موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الخميس، 8 مارس 2012

الجماعة (2)


الجماعة (2)
رضوان محمود نموس
عرف الكاتب في الحلقة الأولى الجماعة لغة وشرعاً واصطلاحاً وبين أهمية الجماعة والحرص عليها ويتابع في هذه الحلقة تبيين أهمية الجماعة والأدلة على ذلك من القرآن الكريم.
الآيات
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)([1])
أقوال العلماء في تفسير الآيات
1 - قال الإمام محمد بن جرير الطبري في تفسيره
[وأصل العصم المنع فكل مانع شيئاً فهو عاصمة والممتنع به معتصم به ومنه قول الفرزدق
أنا ابن العاصمين بني تميم     إذا ما أعظم الحدثان نابا
قال أبو جعفر يعني بذلك جل ثناؤه: وتعلقوا بأسباب الله جميعاً يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الإلفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله، ثم ساق أقوال العلماء فقال:
عن عبد الله بن مسعود أنه قال في قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً) قال (الجماعة) وعن قتادة قال: هذا القرآن وعهد الله وأمره ولا تفرقوا ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من الإتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى أمره.

وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة.
ثم يقول في تأويل قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) حدثني المثنى قال: أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة فنهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
وبمثل هذا قال الإمام ابن كثير في تفسيره والشوكاني في فتح القدير.
2 - قال الإمام البغوي في تفسيره بعد أن ساق أقوالاً شبيهة بأقوال الطبري قال وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ هذه الآية قال: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة.
3 - الماوردي: قال: قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله) فيه خمسة تأويلات:
الأول: كتاب الله وهذا عن قتادة والسدي
الثاني: أنه دين الله وهو الإسلام وهذا قول ابن زيد
الثالث: أنه عهد الله وهو قول عطاء
الرابع: هو الإخلاص لله بالتوحيد وهو قول أبي العالية
الخامس: هو الجماعة وهو مروي عن ابن مسعود
ولا تفرقوا عن دين الله الذي أمر فيه بلزوم الجماعة
4 - ابن الجوزي: سرد أقوالاً مشابهة لما سلف وقال عن ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة.
5 - القرطبي: ساق أقوالاً مثل السابقة ثم قال: عن عبد الله بن مسعود قال (واعتصموا بحبل الله) قال الجماعة روي عنه وعن غيره من وجوه والمعنى كله متقارب متداخل فإن الله تعالى يأمر بالإلفة وينهى عن الفرقة فأن الفرقة هلكة والجماعة نجاة ورحم الله ابن المبارك حيث قال
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا    منه بعروته الوثقى لمن دانا
وقال ابن عباس لسماك الحنفي يا حنفي: الجماعة الجماعة فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها أما سمعت الله عز وجل يقول (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ثم يقول القرطبي فأوجب الله علينا التمسك بكتاب الله وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وعملاً وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين والسلامة من الاختلاف وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق... فمن بدل أو غير أو ابتدع في دين الله ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبتعدين منه المسودي الوجوه وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج والروافض والمعتزلة والظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وقتل أهله وإذلالهم والمعلنون بالكبائر المستَخِفُّونَ بالمعاصي وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع.
6- قال ابن عطية بعد أن سرد أقوالاً مماثلة لما سلف
قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى جميعاً حال من الضمير في قوله اعتصموا فالمعنى كونوا في اعتصامكم مجتمعين ولا تفرقوا، يريد التفرق الذي لا يتأتى معه الائتلاف على الجهاد وحماية الدين وكلمة الله.
7 - قال ابن القيم في مدارج السالكين: [(واعتصموا بحبل الله جميعا)
فالاعتصام به نوعان: اعتصام توكل واستعانة وتفويض ولجاء وعياذ وإسلام النفس إليه والاستسلام له سبحانه والثاني اعتصام بوحيه وهو تحكيمه دون أراء الرجال ومقاييسهم ومعقولاتهم وأذواقهم وكشوفاتهم ومواجيدهم فمن لم يكن كذلك فهو منسل من هذا الاعتصام فالدين كله في هذا الاعتصام به وبحبله علماً وعملاً وإخلاصاً واستعانة ومتابعة واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة.... والاعتصام هو تصحيح القصد ويكون بشيئين: إفراد المقصود وجمع الهم عليه وحقيقته توحيد القصد والمقصود فمتى انقسم قصده أو مقصوده لم يكن صحيحاً، وتصفية الإرادة وهو تخليصها من الشوائب وتعليقها بالسوا أو بالأعراض بل تكون إرادة صافية من ذلك كله بحيث تكون متعلقة بالله وبمراده الشرعي]([2]).
وقال في المدارج: [ الاعتصام نوعان: اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله، قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقال (واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير الحج 78)
والاعتصام افتعال من العصمة وهو التمسك بما يعصمك ويمنعك من المحذور والمخوف فالعصمة الحمية والاعتصام الاحتماء ومنه سميت القلاع العواصم لمنعتها وحمايتها
ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله والاعتصام بحبله ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين.
فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة والاعتصام به يعصم من الهلكة فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده فهو محتاج إلى هداية الطريق والسلامة فيها فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة وأن يهديه إلى الطريق والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له اللأمة من قطاع الطرق وآفاتها.
فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية والاعتصام بالله يوجب له القوة والعدة والسلاح ولهذا اختلفت عبارات السلف في الاعتصام بحبل الله بعد إشارتهم كلهم إلى هذا المعنى.
فقال ابن عباس: تمسكوا بدين الله، وقال ابن مسعود، هو الجماعة، وقال عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وإن ما تكرهون بالجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة.
وقال مجاهد وعطاء  (بعهد الله) وقال قتادة والسدي وكثير من أهل التفسير هو (القرآن) وقال صاحب المنازل: الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقباً لأمره.فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل.
والاعتصام هو: الاعتصام بالخبر استسلاماً وإذعاناً بتصديق الوعد والوعيد وتعظيم الأمر والنهي وتأسيس المعاملة على اليقين والإنصاف ] ([3]).
ثم ذكر مقامات من الاعتصام منها أن لا يكون للعبد إرادة مع إرادة الله، أي أن تكون إرادته مطابقة لإرادة الله الشرعية دون أي خلل.
8 - وقال الشيخ برهان الدين البقاعي في تفسيره نظم الدرر
قال: [أي صدقوا دعواكم بتقوى ذي الجلال والإكرام (حق تقاته) فأديموا الانقياد له بدوام مراقبته ولا تقطعوا أمراً دونه (ولا تموتن) على حالة من الحالات (إلا وأنتم مسلمون) أي منقادون أتم الانقياد
ولما كان عزم الإنسان فاتراً وعقله قاصراً دلهم بعد أن أوقفتهم التقوى على الأصل لجميع الخيرات المتكفل بالحفظ في جميع الزلات فقال (واعتصموا) أي كلفوا أنفسكم الارتباط الشديد والانضباط العظيم (بحبل الله) أي طريق دين الملك الذي لا كفء له، التي نهجها لكم ومهدها.
ولما أفهم كل من الضمير والحبل والاسم الجامع إحاطة الأمر بالكل أكده بقوله (جميعاً) لا تدعوا أحداً منكم يشذ عنها بل كلما عثرتم على أحد فارقها ولو قيد شبر فردوه إليها ولا تنظروه ولا تهملوا أمره ولا تغفلوا عنه فيختل النظام وتتعبوا على الدوام بل لا تزالوا كالرابط ربطاً شديداً حزمة نبل بحبل لا يدع واحدة منها تنفرد عن الأخرى ثم أكد ذلك بقوله (ولا تفرقوا) ثم ذكرهم نعمة الاجتماع لأن ذلك باعث على شكرها وهو باعث على إدامة الاعتصام والتقوى وبدأ بالدنيوية لأنها أس الأخروية (فألف بين قلوبكم) بالجمع على هذا الصراط القويم والمنهج العظيم.
(ولا تكونوا كالذين تفرقوا) بما ابتدعوه في أصول دينهم وبما ارتكبوه من المعاصي فقادهم ذلك ولا بد إلى التخاذل والتواكل والمداهنة التي قصدوا بها المسالمة فجرتهم إلى المصارمة ولما كان التفرق ربما كان بالأبدان فقط مع الاتفاق في الآراء بيد أن الأمر ليس كذلك فقال (واختلفوا) بما أثمر لهم الحقد الحامل على الاتصاف بحاله من الظن أنهم جميع وقلوبهم شتى.
ولما ذمهم بالاختلاف الذي دل العقل على ذمه زاد في تقبيحه بأنهم خالفوا فيه بعد نهي العقل وواضح النقل فقال (من) أي ابتدأ اختلافهم من الزمان الذي هو من (بعد ما جاءهم) وعظمه بإعرائه عن التأنيث (البينات) أي بما يجمعهم ويعليهم ويرفعهم ويوجب اتفاقهم وينفعهم فأراهم ذلك الافتراق وأهلكهم فأولئك قد تعجلوا الهلاك في الدنيا فهم الخائبون (وأولئك) البعداء البغضاء (لهم عذاب عظيم) أي في الدار الآخرة بعد عذاب الدنيا باختلافهم منابذين لما من شأنه الجمع.
وللحديث صلة



[1] - - آل عمران 102 - 106
[2] - مدارج السالكين المجلد الثالث صفحة رقم 323
[3] - مدارج السالكين المجلد الأول صفحة رقم 46 وما بعدها

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.