أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (62)
من ضلالات محمد عبده
رضوان محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن محاولة محمد عمارة تحديد الأسوة والقدوة والرواد للصحوة الإسلامية بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل, والرائد الرابع من الناحية التاريخية وهو الثاني والأهم من ناحية التأثير هو محمد عبده. عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
المبحث االتاسع أصول الإسلام عند محمد عبده:
وضع محمد عبده أصولاً ثمانية للإسلام لا يعرفها المسلمون، وهي:
الأصل الأول: النظر العقلي لتحصيل الإيمان.
الأصل الثاني: تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض.
الأصل الثالث: البعد عن التكفير.
الأصل الرابع: الاعتبار في سنن الله في الخلق.
الأصل الخامس: قلب السلطة الدينية.
الأصل السادس: حماية الدعوة لمنع الفتنة.
الأصل السابع: مودة المخالفين في العقيدة.
الأصل الثامن: الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة([1]).
أما الأصل الأول والثاني وهما تقديم العقل فقد تكلمنا على ذلك بما يغني عن الإعادة في الباب الأول الفصل الرابع عندما رددنا على تقديم العقل عند محمد عمارة.
وأما أصله المبتدع الثالث والذي يقصد فيه البعد عن تكفير الكفار,والذي فصله على الشكل التالي:
( أصل ثالث من أصول الأحكام في الإسلام البعد عن التكفير )
هلا ذهبت من هذين الأصلين إلى ما اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم وهو : إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حُمِلَ على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر ، فهل رأيت تسامحًا مع أقوال الفلاسفة والحكماء أوسع من هذا ؟ وهل يليق بالحكيم أن يكون من الحمق بحيث يقول قولاً لا يحتمل الإيمان من مائة وجه ؟.
والإيمان عند محمد عبده أصلاً التصديق بوجود الله فعلى؛ طريقته لا يكفر أحد. حتى إبليس وهنا لا بد من توضيح:
إن الله Y وصف الذين لا يدينون بدين الإسلام بالكفر قال الله تعالى ] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [[آل عمران:19]
و قال الله تعالى ] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [[آل عمران:85]
وكفر بكتابه الكافرين فقال الله تعالى ]وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [ [البقرة:89]
] وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ [[البقرة:88]
] يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [[آل عمران:70]
] وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [[النساء:140]
] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [[المائدة:17]
] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [[المائدة:72]
] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [[المائدة:73]
] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ % لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [[التوبة: 65-66]
] قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا % الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا % أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [[الكهف:103-105]
ولقد كتب الدكتور جعفر شيخ إدريس مقالاً بعنوان :دين لا تكفير فيه ليس بدين قال فيه: [ في عالمنا الإسلامي العربي منه وغير العربي مخلوقات غريبة تريد أن تجمع بين المتناقضات ولا تريد مع ذلك أن يعترض على تناقضها معترض . يريدون أن يقولوا لإخوانهم الذين كفروا من أهل الغرب إنما نحن مثلكم ننتقد الدين كما تنتقدون، ولا نلتزم به كما أنكم لا تلتزمون ، ولا نترك فرصة للسخرية منه ومن المستمسكين به إلا اهتبلناها كما تهتبلون ، ونرى كما ترون أن من حق الأديب والفنان أن ينتقد قيم المجتمع ومعتقداته ويدعو إلى نبذها ؛ لأنه لا يكون أديباً أو فناناً مبدعاً إلا إذا فعل كل هذا بحرية كاملة كما تفعلون . لكن الفرق بين مخلوقاتنا العربية الممسوخة المقلِّدة هذه وبين من هم أسوة لهم من إخوانهم الذين كفروا في الغرب ، أن أولئك إذا قيل للواحد منهم : إنك كافر بالمسيحية أو اليهودية اعترف بهذا وعده من تحصيل الحاصل. لكن مخلوقنا الممسوخ يرتجف ويولول ويطلب النجدة إذا قيل عن كلامٍ كتبه هو أو أحد من شاكلته: إنه كفر وخروج عن دين الإسلام. إنه يريد أن يكون كافراً حقاً، لكنه يرتعد حين يوصف بالكفر المعبر عن تلك الحقيقة. يريد أن يكون كافراً لكنه يريد
أن يعيش في أمن ، وأن يكون ذا سمعة حسنة في المجتمع الذي يتنكر لأحسن ما فيه من معتقدات وقيم, ويريد شأن كل منافق أن يتخذ من انتمائه للإسلام حصناً لهدمه. وهيهات .
وهو حين يواجه هذا الخطر على نفسه وعلى سمعته يتحول إلى واعظ يذكِّر من رموه بتهمة الكفر بقول الله تعالى :)ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( (النحل : 125 ) وهي الآية التي لا يكاد الواحد منهم يحفظ من كتاب الله تعالى غيرها يحفظها ليحتمي بها بعد أن يحرِّف معناها ويؤولها على غير تأويلها. نعم نحن مأمورون بأن ندعو بالحكمة والموعظة الحسنة ! لكن الذي نحن مأمورون بالدعوة إليه هو سبيل ربنا ، وهو أمر واضح المعالم ، بيِّن الحدود . فنحن نفهم السبيل إلى الدعوة بالتي هي أحسن ؛ لكننا لا نفهم من الدعوة بالحكمة وبالتي هي أحسن أن نميع حقائق هذا الدين ، أو أن نطمس معالمه ، أو نزيل الحدود التي تميزه عن غيره فيكون شيئاً هُلامياً لا يُعرف أوله من آخره ، ولا يُعثر فيه على ما يميزه عن غيره ، فلا يمكن لذلك أن يحكم على إنسان بأنه داخل فيه أو خارج عنه . وما هكذا يكون الدين المنزل من عند الله ، بل ما هكذا يكون أي مذهب: حقاً كان أم باطلاً. لا بد لكل مذهب من معالم تحدد هويته، وتميزه عن غيره، حتى يقال عن إنسان إنه منتمٍ إليه أو ليس بمنتمٍ ، وإنه مؤمن به أو كافر به. إن المذهب الذي ليس فيه ما يميزه عن غيره ليس بمذهب. والإسلام دين منزل من عند الله مرتكز على مجموعة من الحقائق، من آمن بها كان مسلماً، ومن أنكرها أو سخر منها أو استهزأ بها كان كافراً . فإمكانية الحكم على إنسان بالكفر أمر لازم لهوية الدين . فالدين الذي لا إكفار فيه ليس بدين ؛ لأنه لا هوية له.
إذا لم تكن للدين هوية ولم تكن له معالم فإلى أي شيء تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ؟ والآية الكريمة التي يستدل بها هؤلاء الممسوخون تبطل دعواهم ، وتدل على تحريفهم . وذلك أنها تبدأ كما قلنا بقوله تعالى : )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ( النحل : 125 ) وسبيل الله هو مجموعة الحقائق والقيم المبينة في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . إنها دعوة إلى توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، دعوة إلى حبه وتقديره حق قدره، دعوة إلى الإيمان برسوله وتعزيره وتوقيره، دعوة إلى الإيمان بأن ما قرره الإسلام حق لا ريب فيه ، وما أمر به عدل لا ظلم فيه وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً (الأنعام : 115) . فكل قول أو فعل يتناقض مع هذا فهو كفر، وكل قائل به وعامل به على بصيرة فهو كافر خارج عن ملة الإسلام، روائياً كان أم ممثلاً أم فناناً ، ناطقاً بالشهادتين أو غير ناطق([2]).
وأما أصله في قلب السلطة الدينية الذي قال فيه:[( الأصل الرابع للإسلام قلب السلطة الدينية ) أصل من أصول الإسلام أنتقل إليه وما أجلّه من أصل قلب السلطة الدينية والإتيان عليها من أساسها ، هَدَمَ الإسلامُ بناءَ تلك السلطة ومحا أثرها حتى لم يبق لها عند الجمهور من أهله اسم ولا رسم].
فهذا هو الذي يسمى فصل الدين عن الدولة أو ما يقولون بمعناه (الدين لله والوطن للجميع) أي أن الوطن ليس لله تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً بل هي قسمة العبادات إذا قاموا بها لله والوطن والدولة والقوانين والأنظمة ...الخ لهم (تلك إذاً قسمة ضيزى) ولقد مر معنا أقوال العلماء بتكفير أصحاب هذا الادعاء في الرد على محمد عمارة في الباب الأول الفصل السادس.
وأما أصله السدس في مودة المخالفين في العقيدة فلقد قال فيه [ولا يخفى على صحيح النظر أن تقرير التسامح على هذا الوجه في نشأة الدين مما يُعَوِّد القلوب على الشعور :، بأن الدين معاملة بين العبد وربه ، والعقيدة طور من أطوار القلوب ، يجب أن يكون أمرها بيد علام الغيوب ، فهو الذي يحاسب عليها، أما المخلوق فلا تطول يده إليها، وغاية ما يكون من العارف بالحق أن ينبه الغافل، ويعلم الجاهل، وينصح للغاوي، ويرشد الضال، لا يكفر في ذلك نعمة العشير، ولا يسلك مسالك التعسير، ولا يقطع أمل النصير ولا يخالف سنة الوفاء، ولا يحيد عن شرائع الصدق في الولاء، ماذا ترى في الزوجة الكتابية لو كانت من أهل النظر العقلي وذهبت مذهبًا يخالف مذهب زوجها ؟ أفينقص ذلك من مودته لها، أو يضعف من شعور الرحمة التي أفاضها الله بينه وبينها، فإذا كان المسلم يتعود الاحتمال بل يتعود المحبة والنصرة لمن يخالفه في عقيدته، ودينه وملته ، ويألف مخالطته وعشرته، وولايته ونصرته، أتراه لا يحتمل أن يرى بجواره من يُعْمِل نظره في نظام الخليقة ليصل منه إلى اكتشاف سر أو تقرير أصل في علم أو قاعدة لصناعة وإن كان قد يخالف ظاهرًا مما يعتقد، أو يميل إلى رأي غير الذي يجد، أفلا يسع هذا ما يسع المجاهر بالخلاف، وهو معه على ما رأيت من الائتلاف ؟ ؟]
وهنا نقطتان أساسيتان على الأقل:
الأولى : قوله: بأن الدين معاملة بين العبد وربه، والعقيدة طور من أطوار القلوب، يجب أن يكون أمرها بيد علام الغيوب، فهو الذي يحاسب عليها.
وهذا يعني عزل الدين عن الحكم في العلاقات والمعاملات وتنظيم أمور الحياة وهو العلمانية الغالية.
أما النقطة الثانية قوله عن الإنسان المسلم: بل يتعود المحبة والنصرة لمن يخالفه في عقيدته، ودينه وملته ، ويألف مخالطته وعشرته، وولايته ونصرته،
إذا يريد أن نوالي الكفار وننصرهم. نعم هكذا كما نطق لسانه وخط بنانه وهذا الأمر له حكمه في الإسلام وهو التالي:
الولاء فرض وواجب بين المسلمين, وحرام ويخرج صاحبه من الملة إذا والى المشركين, والبراء محرم بين المسلمين, بإطلاقه وواجب بين المسلمين والمشركين فمن يوالي الكفار فهو كافر.
بل الولاء للمؤمنين, والعداء للكافرين؛ أصل من أصول الإيمان, ومن لوازم كلمة الإخلاص وشهادة التوحيد, التي من أجلها شهرت السيوف, وقسم الناس إلى معسكرين, معسكر للجنة, ومعسكر للجحيم, وهي كلمة [ لا إله إلا الله].
فهناك دائرتان لا غير؛ دائرة الإيمان, ودائرة الكفر, ومن أراد أن يدخل دائرة الإيمان؛ فلا بد أن يخرج من دائرة الكفر, ويعاديها, ولا يقبل بأي حال أن يضع الإنسان قدم هنا وقدم هناك, قال الله تعالى: ) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (([3]).
وقال تعالى:) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ % قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( ([4]).
عن أَبِي ذَرٍّ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r : { فَقَالَ أَتَدْرُونَ أَيُّ الأعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ قَائِلٌ الصَّلاةُ وَالزَّكَاةُ وَقَالَ قَائِلٌ الْجِهَادُ قَالَ إِنَّ أَحَبَّ الأعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ }([5]).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :{لا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ }([6]).
عَنْ أَبِي نُخَيْلَةَ الْبَجَلِيِّ قَالَ قَالَ جَرِيرٌ أَتَيْتُ النَّبِيَّ r وَهُوَ يُبَايِعُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ فَأَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ: {أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمِينَ وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ }([7]).
فمن عقد الولاء والبراء، والمحبة والمعاداة, في الله؛ فهو عبد لله, .. ومن عقد الولاء والبراء, في غير الله U ؛ فهو عبد لهذا الغير, أياً كان هذا الغير, .. وسواء أقر بعبادته له من دون الله, أم أنه لم يقر.
وسنسوق بعض الأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء على كفر أولئك الذين يوالون أعداء الله:
الدليل الأول: قال الله تعالى: ) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ( ([8]).
قال ابن كثير في تفسير الآية [ ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير: فيه تهديد, ووعيد شديد للأمة, عن اتباع طرائق اليهود, والنصارى, بعد ما علموا من القرآن والسنة عياذا بالله من ذلك, فإن الخطاب مع الرسول r ,والأمر لأمته, وقد استدل كثير من الفقهاء, بقوله حتى تتبع ملتهم: حيث أفراد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة, كقوله تعالى لكم دينكم ولي دين]([9]).
الدليل الثاني: قال الله تعالى: ) لاَيتخذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ( ([10]).
قال القرطبي في تفسيره:[فيه مسألتان الأولى: قال أبن عباس: نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء, ومثله لا تتخذوا بطانة من دونكم, وهناك يأتي هذا المعنى, ومعنى فليس من الله في شيء, أي فليس من حزب الله, ولا من أوليائه في شيء]([11]).
وقال ابن كثير في تفسيره:[ نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين؛ أن يوالوا الكافرين, وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين, ثم توعد على ذلك, فقال ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء, أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله, كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة إلى أن قال ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم من بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم]([12]).
الدليل الثالث:) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ( ([13]).
قال ابن كثير:[ فإن من الفساد في الأرض, اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء, كما قال تعالى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين, كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ثم قال إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين, فكان الفساد من جهة المنافق حاصل, لأنه هو الذي غر المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له, ووالى الكافرين على المؤمنين, ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف]([14]).
الدليل الرابع:
قال الله تعالى: ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ([15]).
قال القرطبي:[ الثانية قوله تعالى: ومن يتولهم منكم, أي يعضدهم على المسلمين, فإنه منهم, بين تعالى أن حكمه كحكمهم, وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد, وكان الذي تولاهم "ابن أبي" ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة, في قطع المولاة وقد قال تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وقال تعالى: في آل عمران لا تتخذوا بطانة من دونكم وقد مضى القول فيه وقيل إن معنى بعضهم أولياء بعض, أي في النصرة, ومن يتولهم منكم فإنه منهم شرط وجوابه أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله, كما خالفوا ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم, ووجبت له النار كما وجبت لهم فصار منهم أي من أصحابهم]([16]).
الدليل الخامس:
قال الله تعالى: ) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ % وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (([17]).
قال ابن كثير: [وقوله تعالى ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء. أي لو آمنوا حق الإيمان بالله والرسول والقرآن؛ لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن, ومعاداة المؤمنين بالله والنبي وما أنزل إليه, ولكن كثيرا منهم فاسقون. أي خارجون عن طاعة الله ورسوله, مخالفون لآيات وحيه وتنزيله]([18]).
الدليل السادس:
قال الله تعالى: ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ( ([19]).
قال القرطبي:[ قوله تعالى ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قال ابن عباس: هو مشرك مثلهم]([20]).
فإذا كان الذي يتولى أبويه أو إخوانه من الكفار حكمه حكمهم في الشرك؛ فكيف بمن يتولى الكفار عموماً ؟!
الدليل السابع:
قال الله تعالى: ) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ( ([21]).
قال القرطبي:[ فيه أربع مسائل الأولى قوله تعالى ولا تركنوا الركون حقيقة الاستناد والاعتماد, والسكون إلى الشيء والرضا به, قال قتادة معناه لا تودوهم, ولاتطيعوهم ابن جريج لا تميلوا إليهم, أبو العالية لا ترضوا أعمالهم, وكله متقارب. وقال ابن زيد الركون هنا الإدهان, وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم, الثانية قرأ الجمهور تركنوا بفتح الكاف قال أبو عمرو هي لغة أهل الحجاز وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة وغيرهما تركنوا بضم الكاف قال الفراء وهي لغة تميم وقيس وجوز قوم ركن يركن مثل منع يمنع الثالثة قوله تعالى إلى الذين ظلموا قيل أهل الشرك وقيل عامة فيهم وفي العصاة على نحو قوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا الآية وقد تقدم وهذا هو الصحيح في معنى الآية وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم فإن صحبتهم كفر أو معصية إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة]([22]).
وقال ابن كثير:[ وقوله ولا تركنوا إلى الذين ظلموا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا تداهنوا وقال العوفي عن ابن عباس هو الركون إلى الشرك وقال أبو العالية لا ترضوا بأعمالهم وقال ابن جرير عن ابن عباس ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن أي لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون أي ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم ولا ناصر يخلصكم من عذابه]([23]).
الدليل الثامن:
قال الله تعالى: ) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا % إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ %ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ( ([24]).
قال ابن كثير في تفسيره:[ قال تعالى إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى أي فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر من بعد ما تبين لهم الهدى. الشيطان سول لهم أي زين لهم, وحسنه وأملى لهم, أي غرهم وخدعهم )ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر( أي مالؤوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون ولهذا قال الله عز وجل والله يعلم إسرارهم أي ما يسرون وما يخفون. الله مطلع وعالم به كقوله تبارك وتعالى:) وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ( أعمالهم]([25]).
الدليل الثامن:
قال الله تعالى: ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ( ([26]).
[قال أبو السعود في تفسيره " يقول الله تعالى } يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين { وتعليق الرد بطاعة فريق منهم للمبالغة في التحذير عن طاعتهم وإيجاب الاجتناب عن مصاحبتهم بالكلية ، فإنه في قوة أن يقال لا تطيعوا فريقاً ، فإن هذا الفعل جاء مطلقاً فحذف المتعلق المعمول فيه ليفيد التعميم ، فالآية الكريمة تحذر أيما تحذير عن طاعة أهل الكتاب فضلاً عن غيرهم من أصناف الكفار في جميع الأحوال وسائر شؤون الحياة]([27]).
· أقوال العلماء:
1- قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى :قوله تعالى } لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه { فأخبر أنك لا تجد مؤمنا يوآدّ المحادّين لله ورسوله, فإن نفس الإيمان ينافى موآدّته كما ينفى أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان, انتقى ضده؛ وهو موالاة أعداء الله, فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلا على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب، ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى } ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون { فذكر جملة شرطية تقتضي انه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال } ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء { فدل على أن الإيمان المذكور ينفى اتخاذهم أولياء, ويضاده, ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه ومثله قوله تعالى } لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم { فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمناً ]([28])
2- وقال الشنقيطي رحمه الله تعالى في أضواء البيان:[ قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. ذكر في هذه الآية الكريمة، أن من تولى اليهود، والنصارى، مِن المسلمين، فإنه يكون منهم بتوليه إياهم. وبين في موضع آخر أن توليهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: {تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَوَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ} . ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم مبيناً سبب التنفير منه. وهو قوله: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلاٌّخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّـٰرُ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْقُبُورِ} .
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً، رغبة فيهم أنه كافر مثلهم]([29]).
3 - قال البيهقي رحمه الله تعالى في شعب الإيمان:[ السادس والستون من شعب الإيمان في مباعدة الكفار والمفسدين والغلظة عليهم لقوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ...وقوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون( إلى آخر الآية التي بعدها وغيرها من الآيات ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم قال رسول الله r: { إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدؤهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها} وحديث أبي سعيد t في سنن أبي داود {لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي } ولهجر الثلاثة الذين خلفوا خمسين يوما إلى أن تاب الله عليهم فتابوا وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية رضي الله عنهم]([30]).
4- وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:[ وقد قال عز وجل:)ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( فصح يقينا أنهم كفار لا مؤمنون أصلا وبالله تعالى التوفيق]([31]).
5-وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في أحكام أهل الذمة إنه سبحانه قد حكم ، ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم ، } ومن يتولهم منكم فإنه منهم { فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم ]([32]).
6- وفي سؤال موجه لهيئة كبار العلماء:[ السؤال الخامس من الفتوى رقم 6901 [23] س: ما هي حدود الموالاة التي يكفر صاحبها وتخرجه من الملة
الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
موالاة الكفار التي يكفر بها من والاهم هي محبتهم ونصرتهم على المسلمين وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عبد الله بن قعود عضو عبد الله بن غديان
نائب رئيس اللجنة عبد الرزاق عفيفي الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز
0 التعليقات:
إرسال تعليق