موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 23 سبتمبر 2012

رسائل إلى أهل الثغر (5)


رسائل إلى أهل الثغر (5)
رضوان محمود نموس
أخوتي أهل الثغر؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله الكريم أن يلهمكم السداد ويوفقكم للرشاد، اعلموا رحمكم الله أن سورة الجهاد ودستوره هي سورة الأنفال، وتشمل هذه السورة الكريمة وصايا الله من فوق سبع سموات إلى جنده على الأرض لينفذوها ويمتثلوها، وقبل تقديم هذه الوصايا أود أن أعرج قليلاً على مناسبة سورة الأنفال وشيء من دورها في تاريخ الأمة.
سورة الأنفال نزلت في معركة بدر ومعركة بدر هي المعركة الفاصلة في تاريخ الإسلام بل وتاريخ البشرية.
قال الله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41]
فسميت بالفرقان لأنها فرقت بين الحق والباطل فَعَلا الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
و[عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ،] صحيح مسلم (3/ 1383) 58 - (1763).
فلقد ترتب على هذه الغزوة بإذن الله انتشار الإسلام ووصوله إلينا بفضل الله وكرمه.
وكانت سورة الأنفال من ذلك الحين هي سورة الجهاد ودستور الجهاد وعدة المجاهدين.

ففي يوم القادسية وكما [حدث شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: وَأَرْسَلَ سَعْدٌ الَّذِينَ انْتَهَى إِلَيْهِمْ رَأْيُ النَّاسِ، وَالَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْهِمْ نَجْدَتُهُمْ وَأَصْنَافُ الْفَضْلِ مِنْهُمْ إِلَى النَّاسِ، فَكَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ النَّفَرُ الَّذِينَ أَتَوْا رُسْتُمَ: الْمُغِيرَةُ، وَحُذَيْفَةُ، وَعَاصِمٌ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَمِنْ أَهْلِ النَّجْدَةِ طُلَيْحَةُ، وَقَيْسٌ الأَسَدِيُّ، وغالب، وعمرو ابن معد يكرب وَأَمْثَالُهُمْ، وَمِنَ الشُّعَرَاءِ الشَّمَّاخُ وَالْحُطَيْئَةُ، وَأَوْسُ بْنُ مَغْرَاءَ، وَعَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ، وَمِنْ سَائِرِ الأَصْنَافِ أَمْثَالُهُمْ وَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَرْسِلَهُمْ:
انْطَلِقُوا فَقُومُوا فِي النَّاسِ بِمَا يَحِقُّ عَلَيْكُمْ وَيَحِقُّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ مَوَاطِنِ الْبَأْسِ، فَإِنَّكُمْ مِنَ الْعَرَبِ بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ، وَأَنْتُمْ شُعَرَاءُ الْعَرَبِ وَخُطَبَاؤُهُمْ وَذَوُو رَأْيِهِمْ وَنَجْدَتُهُمْ وَسَادَتُهُمْ، فَسِيرُوا فِي النَّاسِ، فَذَكِّرُوهُمْ وَحَرِّضُوهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، فَسَارُوا فِيهِمْ فَقَالَ قَيْسُ بْنُ هُبَيْرَةَ الأَسَدِيُّ: أَيُّهَا النَّاسُ، احْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ لَهُ وَأَبْلاكُمْ يَزِدْكُمْ، وَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ، وَارْغَبُوا إِلَيْهِ فِي عَادَاتِهِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ أَوِ الْغَنِيمَةَ أَمَامُكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ هَذَا الْقَصْرِ إِلا الْعَرَاءُ  وَالأَرْضُ الْقَفْرُ، وَالظِّرَابُ الْخَشِنُ، وَالْفَلَوَاتُ الَّتِي لا تَقْطَعُهَا الأَدِلَّةُ.
وَقَالَ غَالِبٌ: أَيُّهَا النَّاسُ، احْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا أَبْلاكُمْ، وَسَلُوهُ يَزِدْكُمْ، وَادْعُوهُ يُجِبْكُمْ، يَا مَعَاشِرَ مَعْدٍ، مَا عِلَّتُكُمُ الْيَوْمَ وَأَنْتُمْ فِي حُصُونِكُمْ- يَعْنِي الْخَيْلَ- وَمَعَكُمْ مَنْ لا يَعْصِيكُمْ- يَعْنِي السُّيُوفَ؟ اذْكُرُوا حَدِيثَ النَّاسِ فِي غَدٍ، فَإِنَّهُ بِكُمْ غَدًا يَبْدَأُ عِنْدَهُ، وَبِمَنْ بَعْدِكُمْ يُثَنَّى.
وَقَالَ ابْنُ الْهُذَيْلِ الأَسَدِيُّ: يَا مَعَاشِرَ مَعْدٍ، اجْعَلُوا حُصُونَكُمُ السُّيُوفَ، وَكُونُوا عَلَيْهِمْ كَأُسُودِ الأَجَمِ، وَتَرَبَّدُوا لَهْمُ تَرَبُّدَ النُّمُورِ، وَادَّرِعُوا الْعَجَّاجَ، وَثِقُوا بِاللَّهِ وَغُضُّوا الأَبْصَارَ، فَإِذَا كَلَّتِ السُّيُوفُ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، فَأَرْسِلُوا عَلَيْهِمُ الْجَنَادِلَ، فَإِنَّهَا يُؤْذَنَ لَهَا فِيمَا لا يُؤْذَنُ لِلْحَدِيدِ فِيهِ.
وَقَالَ بُسْرُ بْنُ أَبِي رُهْمٍ الْجُهَنِيُّ: احْمَدُوا اللَّهَ، وَصَدِّقُوا قَوْلَكُمْ بِفِعْلٍ، فَقَدْ حَمَدْتُمُ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ لَهُ وَوَحَّدْتُمُوهُ وَلا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَكَبَّرْتُمُوهُ، وَآمَنْتُمْ بِنَبِيِّهِ وَرُسُلِهِ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَلا يَكُونَنَّ شَيْءٌ بِأَهْوَنَ عَلَيْكُمْ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا تَأْتِي مَنْ تَهَاوَنَ بِهَا، وَلا تَمِيلُوا إِلَيْهَا فَتَهْرَبَ مِنْكُمْ لِتَمِيلَ بِكُمْ. انْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ، إِنَّكُمْ أَعْيَانُ الْعَرَبِ، وَقَدْ صَمَدْتُمُ الأَعْيَانَ مِنَ الْعُجْمِ، وَإِنَّمَا تُخَاطِرُونَ بِالْجَنَّةِ، وَيُخَاطِرُونَ بِالدُّنْيَا، فَلا يَكُونَنَّ عَلَى دُنْيَاهُمْ أَحْوَطَ مِنْكُمْ عَلَى آخِرَتِكُمْ لا تُحْدِثُوا اليوم أمرا تكونون به شيئا عَلَى الْعَرَبِ غَدًا.
وَأَمَرَ سَعْدٌ النَّاسَ أَنْ يَقْرَءُوا عَلَى النَّاسِ سُورَةَ (الأنفال) الْجِهَادِ، وَكَانُوا يتعلمونها. فَقُرِئَتْ فِي كُلِّ كَتِيبَةٍ، فَهَشَّتْ قُلُوبَ النَّاسِ وَعُيُونَهُمْ وَعَرَفُوا السَّكِينَةَ مَعَ قِرَاءَتِهَا.
وقال سَعْدٌ: الْزَمُوا مَوَاقِفَكُمْ، لا تَحَرَّكُوا شَيْئًا حَتَّى تُصَلُّوا الظُّهْرَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ فَإِنِّي مُكَبِّرٌ تَكْبِيرَةٌ، فَكَبِّرُوا وَاسْتَعِدُّوا.
وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّكْبِيرَ لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ قَبْلَكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُعْطِيتُمُوهُ تَأْيِيدًا لَكُمْ ثُمَّ إِذَا سَمِعْتُمُ الثَّانِيَةَ فَكَبِّرُوا، ولتستتم عُدَّتُكُمْ، ثُمَّ إِذَا كَبَّرْتُ الثَّالِثَةَ فَكَبِرُّوا، وَلْيُنَشِّطْ فِرْسَانُكُمُ النَّاسَ لِيَبْرُزُوا وَلِيُطَارِدُوا، فَإِذَا كَبَّرْتُ الرَّابِعَةَ فَازْحَفُوا جَمِيعًا حَتَّى تُخَالِطُوا عَدُوَّكُمْ، وَقُولُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ.
تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 533).
وفي يوم اليرموك [عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ نَحْوًا مِنْ حديث أبى عثمان، وقالوا جميعا: وكان القارئ الْمِقْدَادَ وَمِنَ السُّنَّةِ الَّتِي سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ بَدْرٍ أَنْ تُقْرَأَ سُورَةُ الْجِهَادِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَهِيَ الأَنْفَالُ، وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ. ليبقى تعلق الجند بالله، والثقة بنصر الله.]
تاريخ الطبري
 ويلاحظ مما مر معنا أهمية هذه السورة وكيف كانت هي مقدمة المعارك الفاصلة في تاريخ الأمة وستبقى كذلك بإذن الله فعليكم بتلاوتها والنهل من موردها واستحضار معانيها لتلامس وتتفاعل مع القلوب ولتكن الشحنة الهائلة التي تتفوق على طائراتهم وراجماتهم.
وهناك أمرٌ مرَّ في السياق حري بنا أن نقف عنده، وهو دور أهل المروءة والرأي والعلماء في الأمة وتحريضهم على الجهاد، وكيف أن سعداً رضي الله عنه استنفرهم ليشحذوا الهمم ويرفعوا المعنويات ويذكروا بفضل الله وجنته ومثوبة المجاهدين.
وكم نحن اليوم بحاجة إلى كمٍّ من العلماء يتناسب مع حجم القضية يعملون لتبيين دور الجهاد والمجاهدين ومن ورائهم الأمة في إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وينشروا هذا الدين ويواجهوا الجاهليات والشرك ويقرروا حكم الله وشرعه في الأرض ويزيلوا الجاهلية في الاعتقاد والتصور والعبادة والحكم والتشريع. ويواجهوا هذه الجاهليات بالوسائل المكافئة والأساليب الشرعية. فالغاية الشرعية وهي إعلاء كلمة الله في الأرض لا تتم بوسائل وفلسفات جاهلية يونانية غربية من ديمقراطية وصندوق اقتراع ورأي دهماء ورعاع.
فالله شرع الجهاد لنشر هذا الدين وإعلاء كلمة رب العالمين فقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 216]وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما روى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ، وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " مسند أحمد ط الرسالة (9/ 123(5114.
ولكن هذا العنصر وللأسف الشديد توارى الآن من المعركة إلا قليلاً، بل جمز إلى صف العدو ومعسكره حيث نرى ركاماً هائلاً ممن يسمون علماء وهيئات كبار العلماء ومفتين همهم الأول تخذيل المجاهدين ووصفهم بالأوصاف النابية، والطعن في الجهاد وفي مشروعيته والقائمين عليه، لأن الجهاد يؤذي أسياد ولي نعمتهم، ولو يستطيعون أن يحُكُّوا آيات الجهاد من القرآن لفعلوا عليهم من الله ما يستحقون.
ولكن الله متم نوره وهو القائل سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 32 - 34].

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.