موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 4 مارس 2012

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (25)



أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (25)
رضوان محمود نموس
نتابع في هذه الحلقة الرد على محمد عمارة فيما زعمه أن الخلاف بين االحركات الإسلامية والعلمانيين هو في دائرة الاجتهاد عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي: [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر:  (الجزيرة نت) 3/11/2010

الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين كما يراه عمارة:
يقول عمارة: [ وإذا كان لهذه الصفحات أن تقدم لهذه القضية إشارات تسهم في وضوح الرؤية فإنها تجمل هذه الإشارات في عدد من النقاط.
أولاها: أن الخلاف بين الإسلاميين وأغلب العلمانيين هو خلاف في المشروع الحضاري أي حول الدولة الإسلامية وليس حول العقيدة الإسلامية ومن ثم فإنه خلاف في الفروع ولذلك فإن معايير الحديث فيه والحكم على فرقائه ومقولاتهم إنما يكون بمصطلحات الصواب والخطأ والنفع والضر وليس بمعايير الإيمان والكفر والهداية والضلال ] ([1]).
فالخلاف إذاَ بين الإسلاميين والعلمانيين -أي اللادينيين- الذين يريدونها كما قال عمارة نفسه نصرانية " دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"  هو خلاف ضمن حدود الصواب والخطأ والنفع والضرر. بل ربما يكونون مجتهدين مخطئين فلهم أجر. ولا يحسبن أحد أن هذا كلامنا بل هو قول عمارة نفسه عندما يفرق بين هؤلاء وبين علمانيِّ الموارنة (نصارى لبنان) فالموارنة لا يعذرون كالعلمانيين أصحاب محمد عمارة حيث يقول بعد تعدادهم من يعقوب صروف إلى فارس نمر وشاهين مكاريوس و..الخ  يقول: [ وأمثالهم من الذين انطلقوا في تبني الخيار العلماني الغربي لا من اجتهاد خاطئ ويعذر صاحبه بل ويؤجر رغم الخطأ ] ([2]).

إذاّ فالعلمانيون الذين يقولون بفصل الدين عن الدولة هم عند عمارة ضمن دائرة المجتهدين، فإما أن يكونوا مصيبين فلهم أجران أو مخطئين فلهم أجر. ونحن نغبط السلف أنهم ماتوا قبل سماع هذا الكلام عن الاجتهاد.
أصناف العلمانيين عند عمارة:
يعدِّد عمارة أنواع العلمانيين -أي اللادينيين-  فيقول:عن
سلامة موسى([3])       (1888- 1958) وصحبه:
وهذا الفصيل من فصائل العلمانيين وإن لم ينزع إلى المادية الملحدة فيكون الخلاف معه في أصول الإيمان والتدين إلا أنه قد اختار مواقع العملاء الحضاريين، فالخلاف معه قائم في أصول الانتماء والهوية والمشروع الحضاري ] ([4]).
أي أن خلاف عمارة مع هذا الفريق أيضاً ليس في أصول الإيمان والتدين, وإنما في المشروع الحضاري, علماً أن جميع الذين عددهم  هم من الأقباط والموارنة.
وهنا نسوق بعضاً من كلام أحد رموز هذا القسم لنعلم مدى صحة كلام المفكر محمد عمارة بأن الخلاف ليس في أصول الإيمان والتدين، والنص منقول عن كتاب محمد عمارة نفسه أيضاً.
يقول سلامة موسى: [ وإذا كانت الرابطة الشرقية سخافة لأنها تقوم على أصل كاذب، فإن الرابطة الدينية وقاحة فإننا أبناء القرن العشرين أكبر من أن نعتمد على الدين جامعة تربطنا ونحن في حاجة إلى ثقافة حرة أبعد ما تكون عن الأديان، وحكومة ديموقراطية برلمانية كما هي في أوروبا وأن يعاقب كل من يحاول أن يجعلها مثل حكومة هارون الرشيد والمأمون، إنني كلما ازددت خبرة وتجربة وثقافة توضحت أمامي أغراضي.
يجب علينا أن نخرج من آسيا وأن نلتحق بأوروبا، فإني كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له وشعوري بأنه غريب عني وكلما زادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها  وتعلقي بها زاد شعوري بأنها مني وأنا منها، وهذا هو مذهبي الذي أعمل له طوال حياتي سراً وجهراً، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب ]  ([5]).
ثم يهاجم اللغة العربية فيقول: [ إن اصطناع العامية لغة أدب. والكتابة بالحروف اللاتينية تضمنا إلى مجموعة الأمم المتمدنة وتكسبنا عقلية المتمدنين، فالمتعمق في اللغة الفصحى يشرب روح العرب ويعجب بأبطال بغداد فنظره متجه أبداً نحو الشرق وثقافته كلها عربية شرقية مع أننا في كثير من الأحيان نحتاج إلى الاتجاه نحو الغرب، والثقافة تفرز الذوق والنزعة وليس من مصلحة الأمة المصرية أن ينزع شبابها نحو الشرق، إن العربية تراث لغوي يحمل عقيدة اجتماعية يجب أن نحاربها، فالعربية ليست لغة الديموقراطية والأتومبيل والتلفزيون، بل لغة القرآن وتقاليد العرب ] ([6]).
وبعد كل هذا يرى عمارة أن الخلاف مع هؤلاء ليس في أصل الإيمان والتدين إنما في المشروع الحضاري!!
وليس غريباً صدور هذا الكلام عن المفكر محمد عمارة, لأن له مفهوماً وتعريفاً للإيمان غير تعاريف المسلمين أهل السنة والجماعة منهم, أو أهل البدع؛ بل  حتى الفرق الباطنية أو الضالة؛ بل جاء بشيء لم يسبقه إليه أحد. فهو يرى مثلاً جان جاك روسو وغيره هم من المؤمنين فيقول:
[ لقد أعادت الثورة العلمانية الكنيسة إلى حدودها الأولى خلاص الروح ومملكة السماء وجعل ما لقيصر لقيصر  من دون الله وجعل العقل والتجربة دون الدين واللاهوت المرجع في تدبير شئون العمران الإنساني أي عزل السماء عن الأرض انطلاقاً من فلسفة أن العالم مكتف بذاته تدبره الأسباب المخلوقة في ظواهره وقواه وطبيعته دونما حاجة إلى رعاية إلهية أو تدبير شرعي نازل مما وراء الطبيعة والعالم، فالعلمانية هي جعل المرجعية في تدبير العالم إنسانية خالصة ومن داخل العالم دونما تدخل من شريعة سماوية أو وحي من الله المفارق لهذا العالم.
ولقد عرفت العلمانية الأوروبية غير التيار المادي الملحد تياراً مؤمناً بالله استطاع فلاسفته من أمثال هوبز([7]) (1588-1679) ولوك (1632-1716) وليبنيز (1646-1716) وروسو (1712-1778) وليسنج (1729-1871) التوفيق بين الإيمان بوجود إله خالق للعالم وبين العلمانية التي ترى العالم مكتفياً بذاته فتحصر تدبير الاجتماع البشري في سلطة البشر المتحررة من شريعة الله ] ([8]).
ثم يذكر الفئة الأخيرة من العلمانية وهي الأصل والأساس والغالبية المطلقة من العلمانيين فيقول:
[ ج- دعاة فصل الدين عن الدولة من العلمانيين الوطنيين والقوميين من المفكرين والساسة والأحزاب الذين انبهروا بنهضة الغرب عندما قارنوها بتخلف النموذج العثماني...  وهذا الفصيل من فصائل الحركة العلمانية هو الأكثر نفوذاً والأوسع انتشاراً وعلى الإسلاميين أن يميزوا بينه وبين الفصيلين الأولين مهما بدت الحدة والفجاجة والاستفزاز في مقولات مفكريه ومثقفيه ] ([9]).
وهنا يتساءل المرء هل أصبحنا فعلاً بحاجة إلى تذكير المجددينات أو المفكرينات من أمثال محمد عمارة بما تعنيه كلمات الإسلام والإيمان والعقيدة والدين والاجتهاد والعلمانية؟ حقاً إنه لا بد من إصلاح الأسماء والمسميات أولاً.
وكيف يستسيغ هذا المفكر وصف من يرفض الخيار الإسلامي, ويصر على إبعاد الإسلام عن المجتمع والاقتصاد والسياسة والتعليم والحياة كلها, ويريدها نصرانية (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر) كيف يستسيغ أن يسمي هؤلاء مسلمين, ويصور الخلاف معهم في دائرة الخطأ والصواب, فإن أصابوا فلهم أجران, وإن أخطأوا فلهم أجر، وكنا قد بيَّنا أن العلمانية هي -اللادينية-  أي هي رفض الدين كعقيدة شاملة للحياة, وإحلال الفلسفة الأوربية ومنهج أوروبا بدلاً عن الدين كعقيدة ومنهج للحياة.
إن محمد عمارة لا يجهل أن العلمانية هي تأليه للبشر، تأليه للإنسان، تأليه للعقل أي للهوى, وإحلاله محل الله عز وجل. وبعد هذا يسميها مؤمنة والخلاف ضمن دائرة الاجتهاد.
فها هو يقول عن العلمانية:
[ هكذا نشأت العلمانية, في سياق التنوير الوضعي الغربي, لتمثل عزلاً للسماء عن الأرض, وتحرير الاجتماع البشري من ضوابط وحدود الشريعة الإلهية, وحصراً لمرجعية تدبير العالم في الإنسان, باعتباره "السيد" في تدبير عالمه ودنياه، فهي ثمرة عقلانية التنوير الوضعي, الذي أحل العقل والتجربة محل الله والدين، وهي قد أقامت مع الدين -في تدبير العالم- قطيعة معرفية وبعبارة واحد من دعاة التنوير الغربي (فلم يعد الإنسان يخضع إلا لعقله في أيديولوجيا التنوير التي أقامت القطيعة الأبستمولوجية (المعرفية) الكبرى التي تفصل بين عصرين من الروح البشرية عصر الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الأكويني وعصر الموسوعة لفلاسفة التنوير فراح الأمل بمملكة الله ينزاح لكي يخلي المكان لتقدم عصر العقل وهيمنته وراح نظام النعمة الإلهية ينمحي ويتلاشى أمام نظام الطبيعة وأصبح حكم الله خاضعاً لحكم الوعي البشري الذي يطلق الحكم الأخير باسم الحرية. إنها عزل السماء عن الأرض, والدين عن الدنيا, وإحلال الإنسان - في تدبير العمران البشري- محل الله ] ([10]).
ولا يحسبن أحد أن هذا يعني أن محمد عمارة تراجع عن رأيه الأول الذي يذكر فيه أن الخلاف بين الإسلاميين والعلمانية هو خلاف في دائرة الخطأ والصواب والاجتهاد، وأنه ليس في الأصول. فكلامه الذي ذكر فيه أن العلمانية تعني [ إحلال الإنسان في تدبير العمران البشري محل الله ]  قاله في كتابه (معركة المصطلحات)([11])، بينما قوله: [ إن الخلاف بين الإسلاميين وأغلب العلمانيين هو خلاف في المشروع الحضاري أي حول الدولة الإسلامية وليس حول العقيدة الإسلامية ومن ثم فإنه خلاف في الفروع ولذلك فإن معايير الحديث فيه والحكم على فرقائه ومقولاتهم إنما تكون بمصطلحات الصواب والخطأ والنفع والضرر وليس بمعايير الإيمان والكفر والهداية والضلال ]  قاله في كتابه (أزمة الفكر الإسلامي المعاصر الحديث) الصادر بعد الكتاب السابق([12]).وهذا يعني أنه قال هذا الكلام بعد كلامه في تعريف العلمانية بسنتين, وبعد تعريفها بأنها إحلال الإنسان محل الله. فهو إذن يعي ما يقول, ولم يتراجع عن رأيه الذي يرى فيه أن الخلاف مع هؤلاء العلمانيين - أي اللادينيين- والاسم الشرعي لهم هو (المرتدون) لم يزل يرى الخلاف معهم  في دائرة الخطأ والصواب والاجتهاد.
بل يريد محمد عمارة وغيره من العلمانيين ممارسة اللعب و أعمال السيرك البهلوانية, ومحاولة تضليل الحركات الإسلامية وجلبها لصف العلمانيين, كما فعل محمد عبده عندما أراد تطوير الأزهر مع العصر الحديث, فقرب الأزهر من الزندقة, ولم يقرب الزنادقة من الإسلام.
وهكذا يريد محمد عمارة، يريد أخذ الإسلاميين إلى العلمانية الكافرة, لا ترك العلمانية والإياب إلى الإسلام.
وفي سبيل هذا الهدف ذكر أن العلمانية الخلاف مع العلمانيين في الاجتهاد والخطأ والصواب وهو أمر يسير وبسيط جداً عند المفكر المسيلمي هو فصل الدين عن الدولة, والتحاكم إلى القانون الوضعي بدلاً من الشريعة, وأن تكون السيادة للأمة والشعب وليست لله, وعزل السماء عن الأرض وإنهاء وصاية السماء على الإنسان وأن يقنن الإنسان لنفسه ما يراه وما يهواه... الخ. ويعتبر هذا من الأمور الفرعية جداً والبسيطة الهينة، لأن الخلاف فيها مع الإسلاميين هو خلاف في الفروع, وضمن دائرة  الخطأ والصواب، وبالتالي ضمن دائرة الاجتهاد الذي لا يخلو صاحبه من أجر أو أجرين.
فلذلك أوصى المسلمين بأن يميّزوا بينهم وبين غيرهم, ويتعاونوا معهم ويستفيدوا من خبراتهم من منطلق أن الخلاف اجتهادي.



[1] - أزمة الفكر الإسلامي الحديث ص / 68.
[2] - أزمة الفكر الإسلامي الحديث ص /70- 71.
[3]  - سلامة موسى (1887- 4 أغسطس 1958)، مصلح من طلائع النهضة المصرية. هو رائد الاشتراكية المصرية ومن أول المروّجين لأفكارها. ولد في قرية تٌسمي بهنباي وهي تبعُدْ سبعةْ كيلو متراتْ عن الزقازيق لأبوين قبطيين. عرف عنه اهتمامه الواسع بالثقافة، واقتناعه الراسخ بالفكر كضامن للتقدم والرخاء. انتمى سلامة موسى لمجموعة من المثقفين المصريين، منهم أحمد لطفي السيد، الذي نادى بتبسيط اللغة العربية وقواعد نحوها والاعتراف بالعامية المصرية. وكانت حجتهم أن اللغة العربية لم تتغير لأجيال، وأن معظم المصريين أميون، مما دعا موسى وآخرين للمطالبة بالكتابة بالعامية
[4] - أزمة الفكر الإسلامي الحديث ص / 70.
[5]- سلامة موسى - اليوم والغد - والنص منقول عن كتاب محمد عمارة, ص / 90 - 91.
[6]- سلامة موسى - البلاغة العصرية واللغة العربية - نقلاً عن كتاب محمد عمارة, ص / 92- 93.
[7] - توماس هوبز : هو فيلسوف انجليزي ولد سنة 1588 شغل عدة وظائف تعليمية هامه  وكان مدرسا للملك شارل الثاني  من اهم اعماله كتاب لفياذان وهو حيوان بحري ضخم يشبه به الدوله في هيمنتها علي كل الامور مع بطء حركتها ... توفي هوبز سنة 1679
[8] - معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام - محمد عمارة, ص / 24 – 25.
[9]- أزمة الفكر الإسلامي الحديث ص / 71 - 72.
[10] - معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام, ص / 26.
[11] - وهو صادر عن دار نهضة مصر للطباعة بتاريخ مارس 1997, وإيداع الكتاب عام 1996م.
[12] - وهو نشر دار الفكر دمشق - الطبعة الأولى 1998م.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.