لا
تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته (25)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة عن ارتباط السعودية
بأمريكا وأخذها موقع ذيل الكلب رغم أنه كلب عقور وبه داء الكَلَبْ. ويتابع في هذه
الحلقة بنفس السياق
وحقيقة الأمر أن الولايات المتحدة كانت تعتبر السعودية
منذ عام 1945 بمثابة ِأكبر احتياطي استراتيجي للثروات الطبيعية في العالم.... هذا
وقد استثمرت السعودية مبلغ 49 مليار دولار في أمريكا منها 10 مليارات في الخزينة
الأمريكية (انظر واشنطن بوست عدد 12/12/1976) وفي عامي 1977- 1978 كرست السعودية
مبلغ 10 مليار دولار لشراء أسلحة من الولايات المتحدة.على أن تلاقي المصالح هذه
بين الدولتين قد أدى أخيراً إلى عقد اتفاق سري يقضي بأن توظف السعودية 50% من
فائضها المالي السنوي في أمريكا ومن المعروف أن هذا الفائض قد بلغ 17 مليار عام
1976 فقط. وتوظف فيه أيضاً 87% من رساميلها المتوفرة وكل ذلك بمعدل فائدة لا
تتجاوز 5- 7 % وتغطي أمريكا هذه الفوائد عن طريق تصدير مواد الاستهلاك العديدة
إليها. كما أن الولايات المتحدة تضمن للسعودية مقابل هذه الخدمات مساعدة تكنلوجية
وعسكرية وحماية سياسية دبلوماسية وتقوم المخابرات المركزية الأمريكية بالتغطية
الأمنية للنظام السعودي وحسب إحصاءات 1978 يوجد في السعودية ثلاثون ألف مواطن
أمريكي من بينهم أربعة آلاف عسكري) ([1])
وهكذا تكرس وضع السعودية ودول الخليج كترس في الآلة
الأمريكية الطاغوتية التي تتزعم محور الشر المتمثل في التحالف الصهيوني
البروتستنتي بل أصبحت السعودية جزءاً من هذا المحور.
وفي المجال السياسي فلم يخرج عبد العزيز من اليد
الإنجليزية إلا إلى اليد الأمريكية فتسلمه "روز فلت" من
"تشرشل" وبقي في أحضان أمريكا إلى أن هلك ثم سار ابنه سعود على نفس
النمط وتطور الاحتلال الأمريكي في عهد سعود أكثر من خلال الاتفاقات التي تمت في
ولايته
أما فيصل فمنذ
أن كان ولياً للعهد بدأ يزاود على سعود في الولاء لأمريكا فلقد أخبر الأمريكان
بصراحة عندما قال لهم [إنني أقول لكم بصراحة أن هناك من الأمريكان المسئولين عندنا
من يكتب لكم ضدي ويزعم أن سعودا ًأكثر إخلاصاً لأمريكا مني لكنهم على خطأ فإنني
أصدق صديق لأمريكا]([2])
وفي عام 1962 زار الأمير فيصل أمريكا ليعلن الولاء
ويطلب الحماية ولقد وافق الرئيس الأمريكي
"كيندي" على ذلك.
[وفي 25/ تشرين الأول, أكتوبر/ 1962 أرسل كيندي إلى
الأمير فيصل رسالة قدم فيها تأكيداته باهتمام الولايات المتحدة العميق باستقرار
السعودية وتأييدها الكامل للحفاظ على سلامتها الإقليمية ولاحظ أن السعودية تحتاج
إلى جو يخلو من المهاترات المضادة والتحريض من الداخل أو الخارج كي تنجح في تحقيق
أهدافها([3])
وقد بدأ تنفيذ العنصر العسكري بإرسال سرب مقاتل من
الطائرات الأمريكية للطيران فوق الرياض في تظاهرة لها دلالتها الواضحة]([4])
[ثم كانت الخطوة الثانية وهي إذاعة رسالة كيندي إلى
الأمير فيصل السابق الإشارة إليها في 8/1/1963 لتأكيد النية الأمريكية في الدفاع
عن السعودية. وأخيراً كانت الخطوة الثالثة وهي تكرار العنصر العسكري في السياسة
الأمريكية بإرسال مدمرة أمريكية في زيارة مجاملة إلى ميناء جدة في 15/1/1963 ]([5])
ومن الإشارات التي لها دلالتها أن رسالة كيندي أرسلت
إلى فيصل بينما الملك هو سعود وهذا يعني أن أمريكا قررت عزل سعود وتولية فيصل وفي
يوم الرسالة 8/11/1962 أشار كيندي إلى الاضطرابات الداخلية نتيجة لشكوى فيصل على
سعود ولهذا أرغم السفير الأمريكي سعوداً على مغادرة البلاد فغادرها في 30/12/1962
أي بعد رسالة كيندي بثلاثة أسابيع.
وهذا هو النص الرسمي لخطاب كيندي. [صاحب السمو الملكي الأمير فيصل:
في الوقت الذي تنهضون فيه سموكم بالمسئوليات الجديدة
والمهمة لدى عودتكم إلى بلادكم العربية السعودية, أرغب في أن أستذكر زيارتكم للبيت
الأبيض في 15أكتوبر, ولقد ذكرت لكم حين ذلك, وأود أن أكرر الآن أن البلاد العربية
السعودية تستطيع أن تعتمد على حماية وصداقة الولايات المتحدة وتعاونها في تصريف
المهام العديدة التي تتمثل أمام قيادتكم في الأيام المقبلة, إن للولايات المتحدة
اهتماماً عميقاً ومقيماً باستقرار البلاد العربية السعودية وتقدمها وإنني واثق بأن
البلاد العربية السعودية بقيادتكم الحازمة والحكيمة ستمضي قدماً وبنجاح في جادة
التطور العصري والإصلاح. الذين تفاهمنا عليهما وعبرتم لي عن رغبتكم فيهما رغبة
واضحة أيما وضوح. وباتباعكم هذا السبيل أقول لكم أن تكونوا على ثقة من حماية
ومؤازرة الولايات المتحدة التي اتفقنا عليها مؤازرة كلية في الحفاظ على سلامة كيان
المملكة العربية السعودية
إنني على تمام العلم بأنكم كي تبلغوا أهدافكم ينبغي أن
يتوافر لكم الهدوء الذي لا غنى عنه والذي يتمثل في جو خال من المؤامرات والتحريضات
الإعلامية والثورية من الداخل والخارج وإني أشارككم قلقكم من أجواء التوتر المخيمة
على المنطقة والتي تعرقل خططكم لتقوية الجهاز الحكومي والكيان الاجتماعي للبلاد
العربية السعودية.
وكما أبلغتكم في واشنطن فإن الولايات المتحدة راغبة في
أن تكون ذات عون على إيجاد وسائل لتخفيف هذا التوتر ولحل قضية اليمن وقضية فلسطين
حلاً يرضيكم ويرضينا ويرضي بقية الأطراف المعتدلة.
والذي أراه لبلدينا في المستقبل ليس هو مجرد الاستمرار
في العلاقات الودية التي بدأت تلك البداية الخيرة في عهد والدكم المجيد, جلالة
الملك الراحل عبد العزيز بل أترقب انفساح فصل في العلاقات السعودية الأمريكية تكون
فيه العروة التي تربط بيننا ولا تنفصم من تعهد كل منا مصالح الآخر تعهداً مستمراً
مطبقة تطبيقاً وثيقاً لولائنا المشترك, بما للإنسان من حقوق راسخة في تحقيق الذات
والتقدم والحرية.
إنني أتمنى لكم اعتباراتي الشخصية كما أرجو الله أن
يحفظكم ويحفظ الشعب السعودي من القلاقل وأن يمنحكم السلام من لدنه.
التوقيع.
جون. ف. كيندي
ورد فيصل على الرئيس الأمريكي بالتالي:
فخامة الرئيس جون كيندي رئيس الولايات المتحدة
الأمريكية – واشنطن.
فخامة الرئيس.
أولاً: تلقينا
نص الرسالة البرقية التي تفضلتم بتوجيهها إلي, والتي قدم نصها سعادة سفيركم بجدة
بتاريخ 8/11/1963 .
ثانياً: إن فخامتكم قد أعدتم إلى الأذهان في هذه
الرسالة التي كان لي شرف القيام بها للبيت الأبيض يوم 5/10/1962, ذكرتم لي أثنائها
وأثبتم ذلك من جديد في رسالتكم الأخيرة أن المملكة العربية السعودية تستطيع
الاعتماد على حماية وصداقة الولايات المتحدة في اطلاعها بمختلف الأعباء والتي
ستواجهها في المقبل من الأيام. ذلك لأن الولايات المتحدة تحرص على أن يسود
الاستقرار في المنطقة وفي أنحاء البلاد العربية السعودية لما في ذلك من مصلحة
للطرفين.
ثالثاً: ولقد تفضلتم بالإعراب عن ثقتكم بأن الحكومة
التي أرأسها تمضي قدماً في الأخذ في النظم العصرية والإصلاحات التي هي ضالتنا
المنشودة وإننا في سيرنا نحو هذه الأهداف نستطيع الاعتماد على مؤازرة الولايات
المتحدة في الحفاظ على سلامة كيان المملكة العربية السعودية.
رابعاً: ثم أبنتم فخامتكم أن بلوغ هذه الأهداف يقتضي
إشاعة جو من الهدوء والطمأنينة لا تعكر صفوه حملات إعلامية مثيرة معادية أو
اتهامات واستفزازات في الداخل والخارج. وأشرتم أنكم تؤازرون كل الخطوات التي نقوم
بها للسير في مجتمعنا إلى مدارج التقدم. ثم أشرتم إلى ما صرحتم لي فخامتكم به
أثناء اجتماعنا بواشنطن من أن الولايات المتحدة راغبة في تخفيف هذا التوتر.
خامساً: ولقد عبرتم فخامتكم عما يخالجها من استمرار
العلاقات الودية بين بلدينا فعلاً, تلك العلاقات التي بدأت بداية مثمرة في عهد
المغفور له والدنا الملك عبد العزيز, بل ومن افتتاح عهد جديد في العلاقات
الأمريكية السعودية لكي تكون الرابط التي تربط بين بلدينا قائمة على تعهد كل منا
لمصالحه تعهداً مستمراً على أساس ما يبني الإنسان من حقوق أكيدة بما يحقق قابلياته
للتطور والحرية.
سادساً: فإني أبادر بالإعراب لفخامتكم عن شكري العميق
على ما تضمنته هذه الرسالة من النوايا الصادقة نحو بلادي ومن تمنيات طيبة, وعلى ما
تفضلتم بإبدائه نحو شخصي من عبارات كريمة وأود أن أعيد إلى ذاكرتكم أن تعهد وتوطيد
علاقات المودة والتعاون بين الولايات المتحدة وهذه البلاد منذ أن أرسى والدي أساسه
وما يزال محل اهتمامنا وعنايتنا. ولقد كان من دواعي سروري أن تأكدوا عزمكم, في
رسالتكم لي, على توطيد هذه العلاقات وزيادتها توثقا ًورسوخاً ونحن من جانبنا لا
ندخر أي جهد في سبيل إقامة العلاقات على أساس من الإدراك الواعي للمصالح الحقيقية
لكل من البلدين وخيرهما المشترك. ومن أجل هذه الغاية ستمضي حكومتي نحو توطيد
علاقات الصداقة والمودة التقليدية نحو زيادة وتنمية أسباب التعاون المثمر في كافة
الميادين بين البلدين. والمؤامرات والمشاحنات لا تؤثر في تقريرها غير بعثرة الجهود
البناءة. ولكن مجتمع اليوم أصبح وثيق الترابط وقد زالت حدوده ولذلك سنلجأ لمعاونة
الدول الصديقة لإمدادها بثرواتنا وإمدادنا بماضي تجاربها وفي مقدمتها الولايات
المتحدة الأمريكية لكي لا يعوقنا عن المضي في هذه السياسة الإصلاحية الكاملة أية
عقبات بالغة.
وفي الختام أكرر لفخامتكم شكري على رسالتكم وعلى ما
تضمنته من عبارات وتمنيات طيبة لخير بلدينا وللإنسانية جمعاء وأنتهز هذه الفرصة
لأجدد الإعراب لفخامتكم عما أرجوه لكم من صحة وهناء, ولمستقبل علاقات بلدينا من
نمو مثمر وازدهار بناء]([6])
ولما تولى كارتر رئاسة أمريكا بدأت الدوائر
الاستراتيجية الأمريكية بوضع خطط لاحتلال في الخليج. ولقد قام الدكتور سفر الحوالي
بدراسة واعية مسؤولة موثقة وقدمها إلى العلماء ثم طبعت في كتاب باسم "كشف
الغمة عن علماء الأمة" بين فيها عدة خطط موثقة من مصادرها الأمريكية وموضحة
بالخرائط والدراسات تكشف عن الاستعدادات الحقيقية لاحتلال المنطقة.
كما بدأ الساسة الأمريكيون يعلنون التصريحات التي تشير
إلى نهم أمريكا النفطي وإلى رغبتهم في احتلال المنطقة فلقد عبر أحد مستشاري كارتر
قائلاً: [لو أن الله أبعد النفط العربي قليلاً نحو الغرب لكانت مشكلتنا أسهل وهذه
العبارة ليس أسوء منها إلا ما قاله أكثر من مسئول أمريكي ومنهم السفير السابق في
السعودية "إننا ذهبنا لتصحيح خطأ الرب حيث جعل الثروة هنا بينما العالم
المتحضر في مكان آخر" ]([7])
ويشير نيكسون بوضوح في كتابه نصر بلا حرب فيقول: [ومع
ذلك فإن أمريكا كانت تستغل كل حدث في المنطقة من شأنه أن يزيد وجودها العسكري أو
يتيح لها نوعاً من التدخل المباشر....والخطة البعيدة المدى يمكن إيجازها في
"وضع نظام أمني للمنطقة يجعلها تابعة أو جزءاً من حلف الأطلسي"] ([8])
[1] - أمريكا استراتيجية الهيمنة والإرهاب دراسة علمية في السياسة
الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية إعداد قسم البحوث والدراسات في رسالة الجهاد,
يونيو 1988
0 التعليقات:
إرسال تعليق