أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (28)
رضوان محمود نموس
نتابع في هذه الحلقة الرد على محمد عمارة فيما زعمه أن الخلاف بين االحركات الإسلامية والعلمانيين هو في دائرة الاجتهاد عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
3 - محمد أحمد خلف الله
كتب الدكتور محمد أحمد خلف الله رسالة ماجستير عام 1942م. أنكر فيها أن يكون القصص القرآني مصدراً من مصادر التاريخ. وقد أشرف على الرسالة الدكتور أمين الخولي, وعندما ثار جدال حول الرسالة أراد أمين الخولي أن يحتمي بمقررات محمد عبده في ذلك. ومؤدَّى الرسالة: عدم اعتبار صحة القصص القرآني, وأن يكون ما قاله القرآن حصل فعلاً، واعتبر أنه مجرد ضرب أمثلة. ومما يتعلق بهذا الموضوع: قصة خلق الإنسان, وأنه من آدم عليه السلام, وأن آدم أبو البشر، وقصة قوم موسى عليه السلام, وغرق فرعون - وهي قصة تقلق العلمانيين أي اللادينيين المصريين بشكل خاص, حيث أن مؤداها هلاك قائد من قادتهم بسبب حربه للطائفة المؤمنة - وقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبناء الكعبة، وما إلى ذلك. وقد بقي مصراً على هذا الرأي، فأجري معه حوار سئل فيه عن هذه القضية فأجاب:
[قلت في دراستي أن القصص القرآني لا يؤخذ منه التاريخ]([1]).
كما يقرر أن الإسلام دين للعرب فقط, وقد أرسل شيخ الأزهر إلى جريدة الأهرام كلمة الأزهر في مقالات الدكتور خلف الله التي أثبت فيها هذه المقولة. وقد نشرت الأهرام ملخصاً لها بقولها:[جاءنا والصفحة ماثلة للطبع تعقيب من الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر على مقالات الدكتور محمد أحمد خلف الله عن العروبة والإسلام وعلى وجه التحديد مقالته التي نشرتها الأهرام في صفحة الحوار القومي يوم 16/9/1987 تحت عنوان السياسة العربية للأحزاب المصرية تعليقات وملاحظات.
وجاء في رد فضيلة شيخ الأزهر أن الكاتب أجهد نفسه في هذا المقال ليقرر أن الإسلام دين العرب وحدهم وليس للناس كافة وهذه قضية خاسرة وفكر ليس بالجديد ولكنه من نفثات المستشرقين الحاقدين والمبشرين الفاشلين يخرج على المسلمين بين الحين والحين بقلم ولسان واحد ممن كانوا وصاروا تبعاً ونقلة لحديث الإفك ولحن القول..] ([2]).
وفي إجابة على سؤال عن الجهاد قال خلف الله:[الجهاد دفاع عن الإسلام والمسلمين أمام الكفرة والمشركين وليس أمام اليهود والنصارى] ([3]).
وسئل: هل الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي كان أيام النبي عليه الصلاة والسلام فقط؟
فأجاب قائلاً: [مجتمع عربي يديره نبي بما ينزل عليه من السماء وباجتهاده الشخصي تلبية لمجتمع إسلامي، هذا المجتمع الإسلامي هو الذي أنشأ ما يسمى بالدولة فيما بعد، وأنشئت ليس استناداً إلى نص قرآني وإنما إلى أحكام العقل] ([4]).
وقال: [إن إعمال النصوص منوط بالمصلحة], فسئل: حتى ولو كان النص في القرآن الكريم، فأجاب:[حتى ولو كان في القرآن الكريم والدليل على ذلك أن هناك أشياء وردت في القرآن الكريم ولا نستطيع أن نعمل بها الآن، لأن العمل بها ضار بمصلحة المسلمين]([5]).
وقال [كل ما جاء به الفقه الإسلامي في باب الأنشطة التجارية ليس من الدين] ([6]).
ويقول: [واستخدام القوة في تغيير الأبنية التنظيمية ليس من الإسلام في قليل أو كثير، إنها قد تكون في الإسلام الحضارة الذي مصدره العقل البشري وتكون على خطأ في التفسير] ([7]).
وهذا شطب لكل آيات وأحاديث الجهاد، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إلا عَلَى الظَّالِمِينَ}([8]).
وقال الله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}([9]).
والحديث المتواتر عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ, وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ}([10]).
والآيات والأحاديث الدالة على ضلال رأي خلف الله كثيرة جداً.
ثم يقول: [المسؤولية في المعتقدات, والعبادات فردية ولا تكون إلا أمام الله] ([11]).
وهذا يعني تعطيل جميع الحدود والتعزيرات, وواجبات الدولة الإسلامية.
ويقول: [والمصلحة لا تتغير بتغير الأزمان فيما لا نص فيه فقط وإنما قد تتغير أيضاً في ما فيه نص... - ثم يقول-: إن المصلحة اليوم تقتضي استبدال هذا التشريع بتشريع آخر وهذه التشريعات الأخرى تحل محل النصوص التي أنزل الله والمسلمون اليوم يعطلون هذه النصوص من حيث أن التمسك بها يضر بمصالحهم، ودفع الضرر عنهم واجب، وليس يخفى أن الأمر هنا قد صار أمر الحكم بغير ما أنزل الله وليس صحيح هنا أن يقال إن المجتمع والحكومة يحكمان بغير ما أنزل الله وأنهما من أجل ذلك كافران، المصلحة أساس التشريع وكل تشريع يدفع ضرراً ويجلب مصلحة لا يكون دافع تكفير بأي حال من الأحوال، وتعطيل النصوص في ميدان المعاملات حين يكون لدفع الضرر أو لجلب منفعة لا يخرج به المجتمع أو تخرج به الحكومة من الإيمان إلى الكفر بأي حال من الأحوال، المجتمع المصري مجتمع يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر... وهو مؤمن ويستوي في ذلك المسلمون والمسيحيون] ([12]).
هذه نماذج بسيطة من أقوال العلمانيين اللادينيين والذين يعتبر المفكر محمد عمارة أن الخلاف معهم هو في دائرة الاجتهاد، فإما مجتهد مخطئ فله أجر, وإما مصيب فله أجران، وأن رأي العلمانيين هؤلاء بإبعاد الدين عن الدولة والسياسة والاقتصاد والمجتمع والحياة والسير وفق القاعدة النصرانية "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر" - مع أنهم خالفوها أيضاً ولسان حالهم ومقالهم يصرح "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لقيصر" - كل هذا اعتبره المفكر الإسلامي محمد عمارة نوعاً من الاجتهاد. فإن لم ينل الأجرين فلن يحرم من الأجر الواحد. وإذا كان محمد عمارة جاداً في هذا القول فلا شك أن حكمه حكمهم, وعلى الأغلب أنه كذلك, ومثله لا يجهل مخالفة كل ذلك لما ورد في القرآن والسنة ولو كان يجهل ذلك فلا يعذر, لأنه في بلد مليء بالكتب, وقد أطلق على نفسه, وأطلق عليه الدهاقنة اسم (مفكر إسلامي كبير) بل أطلق عليه القرضاوي اسم (مجدد).
ولقد فصلنا في الرد على عمارة ورواده فيما سبق.
[2] - الأهرام 23 / 9 / 1987م. نقلاً عن “المواجهة بين الإسلام والعلمانية “للدكتور صلاح الصاوي, ص / 98- 99.
[3] - روز اليوسف رقم (3177) تاريخ 1/ 5 / 1989. نقلاً عن المواجهة بين الإسلام والعلمانية ص/99.
[4] - روز اليوسف رقم (3177) تاريخ 1/ 5 / 1989. نقلاً عن المواجهة بين الإسلام والعلمانية ص / 100.
[5] - روز اليوسف رقم (3177) تاريخ 1/ 5 / 1989. نقلاً عن المواجهة بين الإسلام والعلمانية, ص / 102.
[6] - جريدة الأهالي. 25/1/1979 نقلاً عن كتاب صلاح الصاوي, ص / 102.
[7] - الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي (ندوة), ص / 87 - مساهمة محمد أحمد خلف الله.
[8] - سورة البقرة: 193.
[9]- سورة محمد: 5.
[10]- حديث متواتر: أخرجه البخاري بأرقام (25, 393,1400), ورواه مسلم بأرقام (20, 21, 22), ورواه الترمذي, والنسائي, وأبو داود, وأحمد, وابن ماجة, والدارمي, وغيرهم.
[11] - الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي (ندوة), ص / 94.
0 التعليقات:
إرسال تعليق