تقدمية ورجعية (4)
رضوان محمود نموس
- يا أبا الهيجاء إن عجبي لا ينتهي من هؤلاء الذين وضعوا مناهج التاريخ للدراسة الإعدادية والثانوية في بلادنا.
- ومن أي شيء تعجب؟
- يا أخي وضعوا في السنة الأولى تاريخ شعوب وأقوام لا ندري على وجه التحقيق هل كانوا موجودين فعلاً أم لا، وعلى أي الحالين ماذا يهمنا أن نعلم عن البابليين والكنعانيين والفينيقيين واللخميين والحثيين واليبوسيين والأموريين والجرجانيين والحويين والفرزيين والعرقيين والأرواديين والصحاريين والحماثيين والسامريين والعموريين والكلدانيين واللحيانيين والصفائيين والصاويين والهكسوس والبطالسة والفراعنة، ويعدون لك ثلاثين أسرة ومملكة طيبة وتحتمس ورمسيس وتوت عنخ آمون إلى آخر ما هنالك من هرطقات، ابتداء من ملحمة جلجامش إلى فانون حمورابي
- والله إنني أكبر فيك قوة الذاكرة والقدرة على التحمل وقراءة أسماء وأخبار أفضل منها قراءة قصة الزير سالم وعنترة بن شداد وتغريبة بني هلال.
وماذا في مناهج السنين الأخرى؟
- السنة الثانية: الثورة الأمريكية وجورج واشنطن وابراهام لنكولن وحرب التوحيد الأمريكية.
- وليست حرب إبادة سكان أمريكا الأصليين؟!
- لا سموها حرب التوحيد.
- وماذا غير ذلك؟!
- ثم الثورة الإيطالية وكافور مفكر الثورة وغاليبالدي ساعد الثورة، ثم الثورة الفرنسية ودانتي وروبسبير وإعلان حقوق الإنسان وهدم الباستيل وإعلان الإخاء والمحبة والمساواة، وانتشار نور العلم.
- لماذا لا يسمون الأشياء بمسمياتها ويقولون قيام الماسونية العالمية؟!
- كما أخبرتني سابقاً أن التضليل مقوم رئيسي من مقومات التقدميين.
- وغير ذلك؟!
- وفي السنة الثالثة الاستعمار العثماني وقيام الأبطال الميامين بالنهضة القومية العربية مثل الزهاوي والكواكبي ونصارى بلاد الشام وبيع البلاد وانتهاءً بالثورة على المستعمر التركي بقيادة الجنرالات كلوب باشا واللنبي الإنجليز، وغورو الفرنسي.
- ولكن من كان قائد القوات المشتركة؟
- يقولون والعهدة عليهم أن القائد العام للقوات هو الشريف حسين، وقائد القوات المشتركة ومسرح العمليات فيصل بن الحسين.
- يعني إن مسرحية شوارزكوف وخالد بن سلطان ليست هي الأولى ولكنها مسبوقة بمسرحية مماثلة.
- يبدو هذا وكما يقولون (التاريخ يعيد نفسه)
-ومن أي شيء تعجب؟!
-أعجب من كل ما ذكرت وما هي الفائدة المرجوة للجيل إذا عرف جلجامش وتوت عنخ آمون وتحتمس ورمسيس، والهكسوس والأنباط ومملكة الزّباء، وزنوبيا وكيلوبترا.
- هنا بيت القصيد هم يريدون أن يقطعوا الصلة بين الأجيال المسلمة وأجدادهم وأمجادهم، بين المسلمين وأبيهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، بينهم وبين الصحابة والقادة الفاتحين رضي الله عنهم أجمعين، ثم يربطوهم بالتراث الكفري الشعوبي القومي القبلي، أي شيء غير الإسلام.
- إذن القضية عمليات حربية تكتيكية ضمن الحرب الاستراتيجية الشاملة على الإسلام.
- أصبت كبد الهدف وأراك اليوم تتكلم باللهجة العسكرية أكثر من لغة الأساتذة.
-لأنني شعرت أننا في معركة.
- نعم هي معركة، معركة حقيقية بين المسلمين وأهل الردة (العلمانيون) الذين يسيرون بتوجيهات المستشرقين.
- وأي علاقة للاستشراق؟
- إن (دنلوب) الإنجليزي عينه كرومر مستشاراً لوزارة المعارف المصرية، وهو الذي وضع مناهج التاريخ وعن مصر نقلت بقية الدول، ومستشار ألماني وآخر فرنسي وضعوا مناهج لسوريا والعراق، ونقلت بعض الدول الأخرى عنهم.
وكما يقول أحد المستشرقين: (إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا الأرض لاستخراج حضارات ما قبل الإسلام ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وتلك الحضارات)([1])
- وهل يمكن للاستشراق تحقيق ذلك؟
- لقد حققوا أكثر من ذلك، فهذا أحمد شوقي لو راجعت ديوانه لوجدت ربع الديوان على الأقل في مدح الفراعنة.
فيقول مثلاً في توت عنخ آمون قصيدة من 81 بيتاً مطلعها:
قفي يا أخت يوشع خبرينا **** أحاديث القرون العابرينا
ويقول فيها عن الفراعنة:
فكانوا الشهب حين الأرض ليل **** وحين الناس كانوا مضللينا
ملوك الدهر بالوادي أقاموا **** على وادي الملوك محجبينا
خليليَّ اهبطا الوادي وميلا **** إلى غرف الشموس الغاربينا
وسيرا في محاجرهم رويداً **** وطوفا بالمضاجع خاشعينا
وخصا بالعمار وبالتحايا **** رفات المجد من (توتنخمينا)
وقبراً كاد من حسن وطيب **** يضيء حجارة ويضوع طينا
فثم جلالة قرت وراحت **** على مر القرون الأربعينا
سلام يوم وارتك المنايا **** بواديها ويوم ظهرت فينا
خرجت من القبور خروج عيسى **** عليك جلالة في العاليمنا([2])
وقال في قصيدة أخرى يمدح الأهرام:
قف ناج أهرام الجلال وناد **** هل من بناتك مجلس أو ناد
لك كالمعابد روعة قدسية **** وعليك روحانية العبَّاد
هذا الأمين بحائطيك مطوفاً **** متقدم الحجاج والوفاد.([3])
وقال:
وبنوا الشموس من أغرة مصر *** والعلوم التي بها يستضاء
من كرمسيس في الملوك حديثاً *** ولرمسيس الملوك فداء
بايعته القلوب في صلب سيتي *** يوم أن شاقها إليه الرجاء
واستعد العباد للمولد الأكـ *** ـبر وازينت له الغبراء
حل سيزوستريس عهداً وجلت *** في صباه الآيات والآلاء
كبرت ذاتك العلية أن تحصـ *** ـي ثناها الألقاب والأسماء
وأرانا التاريخ فرعون يمشي *** لم يحل دون بشره كبرياء
جل رمسيس فطرة وتعالى *** شيعة أن يقوده السفهاء
إيه سيزوستريس ماذا ينال الو *** صف يوماً أو يبلغ الإطراء
ولك المنشآت في كل بحر *** ولك البر أرضه والسماء
سجدت مصر في الزمان لإيزيـ *** ـس الندى من لها اليد البيضاء
قيل إيزيس ربة الكون لولا *** أن توحدت لم تك الأشياء
فإذا قيل ما مفاخر مصر *** قيل منها إيزيسها الغراء([4])
وإذا رحنا نستقصي مدحه للفراعنة نجده لا ينتهي، وحافظ إبراهيم يقول:
أنا مصري بناني من بنا *** هرم الدهر الذي أعيا الفنا
وحديثاً عام 1969 أرسلت سوريا خمسة وعشرون من طلاب الضباط إلى الكلية البحرية في مصر، وفي إحدى الليالي كان أحد السوريين يتكلم عن قضية فلسطين، فرد عليه ضابط مصري (مالنا وفلسطين إحنا فراعنة وأنتوكنعانيون) ثم تطور الأمر وحضر الضابط المناوب ليؤيد المقال، وفي اليوم التالي فصل الطلاب السوريين جميعاً بأمر من وزير الحربية آنذاك الفريق أول محمد فوزي.وزير دفاع رائد القومية العربية (جمال عبد الناصر)
- ولكن يا أخي هذا تزوير للحقائق وهل يمكن أن ينسى الإنسان وينفصل عن أمجاد آبائه وأجداده فضلاً عن أن ينفصل عن دينه.
- إنهم يحاولون؛ لذلك لا ترى أثراً لتاريخ الأنبياء في المنطقة في المناهج الدراسية، فكما هو معلوم أن في منطقة بلاد الشام كانت دولة إبراهيم عليه السلام ولأبنائه من بعده، ثم عودة موسى ويوشع عليهما السلام إلى الأرض المقدسة، وقيام دولة الإسلام بها، ثم قيام دولة داود وسليمان عليهما السلام، وهكذا إلى عيسى عليه السلام كانت هناك دول للإسلام في هذه المنطقة.
وكما هو معلوم أن كل الأنبياء كانوا يبعثون بالإسلام، قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران67
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} البقرة132
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} المائدة111
وهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}يونس72
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }يونس84
وسليمان عليه السلام: {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} النمل38
وقال: {فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} النمل42
ولكن المناهج المدرسية خلو من كل هذا بل من الفتوحات الإسلامية القريبة، أما كتب التاريخ التقدمية فتحوي من التزوير والبهتان والطامات ما يعجز عن وصفه اللسان.
فهذا حسن ظاظا يقول عن إبراهيم عليه السلام [ولعل في تفكير إبراهيم في إسكان زوجته المصرية وابنه إسماعيل منها في منطقة مكة المكرمة هرباً من ضرتها العجوز سارة لم يكن على الأرجح بمحض الصدفة، ذلك لأن الصدفة لم يكن لها محل في تنظيم مثل هذه العلاقات العائلية عند رؤساء العشائر الأقدمين، وإذا كان إبراهيم قد اختار هذه المنطقة فمما لا شك فيه أنه هو شخصياً كان له صلات قرابة وصلات حلف وذمة مع سكانها، وإلا لما اختار هذا المكان البعيد مأوى لزوجته وابنه]([5])
ويرى العقاد أن سبب هجرة إبراهيم عليه السلام [اضطراب سياسي في جنوب العراق]([6]) ويرى رشيد الناضوري أن هجرة إبراهيم عليه السلام [تتصل اتصالاً وثيقاً بالأحداث التاريخية التي كانت سائدة في جنوب بلاد الرافدين في بداية الألف الثاني قبل الميلاد حيث كان عصر الاحتلال الآموري والعيلامي أو كما يطلق عليه أيضاً عصر أيسين ولارسا وهو المرحلة التاريخية التي حدثت أثناءها عدة تحركات بشرية مثل تحركات العناصر العيلامية من سوسة بعيلام، وتحركات العناصر الآمورية من سورية بحذاء نهر الفرات مما أدى إلى ازدياد ظاهرة الصراع السياسي والحضاري بين حكومات المدن السورية والأكدية وتلك العناصر الوافدة، وكان ذلك من الأسباب المباشرة والتي أدت إلى هجرة إبراهيم عليه السلام وجماعته إلى حاران، وهكذا ترجع هجرة الخليل إلى الأسباب السياسية والاقتصادية في نفس الوقت]([7])
ويقول محمد بيومي مهران: [ويقيم الخليل ما شاء الله له أن يقيم في أرض كنعان ثم يرحل عنها صوب أرض النيل الطيبة بسبب مجاعة حلت بأرض كنعان، ومصر كانت دائماً وأبداً للبدو والكنعانيين – وبخاصة في أوقات القحط – وملاذهم وغالباً منقذهم الوحيد فحينما كانت الأرض تجف في أوطانهم كانت أرض الكنانة الطيبة تقدم لهم المأوى والمرعى وكان النيل بفيضانه المنتظم يتعهد بذلك]([8])
ثم يقول العقاد [وهكذا اعتزم إبراهيم الهجرة إلى مصر ليصيب من خيراتها ويسمع ما يقوله أحبارها في أمر الله، وفي نفسه إذا علم من كلامهم ما هو خير مما عنده أن يتقبله]([9])
وتقول الموسوعة العربية بإشراف التقدمي محمد شفيق غربال: [إبراهيم: رأس سلالة العبرانيين وهو مؤسس اليهودية، وعده الله أرض كنعان لنسله من ابنه إسحاق الذي أنجبه في شيخوخته]([10])
- أرى التقدميين يصورون إبراهيم الخليل أبو الأنبياء وإمام دعوة التوحيد راعياً يتتبع العشب، وسبب هجراته اقتصادية وتعلم الدين من فرعون وأنه يهودي والله يقول: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يهودياً}
- نعم هكذا زعموا، وهكذا علمهم أساتذتهم المستشرقون الكفرة، وهم يرددون هذا ترديد الببغاوات أو الشامتين المبهورين، ووجدوا في هذه الأقوال ضالتهم ليقطعوا الصلة بالإسلام وتاريخه ويمسخوا تفكير الأجيال ويبرروا احتلال اليهود لفلسطين.
-إنهم لن يستطيعوا ذلك يا أبا الهيجاء.
- نسأل الله أن يجعل سعيهم بوراً، ويرمي كيدهم في نحرهم، ولكن الأمة في خطر، وأبناؤنا خاضعون لمناهجهم ومدارسهم وتوجيهاتهم ومن منا يقرأ المناهج ليصوب لأبنائه ما فيها من ضلال، وما ذنب أولئك العمال والفلاحين والتجار الذين لا وقت لديهم لمعرفة الخلل في المناهج، سيما أن الخلل يزداد في المراحل الجامعية فمن يتابع؟؟!!
- وهل يتكلمون عن غير إبراهيم عليه السلام بهذه الطريقة؟!
- لم يتركوا أحداً يا أبا ضمضم، فاسمع لما يقوله الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الأديان المقرر في أكثر الجامعات الإسلامية [وحط إبراهيم رحله في تلك البقاع ونعم بما فيها من رخاء وخير، ولكن شيئاً خطيراً كان يحدث دون أن يلتفت إليه أحد، ذلك هو الانعزالية التي كانت طابع الوافدين الجدد]([12])
ثم يقول:[ وكانت طابعهم في مصر كما سنرى بسبب ظاهر، هو ارتباط العبرانيين بالحكام المستعمرين في مصر، الهكسوس]([13]) ثم يقول: [وبخاصة إذا لاحظنا أن هؤلاء المهاجرين لم يكن لهم هدف يسعون له، وإنما كان كل هدفهم أن يهربوا من أعدائهم الذين نفروا من دعوة إبراهيم، ومن أجل هذا نتصور رهط إبراهيم يحطون الرحال من حين إلى حين كلما وجدوا مرعى للماشية أو مستراحاً للرهط]([14])
ثم يقول: [في القرون الأولى للألف الثانية قبل الميلاد زحف إلى مصر جماعتان ارتبط كل منها بالأخرى وهاتان الجماعتان هما الهكسوس والعبرانيون وكان ينسب إلى أحمس أنه هو الذي طردهم، ولكن لوحاً أثرياً كشف قصة الصراع الطويل الذي خاضه المصريون، ووضح أن هذا الصراع ينقسم إلى فترتين:
الأولى: هي حرب التحرير التي قام بها البطل المصري (شفتن رع) الذي قاد معركة التحرير في بدايتها ومات في هذه المعركة، وقد سجلت آثار الطعنات على موميائه أوسمة لشرف الجهاد في سبيل الوطن الذي آمن به كأصدق ما يكون الإيمان في نفوس الأبطال، فضحى بنفسه راضياً على هيكل الوطن المقدس]([15])
ثم يقول: [ وبقي إبراهيم فترة في مصر فاضت عليه خلالها نعم فرعون، فنمت ثروته وتضاعفت ماشيته]([16])
ثم يقول: [وبيع يوسف لرئيس الشرطة في مصر، وزج به في السجن نتيجة اتهامه بمحاولة الاعتداء على شرف زوجة سيده، وفي السجن تعرف على رئيس سقاة فرعون، وبواسطته أفرج فرعون عن يوسف بعد حين]([17])
ثم يقول: [وأصبح يوسف مديراً لخزائن الطعام بمصر، وهو منصب يماثل منصب وزير التموين، وقد هيأ هذا المنصب السبيل ليعقوب وأولاده أن يرحلوا إلى مصر فراراً من الجوع الذي عم بلادهم مثلما حدث لإبراهيم من قبل]([18])
[ثم جاءت سنون أخرى من الجدب والقحط فهرع الناس إلى خزائن الملك يطلبون عونه ويسألونه القوت، وأخذ يوسف يمنحهم القوت نظير ما يملكون من فضة وذهب وماشية وأطيان، بل اشتراهم أيضاُ وجعلهم عبيداً لفرعون من أجل الطعام]([19]) [فلما قامت الأسرة التاسعة عشر ومن ملوكها رمسيس الثاني الفاتح العظيم، ظهر الشعور العدائي لبني إسرائيل، ونقم الحكم الوطني عليهم لأنهم نالوا أطيب خيرات مصر على حساب المواطنين المغلوبين، ... بل يرى بعض الباحثين أن شعب مصر اكتشف بالفعل أن بني إسرائيل كانوا يتآمرون عليه وقد وصل التآمر إلى عمل ضد سلامة الدولة]([20]) [وهكذا تنكر بنوا إسرائيل لسادتهم المصريين فخانوا عهدهم واستنزفوا أموالهم ]([21])
[وتربى موسى في رعاية القصر ولكنه عندما شب أدرك أنه من بني إسرائيل فقرر أن يكون ظهيراً لهم]([22]) [وهناك اتجاه آخر هو أن فرعون أذن لموسى في الخروج ... ولكن نساء بني إسرائيل سلبن ثروات المصريات فقد كان على فرعون أن يلحق بهم وأن يمنعهم من مواصلة السفر، وتبعهم فرعون ومعه فريق من جنده ... وقد جاء في لوح عثر عليه في طيبة أن (منفتاح) أباد بني إسرائيل واستأصلهم]([23]) [إن الآثار الفرعونية لم تحفل بحادثة خروج بني إسرائيل من مصر ولم تسجل خطواتها، فإن فرار مجموعة من العبيد من سادتهم لم يمثل حدثاً يثير الاهتمام الفكري لدى المصريين]([24]).
ثم يقول عن يوشع بن نون: [ولما استولوا على إحدى المدن قتلوا من أهلها اثني عشر ألفاً وأحرقوها وصلبوا حاكمها، ولسنا نعرف في تاريخ الحروب مثل هذا الإسراف في القتل والاستمتاع به، وقد كان موسى من رجال السياسة المتصفين بالصبر والأناة، أما يوشع فلم يكن إلا حندياً فظاً]([25])
ويقول: [وكان عهد داود غارقاً في دماء الضحايا شديد القسوة ... وقصة داود مما تحوي من قتل وسفك دماء واغتيالات متلاحقة يأخذ بعضها برقاب بعض أشبه بتاريخ أحد الرؤساء المتوحشين]([26])
ثم يقول: [وجاء سليمان بعد أبيه داود، وقد بدأ ملكه بقتل أخيه الأكبر أدوينا وقتل يؤاب رئيس جيش أبيه، وعزل أبيانار الكاهن]([27]) [واستطاع أن يصاهر فرعون ... كان من الجائز أن يتنازل فرعون فيقبل في حريمه أميرة بابلية ولكنه كان يرفض بتاتاً أن يسمح لأميرة مصرية لها ما لها من قداسة أن تصبح زوجة لعاهل بابلي فما بالك بملك صغير كسليمان استطاع أن يتزوح أميرة مصرية، إن هذا يدل دلالة واضحة على انحطاط مهابة مصر وتدهورها في هذه الأثناء ... فسليمان لم يكن وهو في أوج مجده إلا ملكاً صغيراً تابعاً يحكم مدينة صغيرة، وكانت دولته من الهزال وسرعة الزوال]([28]) [إن قصة سليمان تعرضت لحشو وإضافات ... تحمل العالم المسيحي بل الإسلامي على الاعتقاد بأن الملك سليمان كان من أشد الملوك عظمة وأبهة ومخافة، ولكن الحق أنه إذا ما قيست منشآت سليمان بمنشآت تحتمس الثالث أو رمسيس الثاني فإن منشآت سليمان تبدوا من التوافه الهينات]([29])
أما سليم بك حسن صاحب كتاب مصر القديمة، فلقد قال في الجزء السابع: [ليس لدينا أي أثر يبرهن على وجود احتلال جدي لأي صقع مصري تكون من نتائجه حدوث مأساة كالتي مثلت في كتاب الخروج، وإلى أن يظهر في الأفق براهين ... فإني أومن بأن تفاصيل القصة يجب أن تعد أسطورة]([30])
[وتاريخ بني إسرائيل في مصر لم نجده في النقوش، ولكن تاريخ هؤلاء القوم كما ذكره مؤلف التوراة – وهو إسرائيلي المنبت- قد أضفى على حوادثه أهمية لم يخطر ببال مؤلف مصري أن يسبغها عليه في هذا العهد بعينه، بل ربما كان لا يعرف شيئاً عنها وحتى إذا كان يعلمها فإنها في نظره من الحوادث التافهة التي لا تستحق ذكراً أو تدويناً]([31]) [وكان موسى من الوجهة المصرية أقل شأناً من يوسف فقد كان لقيطاً في قصر فرعون ثم هارباً من وجه العدالة ثم متكلماً عن عبيد غرباء]([32]) [أما موضوع غرق فرعون فهو أمر قد فهم خطأ على حسب ما جاء في الكتب السماوية، والواقع أنه لا يمكن لإنسان أن يتصور غرق الفرعون وعربته ومن معه في ضحضاح من الماء لا يزيد عمقه عن قدمين أو ثلاثة، بل المعقول أن خيل الفرعون وعرباته قد ساخت في الأوحال وسقط بعض ركابها مغشياً عليه، ومما سبق نعلم أن خرافة غرق الفرعون في البحر الأحمر وموته لا أساس لها من الصحة]([33])
أما الدكتور عبد الحميد زايد فيقول: [لقد قضي على داود بالسلاح الذي اتخذه ضد أعدائه وهو سلاح المؤامرات]([34]) و[أراد سليمان أن يحكم البلاد حكماً مطلقاً لذلك سلك طرقاً مألوفة في عصره فقتل أخاه (أدوينا) وكذلك قتل كبير الحاخامين حتى لا يقف في وجهه إذا ما خالف تعاليم الدين ثم أطلق بعد ذلك سليمان لنفسه العنان في تحقيق رغباته الشخصية]([35])
ويقول الدكاترة (إبراهيم زرقان، محمد أنور شكري، عبد المنعم أبو بكر، حسني أحمد محمود، عبد النعيم محمد حسنين) في كتابهم حضارة مصر والشرق القديم: [كان سليمان يحيا في بلاطه عيشة ملك شرقي مقبل على اللذات غارق فيها]([36]) [لهذا لا تعجب إذا كانت الأسطورة والخرافة قد تناقلت سيرة سليمان عبر الأجيال كملك جمع بين القوة والحكم وسيطر على الجن، وكان بلاطه وشهرته سبباً في أن جذب إليه ملكة عربية معاصرة هي بلقيس ملكة سبأ] [إن سليمان كانت حاجته إلى المال أكثر ورغبته في جمعه أشد، لذلك كان أول من فرض الضرائب]([37])
أما الأعمى طه حسين فيقول: [للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة] ويقول:[ يجب حين نستقبل البحث عن الأدب وتاريخه أن ننسى قوميتنا وكل مشخصاتنا وأن ننسى ديننا وكل ما يتصل به]([38])
- يا أخي أبا الهيجاء طفح الكيل والله، هذا ليس تاريخ ولا نقد تاريخي ولا انحراف ولا فسق ولا فجور.
- أي شيء هو يا أبا ضمضم؟!
- هو والله ردة عن دين الله وحرب لله ولدينه، كيف يوصف الأنبياء بهذا الوصف ويكذب القرآن ويستهزأ بالرسل ويمدح فرعون ويثنى عليه، وتعتبر أخبار القرآن خرافة وأسطورة.
-هكذا يريد التقدميون.
- أي تقدم وتقدمية هذا، قل المرتدون، أهل الردة، أهل الكفر، جنود إبليس.
- وهل التقدمية غير هذا؟!
[1] - كيف نكتب التاريخ لمحمد قطب ص: 24.
[2] - الشوقيات 1/245.
[3] - الشوقيات 1/98.
[4] - الشوقيات 1/9
[5] - الصهيونية العالمية وإسرائيل لحسن ظاظا ص: 26-27
[6] - إبراهيم أبو الأنبياء للعقاد 64.
[7] - المدخل في التطور التاريخي للفكر الديني، لرشيد الناضوري ص: 173- 174
[8] - دراسات تاريخية من القرآن الكريم، إصدار جامعة الإمام محمد بن سعود للدكتور محمد بيومي، مهران 1- 135.
[9] - العقاد، أبو الأنبياء ص: 97
[10] - الموسوعة العربية 1/3
[11] - الشرق الخالد لعبد الحميد زايد ص: 410.
[12] - مقارنة الأديان 1/51
[13] - نفس المصدر 52.
[14] - مقارنة الأديان 53.
[15] - مقارنة الأديان 55.
[16] - مقارنة الأديان 58.
[17] - مقارنة الأديان 59.
[18] - مقارنة الأديان 60.
[19] - مقارة الأديان 60 – 61.
[20] - مقارنة الأديان 62.
[21] - مقارنة الأديان 64.
[22] - مقارنة الأديان 65.
[23] - مقارنة الأديان 67.
[24] - مقارنة الأديان 69.
[25] - مقارنة الأديان 74.
[26] - مقارنة الأديان 80 – 81.
[27] - مقارنة الأديان 82.
[28] - مقارنة الأديان 83.
[29] - مقارنة الأديان 84.
[30] - مصر القديمة 7/ 114.
[31] - مصر القديمة 7/ 107
[32] - مصر القديمة 108.
[33] - مصر القديمة 7/136.
[34] - الشرق الخالد 386.
[35] - الشرق الخالد 387.
[36] - حضارة مصر والشرق القديم: 363.
[37] - حضارة مصر والشرق القديم 366.
[38] - من كتاب طه حسين الأدب الجاهلي (اقتبست الفقرة من كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر) 2/298- 299
0 التعليقات:
إرسال تعليق