أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (59)
من ضلالات محمد عبده
رضوان محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن محاولة محمد عمارة تحديد الأسوة والقدوة والرواد للصحوة الإسلامية بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل, والرائد الرابع من الناحية التاريخية وهو الثاني والأهم من ناحية التأثير هو محمد عبده. عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
المبحث السادس مصلحية محمد عبده ونفاقه:
كان محمد عبده في مصر يصرح بكراهيته للأتراك معتمداً على دعم الإنجليز له. ففي رسالته إلى بلنت الإنجليزي صديقه وصديق كرومر يقول محمد عبده: [ أريد الآن أن أزيل من الأذهان الفكرة الخاطئة التي تزعم أن عرابي أو الحزب العسكري أو الحزب الوطني – القديم - أدوات في أيدي الأتراك فإن كل مصري عالماً أو فلاحاً, حرفياً أو تاجراً, جندياً أو مدنياً, سياسياً أو غير سياسي, إنما يكره الأتراك ويمقت ذكراهم غير العطرة ولا يوجد مصري يخطر له أن ينزل بأرضه تركي دون أن يشعر بنبض يدفعه نحو سيفه ليخرج به الدخيل.
إن الأتراك مستبدون خلفوا بمصر كوارث ما زالت تدمي في قلوبنا ونحن لا نستطيع أن نتمنى عودتهم أو نتمنى أن تكون لنا بهم صلة ]([1]).
وقال: [إن السر في غضب السلطان عبد الحميد من القس الإنجليزي إسحق تيلور في الدعوة لتوحيد الأديان, وموافقتي وميرزا باقر وعلماء دمشق له, ومراسلتنا إياه, أنه خشي أن يعتنق الإنجليز الإسلام, ثم يطلب أن يكونوا أصحاب الدولة في الإسلام وتكون الملكة فيكتوريا ملكة المسلمين... ويذهب السلطان من السلطان... وسبحان مدبر العقول؟؟!! ..]([2]).
حقاً سبحان مدبر العقول هكذا يظن عميل الإنجليز محمد عبده أن السلطان يخشى أن يسلم الإنجليز ولا أدري هل قال عبده ذلك في صحوه أم في سكره؟!
ويقول:[استبداد السلطان عبد الحميد: إن أخوف ما أخافه من استبداد عبد الحميد وظلمه هو: إفساده لأخلاق العثمانيين لا لإدارتهم, فإن إصلاح الإدارة من بعده يسهل إذا كانت الأخلاق صالحة, ولا يحتاج على زمن طويل إذا كانت الأخلاق سليمة, ومتى فسدت الأخلاق فإن إصلاحها لا يسهل إلا بعشرات من السنين, كما جربنا في أنفسنا.. فإن إسماعيل باشا أفسد الإدارة وأفسد الأخلاق, فلما وجدنا ريح الحرية, وأردنا أن ننهض بالإصلاح كان فساد الأخلاق هو الذي عاقنا لا فساد الإدارة, ولولا ذلك لكانت هذه المدة التي أبيح لنا فيها ما نشاء من التربية والتعليم والكتابة والخطابة والاجتماع كافية لأن نرتقي فيها ونكون أمة. ... إن السلطان عبد الحميد هو أكبر مجرم سفاك هذا العصر..؟!]([3])
ويقول محمد عمارة: [في 30 يوليو سنة 1901 وصل الأستاذ الإمام إلى الآستانة, وكانت سبقته إليها وشايات خصومه به إلى السلطان, واجتهدت السلطات العثمانية في القبض عليه وإهانته, وكان الإمام يحمل توصية من اللورد كرومر إلى سفير إنجلترا لدى الدولة العثمانية بالتدخل لإنقاذه إذا ما تعرض لسوء.. وكانت الحجة الظاهرة للسلطات العثمانية أن الإمام يرافق في تنقلاته هناك "زنكي مغامز" مراسل المؤيد, وصاحب العلاقات القوية بأصحاب "المقطم" بمصر, وهو الرجل الذي ادعى دخوله الإسلام, ثم عاد لمسيحيته.. ولقد نصح أحمد شفيق باشا _وكان بالآستانة يومئذ_ الإمام بعدم استخدام توصية كرومر إلا بعد استنفاد كل الوسائل الممكنة الأخرى.. ونجح أحمد شفيق في توصيل رأيه إلى السلطان حيث ضمن تقريره إليه أن إهانة الأستاذ الإمام ستغضب مصر كلها بما فيها الخديو عباس.. وانتهت الأزمة بطلب السلطان إلى الإمام بواسطة أحمد شفيق, أن لا يطيل مدة إقامته بالآستانة؟!.. وقبل أن يغادر الإمام عاصمة الدولة العثمانية استجاب لطلب أحمد شفيق باشا في كتابة هذه العريضة. ورفعها إلى السلطان عبد الحميد.. ويقول أحمد شفيق باشا: إن الإمام بعد أن سافر إلى جنيف جاءت التقارير بعودته لمهاجمة السلطان والاتصال بالطلبة المصريين هناك وبلبيب بك البتناوي وأيضاً توزيع نشرات ضد السلطان في مصر.
انظر: أحمد شفيق باشا (مذكراتي في نصف قرن) ج-2 ص382 طبعة القاهرة, الأولى, سنة 1936م.]([4])
أما العريضة التي رفعها محمد عبده: إلى السلطان عبد الحميد فهي
[أرفع إلى مولاي أن عبده المخلص أحمد شفيق بك, سكرتير الجانب الخديوي أنبأني أن الإدارة السنية أصدرت إلى محافظ العاصمة بأن يكف عما كان تشبث به من طلبي إلى دائرته بصفة رسمية, لغير سبب أعرفه, كما أنه أبلغني أيضاً أن السبب فيما قد كان, هو ورود تقارير في شأني. ومما فيها: أن شخصاً مسيحياً قصيراً ذا لحية يضع نظارات على عينيه يلازمني من يوم مجيئي إلى الآستانة مع أن له علاقة ببطريرك الكاثوليك في سوريا, ولهذا البطريرك علاقة بأصحاب جريدة المقطم. أما الإرادة السنية فقد جبرت قلباً كسيراً, وكشفت هماً كثيراً, وأزالت منكراً كبيراً, فهي نعمة أشكرها ولا أكفرها. وليس في وسع قلب أن يقدرها قدرها.
وأما بيان السبب فمرحمة أخرى أضيفت إلى أختها ومثل الخليفة جدير بأن يضمن النعمة الواحدة ألف نعم, لكن عذري في اصطحاب الرجل الذي وصف لي هو أني أعرفه مكاتب "المؤيد", ولم أر في رسائله ما يخالف الولاء الصادق للذات الشاهانية, وبينه وبين أرباب "المقطم" عداوة, حتى أني كنت أعتقد أنه مسلم ولم أعرف أنه مسيحي وله بطريرك إلا أمس, ولهذا كنت أستصحبه في زياراتي ليدلني على الأماكن التي لا أعرفها. ... ولم يبق علي إلا أن أتقدم إلى الكرم الملوكاني, واستمنحه الإذن لي بالسفر, فإني في أشد الحاجة إليه, ولا ريب عندي في إن مولانا يمن علي بإذنه الكريم في مبارحة الآستانة في وقت قريب, وإني لا أزال شاكر النعمة مستعداً لخدمته. أيد الله دولته وقوى شوكته, والأمر لمن له ولاية الأمر.
التوقيع: مفتي الديار المصرية: "محمد عبده 31 يوليو سنة 1901 _14 ربيع الآخر سنة 1319 ]([5])
ثم أرسل إلى رشيد رضا يخبره أن السلطان لا يستطيع عمل شيء له لأنه مدعوم من كرومر:
ولدنا العزيز..لم يصل إلي كتابك هذا إلا هذا اليوم, 28 أغسطس وذلك ببركة الآستانة العلية _الشيخ إسماعيل_ قابلني في آخر يوم كان لي بالآستانة, وصحبني من البيت إلى الكبري, ثم أمرته بمفارقتي, وسافرت بعد ساعتين, أعطيته ورقة زيارة لنجل أحمد عزت بك ولا أدري هل يساعده أو يواعده.
لا يمكن لشخص مستقيم السيرة أن يجد عملاً أو يصيب خيراً في الآستانة. وعلى كل ذي دين أن يفر منها بدينه وببقية نفسه.
تعلمت في الآستانة ما لم يمكن ليعلم إلا بالمشاهدة, وستسمع منه ما يمكن التعبير عنه عند اللقاء إن شاء الله تعالى. .. وليتني أعرف ماذا كتب "مصطفى كامل", فقد بلغني أنه كتب أنني حبست في الآستانة ...الخ كما بلغني أن ذلك أشيع عندكم. ولا آسف على شيء أشد مما آسف على جهل قومي بأن السلطان لا يستطيع حبسي لو أراده, وهو يعلم عجزه عن ذلك حق العلم, ولذلك أسباب لا أحب ذكرها الآن]([6])
ولكنه لما كان في المنفى, وأصبح في بيروت بعيداً عن مركز الدعم الإنجليزي. قال في افتتاحية محاضرة ألقاها هناك: [أفتتح كلامي بالدعاء لمولانا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين السلطان عبد الحميد خان, فمقام هذا الخليفة الأعظم فينا هو الحافظ لنظامنا والمحامي عن مجدنا والآخذ بميزان القسط بيننا وهو هادينا إلى أفضل سبلنا فهو ولي النعمة علينا ولو أفرغنا جميع أوقاتنا في الدعاء لعظمته ما أديناه حقه علينا فاللهم أيد شوكته وأيد دولته ومتع بوجوده رعاياه الصادقين ]([7]).
ويقول:[ إن من له قلب من أهل الدين الإسلامي يرى أن المحافظة على الدولة العلية العثمانية ثالثة العقائد بعد الإيمان بالله ورسوله ]([8]).
ولا أجد نفسي مضطراً إلى التعليق على صاحب الوجهين و اللسانين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق