رسائل إلى أهل الثغر(2)
{وما النصر إلا من عند الله}
رضوان محمود نموس
أخوتي أهل الثغر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسأل الله الكريم أن ينصركم على عدوكم ويقدر ليَّ اللحاق بكم في أقرب وقت إنه سميع مجيب.
أخوتي الأحبة إن لله كتب العز والنصر والتوفيق لجنده فقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 171 - 177] وجعل الذل والعار والخزي والشنار والعاقبة البوار على المنافقين والكفار فقال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التوبة: 14 - 16]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وكتب الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم} مسند أحمد ط الرسالة {9/ 123} 5114
لا جرم أن ما تمر به الشام، هو مخاض ولادة الخلافة المنشودة بإذن الله، وإن ما يجري في بلادنا الحبيبة ما هو إلا حلقة من سلسلة, ومن حلقاتها إخراج يهود وقتلهم وفتح القسطنطينية وروما. وتاريخ الإسلام كله ما هو إلا تاريخ صراع مع إبليس وجنده من الكافرين والمنافقين والمرتدين، هو تاريخ صراع الحق مع الباطل وهذا هو قدر هذه الأمة، وهذا هو ما أراده الله تبارك وتعالى لها، وهذه سنة الله عز وجل فيها، فيبلوها ويبتلي بها. قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251]
{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [الحج:40]
ولا بد أن نكون على يقين لا يتزعزع, وعلم لا يتتعتع, أن النصر لنا والعاقبة لنا, قال تعالى: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]
وقد أخبرنا رسول الله صلى عليه وسلم فقال: {ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله تبارك وتعالى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر} مسند أحمد ط الرسالة {28/ 155}
فالنصر للإسلام، والمستقبل لهذا الدين. قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر:52]
ولكن من طلب شيئاً أتاه من بابه قال تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]
فلكل أمر باب, وباب النصر إخلاص العبودية لله عز وجل, ومن أراد شيئاً سعى إليه سعيه
ونحن أناس لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن خطب الحسناء لم يغله المهر
فمن يطلب النصر عليه أولاً أن يعرف من أين النصر وما هو المهر.
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55]
يقول المولى عز وجل وهو الحق وقوله الحق ووعده الحق والرسول حق والقرآن حق بأنه:
"وعد الذين آمنوا"
- "ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم"
- "وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم"
- "وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا"
وأناط المولى عز وجل تحقيق هذا الوعد بتحقيق العبودية له وعدم إشراك كائن من كان معه فقال: {لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}
وشيء من أعم ألفاظ العموم وأشملها وأوسعها وأوعاها.
فهناك واعد, ووعد, وموعود.
والواعد: هو الله وهو أصدق الصادقين وأحكم الحاكمين {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:87]
{وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا}[النساء:122] مالك الملك العزيز الجبار المتكبر {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26].
من إذا أراد أمراً يقول له كن فيكون.{إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة:40]
{ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ }[التوبة:26]
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الفتح:4]
{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ}[المدثر:31]
والوعد: نصر واستخلاف وتمكين وأمن.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }[محمد:7]
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40]
والموعودون: نحن, أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعلينا قبل طلب النصر تحقيق ما طلب منا لتكتمل أطراف المعادلة؟
{إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَاد}[آل عمران:9]
{ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد:31]
فالنصر لا يتحقق بكثرة العدد، ولا بشجاعة الجند ولا بتطور السلاح وتنوع العتاد.. وإن كان الواجب هو الإعداد والأخذ بالأسباب، ولا بتأييد الغرب والشرق ولا بموافقة الهيئات العربية والدولية, ولا بصفقات السلاح السرابية، وإنما النصر من الله وحده لا شريك له، ويمنُّ به على عباده المؤمنين إذا توفر في أعمالهم الشرط الأساس {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} ومن مستلزمات هذه العبادة الشرطان الآتيان:
1 - أن يكون الجهاد خالصاً لوجه الله تعالى، ليس فيه رياء ولا شرك.
2 - أن يكون وفق شريعة الله.
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]
وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا القِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ، قَالَ: وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا، فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» صحيح البخاري {1/ 36} 123
وعن أبي هريرة قال: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى العِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ القُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ المَالِ، .... وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ المَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ , فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ "، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» سنن الترمذي ت شاكر {4/ 592} وهو صحيح
وأن لا يكون العمل إلا بما شرع الله أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فحذار يا أحبتي من مخالفة شرع الله تحت أي مبرر كان أو توهم كان أو طاعة من كان, أو الولاء لحزب وما شابه, أو سراب مصلحة أو مدارة هيئة أو دولة أو فئة أو طائفة, فلا أحد مرضاته أهم وأولى من مرضاة الله, ومن ظن غير ذلك فإنها الوهدة الخطيرة والصاعقة المستطيرة والجائحة المبيرة, وحاجبة النصر وجاعلة العمل هباءً منثوراً نعوذ بالله من الخذلان.
وفقكم الله وسدد خطاكم وإلى الحق هداكم واجتباكم, فأنت المؤهلون للهداية كما أخبر ربنا فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت: 69].
أخوكم المحب أبو فراس
0 التعليقات:
إرسال تعليق