مغامرات بهلوان
رضوان محمود نموس
حدثنا بهلوان بن القمندان، قال:
حصل خلاف بين عبّاد الفئران والثعابين، وذرية من ذراري المسلمين، حول مرتفعات الثلج، وسهول الغابات والمرج، وهي بلاد تتدفق منها الأنهار، وتنمو فيها الأزهار والأشجار، وأزمن الخلاف وطال، وكثر فيه القيل والقال، ونشبت بسببه الحروب، وقطّعت لأجله الدروب، وتحالف أهل الصليب والبقر، لاغتصاب هذا المكان الأغر، وشاء ربك القهار، أن يسوق إلى بلاد الجوار، رجال عشقوا الموت، ولا يخشون الفوت، أعلنوا الحرب على القرن والناقوس، وهيئوا لذلك النفوس، ونسب لشيخهم الغضنفر، ضرب مواقع المتصابي الأكبر، فاستشاط المتصابي غضباً، وأقسم بحق الغواني ليقطعنهم إرباً إرباً، فخاب سعيه وبار، ورجع بالذل والعار، ومثل أمام شعبه البكاء، وتابع مع الغواني المكاء، وكان مقدم الذراري (أبو الأهوال) يغازل قائد معسكر الضلال، ليضغط على أهل الأبقار، لحلّ القضية بالنقاش والحوار. وصاحب الغواني لا يلتفت إليه، ويلقي باللائمة عليه، ثم ألقى إليه الأمر الأخطر، بوجوب المساعدة والعمل على تسليم الغضنفر.
فاستشعر صاحبنا الأضرار، وقال لا علاقة لنا بدولة الجوار، واستمرّ النقاش جولات، وأُرسل مبعوثون ومبعوثات، إلى أن تمّ اللقاء العجيب، بين أبي الأهوال وقائد معسكر الصليب.
ولمّا عَلِمتُ بموعد المؤتمر، سعيت إليه باذلاً الجواهر والدرر، وجئت متخفياً بالغلس، وقابلت رئيس الحرس والعسس، وأقنعته بأن يوقفني على رأس المؤتمرين، وله كل غالٍ وثمين، وهكذا كان، وبدأ مؤتمر الزمان.
فقال صاحب الغواني: إن أفعالكم تغيظنا، وتصرفاتكم تسوؤنا، فنحن منكم غاضبون، ولأعمالكم قالون، وعليكم حانقون، هكذا الغضنفر بجواركم يسرح، وأتباعه تحيا وتمرح، ما سببتم له ضيقاً، ولا سددتم عليه طريقاً، وما أعنتم عليه صديقاً، بل تتمنون له البقاء، ولنا النكاية والشقاء، فها هو بأرضهم نزيل، وباعكم هناك طويل، بل إن أصدقاءه من أتباعكم، يعلنون ودّه على أرضكم، ما عكّرتم له ماء، ولا غبّرتم له فضاء، إعلامكم بمدحه يجاهر، وعلى شتمنا يظاهر، صيته أكبر من صيتكم، وصوره منتشرة في طرقكم، وتدّعون القصور، وتعقيد الأمور، وتطلبون المساعدة لتحسين الدفاع، وكفّ الغوغاء والرعاع، من الأصوليين الأشرار، والإرهابيين الكبار، فأين النتائج، ومن الداخل والخارج ؟، أهكذا يكون الأتباع أم تسيرون في مناحي الضياع ؟.
فردّ أبو الأهوال: بينت فأحسنت، وألمحت فأجملت، كلامكم حكم، وغضبكم نقم، تشرفت أرضنا بحلولكم، وأزهرت بقدومكم، وأنقل إليكم تحيات شعبي، وخالص ودي وحبي، ونود أن نخبركم يا صاحب الفخامة والإجلال، أنه ربما حصل لبس عند من أخبركم بوصف الحال، فما قصدنا ثانية إغضابكم، ولا عملنا لمحة على إزعاجكم، فإننا نبرأ من خواطرنا إن عنّ لها ما يزعجكم، وزهقت أنفسنا إن عملت في غير مرضاتكم، فأعطياتكم مأثورة، وفضائلكم غير منكورة، كيف لا وأنتم درة تاج الأرض، وأعلامكم منشورة في الطول والعرض.
أمّا قضية الغضنفر والأصوليين، وما يسببون من إزعاج للعالمين، فكما يعلم مقامكم أنه في دولة الجوار، وهم في ذلك أصحاب القرار، فلهم دولة وقيادة، ذات حدود وسيادة، ولا ينبغي لمثلي التدخل في أمورهم، فهم أدرى بشؤونهم، ولا أملك لهم إلا النصح، وإظهار مواطن الخلل والقبح، وحضضناهم على ودّكم مرارا، وراجعناهم تكرارا، وبدأنا معهم بالتلميح، ثم عاودنا بالتصريح، وأعلمناهم أن العين لا تعلو على الحاجب، فاطردوا هؤلاء الأجانب، وتقرّبوا إلى صاحب العزّ المصون، من نشر في الدنيا العيون، مالك قلوب الغواني، ومن يحقق لكم الأماني، فمليارات خزائنه ليس لها عدّ، وما فاز بقربه إلا صاحب السعد والجد، دانت له الممالك، وما خالفه إلا هالك، ولكنهم ما زالوا في ريبهم يترددون، ويصدّون ويقدمون، تارة يشيحون، وأخرى يقبلون، يتراجعون خطوة، ويتقدمون اثنتين، لسانهم لا وقلبهم نعمين. لم يتقنوا فنّ السياسة، وما أصابوا الكياسة، فحلمكم يسع جهلهم، وسيحلّ الوقت أمرهم، ونحن على نصحهم مستمرون، وهذه طاقتنا كما تعلمون، سيما أننا في مشكلة جبال الثلج نعمل، وبحلها السريع نأمل، ليحل في الأرض الوئام، وترفرف أعلام السلام، فجودوا على قضيتنا بنظرة، وامنحوها من فيض بحاركم قطرة، فثقتنا بقدراتكم لا تحد، ومن غير مقامكم لها إذا جدّ الجد؟، فأصدقاءكم عباد الأبقار، يرفضون التفاوض والحوار، يستندون إلى دعمكم، وينزلون عند رأيكم، فلو أقنعتموهم بالتصالح، وترك الخوار والتناطح، وإعطاء الحقوق لأصحابها، ونبذ الحروب وإغلاق بابها، نكون لكم كما كنا وسنبقى شاكرين، ولسعيكم مقدّرين، وسنبقى جنودكم المخلصين.
فقال صاحب الغواني: أتظنني بك جاهل، وعن أحوالك غافل، وغائب عني أمر جيرانك، ونفوذ أصحابك وأعوانك، ولابسي الأقنعة، ومحركي الأشرعة، عند غيرنا ينفق هذا القول، ويموّه عن صاحب الصول والطول.
إن أصحابنا أفادوا، وما قصّروا عن الحقيقة وما زادوا، بأنه لا يضرب مسمار في الجدار، إلا وأمره من هذه الديار، فلماذا الاستسرار، وأمركم أوضح من النهار، فنحن نريد غريمنا منكم، ولا أحد يسدّ في هذا عنكم.
وأمّا ما يجري في جبال الثلج فهو إرهاب، ولن نضغط من أجله على الأصحاب، فهم في هذه المنطقة الأصدقاء، وعدوّ الصديق من الأعداء، وليعرف كل امرئ حجمه ومكانه، ولا يطلق لهواه عنانه، فعدونا ما كان عباد البقر، بل هو الإسلام يأتي بالخطر، فإذا صحا والتمّ لن يجدي حذر، سيثور لن يبقي لدينا أو يذر، فتنازلوا فوراً لعباد البقر، لنطوق الأحداث لا يسري الشرر، وامدد لهم أيدي السلام، لتفوز بالتأييد بل رفع المقام، فعدونا وعدوهم وعدو كل الأنظمة، هو شرعة الإسلام يوم الملحمة، وهو الذي فيه نطالب، ولأهله ولأرضه نحيا نحارب، وعليكم إلغاء القوانين، التي تعاقب شاتم الله والأنبياء والدين، فاتركوا الناس أحرار، ولا تضيقوا عليهم في هذا المضمار، إن كنت أدركت الأمور، نمشي سويا في حبور.
فقال أبو الأهوال: كان بودي موافقتكم على ما تقولون، ولكن قومي لا يقبلون، فالتنازل لعبّاد البقر من الصعاب، ويأباه الأهل والأصحاب، ونحن لا ننكر على سموكم الودّ لعباد البقر والجواميس، ولا مساعدتهم في بناء السلاح والمتاريس، ولكننا كنا نود أن تذكروا لخدامكم المخلصين، ما قاموا به عبر السنين، وكيف وقفوا في وجه الدب الأكبر، حتى تمزق وتبعثر، فلمّا هوى الدب، حفرتم لنا الجبّ، فحبّذا لو عملتم وفق خصالكم الجميلة في الوفاء، وعدم رمي الأصدقاء.
فقال صاحب الغواني: نحن ليس لدينا مبادئ وأصدقاء دائمون، بل بما تملي مصالحنا، فهل لهذا تفهمون.
إذ ذاك انتهى الكلام، واستأذن النادل بإدخال الطعام، ووضع الخوان وعليه من الطعام والشراب أشكال وألوان، فبدؤوا بالحساء، وأدار أبو الأهوال مسجلاً للغناء، وبعد عزف الأوتار وضرب الطبول، صدحت المغنية تقول:
ياهويدلي ياهويدلك *****بتحكّ لي منحكِّ لك
حُلُّوا لنا موضوعنا***** موضوعكم منحِلِّ لك
فأدرك صاحب الغواني الرسالة، وشرب حتى الثمالة، وانصرف وهو يمغمغ الوعود، ويتأوه مما وراء الحدود، وهنا انتهت النوبة، فأسرعت بالأوبة.
وهذا ما حصل دون نقص أو مزيد، لعلّ فيه ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد...
0 التعليقات:
إرسال تعليق