دراسات حول سوريا (3)
رضوان محمود نموس
من المعلوم أن العثمانيين دخلوا البلاد العربية منذ عام 1516 عندما دخل السلطان سليم الأول بلاد الشام وخلال سنتين تم دخول سائر البلاد العربية سلمياً عدا معارك بسيطة في الشام ومصر.وكانت الدولة في أوج قوتها وتسلم السلطنة بعد سليم الأول سليمان القانوني وسمي القانوني لأنه أدخل بعض التشريعات والقوانين غير الإسلامية في بعض أنواع القضاء وفي هذه المرحلة بدأت أمور خطيرة جداً ما زالت آثارها على البلاد إلى الآن وخاصة بلاد الشام موضوع دراستنا ومصر كذلك ومن هذين القطرين انتشر الفساد في البر والبحر ومن هذه الأمور إعطاء الفرنسيين امتيازات ما لبث أن أخذ مثلها الإنجليز وكانت هذه الامتيازات مقدمة لتدخل الصليبيين في الدولة وتشكيل طابور خامس في جسم الدولة من الصليبيين المحليين وبعض طوائف الردة بل ونشر المذاهب الفكرية المنافية للإسلام مثل الفكر القومي, والعلمانية من خلال مدارس وجامعات الصليبيين التي انتشرت في البلاد وأفسدت عقائد أبنائها وألحقتهم بالطابور الخامس وسأقدم مختصراً لهذه الامتيازات.
[عرض وتحليل لمعاهدة 1535: وتقع معاهدة 1535 في ست عشرة مادة، قررت
المادة الأولى منها السماح لرعايا الدولة العثمانية وفرنسا وتابعيهم بالتجول في جميع ممتلكات الدولتين بما فيها المدن والثغور والجزر والبحار وسائر الأقاليم التي تدخل في حوزة كل من السلطان وملك فرنسا في قابل الأيام، ويكون هذا التجول بهدف ممارسة العمليات التجارية والعودة إلى بلادهم بكامل حريتهم.
ونصت المادة الثانية على أن العلميات التجارية تشمل البيع والشراء والمبادلة في كافة السلع غير الممنوع الاتجار فيها ونقلها براً وبحراً بعد سداد الرسوم المقررة بحيث يدفع الفرنسيون في أقاليم الدولة العثمانية ما يدفعه العثمانيون وأن يسدد العثمانيون في فرنسا ما يدفعه الفرنسيون دون أن يدفع أي من الطرفين ضرائب أو مكوساً جديدة أخرى.
وقررت المادة الثالثة أنه "فضلاً عن هذا، كلما يعين ملك فرنسا في إستانبول ([1]) أو بيرا أو غيرهما من مدن الدولة العثمانية أحد رجال القانون كالقنصل المعين حالياً في الإسكندرية فيجب أن يقابل هذا القانوني والقنصل بطريقة لائقة، وأن يحتفظ كل منهما بسلطته الخاصة بحيث يكون لكل منهما الحق في الفصل في جميع القضايا والخلافات المدنية والجنائية التي تقع في دائرته طبقاً لعقيدته وقانونه بين التجار ورعايا ملك فرنسا الآخرين بدون أن يمنعه من ذلك أي قاض أو صوباشي([2]) أو أي موظف آخر. ولكن إذا رفض أحد من رعايا ملك فرنسا إطاعة الأوامر الصادرة من القانوني أو القنصل فلهما في هذه الحالة فقط أن يستعينا بالصوباشي أو أحد ضباط السلطان في تنفيذ الأحكام، وعلى هؤلاء الصوباشية أو الضباط الآخرين أن يقدموا مساعدتهم الضرورية والتي تكفل إجبار الآخرين على تنفيذ أحكامهم، ولكن ليس للقاضي أو أي ضباط تابعين لحكومة السلطان أن يحكموا في المنازعات التي تنشأ بين التجار ورعايا ملك فرنسا حتى لو طلب التجار المذكورون ذلك، وإذا نظر القضاة بمجرد المصادفة في قضية فإن حكمهم يكون لاغياً وباطلاً.
ومنعت المادة الرابعة استدعاء أو الاعتداء على التجار ورعايا ملك فرنسا أو محاكمتهم في الدعاوى المدنية التي يقيمها عليهم العثمانيون أو جباة الخراج أو غيرهم من رعايا جلالة السلطان ما لم يكن بيد المدعين مستندات بخط المدعى عليهم أو حجة رسمية صادرة من القاضي الشرعي أو رجل القانون الفرنسي أو القنصل، وفي حالة وجود هذه المستندات والحجج لا يجوز للقضاة الشرعيين أو الصوباشية أو أي موظفين آخرين سماع الدعوى ومحاكمة هؤلاء الرعايا الفرنسيين إلا في حضور ترجمان قنصل فرنسا.
ونصت المادة السادسة على أنه لا تجوز محاكمة التجار الفرنسيين ومستخدميهم وخدمهم وجميع رعايا ملك فرنسا الآخرين فيما يختص بالمسائل الدينية أمام القضاة الشرعيين والصناجق البكوات والصوباشية أو غيرهم، بل تكون محاكمتهم أمام الباب العالي.
وقررت المادة السابعة أنه إذا تعاقد شخص أو أكثر من شخص من رعايا ملك فرنسا مع أحد العثمانيين أو إذا استولى على سلع منه أو اقترض مبالغ ثم غادر بلاد جلالة السلطان قبل أن يقوم بالوفاء بالتزاماته أو ديونه فلا يسأل رجل القانون الفرنسي أو القنصل أو أقارب المدين أو أي شخص فرنسي آخر عن ذلك مطلقاً ولا يتعرض له أحد بالإيذاء، ولا يكون ملك فرنسا ملزماً بشيء.
ونصت المادة الثامنة على أنه لا يجوز إلقاء القبض على تجار فرنسا ووكلائهم وخدمهم وسائر الرعايا الفرنسيين وإكراههم على العمل في خدمة السلطان العثماني أو أي شخص آخر في البر والبحر ما لم يكن باختيارهم وطوعهم، وكذلك لا يجوز استخدام سفنهم أو قواربهم أو ما يوجد بها من معدات أو مدافع أو ذخائر أو سلع إلا بموافقتهم ورضائهم.
وقررت المادة العاشرة أنه بمجرد تصديق السلطان وملك فرنسا على هذه المعاهدة، فإن جميع رعاياهما الموجودين عندهما أو عند تابعيهما أو على سفنهما أو في أي مكان تابع لسلطتهما، في حالة الرق، سواء كان ذلك بشرائهم أو بوقوعهم في الأسر وقت الحرب أو باحتجازهم، يطلق سراحهم فوراً.
ونصت المادة الثانية عشرة على أنه إذا وصلت إلى أحد موانئ أو سواحل الدولة العثمانية إحدى السفن التابعة لرعايا ملك فرنسا سواء كان وصولها بطريق الصدفة أو غير ذلك فيجب تزويدها بما يلزمها من مواد تموينية وغيرها من الضروريات في مقابل دفع الثمن المناسب بدون إلزامها بتفريغ شحناتها أو دفع رسوم، ثم يباح لها السفر إلى حيث تريد، وإذا وصلت إلى استنابول وأرادت السفر منها بعد حصولها على جواز الخروج من أمين الجمرك ودفع الرسوم المقررة وتفتيشها بمعرفة أمين الجمرك المشار إليه فلا يجوز زيارتها أو تفتيشها في أي مكان آخر إلا عند الحصون المقامة عند مدخل بوغاز غاليبولي بدن أن تدفع شيئاً مطلقاً لرحيلها سواء عند هذا البوغاز أو في أي مكان آخر عند خروجها سوى ما سبق دفعه سواء كان الطلب باسم السلطان أو أحد ضباطه.
وذكرت المادة الثالثة عشرة أنه إذا تحطمت أو غرقت بطريق الصدفة أو غير ذلك إحدى السفن التابعة لرعايا أحد العاهلين في البلاد التابعة لهما ولقضائهما فإن جميع الأفراد الناجين من هذا الخطر يظلون متمتعين بحريتهم ولا يحال بينهم وبين أخذ أو جمع ما يكون لهم من الأمتعة وغيرها، أما إذا غرق جميع من بها فإن البضائع التي يمكن إنقاذها تسلم إلى القنصل أو احد رجال القانون في القنصلية أو من يمثلهما ليسلمها إلى من تتعلق بورثتهم بدون أن يستولي القبودان باشا أو الصنجق بك أو الصوباشي أو القاضي أو أي ضابط أو أحد رعايا السلطان على شيء منها، وإلا توقع عليهم العقوبات، وعلى هؤلاء أن يقدموا التسهيلات والمساعدات لمن يعهد إليهم باستعادة البضائع.
ونصت المادة الرابعة عشرة على أنه إذا هرب أحد العبيد التابعين لأحد رعايا السلطان وادعى هذا العثماني أن عبده قد لاذ بأحد رعايا ملك فرنسا وخدم في سفينته أو في منزله، فإن هذا العثماني لا يستطيع أن يجبر الفرنسي على عمل شيء سوى السماح له بالبحث عن العبد في سفينته أو في داره، وإذا أسفر البحث عن العثور على العبد فإن الفرنسي يعاقب بمعرفة قنصله.
أما المادة الخامسة عشرة فقررت أن كل فرد من رعايا ملك فرنسا لم يكن قد أقام بأراضي الدولة العثمانية مدة عشر سنوات كاملة بدون انقطاع لا يلزم بدفع الخراج أو أي ضريبة أياً كان اسمها، ولا يلزم بحراسة الأراضي المجاورة، أو مخازن السلطان ولا بالعمل في ترسانة أو أي عمل آخر.
وتضمنت المعاهدة اقتراح ملك فرنسا بدعوة البابا وملك انجلترا، أخيه وحليفه الأبدي، وملك اسكتلندا للانضمام إلى هذه المعاهدة بشروط.
وأخيراً قررت المادة السادسة عشرة أن يتم تبادل وثائق التصديق على المعاهدة بمعرفة العاهلين في خلال ستة أشهر من تاريخ التوقيع عليها مع الوعد من كليهما بالمحافظة على تنفيذها والتنبيه على جميع القضاة والضباط ورعاياهما بمراعاة جميع أحكامها بكل دقة وحتى لا يدعى أحد الجهل بها، يجب نشر نسخ منها بعد التصديق عليها في استانبول وإسكندرية ومارسيليا وناربون وفي جميع المدن والموانئ المشهورة التابعة لكل من الطرفين.
وكانت هذه المعاهدة هي آخر أعمال إبراهيم باشا الصدر الأعظم لأن السلطان سليمان المشرع استجاب لرغبة الباش قادين روكسلانة وأمر بقتله.
وقد جددت هذه المعاهدة بعد ذلك عدة مرات وأضيفت إليها أحكام جديدة، ثم أصبحت هذه المعاهدة تجدد تلقائياً كلما ارتقى عرش الدولة سلطان جديد، وقد أرسى هذا التقليد في اليوم الثامن والعشرين من شهر مايو أيار عام 1740 السلطان محمود الأول (1730 – 1754) اعترافاً بفضل فرنسا حين تدخل في صيف 1739 الماركيز دي فيلنيف السفير الفرنسي في بلغراد لإنهاء حالة الحرب بين الدولة العثمانية والروسيا، وكان من نتائج مساعيه الحميدة إبرام معاهدة بلغراد في اليوم الثامن عشر من شهر سبتمبر أيلول عام 1793.
...ثم أن الحكومة العثمانية استقبلت بعثة إنجليزية عام 1578، أي بعد خمسة وعشرين سنة، واستطاعت البعثة أن تحقق نجاحاً كبيراً في وضع الحجر الأساسي للتجارة الإنجليزية في الدولة العثمانية، وكان من بين معالم هذا النجاح أن السلطان مراد الثالث (1574 – 1596) أرسالة رسالة مؤرخة في 15 من شهر مارس آذار عام 1579 إلى الملكة إليزابيث الأولى وكان مما جاء فيها: "إن البلاد العثمانية ستبقى دائماً مفتوحة للتجار الإنجليز... ونحن سوف لا نتقاعس عن تقديم المساعدة والمعونة لأي فرد منهم يبتغي تقدير صداقتنا وإحساننا ومساعدتنا، بل سنعد إرضاءهم جزء من واجبنا"
وفي سنة 1853 عينت الحكومة الإنجليزية وليم هاربورن سفيراً لها في استانبول ومنحته سلطات متشعبة على جميع التجارة الإنجليزية في ولايات الدولة العثمانية، وخولته اختصاصات واسعة في تعيين القناصل، وغدا هاربورن سفيراً إلى جانب صفته كممثل لشركة الليفانت، واستغل هاتين الصفتين في حمل السلطان مراد الثالث على تنفيذ معاهدة سنة 1580 وقدم مع أوراق اعتماده الهدايا للسلطان وكبار رجال الدولة، وسرعان ما أثمرت جهوده، وعلى هذا تعتبر سنة 1583 بداية التاريخ الفعلي والرسمي لتنفيذ معاهدات الامتيازات المتبادلة بين التجار الإنجليز في أملاك الدولة والتجار العثمانيين في أملاك إنجلترا، وفي سنة 1604 حصلت الحكومة الإنجليزية على موافقة السلطان أحمد الأول على أن تبحر السفن الإنجليزية داخل المياه والموانئ العثمانية تحت الأعلام الإنجليزية بيمنا كانت السفن الأجنبية _باستثناء سفن البنادقة_ مضطرة إلى رفع العم الفرنسي، وفي عام 1641 عقد شارل الأول معاهدة مع السلطان إبراهيم الأول كفلت لشركة الليفانت حرية التجارة في جميع أنحاء الدولة العثمانية، ثم عقد السلطان محمد الرابع (1648 – 1687) معاهدة مع إنجلترا في شهر سبتمبر أيلول 1675 جددت فيها الامتيازات التجارية التي سبق منحها في معاهدات سابقة وأضيفت إليها مواد جديدة، وأطلق على المعاهدة الجديدة اسم "المعاهدة النهائية للامتيازات بين الإمبراطورية العثمانية وإنجلترا" وهي تقع في خمس وسبعين مادة وقد ضمنت الامتيازات اسمياً مثل ذلك للتاجر العثماني في البلاد الإنجليزية، غير أن الجانب العثماني لم يستفد في الواقع سوى ما يأخذه السلطان أو الباشوات من رسوم على البضائع - الإنجليزية تبلغ عادة ثلاثة في المائة من ثمن البضاعة]"([3]).
وكان من خلال هذه الامتيازات أن الفصل في النزاعات بين الفرنسيين (ورعاياهم ومن يستخدمون) وفسرت الرعايا ومن يستخدمون بنصارى البلاد وكانت فرنسا تمنح زعماء نصارى البلاد الجنسية حتى لا تستطيع الدولة أن تسائلهم عن جرائمهم بل أن الفرنسيين ورعاياهم ومستخدميهم لا يدفعون الضرائب للدولة بينما يدفعها المسلم وتمكن رعايا فرنسا وبريطانيا من اليهود حسب هذه المعاهدة من شراء أراضي الفلسطينيين وأراضي غيرها استخدمت للإضرار بالإسلام كما تمكنوا من نشر مدارسهم والدعوة إلى دياناتهم ومذاهبهم الفاسدة.
بل الأنكى من هذا أنهم تمكنوا من تأليف وتشكيل جمعيات سرية ماسونية أو من أفراخ الماسونية عملت على تدمير الدولة وأهم نقطة نجمت عن الامتيازات تأليب طوائف الردة لتكون عامل هدم وطابور خامس يعمل لصالح الكفر الغربي وطالبوا بالاستقلال عن جسم الدولة وهذا ما سنبينه في حلقات قادمة.
وللبحث الصلة
[1] - وردت في النصين الفرنسي والإنجليزي القسطنطينية.
[2] - الصوباشي وتكتب أيضاً الشوباصي وترد هذه اللفظة في المراجع التاريخية بعدة معان، منها ضابط في الجيش العثماني كانت رتبته تعادل حالياً رتبة نقيب، ومنها ضابط مرموق يعينه الصدر الأعظم أو الباشا في إحدى الولايات "متسلماً" على مدينة، أو توفده الدولة في مهمة خاصة إلى إحدى الولايات، وكان يطلق هذا اللفظ أحياناً على أحد أعيان تقسيم إداري صغير و متوسط.
[3] - كتاب: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها تأليف: [أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي] الجزء الثاني الطبعة: الثانية، 1986. ص: 708- 718
0 التعليقات:
إرسال تعليق