أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (68)
من ضلالات محمد عبده
رضوان محمود نموس
نتكلم في هذه
الحلقة عن محاولة محمد عمارة تحديد الأسوة والقدوة والرواد للصحوة الإسلامية بل
والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان والجحود
على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل,
والرائد الرابع من الناحية التاريخية وهو الثاني والأهم من ناحية التأثير هو محمد
عبده. عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم
الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع
المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
المبحث
الرابع عشر محمد عبده وحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية:
يصف محمد عبده حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
الإصلاحية بقوله: [ فلو أخذت مسلما من شاطئ الاطلانطيقي , وآخر من تحت جدار الصين
لوجدت كلمة واحدة تخرج من أفواههما وهي (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ
وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)([1])
وكلهك أعداء لكل مخالف لما هم عليه , وإن نطق به كتاب , واجتمعت عليه الآثار .
اللهم إلا فئة زعمت أنها نفضت غبار التقليد ,
وأزالت الحجب التي كانت تحول بينها وبين النظر في آيات القرآن ومتون الحديث ,
لتفهم أحكام الله منها , ولكن هذه الفئة أضيق عطناً وأحرج صدراً من المقلدين وإن
أنكرت كثيراً من البدع ونحَّت عن الدين كثيراً مما أضيف إليه وليس منه, فإنها ترى
وجوب الأخذ بما يفهم من اللفظ الوارد والتقيد به بدون التفات إلى ما تقتضيه الأصول
التي قام عليها الدين, وإليها كانت الدعوة ولأجلها منحت النبوة فلم يكونوا للعلم
أولياء ولا للمدنية السليمة أحباء]([2]).
ونحن نقول:
إن إصدار مثل هذا الحكم على حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية لا بد لمن
أصدره أن يدرس ما كتب أئمة هذه الحركة وشيوخها, وما قاموا به ليحكم مثل هذا الحكم،
سواء كان الحكم في ذاته خطأً أو صواباً، فإذا علمنا أن محمد عبده لا يعلم عن هذه
الحركة الإصلاحية إلا أقل مما يعلمه ستالين وماركس عن التقوى والرحمة فأنى له أن
يقول مثل هذا القول !؟.
فمحمد عبده
يظن أن أمير الوهابيين هو ابن الرشيد حيث يقول:[ نعم وقعت حروب في الأزمنة الأخيرة
تشبه أن تكون لأجل العقيدة وهي ما وقع بين دولة إيران والحكومة العثمانية وبين
الحكومة العثمانية والوهابيين ولكن يتسنى لباحث بأدنى نظر أن يعرف أنها كانت
حروباً سياسية ويبرهن على ذلك بالولاء المتمكن بين الحكومتين اليوم مع بقاء الاختلاف في العقيدة بين الحكومة
العثمانية وابن الرشيد أمير الوهابيين ]([3]).
وهذا يدل
على أن محمد عبده كان يجهل الحقائق البسيطة عن حركة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية.
فابن الرشيد كان والياً للعثمانيين, وحليفاً لمحمد علي باشا وأسرته في حرب
الوهابيين والسعوديين. ولا بأس بأن نعطي لمحة موجزة عن آل الرشيد:
فنقول: إن
الذي أسَّس إمارة آل الرشيد هو عبد الله بن علي بن رشيد من آل جعفر، قبيلة شمر,
وقد ولد تقريباً 1204هـ.
وكان من
البداية ينافس أمير حائل صالح بن عبد المحسن بن علي, وهو أيضاً من
آل جعفر,
قبيلة شمر, ومن أولاد عمهم.
وبعد صراع
طويل بينهما استطاع أن يصل إلى إمارة حائل عام 1240هـ والجبل وما حولها, ثم انضم إلى الجيش المصري, وأنشأ مع
خورشيد باشا علاقات عام 1254هـ, ولكنه تُوفي في هذه السنة, فتسلم الإمارة
من بعد ابنه طلال, ثم انتحر طلال عام 1284هـ, فتولى بعده أخوه متعب, وبعد عشرة
أشهر قام بندر بن عبد الله بقتل عمه طلال, فغضب محمد بن عبد الله أخو طلال, فقتل بندر عام 1291هـ, وتولى هو الإمارة, وقد ازدهرت إمارة آل الرشيد
في عهده, وأصبح هو الوالي المخلص للعثمانيين والمصريين في حائل وما حولها, حتى
امتد نفوذه إلى الرياض وقريباً من المدينة. وأصبح شيخ مشايخ قبيلة شمر, وزاد
اعتماده بشكل كبير على العثمانيين والمصريين, حتى كانت الحامية التي تحميه شخصياً
من العثمانيين والمصريين.
وقد استولى
على الرياض وغالب نجد, ثم مات عام 1315هـ, ثم تولى من بعده ابن أخته عبد العزيز
المتعب إلى عام 1323هـ, وبدأ ينافس آلَ الرشيد آلُ الشعلان, و قد أسَّس نوري
الشعلان شيخ رولة إمارة في الجوف, ثم بدأت هجمات عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود
من الكويت بمساعدة مبارك الصباح، وبدأ الضعف يدب في إمارة آل الرشيد رغم إمدادات
الدولة العثمانية لها, حتى هزمت أخيراً عام 1340هـ على يد عبد العزيز بن عبد
الرحمن آل سعود, وانتهت إمارة آل الرشيد.
فإذا كان
محمد عبده يرى أن ابن الرشيد كان أمير الوهابيين, فكيف يقيِّم حركة محمد بن عبد
الوهاب الإصلاحية ويصدر أحكاماً بحقها؟!!
وقوله عن
رجال حركة الإصلاح بقيادة مجمد بن عبد الوهاب: [ إنهم أضيق عطناً وأحرج
صدراً...الخ ] يدل على أن منطلقات العلم والدين والمدنية عند كلا الطرفين متباينة
بافتراض أن نوايا محمد عبده سليمة.
فالعلم عند
محمد عبده: هو الكشف عن الأمر الحقيقي([4]).
وهو عند
الوهابيين: ما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
و التوحيد
عند محمد عبده هو إثبات وجود الله([5]),
وهو التوحيد الذي يقرُّ به إبليس وكفار قريش وغالب كفرة الأرض.
بل يتحدى
مشايخ الأزهر إذا استطاع أحد منهم أن يثبت له وجود الله على أن يعطيه مائة جنيه([6])
وهذا يوحي بأنه هو نفسه غير موقن بوجود اللهْ جل جلاله.
وكذلك يقول
عن التوحيد إنه:[وجوب الوجود وأن الواجب لا يتعدد]([7])؛
بل إن محمد عبده يطلق على بعض البشر أوصافاً لا تطلق إلا على الله تعالى وحده, كما
كتب في رسائله التي أرسلها إلى جمال الدين المتأفغن والتي ذكرناها سابقاً.
وكما كاتب
أحد الساسة بمصر، ومعلوم حالة ساسة مصر آنذاك فيقول له: [ لو سلكت لمولاي الدر في
أطواق وحملت إليه البصائر في أحداق و رصفت له الكواكب في أطباق وطويت له روحي في
أوراق لما كنت موفياً حق حمده ولو شيدت له في القلوب هياكل وأقمت له في النفوس
معابد تتلى فيها آيات الثناء على جنابه الرفيع بكرة وعشياً ما كنت قاضياً واجب
شكره ]([8]). بينما التوحيد عند الوهابيين
هو: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبودية والانقياد والاستسلام لأوامره, وعدم صرف
شيء مما للإله إلى البشر أو إلى الطواغيت.
كما بينوا
ذلك في كتاب التوحيد فبدأوه بقوله تعالى: ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون(, وقوله تعالى )ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن
اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت(, وقوله تعالى ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه (, وغير ذلك من الآيات التي تثبت
هذا المعنى.
كما أن رجال
الحركة ومعهم جميع المؤمنين والمسلمين يرون أن إطلاق مثل أوصاف محمد عبده السابقة
على جمال الدين أو غيره من البشر يعدُّ ضلالاً, و تأليهاً للرجال, وكفراً بالله
تعالى.
وأما القوانين
الوضعية عند محمد عبده فلها منزلة كبيرة, تكاد تصل قريباً من منزلة البرنسيس نازلي
فهو يطلب احترام قوانين الحكومة وأمرها ويقول: [ أما الإنسان الذي ساعده التوفيق
بالانقياد لأحكام القانون فإن حفظه باطناً وظاهراً وتمسك به غائباً وحاضراً وصار
ركنا من لوازم حياته وعدة لمقاصده وغاياته ولهج لسانه في بكره وعشياته إلى أن عرف به واجباته الحقوقية وفرائض
معيشته العموم والخصوصية...الخ ]([9]).
وللعلم فقد
كانت القوانين السائدة آنذاك في مصر هي القوانين الإنجليزية والفرنسية. أي أنه لا
يتقيد بالقرآن والسنة بالشكل الذي يطلب فيه من الناس التقيد بالقانون.
بينما عند المسلمين وعلى رأسهم رجال حركة
الإصلاح بزعامة الشيخ محمد ين عبد الوهاب: يَكْفُر من حكم بالقوانين الوضعية, أو
تحاكم إليها مختاراً([10]).
وفي مجال
التعامل مع الكفار: كان محمد عبده يوالي أعداء الله من الكفار, وكما ذكرنا فقد كان
يراسل الإنجليز, ويعطيهم معلومات تجسسية عن مصر([11]),
وكان يراسل اليهود والنصارى وغيرهم ويمدحهم.
بينما رجال
الحركة ومعهم المؤمنون يرون أن موالاة الكفار والتجسس لصالحهم وزيارة الكنائس
والأديرة، ناهيك عن امتداحهم الذي كاد أن يشبههم بالأنبياء, ودعاءه بتأييد
مقاصدهم، كل هذا وأمثاله كفر وضلال. فتأييد مقاصد الكفر مثلاً هو نقض لمقاصد
الإيمان.
ومن الإيمان
عند محمد عبده الإيمان بالبلاد كما ذكرنا.
بينما رجال حركة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية يرون أن الإيمان هو: ما جاء
في حديث جبريل عليه السلام, وأنه قول وتصديق وعمل, يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
ومحمد عبده
يرى جواز الاستعانة بالكفار حيث يقول: [ فقد قامت الأدلة من الكتاب والسنة وعمل
السلف على جواز الاستعانة بغير المؤمنين وغير الصالحين... وإن الذين يعمدون إلى
هذه الاستعانة.. لم يفعلوا إلا ما اقتضته الأسوة الحسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وإن من كفّرهم أو
فسّقهم فهو بين أحد الأمرين إما كافر وإما فاسق, ولا يحزنهم شتم الشاتمين ولا
يغيظهم لوم اللائمين ]([12]).
وقول محمد
عبده هذا فيه كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
بينما رجال حركة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية
يعملون بمقتضى مثل هذا الحديث مما ورد عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ:[ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم قِبَلَ بَدْرٍ, فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ
قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ, فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَوْهُ, فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:جِئْتُ لأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ.فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لا.
قَالَ:فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ. قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى
إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ
أَوَّلَ مَرَّةٍ, فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ أَوَّلَ
مَرَّةٍ قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ]([13]).
ومحمد عبده
يرى جواز منع تعدد الزوجات كما سبق.
بينما رجال
حركة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية والمؤمنون يعملون بقول الله تعالى: )فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ
النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ (, ويقولون: أجمعت الأمة على كفر من حرم حلالاً معلوماً من الدين
بالضرورة.
ومحمد عبده
يرى الوحي بأنه [ عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من الله بواسطة أو بغير
واسطة]([14]).
ورجال
الحركة الإصلاحية والمؤمنون يرون أن الوحي هو ما يوحي به الله عز وجل إلى رسول من
رسله, بواسطة الملك, أو بسماع كصلصة الجرس, أو بالرؤيا يراها الرسول, أو بخطاب من
وراء حجاب, كما ثبت ذلك في السنة الصحيحة. والله أعلم
و أما
العرفان الذي يجده الشخص فيحتمل أن يكون من إيحاء الشياطين.
وفي ختام
هذه الفقرة وتعليقاً على كلام محمد عبده الأول في أتباع الحركة الوهابية
نقول: إذا كان هذا حال العلم والمدنية أي
ما سبق من تأليه الرجال, وتحليل الحرام,
وتحريم الحلال, وموالاة الكافرين، و زيارة الكنائس والأديرة, والتزلف إلى النصاري
والشيوعيين, وإقرار البابية والبهائية, وامتداحهم على كفرهم, وإحلال القانون
الوضعي محل أحكام الله تعالى, ومدح الموسيقى والوله بالبرنسيس...الخ, نقول: نعم
إذا كان هذا هو العلم و هذه هي المدنية فليس رجال الحركة الإصلاحية التي بدأها
الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومعهم جميع المسلمين ليسوا لهذا العلم بأولياء, ولا لهذه المدنية بأحِبَّاء, فقد
تركوا حبَّ هذا والتعلق به إلى محمد عبده وحزبه وأصحابه ومن على شاكلتهم, وتبرؤوا
منهم ومن أعمالهم, وبدا بينهم وبين محمد عبده وحزبه العداوة والبغضاء أبداً حتى
يؤمنوا بالله وحده.
[1]
- الزخرف:23
[2]-
الأعمال الكاملة, (3/ 332) -الطبعة الأولى لدار الشروق.
[3]- المصدر السابق, (3 / 26).
[4]- المصدر السابق,(3 /
147).
[5]- المصدر السابق,(3 /
159).
[6]- المصدر السابق,(3 / 209).
[7]- المصدر السابق,(2 / 499).
[8]- المصدر السابق,(1/ 729).
[9]- المصدر السابق, (3 / 310), وراجع(3 / 338 - 339).
[10] - وليراجع من شاء: نواقض الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب,
ورسالة تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم, والدرر السنية في الأجوبة
النجدية(المجلدات: الثامن والتاسع والعاشر).
[11] - راجع رسائله إلى بلنت, وآن بلنت من كتاب الأعمال الكاملة, (1 /
235).
[12]
- الأعمال الكاملة, (1/ 483).
[13]
- رواه مسلم برقم, (1817).
[14]
- الأعمال
الكاملة, ) 3 / 428).
0 التعليقات:
إرسال تعليق