من لي بكعب بن الأشرف
رضوان محمود نموس
قال ابن اسحق: وكان من حديث كعب بن أشرف أنه لما أصيب أصحاب بدر وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين, بفتح الله عز وجل وقتل من قتل من المشركين, كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة الظفري وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, وعاصم بن عمرو بن قتادة وصالح بن أمامة بن سهل, كل حدثني بعض حديثه.
قالوا: قال كعب بن أشرف: وكان رجلاً من طيء ثم أحد بني نبهان, وكانت أمه من بني النضير حين بلغه الخبر, أحق هذا؟ أترون محمداً قتل هؤلاء الذي يسمي هذان الرجلان, يعني عبد الله بن رواحة, وزيد؟ فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس, والله لئن كان محمداً أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها!
فلما تيقن عدو الله الخبر, خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي, وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف, فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا يوم بدر فقال:
طحنت رحى بدر لمهلك أهله ولمثل هذا تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضها لا تبعدوا إن الملوك تصدع
كم قد أصيب به من ابيض ماجد ذي بهجة يأوي إليه الضيع
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت حمال أثقال يسود ويربع
ويقول أقوام أسر بسخطهم إن بن أشرف ظل كعباً يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتِّلوا ظلت تسوخ بأهلها وتصدع
فرد عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه بقوله:
أبكي لكعب ثم عل بعبرة منه وعاش مجدعاً لا يسمع
ولقد رأيت ببطن بدر منهم قتلى تسح لها العيون وتدمع
فابكي فقد أبكيت عبداً راضعاً شبه الكليب إلى الكليبة يتبع
ولقد شفى الرحمن منا سيدا وأعان قوماً قاتلوه وضرعوا
ونجا وأفلت منهم من قلبه شغف يظل لخوفه يتصدع
ثم رجع ابن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم([1])
فحدث سفيان عن عمرو: سمعت جابراً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من لي بكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقال محمد بن مسلمة يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال نعم, قال فأذن لي فلأقل. قال: قل}.
فأتاه فقال له وذكر ما بينهما, وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عنانا, فلما سمعه قال: أيضاً والله لتملنه! فقال: إنا قد اتبعناه الآن ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره, قال وقد أردت أن تسلفني سلفا: قال: فما ترهني؟ قال ما تريد. قال ترهنني نساءكم؟ قال أنت أجمل العرب ونرهنك نساءنا! قال ترهنوني أولادكم؟
قال يسب ابن أحدنا فيقال: رهن في وسقين من تمر! قال لا ولكن نرهنك اللأمة (يعني السلاح) قال نعم, وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر, وعباد بن بشر, قال فجاءوا فدعوه ليلاً فنزل إليهم, قال سفيان: قال غير عمرو, قالت له امرأته إني لأسمع صوتاً كأنه صوت دم! قال إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة, إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلاً لأجاب.
قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه, فإذا استمكنت منه فدونكم.
قال فلما نزل نزل وهو متوشح, فقالوا نجد منك ريح الطيب؟ قال نعم, تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب. قال: فتأذن لي أن أشم منه؟ قال نعم, فشم, فتناوله فشمه, ثم قال أتأذن لي أن أعود؟ قال فاستمكن من رأسه ثم قال دونكم, فقتلوه.([2])
قال ابن اسحق: فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: إنهم عندما انطلقوا لقتل كعب مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم فقال: {انطلقوا على اسم الله, اللهم أعنهم} ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته, ولما قتلوه صاح صيحة ذعر لها أهل الحصن من اليهود, فأشعلوا النيران, وكان المسلمون قد احتزوا رأسه ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا, وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي, فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع, كبر وعرف أن قد قتلوه, ثم انتهوا يعدون حتى وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بباب المسجد, فقال: أفلحت الوجوه, فقالوا: ووجهك يا رسول الله, ورموا برأسه بين يديه, فحمد الله على قتله, قالوا فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه} فخافت اليهود, فلم يطلع عظيم من عظائمهم ولم ينطقوا وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف, وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة وكان حليفاً لحويصة بن مسعود, فعدا محيصة على ابن سنينة فقتله, فجعل حويصة يضرب محيصة وكان أسن منه يقول: أي عدو الله أقتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله, فقال محيصة: والله لو أمرني بقتلك الذي أمرني بقتله لقتلتك, قال والله لو أمرك محمداً أن تقتلني لقتلتني؟ قال نعم, قال حويصة: والله إن ديناً يبلغ هذا الدين معجب!, فأسلم حويصة يومئذ, فقال محيصة:
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله لطبقت ذافره بأبيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله متى ما تصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعاً ولو أن لي ما بين بصرى ومأرب
ففزعت اليهود ومن معها من المشركين, فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا, فقالوا طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه, فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: {إنه لو قرَّ كما قرَّ غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل, ولكن نال منا الأذى وهجانا بالشعر, ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان له السيف} ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه, فكتبوا بينهم وبينه كتاباً تحت الغدق, في دار رملة بنت الحارث, فحذرت اليهود وخافت وذلك من يوم قتل ابن الأشرف([3])
هذه قصة مقتل الطاغوت كعب باختصار, ونلاحظ فيها أن حكم الإعدام الذي صدر بحق كعب, ونفذه الصحابي الجليل محمد بن مسلمة وصحبه رضي الله عنهم بالطريقة الآنفة الذكر, كان السبب الرئيسي وراء هذا الحكم هو الهجوم الإعلامي على المسلمين, من امتداح خصمهم والتشبيب بنسائهم, وإنها لجريمة كبرى أشد من جريمة القتل والمجابهة المسلحة, قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ }البقرة191
وقال تعالى:{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}البقرة217
ولأن العرب تعرف ذلك تماماً قال شاعرهم:
جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان
بل إن الناظر إلى فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة, كانت جريمة الذين أمر بقتهلم ولو كانوا معلقين بأستار الكعبة في الغالب جريمة إعلامية, فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن زهير, وعبد الله بن الزبعري, وهبيرة بن وهب, وهم شعراء.
كانوا يتهجمون بشعرهم على الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم, كما أمر بقتل قينتان لعبد الله بن خطل, (فرتنى وصاحبتها) و(سارة) مولاة لبعض بني عبد المطلب, لأنهم يتغنين بأشعار في هجاء الإسلام, هذه هي عقوبة من يتهجم على الإسلام أو يحرض على أهله أو يستعدي عليهم, أو يهجوا أبناءه أو يتغنى بمدح أعدائه.
وأما في عصر الانهزام الروحي والنفسي والركون إلى الأرض برز من يقول: هذه حرية الكلمة, وعلينا أن نواجه الحجة بالحجة والرأي بالرأي, أي رأي وأي حجة لمن يشتم الله ورسوله؟ ويستهزئ بالدين ويشيع الفاحشة بين المسلمين؟ ويتهجم على عقائد وفقه المسلمين وكتاب رب العالمين.
بأي حجج يرد على المرتدين وهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقشوه أو قال من بدل دينه وفاقتلوه وما يفعله هؤلاء الأفاكين هو الردة العلنية المستندة إلى الأنظمة المحلية الكافرة والكفر الدولي.
إن بلاد المسلمين تعج الآن بآلاف الأكعاب والفرتنات ولكن لا يوجد محمد بن مسلمة, وكل كعب يحتاج الآن إلى أبي نائلة أو محمد بن مسلمة لاجتثاث الأكعاب والفرتنات, فنسألك اللهم أن تهيأ من أحفاد محمد بن مسلمة وأبي نائلة رضي الله عنهم من يقضي على أكعاب هذا الزمان ومن يساندهم ويذب عنهم أويتغاضى عنهم.
ونقول للمسلمين في سوريا من ظفرتم به من النصيريين فاقتلوه أينما كان وكيفما اتفق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق