دراسات جهادية (4)
حكم الجهاد
رضوان محمود نموس
ربط الجهاد بالإيمان:
لم يكتف الشرع الإلهي بالتأكيد على فرضية الجهاد من خلال الآيات والأحاديث التي جاءت بصيغة (كتب عليكم الجهاد) أو بصيغة الأمر (جاهدوا – قاتلوا - أمرت - فاقتلوهم ..الخ )
بل ربط الإيمان بالجهاد ولا يكاد يذكر الإيمان إلا وذكر معه الجهاد وعندما عرف القرآن المؤمنين عرفهم بقوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات15
والآيات التي قرنت بين الإيمان والجهاد كثيرة جداً منها:
قال الله تعالى: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم) الأنفال 74 وليلاحظ معي القارئ الكريم إلى قوله تعالى (أولئك هم المؤمنون حقا) فحقيقة الإيمان هي الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.
وقال الله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) البقرة 218
وقال الله تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) الأنفال 72
وقال الله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) التوبة 19
وقال الله تعالى: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون التوبة 20
وقال الله تعالى: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون التوبة 88
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) [الصف:10-11]
قال الإمام ابن تيمية: قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} [الحجرات: 15] ، يبين أن الجهاد واجب، وترك الارتياب واجب.
والجهاد وإن كان فرضاً على الكفاية فجميع المؤمنين يخاطبون به ابتداء، فعليهم كلهم اعتقاد وجوبه، والعزم على فعله إذا تعين؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يَغْزولم يُحَدِّث نفسه بغزو، مات على شُعْبَة نفاق " رواه مسلم. فأخبر أنه من لم يَهِمّ به، كان على شعبة نفاق.([1]).
وقال أيضاً: (بل قد نفى الله الإيمان عمن قال بلسانه وقلبه إذا لم يعمل، كما قال تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} إلى قوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون]، فنفى الإيمان عمن سوى هؤلاء. وقال تعالى: {ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين} [النور: 47] ، والتولي هو: التولي عن الطاعة كما قال تعالى: {فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما} [الفتح: 16]([2]).
وجاء في كتاب السنن والمبتدعات في التعليق على الآية: (فليس صادقاً في إيمانه من لم يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه)([3]).
قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين ... الآية} (الحجرات: 15) .
وبهذه الآية يتحدد معنى الإيمان بشقيه فالإيمان هو التصديق بالله ورسوله وعدم الشك في ذلك والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله. ولا شك أن الجهاد يشمل ما دونه من أعمال الإسلام لأن الجهاد هو الذروة من أعمال الإسلام، فلا ينبعث للجهاد في سبيل الله تارك للعمل الواجب كالصلاة والزكاة والحج مثلاً وقول الله {أولئك هم الصادقون} يوحي بأن هناك من يدعي هذه الدعوى بلا برهان، وهم كاذبون في دعواهم، أو لم يتصوروا حقيقة الإيمان تصوراً صحيحاً وظنوها مجرد إعلان باللسان والآية هذه نازلة في قوم على هذا النحو، وكون هذه الآية بأسلوب الحصر {إنما} يفيد أن من ليس كذلك ليس مؤمناً،([4]).
يقول سيد قطب: (فالقلب متى تذوق حلاوة هذا الإيمان واطمأن إليه وثبت عليه، لا بد مندفع لتحقيق حقيقته في خارج القلب. في واقع الحياة. في دنيا الناس. يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة الإيمان، وما يحيط به في ظاهره من مجريات الأمور وواقع الحياة. ولا يطيق الصبر على المفارقة بين الصورة الإيمانية التي في حسه، والصورة الواقعية من حوله. لأن هذه المفارقة تؤذيه وتصدمه في كل لحظة. ومن هنا هذا الانطلاق إلى الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس. فهو انطلاق ذاتي من نفس المؤمن. يريد به أن يحقق الصورة الوضيئة التي في قلبه، ليراها ممثلة في واقع الحياة والناس. والخصومة)([5]).
وقال الله تعالى: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين*إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون*ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) التوبة 44- 45.
قال ابن تيمية في هذه الآيات: وهذه الآية مثل قوله {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} [المجادلة: 22] وقوله: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء} [المائدة: 81] ، بين سبحانه أن الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة تستلزم ثبوت لوازمه وانتفاء أضداده ومن أضداده موادة من حاد الله ورسوله، ومن أضداده استئذانه في ترك الجهاد، ثم صرح بأن استئذانه إنما يصدر من الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر) ([6]).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: إنما المؤمنون الذين ... الآية } (الحجرات: 15) فحصر المؤمنين فيمن آمن وجاهد. وقال تعالى: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين*إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون [التوبة:44-45] فهذا إخبار من الله أن المؤمن لا يستأذن في ترك الجهاد، وإنما يستأذن الذين لا يؤمنون بالله، فكيف بالتارك من غير استئذان؟([7]).
وهذه هي القاعدة التي لا تخطئ. فالذين يؤمنون بالله، ويعتقدون بيوم الجزاء، لا ينتظرون أن يؤذن لهم في أداء فريضة الجهاد ولا يتلكأون في تلبية داعي النفرة في سبيل الله بالأموال والأرواح بل يسارعون إليها خفافاً وثقالاً كما أمرهم الله، طاعة لأمره، ويقيناً بلقائه، وثقة بجزائه، وابتغاء لرضاه. وإنهم ليتطوعون تطوعاً فلا يحتاجون إلى من يستحثهم، فضلاً عن الإذن لهم. إنما يستأذن أولئك الذين خلت قلوبهم من اليقين فهم يتلكأون ويتلمسون المعاذير، لعل عائقاً من العوائق يحول بينهم وبين النهوض بتكاليف العقيدة التي يتظاهرون بها، وهم يرتابون فيها ويترددون.
إن الطريق إلى الله واضحة مستقيمة، فما يتردد ويتلكأ إلا الذي لا يعرف الطريق، أو الذي يعرفها ويتنكبها اتقاء لمتاعب الطريق! ولقد كان أولئك المتخلفون ذوي قدرة على الخروج، لديهم وسائله، وعندهم عدته: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)([8]).
عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)([9]).
فلا يمكن أن يكون هناك إيمان ولا يكون جهاد ولا يمكن أن يتخلف الجهاد عن الإيمان فذهاب الجهاد يعني ذهاب الإيمان أو إيذاناً بذهابه فلينظر كل امرئ إلى موقفه من الجهاد الذي فرضه الله وقرنه بالإيمان وإننا لنرى كثيراً من علماء ودعاة السوء والسلاطين يريدون أن يهيلوا ركاماً فوق فرض الجهاد ويصرفوه عن حقيقته تنفيذا لأمر الطاغوت ومن وراء الطاغوت من الكفر العالمي وواضح أن الكفر العالمي يرتعد من سماع هذه الكلمة (جهاد) لذا سخر أدواته وعبيد الأدوات لطمس الجهاد وتشويهه والنيل منه ولكن الله يأبى إلا أن يتم أمره ولو كره الكافرون.
0 التعليقات:
إرسال تعليق