{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}
رضوان محمود نموس
إن لله جل وعلا سنناً كونية وسنناً شرعية في هذا الكون فهو لا يحابي أحداً ولا يظلم أحداً, إنما هي أعمال وعقائد, فمن أتى بخير سيلقى خيراً ومن أتى بشر فلا يلومنَّ إلا نفسه.
قال تعالى في الحديث القدسي:[يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ] صحيح مسلم (4/ 1994)
[وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ] صحيح مسلم (4/ 1987)
فليس بين الله وأحد من الخلق علاقة قربى ونسب أو صداقة وحسب، إنما هو الإيمان والطاعات. {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]
بل إنه تعالى قال لنبيه الكريم: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]
فإذا كان هذا الخطاب يوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بمن عداه؟!
وخاطب جل وعلا الأنبياء فقال الله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] أي: لو أشركوا بالله جلَّ وعلا لحبطت أعمالهم، فليس بين العباد وبين الله صلة بقرابة أو ما أشبه ذلك إلَّا صلة العبودية له وطاعته، وحده والعمل بما أمر وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان والعمل بما أخبر فمن أطاعه فهو وليه الكريم عنده ومن عصاه فهو المحروم البعيد عنه.
فليس من الخلق مخلوق يصلح معه الشرك أصلاً، فالشرك محبط للأعمال مطلقاً:
وَقد علم عز وَجل أَنه صلى الله عليه وسلم والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام لَا يُشْركون أبدا. ولكن تقريراً لقاعدة ربط النتائج بالمقدمات وعدم المحاباة وأن القواعد الربانية والسنن الإلهية سارية على جميع خلقه ورداً على يهود ونصارى ومن يسير على طريقهم بزعم المحاباة والدالة.
عندما زعموا أنهم أبناء الله قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [المائدة: 18]
بل وفيما دون الشرك عندما ترك يونس عليه السلام قومه دون إذن من الله تعالى فما كانت النتيجة؟. قال الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 139 - 144].
وفي يوم أحد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 152]
فعندما عصى بعضهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومال هذا البعض إلى الغنائم صرف الله النصر عنهم ربطاً للنتائج بالمقدمات.
فهذه سنته التي لا تبديل لها فلا يكون النصر للمؤمنين على الكافرين، إلا بعد توفر الإيمان المستلزم لذلك فإذا نقص بالمعاصي كان الأمر بحسبه.
ولكن كثيرا من المنتسبين إلى الإسلام اليوم وخاصة منهم أولئك المنتظمين في جماعات وأحزاب؛ يظنون أنهم قد حصلوا على الكرت الأخضر, ومهما عملوا فلا غبار عليهم أليسوا من المسلمين أليسوا هم في الحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية ؟.
يسايرون الكفار ..ينادون بالديمقراطية.. بالتعددية.. بالمواطنة.. بالتحاكم إلى الصندوق.. بالرضى بزعامة الكافر ومنهج الكفر إذا قرر ذلك الصندوق.. بالتحاكم إلى ما يسمونه الشرعة الدولية.. بعدم تحكيم شرع الله إذا لم يقبل الشعب .. ألخ.. وإذا انتقدهم منتقد, أو نصحهم ناصح, أو بين ضلالهم مبين, يعتبرون هذا النقد موجهاً للإسلام, وكأنهم اختصروا الإسلام بأشخاصهم رغم انحرافاتهم وضلالهم بل أحياناً ردتهم.
وإذا ذكر لهم ناصح آية أو حديث قالوا نزلت في الكفار وليست بنا.
فنقول لهم: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر: 43]
فإن الله لا يحابي أحداً
{فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين} [يونس: 102]
{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [آل عمران: 137]
{وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 86]
إن ما يأتون به من القول والفعل في كثير من حالاته مكفر, ويظنون الأمر هيناً! فهو عندهم مناورات سياسية, ومسايرة للقوى الكفرية, ولكنه عند الله عظيم قال الله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم: 25 - 29]
إن هذه الآيات تشير إلى عدد من الأحكام القدرية والسنن الإلهية؛ فهي تفيد أن الله تعالى قضى قدراً بأنه لا يثبت أمام فتن الدنيا والآخرة إلا من يثبته الله، وتثبيت الله إنما يكون لمن هداه إلى كلمة لا إله إلا الله بمعناها الشامل الكامل؛ المقتضي إفراده سبحانه بالحكم والأمر والعبادة والطاعة والمحبة والخوف والرجاء والاتكال والاعتصام وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه؛ فمن أحب الله وحده، ورجا الله وحده، ولم يخف إلا من الله وحده فذلكم الثابت بتثبيت الله. والآية أيضاً تفيد أن الثبات يضمحل ويذهب عمن أخل بذلك فظلم نفسه بالرضى بالتحاكم لغير الله ومسايرة أعداء الله وبالترجي والتوسل لنيل الآمال بالمشركين بالله.
وكلما ضلوا في أمر ولم يتوبوا ويؤبوا يزداد ضلالهم ويستسهلوه ويعتادوه ويألفوه [وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ] .
وكلما تقارب الزمان كان فعل الفتن في الناس أكبر وشره أخطر؛ لأنها تتكاثر وتكبر كما تكبر كرة الثلج كلما تدحرجت, وعدم التناصح والردع والمديح الباطل يجعل أهل الهلاك لا يشعرون بما هم عليه حتى يصلون إلى نقطة لا يستطيعون التراجع, ويتتابع الهلاك على أقوام ما كانوا يظنون أو يظن الناس فيهم أنهم يفتنون, ولا يزال الأمر في تصاعد وتزايد حتى تتغير الأحوال من تنقُّل بين الفتن والانحلال إلى تقلُّب بين وديان الكفر والضلال وشعاب الردى والابتعاد عن الهدى؛ بل ربما يصل الأمر إلى تأصيل الكفر واعتباره من الإيمان عياذاً بالله.
قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 103 - 105]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا] حيث صحيح مسلم (1/ 110)
0 التعليقات:
إرسال تعليق