موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الخميس، 10 نوفمبر 2011

النصيرية النشأة والتاريخ(2)

النصيرية النشأة والتاريخ(2)

رضوان محمود نموس

النصيرية واستغلال الأحزاب العلمانية
وبالاتفاق مع فرنسا تم تشكيل أحزاب سياسية لتحكم البلد بعد رحيلها هذه الأحزاب هي : حزب البعث, الحزب العربي الاشتراكي, الحزب القومي السوري, وانخرط النصيريون في هذه الأحزاب إلى أن تولى البعث السلطة سنة 1963 وتمت عدة تصفيات انتهت بتولي النصيريون: وهذه أهم التصفيات التي أوصلت النصيرية للسلطة:
الطوائف المرتدة وحزب البعث
لقد تم تأسيس حزب البعث بدمشق عام 1940 على يد ميشيل عفلق وهو مسيحي من الروم الأرثوذكس وصلاح الدين البيطار وهو مسلم سنّي، وكلاهما كان يدرس في فرنسا وأعلنوا عن إيديلوجية للحزب قومية علملنية إشتراكية ورغم أن عفلق والبيطار من دمشق، إلا أن معظم أعضاء الحزب الأوائل كانوا من الأقليلت الدينية المرتدة (نصيريين – دروز – إسماعليين – قلة  ممن كان أجدادهم من المسلمين- بالإضافة إلى النصارى)
كذلك كانت تركيبة الحزب القومي السوري مع ملاحظة (أن النصيريين كانوا في هذا الحزب يشكلون أكثرية)

واعتمد نمو التنظيم بدرجة كبيرة على التكتلات الطائفية التي نمت وأصبح لها طموحات كبيرة بعد توثيق علائقها بالاحتلال الفرنسي الذي رتب لها كثيراً من شأنها قبل رحيله ووضع لها الخطط المستقبلية
ولخاصية حزب البعث غير الدينية و(العلمانية) كان مأوى لجميع الحاقدين على الإسلام الساعين في هدمه.
فنجد أن الأقليات الدينية كانت تميل لاعتبار القومية العربية مجرد قناع لضرب الإسلام والحقيقة أن هذه الأقليات لا تؤمن لا بدين ولا بقومية وممارساتها شاهدة على ذلك فالنصيريون مرتبطون بإيران الفارسية أكثر ألف مرة من ارتباطهم بالعرب وموقف بعث سوريا من الحرب العراقية الإيرانية وموقف إيران من الحركة الإسلامية في سوريا وتحالفها مع حكم يدعي القومية والاشتراكية أكبر دليل على أن هذه الأقليات لا تؤمن لا بدين ولا بقومية أما موقف الدروز فهو أسوأ فتعاملهم مع يهود علني وكثير من أبنا طائفتهم يعملون في جيش يهود وموقف دروز لبنان من اجتياح اليهود للبنان عام 1982 دليل إضافي أما النصارى في سائر الدول الإسلامية فهم رأس جسر للصليبية العالمية وولاءهم للغرب أكثر من ولائهم للبلاد العربية وموقف الكتائب في لبنان وتعاونها مع يهود والأقباط في مصر دليل على ذلك.
فلذلك كانت دعوى حزب البعث إقامة مجتمعاً عربياً علمانياً موحداً ذا نظام اشتراكي، أي مجتمعاً يتساوى فيه المرتد والخائن على قدم المساواة بل يمتاز على المسلم لأن المسلم الحقيقي لا يمكن أن يقبل بمبادئ العلمانية ومشتقاتها.
ولذا كان طبيعياً أن تستميل إيديولوجية حزب البعث أبناء الأقليات الدينية المتحدثين بالعربية بشدة، فهؤلاء أصبحوا يأملون في أن يساعدهم حزب البعث في تحقيق مخططاتهم الهادفة إلى تدمير الإسلام
وأخيراً، فإن أعضاء الأقليات لابد وقد جذبت انتباههم فكرة إمكانية التخلص من هيمنة الإسلام وذلك عن طريق تكوين نظام سياسي اشتراكي علماني كما يتخيله حزب البعث والأحزاب العلمانية الأخرى
إن حقيقة أن الكثير من البعثيين الأوائل كانوا من الأقليات وأبناء الريف قد شكلت فيما بعد عائقاً اجتماعياً أمام انضمام أبناء المدن والسنيين إلى البعث، وذلك بسبب التناقضات العقدية ولم ينتسب لحزب البعث من أبناء السنة إلا من باع دينه أو جاهل انتهازي وصولي يبحث عن حطام حتى ولو كان على حساب دينه وشرفه.
انقلابات حزب البعث في 8/ 3/ 1963 وحتى حرب 16/ 11/ 1970
في صبيحة يوم 8/ 3/ 1963 تحركت بعض قطعات الجيش من الجبهة إلى دمشق بقيادة العقيد محمد زياد الحريري وهو سني وحدوي, كما شارك في الانقلاب جماعة من الناصريين بقيادة العقيد راشد قطيني (سني) واللواء محمد الصوفي (سني)
وفي دمشق التحق به البعثيون مؤيدين وداعمين ومتسلقين التحقوا مدنيين وعسكريين وعزفوا على نغم الانقلابيين في تأييدهم للوحدة فأعلنت اللجنة العسكرية للحزب انضمامها للانقلاب واللجنة هي: محمد عمران (نصيري) صلاح جديد (نصيري) حافظ أسد (نصيري) عبد الكريم الجندي (إسماعيلي).أحمد المير (إسماعيلي) كما أعلن التحاقه كل من النقيب سليم حاطوم (درزي) حمد عبيد (درزي) عثمان كنعان (نصيري) سليم حداد (نصيري) مصطفى الحاج علي (سني). وكان يشرف على الملتحقين اللجنة العسكرية.
وشكل مجلساً لقيادة الثورة يضم النقيب محمد عمران الذي رفع استثنائياً إلى عقيد, والمقدم صلاح جديد الذي رفع إلى لواء, والعقيد راشد القطيني الذي رفع إلى لواء, وزياد الحريري الذي رفع إلى لواء, وموسى الزعبي. ومن المدنيين ميشيل عفلق الأمين العام للحزب (نصراني) وشبلي العيسمي (درزي) وصلاح البيطار (سني) وبلغ أعضاء هذا المجلس 16 عضواً, وعين اللواء لؤي الأتاسي رئيساً للجمهورية.
وكلفت قيادة الانقلاب صلاح البيطار بتشكيل الحكومة التي شكلت من 20 وزيراً, منهم عشرة بعثيين, وأصبحت القيادة على الشكل التالي:
لؤي الأتاسي: رئيساً للجمهورية, رئيساً لمجلس قيادة الثورة, قائداً للجيش.
راشد القطيني: نائب القائد العام للقوات المسلحة.
زياد الحريري: رئيساً للأركان.
أمين الحافظ (سني): استدعي من الأرجنتين حيث كان سفيراً هناك, وتسلم أمين الحافظ وزارة الداخلية والقائم بأعمال الحاكم العسكري وأدخل من الأحزاب التقدمية والاشتراكية الأخرى بقية الوزراء.
وذراً للرماد في العيون أعلنوا طلب الوحدة الثلاثية بين سوريا ومصر والعراق لإسكات الشعب والجيش الذي سكت عن الانقلابيين من أجل العودة إلى الوحدة.
بعد خمسة أيام من الانقلاب أي في 13/ 3/ 1963 صدرت نشرة عسكرية أخرجت من الجيش 104 ضباط وهم كبار ضباط الجيش ومعظمهم من الضباط المنتسبين للسنة تاريخياً
وبتاريخ 16/ 3/ 1963 صدرت نشرة أخرى سرح بموجبها 150 ضابطاً من السنة وهم قادة الكتائب ورؤساء عمليات الألوية.
وتتالت النشرات العسكرية بتسريح الضباط حتى وصل في 1/ 1/ 1967 أي قبل الحرب بخمسة أشهر مجموع الضباط المسرحين 2684 ضابطاً 5320 ضابط صف.غالبيتهم المطلقة من السنة وتم استدعاء ضباط احتياط (وهم ألئك الذين يحملون الشهادة الثانوية وخدموا في الجيش الخدمة الإلزامية وكان آنذاك يمنح مثل هؤلاء رتبة (مرشح) فإذا استدعي للاحتياط يكون برتبة ملازم ثم تم تثبيتهم في الجيش ليصبحوا ضباطاً عاملين كانت الغالبية المطلقة من هؤلاء من النصيريين والباقي نصارى , دروز, إسماعيليين,
تصفية الوحدويين
وجاء أوج احتكار البعثيين للسلطة في 18 يوليو (تموز) 1963 عندما قامت مجموعة معظمها من الضباط الناصريين السنيين تحت قيادة جاسم علوان بانقلاب فاشل. ومعظم الضباط الذين أخمدوا هذا الانقلاب مع إراقة الدماء كانوا ينتمون للنصيريين وهم سليمان حداد, سليمان العلي , عزت جديد, علي مصطفى. والذي أفشل الانقلاب غباء الضباط السنييين تاريخاً إذ أدخلوا معهم ضابطاً نصيرياً أفشى أمر الانقلاب وهو الضابط النصيري محمد نبهان وكأنه (بما يبدو ملائماً لهم؟) "في الواقع" قد سعى فقط لخدمة مصالح رفاق عقيدته من البعثيين. وذلك عن طريق حث الضباط الناصريين على القيام بانقلاب داخلي. وربما قام الضباط البعثيون بعد ذلك بانتهاز الفرصة السانحة لتصفية وإزاحة بقية الضباط الناصريين
ففي 18/ 7/ 1963 استغل أمين الحافظ سفر صلاح البيطار وزياد الحريري إلى الجزائر وسرح 70 ضابطاً من السنة الموالين لزياد الحريري. في نفس اليوم قامت محاولة انقلاب فاشلة بقيادة جاسم علوان وألقي القبض على الانقلابيين وحكم عليهم بالإعدام. كما منع الحريري وراشد فطيني من العودة للبلاد.
وتم تسريح مجموعة كبيرة من الضباط السنة وخاصة أصحاب الميول الوحدوية والناصرية.
في 27/ 7/ 1963 قدم لؤي الأتاسي استقالته اعتراضاً على الأحكام القاسية فاستغل أمين حافظ الفرصة وتسلم قيادة الجيش وقيادة مجلس الثورة ورئاسة الأركان ووزارة الدفاع وكان مقدماً فرفع إلى لواء ثم إلى فريق بسرعة صاروخية.
كان يطلق على أمين الحافظ في سوريا آنذاك (أبو عبدو الجحش) -وكما يقول اليهود إنهم سيستخدمون النصارى حميراً لنقل حجارة الهيكل- استخدم النصيريون أبو عبدو الجحش لتدمير بقايا السنة في الجيش وبعدها ركلوه كما يركل أي حمار بعد انتهاء مهمته.
بروز الطائفية وخاصة النصيرية
لقد كان عدد أعضاء حزب البعث المدنيين يقل كثيراً عن ما يكفي للمهمة حوالي (400) عضو
لذا، قرر المكتب التنظيمي لقطاع الحزب المدني السوري المشكل حديثاً زيادة أعضاء الحزب المدنيين بدرجة كبيرة وأصدر قراراً في هذا الشأن بترقية "أنصار" الحزب فوراً لمرتبة "عضو عامل"
فسارع النصيريون والدروز والإسماعيليين والنصارى لضم أقاربهم وأبناء طوائفهم ليشكلوا مراكز قوى تمكنهم من تنفيذ تطلعاتهم الطائفية
ونتيجة لذلك تكون عدد من الكتل الحزبية ارتبط أعضاؤها ببعضهم البعض عن طريق خلفية إقليمية أو طائفية مشتركة أكثر من كونها مبادئ عقائدية.
وقد كان لهذا آثار خطيرة فيما بعد على الصراع على السلطة في تنظيمات حزب البعث المدنية والعسكرية، حيث إن هذا قد أضعف الانضباط الحزبي، وقوى الولاء الطائفي
ذكر تقرير تنظيمي مقدم إلى المؤتمر القطري السوري الثاني لحزب البعث المنعقد في مارس (آذار) وإبريل (نيسان) 1965 في (ص 41-42) أن عدد أعضاء فرع حزب محافظة اللاذقية على وجه الخصوص فاق بكثير عدد الفروع الأخرى وقد أثار هذا الأمر الشكوك حول ما إذا كان قادة الحزب باللاذقية قد طبقوا لوائح الحزب المتعلقة بقبول أو تصفية الأعضاء كما حدث في مناطق أخرى وحيث إن القيادة العليا لتنظيم حزب البعث العسكري كانت أساساً في أيدي ضباط نصيريين من منطقة اللاذقية، فإنه مما لا يدعو إلى الدهشة أن يكون فرع الحزب المدني قد نما بهذه الصورة الكبيرة في هذه المنطقة.
هذا، وقد حاول العديد من قادة التنظيم العسكري للحزب أن ينظموا فصائل حزبية مدنية خاصة بهم عن طريق شغل الجهاز الحزبي المدني بأنصارهم، وذلك لكي يحصلوا على مراكز أقوى من منافسيهم العسكريين داخل إطار الحزب. ومن ناحية أخرى حاول العديد من أعضاء الحزب المدنيين الحصول على تأييد فصائل عسكرية للحزب تابعة لهم عن طريق استغلال المنافسات بين العسكريين البعثيين وعن طريق تحريضهم الواحد ضد الآخر وبعد استيلاء البعث على السلطة عام 1963 تكونت المجموعات المعنية بالصراع على السلطة من ائتلافات عسكرية دائمة التغير ومن بعثيين مدنيين حاولوا باستمرار استغلال بعضهم البعض بغية توطيد سلطتهم وإزاحة معارضيهم عن المسرح السياسي في آن واحد. فكانت معايير القبول طائفية بحتة ولا علاقة لها بالحزب وإيديولجيته.
وما لبث أن ازداد عدد أعضاء الأقليات في سلك الضباط السوريين مرة أخرى على حساب السنيين. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن القادة البعثيين العسكريين الذين شاركوا في الانقلاب قاموا باستدعاء العديد من الضباط وضباط الصف الذين تربطهم بهم أواصر عائلية أو عشائرية أو إقليمية لتعضيد مراكزهم الجديدة التي حصلوا عليها على وجه السرعة(1)
 وكان معظم العسكريين الذين تم استدعاؤهم بهذه الطريقة ينتمون إلى الأقليات وخاصة النصيريين والدروز والإسماعيليين، ولم يكن الأمر مثيراً للدهشة حيث إن معظم أعضاء اللجنة العسكرية البعثية المشرفة على نشاطات التنظيم العسكري كانوا من أعضاء الأقليات.
إن القيادة العليا للجنة العسكرية البعثية تكونت في البدء من خمسة ضباط من بينهم ثلاثة نصيريين وهم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وإسماعيليان وهما عبد الكريم الجندي وأحمد المير، وعندما توسعت اللجنة العسكرية فيما بعد لتشمل 15 عضواً أصبح تشكيلها كالآتي: خمسة من النصيريين وهم محمد عمران من المخرم (حمص) وصلاح جديد من دوير بعبدا (اللاذقية) وحافظ الأسد من القرداحة (اللاذقية) وعثمان كنعان من منطقة الإسكندرون وسليمان حداد، وإسماعيليان وهما عبد الكريم الجندي من السلمية (حماة) وأحمد المير من مصياف (حماة) ودرزيان من جبل الدروز وهما سليم حاطوم من ذيبين وحمد عبيد وستة من السنيين منهم ثلاثة من حوران وهم موسى الزعبي ومصطفى الحاج علي وأحمد سويداني واثنان من حلب وهما أمين الحافظ وحسين ملحم وواحد من اللاذقية وهو محمد رباح الطويل، وكان لمعظم أعضاء اللجنة العسكرية(2)
. وطبقاً لأحد التقارير فإن الكثير من النصيريين كانوا ضمن هؤلاء الضباط الذين كان عليهم شغل فراغات الجيش بعد تصفية القوى السياسية المعارضة عقب انقلاب 8 مارس (آذار) 1963 مباشرة. ولقد تم استبدال نحو نصف عدد الضباط المسرحين بنصيريين.
وقد شغل جديد منصب رئيس أركان الجيش السوري فيما بين أغسطس (آب) 1963 وسبتمبر (أيلول) 1965، وأصبح الأسد قائداً للقوات الجوية السورية، أما عمران وهو الأكبر سناً بين الثلاثة فقد رأس اللواء سبعين المدرع المتمركز جنوب دمشق والذي كان مقرراً أن يكون العمود الفقري لتنظيم البعث العسكري لبعض الوقت في المستقبل. كما تسلم وزارة الدفاع وقد استطاع قادة اللجنة العسكرية النصيريون الثلاثة أن يلعبوا دوراً عظيماً من خلال هذه المراكز العسكرية في "التحويل البعثي" الذي طرأ على القوات المسلحة السورية في الفترة التي تلت 8 مارس (آذار) 1963.
لقد استطاع قادة اللجنة العسكرية أن يعززوا على وجه السرعة مراكز القوى الجديدة التي تحصلوا عليها. ويرجع الفضل في ذلك للتنظيم والتخطيط الكفء ولجميع العسكريين الذين ساندوهم لدى استدعائهم. وقد نجحوا خلال أشهر قليلة في إزاحة أهم معارضيهم العسكريين من الناصريين والوحدويين المستقلين الذين كانوا مرة أخرى –سواء كان الأمر مصادفة أم لا –في الغالبية سنيين وهم الوحدويان المستقلان لؤي الأتاسي وزياد الحريري، والناصريون محمد الصوفي وراشد القطيني وفواز محارب، والذين كانوا أعضاء في المجلس الوطني لقيادة الثورة بصفته السلطة العليا للدولة عقب انقلاب 8 مارس (آذار) 1963 وأيضاً جاسم علوان ومحمد جراح وهما ضابطان ناصريان بارزان، جميع هؤلاء الضباط كانوا سنيين.
وطبقاً لما ذكره الدكتور منيف الرزاز، الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث في عام 1965 و1966:
فإن روائح التكتيل الطائفي المقصود بدأت تفوح، وبدأ الحديث عنها، أول الأمر همساً، ثم بدأت الأصوات في الارتفاع حين ظهرت بوادر مادية تسند الاتهام (بأن في صراعهم على السلطة استغل العسكريون الروابط الطائفية بشكل يهدف للتسبب في نتائج سلبية للسنيين بالذات)(3)
وهكذا طُبقت المعايير الطائفية في تسريح الضباط وضباط الصف الذين دعوا إلى الخدمة في أوائل انقلاب 8 مارس (آذار) 1963ولقد تأثر العسكريون السنيون بالذات من جراء هذه التسريحات إلى حد كبير.
إضافة إلى ذلك فأن السنيين قد عانوا من التمييز لدى تقدمهم للالتحاق بالكلية العسكرية ومراكز التدريب الأخرى(4) وتكرر الأمر لدى السماح لأشخاص عسكريين جدد بالانضمام لتنظيم حزب البعث العسكري أو لدى تجنيد أعضاء جدد بالجيش أو الشعبة السياسية أو المخابرات أو مؤسسات السلطة البعثية، بينما كان يحظى النصيريون والدروز والإسماعيليون والمسيحيون (الروم الأرثوذكس) بتمييز إيجابي في المعاملة في الكثير من الحالات(5)
وقد بدا تمييز مشابه لغير صالح العسكريين السنيين في حركة تنقلات الضباط داخل القوات المسلحة، فالضباط "الموثوقون" نظراً لروابطهم الطائفية المشتركة مع القادة العسكريين الذين ينحدرون من مجموعات الأقليات عادة ما كانوا يُكَتَّلون في قطاعات الجيش الهامة سياسياً واستراتيجياً القريبة من دمشق بينما يُستبعد "غير الموثوقين" على نفس الأساس أو الذين كان من المحتمل أن يكونوا "غير موثوقين" لكونهم سنيين، فكثيراً ما كانوا يُنقلون للجبهة السورية الإسرائيلية ...وكذلك  الأمر في الأسلحة المدرعة(6)
وقد أدت سياسة التنقلات العسكرية ذات المسحة الطائفية داخل وحدات الجيش المتمركزة حول دمشق إلى أن تكون السيطرة لأعضاء الأقليات بينما كان الضباط المنتسبين للسنة تاريخياً في الجبهة مع العدو(7)
ولم تقتصر الروابط الطائفية على القيام بدور هام في تعيين الضباط في المراكز العسكرية العليا، بل أيضاً في المستويات الدنيا، فقد تشكلت بعض الوحدات المسلحة أساساً من أعضاء النصيريين (سرايا الدفاع , سرايا الصراع, الحرس الجمهوري) وكتائب الدبابات كتلك التابعة للواء السبعين المتمركز بالقرى من الكسوة جنوب دمشق، كان معظم طواقمها من النصيريين، وعندما يكون هناك ضباط سنة من الممكن أن تتلاشى سلطة هؤلاء القادة السنيين على الطواقم النصيرية إلى الصفر بكل سهولة لدى إعطاء الضباط النصيريين العاملين في الوحدات المسلحة الأخرى تعليماتهم لأقرانهم في العقيدة بعدم تنفيذ الأوامر، وهكذا استطاع بعض الضباط أن يمارسوا سيطرة قوية على جزء أكبر بكثير مما هو مخوّل لهم رسمياً، طبقاً لبنية القيادة العسكرية الرسمية بالقوات المسلحة السورية.
وقد تم التعبير بوضوح عن مثل هذه "الاتصالات الجانبية" المحظورة في كلمات اللواء محمد عمران النصيري الذي أعلن في أوائل عام 1966 خلال أحد اجتماعات الحزب أن:
محمود حمرا (وهو ضابط سني من حماة) لا يستطيع قيادة كتيبة (في اللواء السبعين المدرع) لأن 70% من صف الضباط في الكتيبة يقودهم علي مصطفى (وهو ضابط نصيري مؤيد لمحمد عمران وقائد كتيبة في نفس اللواء) وكذلك بالنسبة لكل من محمد الحاج رحمون (سني) وكاسر محمود (نصيري)
ويبدو أن تعيين ضباط سنيين في مراكز عسكرية عليا كان أحياناً يُقصد به في المقام الأول إرضاء رفاقهم السنيين بالجيش وتقليل عدم ثقتهم في العسكريين المنتمين لأقليات دينية، وقد ساعدت تعيينات كهذه على إبطال الانطباع السائد بأن المراكز القيادية في القوات المسلحة كانت مشغولة أساساً بأعضاء طوائف دينية معينة، بيد أن شغل وظيفة عسكرية عليا لم يكن يعني بالضرورة التمتع بسلطة مستقلة وعلى هذا الأساس تم تعيين مصطفى طلاس وأمه نصيرية وكان يهتم بأخبار الراقصات أكثر من اهتمامه بأخبار تطور الدبابات والصواريخ كما كان اهتمامه بفن الطبخ أكثر من فن الاستراتيجية والتكتيك.
لقد أدت الممارسات الطائفية المذكورة أعلاه إلى ارتباط علاقات السلطة إلى حد كبير داخل القوات المسلحة السورية بالتحالفات الطائفية والشخصية وهكذا ففي عام 1965 حظي رئيس أركان الجيش السوري، اللواء صلاح جديد النصيري، بتأييد كل الضباط النصيريين
وأراد محمد عمران تشكيل حلف قوي يعتمد على الطوائف الثلاث (النصيريون, الدروز, الإسماعيليون) فقال عمران: "أن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها(7) كما يبدو بغية أن يلعب الضباط المسلمون غير السنيين (أي النصيريون والدروز والإسماعيليون باعتبارهم "فاطميين") دوراً على أسس طائفية ضد أبرز منافسيه، الرئيس السني تاريخياً والقائد الأعلى للقوات المسلحة السورية أمين الحافظ.
وفي النصف الثاني من عام 1965 سعت القيادة القومية للحد من تأزم الوضع الطائفي فأعلنت ضرورة عودة الانضباط العسكري للجيش، وذكر بيان داخلي موجه للعسكريين ما يلي:
إن القيادة القومية تشجب التصفية وستحمى الرفاق جميعاً من أية محاولة تستهدف هذا الغرض ولكنها في نفس الوقت لا تسمح "باستملاك" قطعات من الجيش وتحويلها إلى كتل شخصية.
ستكون القيادة القومية ضد كل ولاء غير الولاء للحزب. فهي ضد الطائفية والطرح الطائفي وضد الولاء الشخصي. وضد التكتلات العشائرية وهي لا تعرف ولاء إلا للحزب. القيادة القومية مع رئيس الوزراء ووزير الدفاع هي المرجع في المرحلة الحاضرة في حل مشكلة الجيش، وإبعاده عن التدخل في السياسة وشؤون الحكم وفي إعادته لعسكريته. على القيادة القومية مع رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن تجري التنقلات العسكرية الكفيلة بإزالة حالة التوتر والقلق والتدخل(8)
الإطاحة بأمين الحافظ وبقية المنسبين للسنة تاريخياً
وفي 23 فبراير (شباط) 1966 تمت الإطاحة بالرئيس أمين الحافظ ومعارضي جديد الآخرين بالقيادة القومية عن طريق انقلاب عسكري تم تنفيذه ولعب فيه سليم حاطوم دوراً رئيسياً وهو الذي قاد الانقلاب واعتقل أمين الحافظ وساهم معه عزت جديد.
علماً أن أمين الحافظ كان يعتقد أن حاطوم حليفه بل من رجاله وهذا دليل غباء من أمين الحافظ ومن كل من يثق بالطوائف المرتدة.
وقد احتشدت على الفور الوحدات المسلحة المتمركزة حول دمشق والواقعة تحت سيطرة الضباط النصيريين والدروز وراء الانقلاب. لم يبق أمين الحافظ بجواره من يمكن أن يدافع عنه رغم التحذيرات من كثير من الناصحين.
وحقيقة أن وحدات الجيش المتمركزة حول دمشق مباشرة أبدت القليل من المقاومة تجاه الانقلاب هي نتيجة للتكتيكات السابق ذكرها الخاصة بأعضاء الأقليات بالقيادة العسكرية السورية: ضباط "موثوقون" بناء على خلفيات طائفية، نظراً لانحدارهم من طوائف أقليات دينية واحدة. تمركزوا بالقرب من دمشق، بينما أولئك "غير الموثوقين" لأسباب مشابهة لكونهم سنيين تمركزوا بالقرب من الجبهة مع العدو اليهودي.
وأسفر الانقلاب الجديد عن تصفية غالب الضباط السنيين تاريخياً .
وقد نتج عن هذا ازدياد تمثيل أعضاء النصارى والطوائف المرتدة.

تصفية الضباط الدروز  
ومن الملفت للأنظار أنه في نهاية المؤتمر القطري الاستثنائي لم يتم إعادة انتخاب اثنين من أبرز وأهم الضباط الدروز بالتنظيم العسكري في القيادة القطرية الجديدة، وهما حمد عبيد وسليم حاطوم، اللذان كانا من أعضاء القيادة القطرية السورية المؤقتة التي تقلدت زمام الحكم رسمياً في 23 فبراير (شباط) 1966.
لقد فقد حمد عبيد مركزه البارز في الحزب (وفي الجيش) نتيجة الموقف الذي اتخذه بعد فترة وجيزة من انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966 وكان عبيداً وزيراً للدفاع بوزارة الدكتور يوسف زعين التي استقالت في 22 ديسمبر (كانون الأول) 1965 اثر حل القيادة القطرية السورية، واعتقد أن لديه الحق في استعادة مركزه السابق بالحكومة كمكافأة لدعمه لجديد ضد الحافظ من سبتمبر (أيلول) 1965، عندما عين لأول مرة وزيراً للدفاع إضافة إلى أن الحافظ والقيادة القومية قد تم الإطاحة بهما الآن. ومع افتقاد عبيد لمؤهلات القيادة
وأصيب سليم حاطوم بخيبة كبيرة جداً فلقد كان من أول المنضمين لانقلاب 8/3/1963 وكان يعتبر نفسه حامي الانقلاب بكتيبته (كتيبة المغاوير) وكان يظهر أنه حليفاً لأمين الحافظ وخانه فعلاً لصالح صلاح جديد. ومع كل هذه الإنجازات بنظره لم يحظ بموقع عسكري أو قيادي هام وكذلك رفاقه من الطائفة الدرزية.  فبدأ بتشكيل تنظيماً درزياً بحتاً للانقضاض على الحكم, حيث كانت غالبية الضباط الصغار من جبل الدروز وكانوا في معظم الحالات أعضاء بطائفة الدروز. وبالإضافة إلى بعض الضباط الدروز البارزين انضم إليه المقدم طلال أبو عسلي الدرزي قائد الجبهة مع إسرائيل, والعقيد حمد عبيد الدرزي الذي كان قائد قوات الحرس القومي, وقرر المكتب العسكري الذي كان بقيادة فهد الشاعر الدرزي التعاون مع حاطوم, وفي القطاع المدني اتصل حاطوم بأعضاء ما يسمى بجماعة الشوفيين والتي كانت تتشكل أساساً من الدروز، وجماعة الشوفيين هذه (والتي تعرف أيضاً في نشرات حزب البعث بالمنشقين) كانت إحدى جماعات حزب البعث السوري تحت قيادة حمود الشوفي (درزي من السويداء) الذي شغل منصب الأمين العام للقيادة القطرية السورية في الفترة من سبتمبر (أيلول) 1963 حتى فبراير (شباط) 1964 ولعب فيها دوراً هاماً في إعادة بناء الجهاز المدني لحزب البعث في سوريا. وقد تمتعت جماعة الشوفيين باتجاهات أيديولوجية قوية، وبالذات الأفكار الماركسية، كما كان لها العديد من الأتباع في الكثير من فروع الحزب السورية. بيد أن أتباع تلك الجماعة كانوا أكثر عدداً من فرع الحزب بمنطقة مسقطة رأس حاطوم : جبل الدروز، إن موقفهم المتسم بالنقد تجاه معظم قادة اللجنة العسكرية قد أدى إلى تصفية بعض أعضاء جماعة الشوفيين البارزين (بمن فيهم حمود الشوفي) من حزب البعث في 1964 و 1965(13). وفي عام 1966 كان هناك لا يزال بعض أنصار الجماعة داخل جهاز حزب البعث بالنظام الجديد، حيث قام سليم حاطوم بتمثيلهم لحد ما في الجيش(9). ويرجع تاريخ علاقة حاطوم بجماعة الشوفيين إلى عام 1963 عندما أخذوا يفقدون السلطة داخل الحزب واختاروا حاطوم كي يكون قائدهم العسكري(10). كذلك انضم إليه جميل شيا عضو قيادة قطرية (درزي)
في 10 أغسطس (أب) 1966. حدث أن اكتشفت القيادة القطرية السورية بطريق الصدفة خطط الانقلاب المدبر من قبل القيادة القومية المخلوعة وسليم حاطوم، وتمكنت تدريجياً خلال بقية الشهر معرفة أسماء الأشخاص الآخرين المتورطين في الانقلاب المدبر.
اكتشف أمر التنظيم فذهب رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي والأمين العام للحزب صلاح جديد وبعض أفراد القيادة إلى السويداء للتفاهم مع الدروز فاستغل سليم حاطوم الفرصة واعتقلهم وبدأ يفاوض وزير الدفاع حفاظ الأسد, وهو أعلى سلطة بعد اعتقال الأتاسي وجديد, ولكن الحكومة ووزارة الدفاع رفضت المفاوضة وأعلنت أنه إذا لم يطلق سراح أعضاء القيادة سيتم قصف مدينة السويداء والدروز بالطيران والمدفعية  والدبابات ففشلت حركة حاطوم وفر هو وأعوانه إلى الأردن.
وصد بعدها نشرة عسكرية صفي بموجبها غالب ضباط الدروز الفاعلين. وبهذه الحركة تم تصفية الوجود الدرزي من الحكم, كما كان قد تم تصفية الوجود السني إلا مجموعة ضباط الحوارنة أي إقليم حوران.
تلا إنقلاب حاطوم الفاشل محاكمات عسكرية حكم فيها على خمسة من الضباط الدروز بالإعدام غيابياً, وهم:
1-  فهد الشاعر.
2- سليم حاطوم.
3- طلال أبو عسلي.
4- عبد الرحيم بطحيش.
5- فواز أبو ناضل.
ونتيجة لخيبة أمل الدروز وفشلهم واعتقاداتهم الباطلة اندفع الدروز بشكل أكبر للتعاون مع اليهود والتجسس على البلاد مما كان له أثر سلبي في الحرب مع اليهود

[1] - منيف الرزاز، التجربة المرّة ص 158-159.
[2] - انظر محمد عمران، تجربتي في الثورة ص 18، 19 منيف الرزاز، التجربة المرّة ص 87، سامي الجندي، البعث، ص85، محمد إبراهيم العلي، الغجرية (المرابي 5) دمشق 1995 ص 275-294.
  [3] - منيف الرزاز، التجربة المرة، ص 159.
  [4] - مطاع الصفدي. حزب البعث. ص339-340.
  [5] - منيف الرزاز، التجربة المرة، ص 159. انظر فؤاد الأطرش، الدروز، مؤامرات وتاريخ وحقائق، ص 373، مطاع الصفدي، حزب البعث، ص 338-339
  [6] - منيف الرزاز، التجربة المرة، ص 159
  [7] - التقرير الوثائقي ص 64 وانظر الصراع على السلطة في سوري انيقولاي فان دام ص71
  [8] - حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القومية، نشرة إلى الرفاق العسكريين رقم1 يناير (كانون الثاني) 1966.
 [9] - مقابلة مع منيف الرزاز. عمان، 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1974. التقرير التنظيمي 1965، ص 37-39، المناضل، رقم 9 منتصف سبتمبر (أيلول) 1966.
 [10] - سامي الجندي، البعث، ص 149. كما أن حمد عبيد تعاطف لبعض الوقت مع جماعة الشوفيين. (مقبلة مع أمين الحافظ، بغداد 12 سبتمبر (أيلول) 1972


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.