دراسات جهادية (2)
رضوان محمود نموس
حكم الجهاد
إن الناظر في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يرى بشكل واضح وجلي التأكيد على الجهاد وقتال من كفر بالله ولم يتبع دين الإسلام الذي هو دين الحق ولا يقبل سواه. وسلك الكتاب والسنة مسالك شتى لتقرير أهمية الجهاد ومكانته من الدين. ولقد ذكرت كلمة الجهاد والقتال في القرآن أكثر مما ذكرت كلمة الصلاة والزكاة والصيام والحج مجتمعات.
ذكرت كلمة قتال ومشتقاتها في القرآن (170) مرة
وكلمة جهاد ومشتقاتها في القرآن (41) مرة
وكلمة صلى ومشتقاتها في القرآن (99) مرة
وذكرت كلمة (زكاة ومشتقاتها المتعلقة بفريضة الزكاة والتزكية وغيرها (59) مرة
وكلمة صام ومشتقاتها في القرآن (14) مرة
وكلمة حج ومشتقاتها في القرآن (11) مرة
فبينما ذكر القتال والجهاد (211) مرة ذكرت كلمات الصلاة والزكاة والصيام والحج مجتمعات (183) مرة . ولا شك أن في هذا دلالة وظلال على أهمية الجهاد وقتال الكفار.
وكما قدمنا فإن الشرع سلك مسالك عدة لتقرير أهمية الجهاد وقتال الكفار منها:
أولاً : تقرير الشرع لفرضية الجهاد في الكتاب والسنة:
قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة 216
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وقوله: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ[المائدة/ 45] أي: أوجبنا وفرضنا، وكذلك قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة/ 180] ، وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [البقرة/ 183] ، لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ [النساء/ 77] ، ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ [الحديد/ 27]([1]).
وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: (قال اللَّه تبارك وتعالى: (كتب عليكم القتال) الآية، مع ما أوجب - اللَّه - من القتال في غير آية من كتابه،)([2]).
وقال مقاتل بن سليمان في تفسيره (قوله- سبحانه-: كتب عليكم القتال يعني فرض عليكم، كقوله: كتب عليكم الصيام يعني فرض وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ يعني مشقة لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فيجعل اللَّه عاقبته فتحا وغنيمة وشهادة وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً يعني القعود عن الجهاد وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ فيجعل اللَّه عاقبته شر فلا تصيبون ظفرا وَلا غنيمة وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أَي واللَّه يعلم من ذَلِكَ ما لا تعلمون)([3]).
وقال الطبري: (القول في تأويل قوله عز ذكره: { كتب عليكم القتال} قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه بقوله: " كتب عليكم القتال"، فُرض عليكم القتال، يعني قتال المشركين) ([4]).
وقال ابن أبي حاتم: ( فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال فنزلت: {كتب عليكم القتال} يعني فرض عليكم فالجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد فالقاعد عدة إن استعين بع أعان وإن استغيث به أغاث وإن استنفر نفر وإن استغني عنه قعد)([5]).
وقال العز بن عبد السلام: (هو فرض متعين على كل مسلم أبداً، قاله ابن المسيب. {كُرْهٌ لَّكُمْ} الكُره: إدخال المشقة على النفس من غير إكراه أحد، والكَره: إدخال المشقة بإكراه غيره، كره: ذو كره، أو مكروه لكم فأقام المصدر مقامه. مكروه قبل الأمر به وأما بعده فلا، أو كره / في الطباع قبل الأمر وبعده. {وَعَسَى} بمعنى " قد "، أو طمع المشفق مع دخول الشك، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً} من القتال، {وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} بالظفر والغنيمة والأجر والثواب، {وَعَسَى أَن تُحِبًّواْ شَيْئاً} من [ترك] القتال، {وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} بظهور عدوكم، ونقصان أجوركم، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} مصلحتكم، {وأنتم لا تعلمون}([6]) .
وقال الثعلبي في تفسيره: (قوله: كتب عليكم القتال) أواجب الغزو على الناس من أجلها... والغزو فرض واجب على المسلمين كلّهم إلى قيام الساعة. روى ابن أبي أنيسة عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من أصل الإيمان: ... والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدّجال » )([7]).
وقال ابن كثير: { كتب عليكم القتال } هَذَا إِيجَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْجِهَادِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: أَنْ يكُفُّوا شَرَّ الأعْدَاءِ عَنْ حَوْزة الإسْلامِ.([8]).
وقال الواحدي: {كتب عليكم القتال} فُرض وأوجب عليكم الجهاد {وهو كرهٌ لكم} أَيْ: مشقَّةٌ عليكم لما يدخل منه على النَّفس والمال {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} لأنَّ في الغزو إحدى الحسنيين إمَّا الظفر والغنيمة وإمَّا الشَّهادة والجنَّة {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئاً} أَيْ: القعود عن الغزو {وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} لما فيه من الذُّل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر {والله يعلم} ما فيه مصالحكم فبادروا إلى ما يأمركم به وإنْ شقَّ عليكم) ([9]).
وقال ابن عثيمين قوله تعالى: {كتب عليكم القتال} أي فرض؛ فـ «الكتْب» هنا بمعنى الفرْض، كما في قوله تعالى: {كتب عليكم الصيام} [البقرة: 183] ، وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: 103] ([10]).
وبمثل هذا قال سائر المفسرين ومن شاء فليراجع وعلى سبيل المثال:([11])
(وللبحث صلة)
[1] - المفردات في غريب القرآن (ص: 699)
[2] - تفسير الإمام الشافعي (1/ 326)
[3] - تفسير مقاتل بن سليمان (1/ 184)
[5] - تفسير ابن أبي حاتم، الأصيل - مخرجا (2/ 382)
[6]- تفسير العز بن عبد السلام (1/ 207)
[7] - تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (2/ 136- 137)
[8] - تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 572)
[9] - الوجيز للواحدي (ص: 163)
[10] - تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (3/ 47)
[11]- تفسير السمرقندي = بحر العلوم (1/ 142), تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين (1/ 217), تفسير الماوردي = النكت والعيون (1/ 272), تفسير البغوي - طيبة (1/ 245) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (1/ 180) تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (6/ 394) تفسير القرطبي (3/ 38) تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (1/ 179) تفسير الخازن = لباب التأويل في معاني التنزيل (1/ 145) تفسير ابن عرفة (2/ 615) الدر المنثور في التفسير بالمأثور (1/ 586) فتح القدير للشوكاني (1/ 248) تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 96) في ظلال القرآن (1/ 223) التحرير والتنوير (2/ 319): محمد الطاهر بن عاشور أحكام القرآن للجصاص (1/ 400) تفسير الألوسي = روح المعاني (1/ 501)
0 التعليقات:
إرسال تعليق