{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ}
رضوان محمود نموس
إن أناساً من بني جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا, ويدّعون أنهم منا, استنكروا ذبح الزنادقة والمرتدين, وقتل الكافرين المحاربين, وتشدقوا في حقوق الإنسان, وموافقة أهل الكفر والطغيان, رغباً ورهباً من هيئات الأعداء, وعدم التفات لما يقرره رب الأرض والسماء.
وما حداني للكتابة في هذا الموضوع, وحملني على تبيينه, وبعثني على الكشف عن خطورته؛ هو الأخذ بتلابيب أناس وحجزهم عن أن يسقطوا في الجحيم, ويخذلوا المجاهدين، ويوالوا الكافرين، ويطعنوا في المؤمنين من الخلف.
فإن كان دينهم واهياً حتى لا يملك ردعهم، وعقلهم آفناً حتى لا يستطيع ردهم عن غوايتهم, ونفاقهم آثراً حتى يدعَّهم إلى المهالك دعّاً؛ فلا بد من الأخذ بحُجَزِهم حتى لا يتطاولوا في النيل من الجهاد، واستمراء الإفك والعناد، ولا يوغلوا في العماية ويتسكعون في بيداء الغواية، ولا يمعنوا في التيه، ويركبوا متن الغرور، ولا يتيهوا في شعاب الباطل، ويهيموا في أودية الضلال.
فإذا لم يلابسوا الدين، ولم يمارسوا الإيمان واليقين، ولم تبلغ مداركهم أحكام الشرع المبين، فلا يصل إليه علمهم، ولا تبلغ إليه أفهامهم، ويعتنفون الأمر اعتنافاً، ويأتونه عميَّا، فلا أقل من أن يريحوا أنفسهم والناس من مكائهم وتصديتهم.
أم أنهم مشفقون من عدم رضا الكفر، وجزعون من مخالفته، وهلعون من عدم موافقته، فيخشون أن تصيبهم دائرة {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}المائدة52 لقد انفصمت عرى قلوبهم، ودكت حصون انتمائهم، ووهى جَلَدَهم، ورق جلدهم، وخار جأشهم، ونضب معين رجولتهم.
فاستكانوا لرغبة الكفر، واعتبروها أمراً واجب التنفيذ، وأخلدوا إلى مطاوعتهم زهداً فيما عند الله, ورغبة بوعود كفرية سرابية.
فهم لا يتماسكون من الكرب والفزع، ولا يتقارّون من الهم والجزع، أن يغضب عليهم الكفار، ولا يركن إليهم الأشرار {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } الأحزاب19
ضاقت عليهم المسالك، فغدوا حائري الطرف مدلهي العقول، ذاهبي القلوب، مستطاري الفؤاد، مزدهفي اللب.
أم أن الدين عندهم أمر، يُنْقَبَضُ منه حياءً، فغدوا أمام عدوهم أحيا من العذارى، وأخجل من المخبآت الكعاب، تضرج خدودهم من أمر دينهم، ويشرق لونهم من أحكام ربهم، يطرقون رؤوسهم وينكسون أبصارهم، ويكسرون طرفهم من عقيدتهم، ومحكمات قرآنهم وسنة نبيهم، حتى يتمنون لو تسيح الأرض بهم مما في الدين من أحكام الجهاد، وقتل أهل الكفر والعناد، والبراء من الكافرين، وموالاة المسلمين.
إن الحياء من تأييد الحق وإنكار الباطل، هو ضعف وعجز, وجبنٌ وخور
والأولى لأولئك المسرفون المفرطون أن يستحيوا من الله أما يخافون من بطشه ويخافون العبيد, أفَبِالْباطِلِ العاطل الزاهق الزائل يُؤْمِنُونَ ويرغبون, وبما عند الله يزهدون.
وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر فإن بلية الإسلام بهم شديدة, ومصيبتهم غير جديدة. يخلصون لأعداء الله ويغدرون بجند الله.
ونزلت آيات كثيرة، تخبر عن أوصافهم، وأهدافهم، ووسائلهم الدنيئة لهدم الدين، أو إضعاف المسلمين. قال تعالى:{وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 30 - 32]
فمخافة الخلق عند هؤلاء المنافقين أعظم من مخافة الله عز وجل، لذلك تجدهم يحرصون بالوسائل المباحة والمحرمة على تجنب الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم، خصوصا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41]
وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 28]
فهم أمام الله وأمام المؤمنين، يتواقحون تواقح الذئاب، وتندلع ألسنتهم دون حساب، ويردون أحكام الله بصلابة جبين، ووجه ما به معين، نضب منه الماء، وجف الحياء.
يتفاخرون بما لا يحكى، ويتبجحون بما يملأ الفم بلسان ذرب، وقلب غير متئب.
إن ما يقولونه ويعلنون به من إدانة لقتل الزنادقة والمرتدين وقمع الدجاجلة المحاربين، وتمسك بقانون الكافرين، يدل على باطن نغل، وقلب مريض، ونية فاسدة، وإيمان مدخول.
وإن كانوا يظنون أن ثرثرتهم وغثاءهم رأي سديد وأمر رشيد، وأنهم يفتلون في الذروة والغارب، ويماحضون الكفر وداً كاذب، فعلى أنفسهم يكذبون، ولها يخدعون وبها يمكرون.
فما كلامهم إلا نفاق، وما رأيهم إلا شقاق، لم يرضوا الله ولم يرضوا المؤمنين بل ولن يرضوا الكافرين.
فحيلتهم مأفونة، وصفقتهم مغبونة.
فليعودوا إلى ربهم، وليتوبوا إلى بارئهم، قبل أن يندموا حين لا ينفع الندم، ولات حين مناص.
0 التعليقات:
إرسال تعليق