رسائل إلى أهل الثغر(3)
وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
رضوان محمود نموس
إخوتي أهل الثغر؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله الكريم أن يوحد كلمتكم على الحق ويجمع شملكم على طاعته، ويوفقكم للسير وفق كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويؤلف بين قلوبكم ويوحِّد صفكم ويلمَّ شعثكم وينصركم على عدوكم إنه سميع مجيب.
إخوتي الأحبة إن لله أوصى المؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 102 - 105]
وقال جل من قائل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]
فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة ورحم الله ابن المبارك حيث قال:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا مـــنه بعروتــــه الوثقى لمن دانا
قال ابن عباس لسماك الحنفي يا حنفي: الجماعة الجماعة فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها أما سمعت الله عز وجل يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ثم يقول القرطبي فأوجب الله علينا التمسك بكتاب الله وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق... فمن بدَّل أو غيَّر أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبتعدين منه المسوَدِّي الوجوه وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم.
وإن هذه الأمة لن تجتمع على قول زعيم أو منهج وضعي ولو كان قويم فروح الاجتماع التي تسري بين المجتمعين هي العقيدة التي يجتمعون عليها وهي عند المسلمين عقيدة أنزلها الله تعالى وضمن حفظها للأجيال، وضابط فهمها هو فهم الصحابة وعصر الرسالة، فهي التي تشكل المنهج وطريق المسير، ولا يعني هذا عدم مراعاة الواقع وتطوراته ولكن حسب هذا الأساس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: [(واعتصموا بحبل الله جميعا) فالاعتصام به نوعان: اعتصام توكل واستعانة وتفويض ولجاء وعياذ وإسلام النفس إليه والاستسلام له سبحانه والثاني اعتصام بوحيه وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم ومعقولاتهم وأذواقهم وكشوفاتهم ومواجيدهم فمن لم يكن كذلك فهو مُنسَلٌّ من هذا الاعتصام، فالدين كله في هذا الاعتصام، به وبحبله علماً وعملاً وإخلاصاً واستعانة ومتابعة واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة.... والاعتصام هو تصحيح القصد ويكون بشيئين: إفراد المقصود وجمع الهم عليه، وحقيقته توحيد القصد والمقصود، فمتى انقسم قصده أو مقصوده لم يكن صحيحاً، وتصفية الإرادة وهو تخليصها من الشوائب وتعليقها بالسوا أو بالأعراض بل تكون إرادة صافية من ذلك كله بحيث تكون متعلقة بالله وبمراده الشرعي] مدارج السالكين المجلد الثالث صفحة رقم 323.
وأحوج الناس إلى الأُلفة والوحدة والاعتصام بحبل الله هم أهل الجهاد، سيما وأنتم تخوضون معركة من معارك الإسلام الحاسمة والفاصلة معركة تنهي بإذن الله عقودا ممتدة وتاريخاً مترامياً من الجاهلية والتيه والضياع فمعركتنا أيها الأحبة هي:
معركة حاسمة فاصلة منها سيبدأ تاريخ نهضة الإسلام بإذن الله.
معركة الإسلام ضد الجاهلية بكل تشعباتها العلمانية.. الديمقراطية.. الليبرالية.. الاشتراكية.. القومية.. الوطنية.. الدولة المدنية.. الدولة الحديثة.. التعددية.. إلى آخر الجاهليات المحلية والمستوردة والوكلاء والأصليين.
معركة الإسلام ضد الكفر بكل صوره وأنواعه، وأهمه اليهود والصليبية وطوائف الردة والمجوس وأشياعهم {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ }.
معركة الإسلام ضد الطواغيت وعلى رأس هؤلاء الطواغيت الحكام المرتدين ومؤسساتهم وأجهزة حكمهم وإداراتهم وإفتائهم ودعاتهم وإعلامهم فهم الذين يتربعون على كراسي الحكم في البلاد الإسلامية، ويشكلون النسق الأول في طليعة هجوم الكفر العالمي على الإسلام.
إزاء هذه المعركة والتي هي بحجمها وآثارها وتفرعها وهي أكبر مما ذكرت وأخطر مما يظنون لابد من توحيد الكلمة وجمع الشمل ورصّ الصف ونبذ الفرقة وإعدام كل أسباب النزاع والالتفاف حول عوامل الوحدة لنكون الفرقة الناجية.
فنحن في وقت استنفار جميع الطاقات الإسلامية وحشدها، لتشكل محرق العدسة وليس وقت تفجير الخلافات وإثارة النعرات وتشتيت القدرات وكل ما من شأنه تفريق الصف المسلم. والبطل الحقيقي هو الذي يصبر على ما أصابه ولا يثير نزاعاً.
فإن أقوى أسلحة أعداء الإسلام هو بث الفرقة بين المسلمين التي تجعل الصف الواحد عدة صفوف متخاصمة.
إن اتحاد كلمة المسلمين وتعاونهم على البر والتقوى ورأسها الجهاد، واحترام الرأي الآخر والنزول عند الدليل أدعى لدوام الأخوة والموالاة والنصرة فيما بينهم وعلينا أن ندرك جميعاً أننا نتعامل مع أناس خلقوا من تراب وماء وليس مع ملائكة مقربين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] بل نتعامل مع بشر يغضب ويرضى يخطئ ويصيب وينهض ويكبو فلا يوجد معصوم ولا مثالي، فليكن ديدننا التصحيح لبعضنا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقبول من أخوتنا والسماحة والندى لحفظ أخوتنا وجعلها جداراً صلداً تتكسر عليه أهواء وغايات المغرضين. لا نضيق ذرعًا بأي بادرة خطأ أو اجتهاد في غير محله، بل يحسن التوجيه، فيعذر الجاهل وينبه الغافل، ويذكر المتهاون وعلى الله قصد السبيل.
حذار يا إخوة من الغرور، وتقديس الذات، وإعجاب كل ذي رأي برأيه،
فأنتم - بعد الله عز وجل - الأمل الباقي لهذه الأمة، فالأمل معقود على توحد كلمتكم ليتبدل الضعف قوة والتفرق وحدة ومنعة.
واحرصوا على حيازة الأسلحة الربانية التي تؤثر تأثيرا استراتيجيا في جهادنا ومن أهمها التوحيد على كلمة التوحيد بكل معانيها وشمولها حتى يمنحنا الله النصر، وأهم بند في هذا التخلي عن أس الفشل ورأس الخراب وهو التنازع والتدابر والتفرق؟
فإذا كنا جادين في السعي إلى النصر فلنكن جادين في الإتيان بأسبابه وهو عدم التنازع والطاعة بالمعروف والتمسك بحبل الله والحرص على الإلفة التي أمر الله بها.
وإن الملاذ الوحيد والمرجع الأصيل لدحر الفرقة والخلاف وتقديم الوحدة والإئتلاف هو العودة إلى كتاب ربنا وسنة نبينا، فلا نقدم بين يدي الوحي بشقيه لا رأي ارتأيناه ولا قائد عشقناه ولا مذهب اعتنقناه ولا مقررات أحزاب ولا رضى أصحاب وأحباب، فعندما يكون مصدر التلقي واحداً سيكون هدفنا واحداً، وإستراتيجيتنا واحدة فإذا اختلفنا في التكتيك لا سمح الله فالأمر أهون ويدفعنا العمق الإيماني مع وقود التقوى لأن نفزع إلى الكلام الفصل والذي يلزم الأمة كلها، فنرجع إلى المرجعية العليا وهي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59
إن أملنا أن يكون المجاهدون تحت قيادة واحدة وأمير واحد وهذا ليس صعباً عندما يكون الإيمان والتجرد والإخلاص للغاية الكبرى، وهي إعلاء كلمة الله قد تفاعلت في قلوبنا بالقدر الذي ينتج عنه الفعل المناسب وإيثار مصلحة الأمة.
وإذا كان هناك بعض الشوائب التي تعيق مثل هذا المطمح الآن فلا أقل من تشكيل مجلس قيادة للجهاد يلم شمل كل الفصائل المجاهدة وتتخذ فيه القرارات بالشورى، أو أي صيغة يمكن أن يتفق عليها الأخوة القادة في هذه الجبهات والألوية والكتائب، وعلينا جميعاً الاتعاظ بدرس جهاد الأخوة في أفغانستان وما نجم عن خلافهم فاستبدلهم الله.
قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [يوسف: 111]
والعاقل من اتعظ بغيره.
0 التعليقات:
إرسال تعليق