبنان, بالتنسيق مع عبدة الصلبان
ثم هاهم الآن يعاودون الكرة نسأل الله الفرج والنصر عليهم إنه على كل شيء قدير.
[1] المؤامرة ومعركة المصير سعد جمعة ص49
[2] راجع كتاب سقوط الجولان خليل مصطفى
[3] مؤامرة الدويلات الطائفية – عبد الغني النواوي
[4] - نشرة المكتب التنظيمي للقيادة القطرية السورية لحزب البعث 19 مارس (آذار) 1967.
[5] - الوزراء الحورانيون الذين هددوا بتقديم استقالاتهم هم محمد الزعبي (سني) وصالح محاميد (سني) ومشهور زيتون (مسيحي). (الحياة، 12 مارس (آذار) 1967، 6 و7 إبريل (نيسان) 1967، الأحرار، 14 فبراير شباط 1967: الجديد، 17 مارس (آذار) 1967
[6] - البعث، 16 فبراير (شباط) 1968، الثورة، 17 فبراير (شباط) 1968،
[7] - تم تسريح موسى الزعبي ومصطفى الحاج علي من الجيش في 1966 وهما العضوان السنيان الحورانيان باللجنة العسكرية البعثية السابقة.
[8] - تعميم الأمين العام للقيادة القطرية السورية لحزب البعث إلى جهاز حزب البعث السوري، 28 فبراير(شباط) 1969.
[9] - تل الزعتر: مخيم للمهاجرين الفلسطينيين, أنشئ عام 1950, ويبلغ عدد سكانه 23000 إنسان, ومساحته 295 دونما.ً يقع في المنطقة الشمالية الشرقية من ضواحي بيروت, قامت القوات اللبنانية وهي ميليشيا مسلحة تابعة لحزب الكتائب الذي أسسه " بيار جميِّل " على أساس نصراني ليمثل القوة الضاربة لطائفة الموارنة المدعومة من فرنسا هي وسائر نصارى الشام, قاموا بالهجوم على " تل الزعتر " في 13/4/1975 فجأة ودون سبب, وقتلوا 23 رجلاُ كانوا في "حافلة" فاندلعت الحرب, وكان اليهود والنصارى والنصيريون يسعون إلى إخراج الفلسطينيين من لبنان وإبعادهم عن حدود فلسطين, ولما اندلعت الحرب قام الفلسطينيون وأبناء السنة في لبنان بمقاومة شديدة, ودارت الدائرة على النصارى, فما كان من سوريا إلا أن تدخلت لحماية النصارى تنفيذاً للاتفاقات المبرمة سابقاً, واستجابة لطلب أمريكي فرنسي, كما أمرت أمريكا وفرنسا دول الخليج بالإنفاق على القوات السورية, واستصدروا لذلك قراراً من جامعة الدول العربية التي لم تجتمع حتى الآن إلا على حرب الإسلام. ودخلت سوريا بـ 100000 جندي تحت اسم قوات الردع العربية, وأخذت من دول الخليج ما يكفي لكل جيشها, فبينما تصرف سوريا على الجندي "25 "دولاراً أخذت في مقابل ذلك "300" دولاراً, أي عن كل جندي ما تصرفه على 12 جندياً. وبهذا أمنت مصاريف كل جيشها الذي تحارب به الإسلام من دول الخليج وقرار الجامعة العربية. فتأمل كيد النصيرية. وعندما كانت قوات النصارى على وشك الهزيمة الساحقة عمدت القوات السورية إلى محاصرة تل الزعتر لمدة 52يوماً, وأسقطت فوق المخيم 70000 قذيفة دبابة ومدفعية, أي ما يعادل ثلاث قذائف لكل مخلوق داخل المخيم تقريباً, مما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة بل كبيرة جداً في الأرواح, وازدلف من بقي من السكان ليتابع القتال في مكان آخر, فدخلت القوات السورية الباسلة (في قتال المسلمين) المستخذية (في لقاء يهود) دخلت المخيم ومسحته بآلات الجرف ومحته من الوجود, ثم تابعت هجومها على الفلسطينيين, وأعادت السيطرة للقوات النصرانية. ولما دخل يهود إلى لبنان عام 1982م قامت القوات السورية بإفساح الطريق له ولم تطلق عليه طلقة واحدة على الرغم من أن يهود تحرشوا بالسوريين عدة مرات وأوقعوا بهم خسائر في الأنفس والعتاد, ولكن لسان حال القيادة السورية كان يردد " ضرب الحبيب زبيب وحجارته رمان ", وبعد احتلال يهود لبيروت والجنوب اللبناني وترك القوات السورية في الشرق اللبناني (البقاع) مع تواجد قليل قرب بيروت أمدت القوات السورية ميليشيا الكتائب بالسلاح والعتاد للهجوم على مخيمي " صبرا وشاتيلا ", وذبحوا 4000رجل وامرأة وطفل وهم نيام في مساكنهم, ثم تمَّ تنفيذ بقية المخطط وأجلي الفلسطينيون عن لبنان إلى تونس بالتنسيق مع ثلاثي الشر يهود, ونصارى, ونصيرية لتأمين حدود الدولة اليهودية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق