لا تكونوا أجراء
الطاغوت وعصابته (23)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة عن
ارتباط السعودية بأمريكا وأخذها موقع ذيل الكلب رغم أنه كلب عقور وبه داء
الكَلَبْ. ويتابع في هذه الحلقة بنفس السياق
تعميق التبعية السعودية لأمريكا:
في دراسة مشتركة بين جامعة الأمم
المتحدة ومركز دراسات الوحدة العربية تحت اسم ( قياس التبعية في الوطن العربي) قال
البحث [إن ارتباط السعودية بالاقتصاد الرأسمالي العالمي بوجه عام وبالولايات
المتحدة الأمريكية بوجه خاص هو ارتباط عميق ومتعدد الجوانب. فالسعودية كانت وما
زالت تعتمد على الاقتصاد الرأسمالي العالمي في بيع النفط الذي تتولى إنتاجه شركات
أجنبية وفي الحصول على حاجاتها من السلع والخدمات وفي توظيف الفوائض المالية
النفطية وفي إقامة وتشغيل الصناعات الجديدة وتطوير الحياة الاقتصادية داخل
السعودية.
هذا الارتباط بالمعسكر الرأسمالي عموماً
والولايات المتحدة خصوصاً هو ارتباط حديث نسبياً. إذ يرجع التحالف السعودي
الأمريكي, الذي يرتكز بصفة أساسية على النفط إلى عام 1943 ففي ذلك العام أعلنت
واشنطن تحت ضغوط الشركات النفطية الأمريكية التي وجدت في السعودية مرتعاً خصباً
للعمل والربح عن قيام علاقة مباشرة بالسعودية وصرح روزفيلت حينئذ "بأن الدفاع
عن السعودية قد أصبح مصلحة قومية للولايات المتحدة الأمريكية" وقد رحبت
السعودية بهذه العلاقة إذ أتاحت الولايات المتحدة للأسرة المالكة السعودية الحماية
التي لا تقدر على تدبيرها بنفسها كما تفاعلت الرغبة في التمتع بالحماية الأمريكية
وإرضاء الحليف الأمريكي مع الإيديلوجية المحافظة للأسرة المالكة السعودية... ورغم
تزايد القوة المالية للسعودية اعتباراً من عام 1960 فهي لم تتحرر من النفوذ
الأمريكي. ففي مقابل تزايد القوة المالية لها ظهر عاملان زاد من تمسك السعودية بالتحالف
الأمريكي كما زاد من رغبة الولايات المتحدة في الاحتفاظ بالحليف السعودي. في تلك
الفترة تزايد المد القومي العربي... ومن جهة أخرى أدت التغيرات في السوق العالمية
للنفط آنذاك إلى تزايد أهمية منطقة الخليج العربي وتزايد أهمية الاحتياط النفطي
السعودي كثيراً عن ذي قبل بالنسبة إلى الاقتصاد الرأس مالي العالمي وقد أدى ذلك
إلى زيادة الأطماع في هذه المنطقة وزيادة احتمالات تعرضها للخطر ومن ثم تزايد تشبث
الأسرة المالكة السعودية بالحماية الأمريكية. كما تزايدت حاجة الولايات المتحدة في
الوقت نفسه إلى تثبيت أقدامها في المنطقة وخصوصاً بعد تزايد اعتمادها على النفط
المستورد من السعودية...
إن الخط العام للعلاقة السعودية
الأمريكية كان هو خط التحالف الوثيق والاعتماد السعودي المتزايد على الولايات
المتحدة وفي مقابل التمتع بالحماية الأمريكية والحصول على حاجاتها من السلاح
والخبرات العسكرية, تقدم السعودية للولايات المتحدة وللمعسكر الرأسمالي بوجه عام
خدمات عظيمة: أولها استمرار وضمان تدفق النفط عند مستويات تحددها حاجات طلب العالم
الغربي للنفط لا حاجات السعودية نفسها إلى الإيرادات النفطية. ويتصل بذلك قيام
السعودية بدور مهدئ في الأوبك للحد من اندفاع البلدان المصدرة للنفط في رفع
الأسعار أو خفض الإنتاج, بل في تمكين الدول الصناعية المتقدمة من ضرب سياسات
الأوبك وأهدافها فالسعودية "كانت عاملاً حاسماً في تمكين الدول الرأسمالية
الغربية من استعادة التحكم في سوق النفط حيث ساعدت الدول الرأسمالية الغربية على
تكوين احتياطات ضخمة عندما زادت من إنتاجها استجابة لزيادة الطلب ثم عادت للقبول
بتخفيض الإنتاج فقط بعد أن انخفض الطلب بالفعل وزاد إنتاج النفط في مصادر أخرى
خارج الأوبك.ولم يتحدد الإنتاج النفطي السعودي في مرحلة من المراحل في ضوء
احتياجات السعودية التنموية أو في ضوء الاحتياجات التنموية للبلاد العربية"([1])
... والآن بعدما وظفت السعودية – شأنها
شأن معظم الدول العربية الأخرى – الجزء الأكبر من فوائضها المالية في أصول مقومة
بالدولار فإنها قد أصبحت ملتزمة بالدفاع عن هذه العملة وسعر صرفها في الأسواق
الدولية وحماية النظام النقدي العالمي الذي يرتكز عليها ولذلك أصبحت السعودية
"بين نارين: نار الاستمرار في قبول عملة متدهورة القيمة ثمناً لنفطها, ونار
انهيار قيمة أرصدتها الدولارية لو رفضت قبول الدولار ثمناً للنفط. وهكذا ارتبط
الريال السعودي بالدولار عملياً , وأصبحت العملة الأمريكية تتراجع أمام كل العملات
إلا عملة أكبر دولة دائنة للولايات المتحدة – أي السعودية – " ([2])
ومن المعروف أن التصرف في الفوائض
المالية للسعودية المودعة في الدول الرأسمالية الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة, هو
في نهاية الأمر تحت السيطرة الأوروبية والأمريكية وقد "مكنت هذه الفوائض,
البنوك الأمريكية والأوروبية من زيادة قروضها ومن التوسع في الائتمان دون أن يكون
للسعودية أي سيطرة على توجيه أموالها"([3])
....والخلاصة هي أن تبعية السعودية قد تزايدت مع تزايد ثرواتها النفطية وخصوصاً
منذ عام 1973, وأن ما تم فيها من نمو هو نمو في إطار التبعية يرتبط باختيار أساسي
من جانب السلطة الحاكمة في السعودية نفسها للارتباط بالمعسكر الرأسمالي ]([4])
ويوجد في السعودية [944 شركة أجنبية حسب
إحصاء 1408 هـ موزعة على الشكل التالي الرياض:267 , القصيم: 20 , حائل: 6 , جدة:
161 , مكة المكرمة: 7 , المدينة المنورة: 32 , تبوك: 14 , الطائف: 33 , ينبع: 32 ,
الدمام: 240 , الإحساء: 12 , الجبيل: 52 , أبها: 38 , جيزان: 15 , نجران: 5 , كما
يوجد 931 منشأة مشتركة موزعة على الشكل التالي الرياض: 154 , القسيم: 12 , حائل: 8
, جدة: 181 , مكة المكرمة: 26 , المدينة المنورة: 19 , تبوك: 37 , الطائف: 29 ,
ينبع: 27 , الدمام: 168 , الإحساء: 19 , الجبيل: 69 , أبها: 46 ,جيزان: 17 , نجران: 10 ]([5])
كما يوجد عمالة أجنبية [في الشركات
الأجنبية 87437 وفي المنشآت المشتركة 123043]([6])
ناهيك عن العمالة الأجنبية في الشركات السعودية
وتعتمد [السعودية في وارداتها الغذائية
على الخارج بنسبة 82% ونسبة تجارتها مع غير العالم العربي 93%]([7])
وكانت شركات البترول وما زالت تستغل
الثروات في منطقة الخليج والسعودية خاصة بشكل مريع فبينما تحصل السعودية والدول
الخليجية النفطية مثل ونصف من قيمة البترول تحصل أمريكا على خمسة عشر مثلاً وقد
جاء في مجلة لايف الأمريكية في عدد 12 نوفمبر 1956 أن بترول الشرق الأوسط الخام هو
أرخص بترول في العالم ([8])
ولقد استمر الجشع الأمريكي وفرض السيطرة
على منطقة الجزيرة يسير بوتيرة متصاعدة فلقد قال "جيمس فورستال" وزير
الدفاع الأمريكي الأسبق [ما لم يكن بترول الشرق الأوسط تحت سيطرتنا فإن مشروع
مارشال ما كان لينجح ولا نحن كنا نستطيع القيام بأية حرب وقال "أوين
بروستر" عضو مجلس الشيوخ الأمريكي إن من يقبض على صمام البترول في الشرق
الأوسط يستطيع التحكم في أوربا]([9])
[وفي تقرير أمام اللجنة الفرعية للشئون
الخارجية لمجلس الشيوخ الأمريكي صيف عام 1973 ومع إرهاصات موجة الاهتمام الأمريكي
في المنطقة في منتصف الثمانينات تحدث "جوزيف سيسكو" مساعد وزير الخارجية
الأمريكي لشئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا فأشار إلى الخليج العربي باعتباره
"منطقة نمتلك فيها مصالح سياسية واستراتيجية وعسكرية واقتصادية خطيرة
جداً" وحدد سيسكو هذه المصالح بأنها
دعم الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن
الجماعي والإقليمي لتوفير الاستقرار وتعزيز النمو المنتظم
العمل على توفير الحلول السلمية
للمنازعات الإقليمية وغير الإقليمية بين دول المنطقة وخلق قنوات أفضل للاتصال فيما
بينها
ضمان الحصول المستمر على الإمدادات
النفطية بكميات كافية وبأسعار مقبولة لمواجهة احتياجاتنا المتزايدة واحتياجات
أصدقائنا وحلفائنا في أوربا وآسيا
دعم مصالحنا المالية والتجارية
وفي الجلسة نفسها تحدث "جيمس
نوس" نائب وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الحين لشئون الشرق الأوسط وإفريقا
وجنوب آسيا وحدد المصالح الأمنية للولايات المتحدة في الخليج على الشكل الآتي:
- احتواء القوة السوفيتية داخل حدودها
الحالية
-الحصول على نفط الخليج
-ضمان استمرار حركة سفن وطائرات
الولايات المتحدة إلى المنطقة وخارجها]([10])
وقال "كارتر" [إن أية محاولة
من جانب أية قوة أجنبية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي سوف تعتبر عدواناً على
المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ولسوف يقابل مثل هذا العدوان بكافة
الوسائل الضرورية بما في ذلك القوة العسكرية]([11])
[وقد هددت أمريكا مراراً باستخدام القوة
العسكرية لاحتلال مناطق النفط ومن أولئك الذين هددوا "هنري كسنجر" و
"جيمس بيكر" ]([12])
بل [هددت أمريكا باحتلال دول الخليج في
إحدى الحالات التالية
محاولة سوفيتية للاستيلاء على حقول
النفط
ارتفاع كبير بأسعار النفط
حظر نفطي تفرضه الأقطار العربية المصدرة
للنفط
محاولة سيطرة قوى راديكالية على إحدى
الدول المنتجة للنفط
انقلاب يطيح بحكومة صديقة في المنطقة
حدوث انتهاكات خارقة لحقوق الإنسان في
إحدى دول المنطقة
ويمكن إضافة حالة أخرى غير رسمية وهي
التدخل للمحافظة على ما يسمى بالسلام]([13])
[1] - من تعليق إبراهيم سعد الدين على محمد هشام خواجكية "تجربة
التنمية الاقتصادية من منطلق الاستقلال والتبعية في المملكة العربية
السعودية" ورقة قدمت إلى التنمية المستقلة في الوطن العربي بحوث ومناقشات
الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ص 597
[4] - قياس التبعية في الوطن العربي, مركز دراسات الوحدة العربية
وجامعة الأمم المتحدة الطبعة الأولى نوفمبر 1989 ص 93 - 100
[5] - المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية , التقرير الإحصائي السنوي
التاسع 1408 هـ المملكة العربية السعودية ص 40
[10] - Emil Nakhleh, Arab-American Relations in the Gulf (Washington
D.C.: American Enterprise Institute for Public Policy Research,1975), P. 49 .
0 التعليقات:
إرسال تعليق