أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (99)
وسعد زغلول عينه
عمارة رائداً للصحوة
رضوان
محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن سعد زغلول الذي عينه عمارة رائداً للصحوة الإسلامية
بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان
والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل.
عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله
لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما
نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
تابع سعد زغلول
ثالثاً: سعد وثورة
1919م:
بعد أن أعلن الرئيس
الأمريكي "توماس وودرو ولسون" المبادئ الأربعة عشر التي اعتبرت أساساً لإنهاء
الحرب العالمية الأولى، والمعروفة "بمبادئ ولسون"([1])
قامت مجموعة من السياسيين المصريين من حزب الأمة وغيره بتشكيل لجنة لمتابعة قضية
مصر أمام مؤتمر السلام. هذه اللجنة كانت نواتها من ستة أشخاص هم:
1- سعد زغلول باشا 2- على شعراوي باشا 3- محمد محمود باشا
4- عبد العزيز فهمي بك 5- محمد علي علوبة بك 6- أحمد لطفي السيد بك.
وذهب ثلاثة من هؤلاء
لمقابلة سير " ونجت " وهم: سعد زغلول، وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي.
كما مر معنا سابقاً. وانضم إلى هذه اللجنة لاحقاً حمد الباسل باشا, وحسين واصف
باشا, وجورج خياط بك, وواصف غالي بك, وحافظ عفيفي بك، ومصطفى النحاس بك.
وكان الحزب الوطني هو
الآخر قد بدأ بتشكيل وفد لنفس الغاية برئاسة الأمير " عمر طوسون "، ولكن بعد التفاوض،
وحتى لا تظهر مصر بمظهر الفرقة، وحتى يكون المطلب شعبياً تنازل وفد الحزب الوطني
والأمير عمر طوسون، وبقي الوفد الذي يرأسه سعد زغلول. ولأن هذا ضمناً لا يتعارض مع
الرغبة الإنجليزية.
وبدأت حملة توكيلات
يوقعها وجهاء وعمد ومثقفون و.. الخ من المصريين تقضي بتوكيل الأفراد الستة مع حقهم
بإضافة من يرونه مناسباً.
وطلب
هؤلاء من سلطات الاحتلال جوازات سفر ليتمكنوا من السفر لأداء مهمتهم، ولكن سلطات
الاحتلال ماطلت في هذا فأرسل الوفد خطاباً إلى مندوب الاحتلال، وهذا نصه:
[ القاهرة في 29 نوفمبر 1918م:
إلى صاحب الفخامة سير
ريجنالد ونجت المندوب السامي لحكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى.
ياصاحب الفخامة:
أتشرف بأن أعرض لفخامتكم
أنه قد تألف وفد برئاستي بقصد السفر إلى إنجلترا للمفاوضة مع أولي الحل والعقد
البريطانيين بشأن مستقبل مصر وقد أرسلت لرئاسة الجيش الإنجليزي بتاريخ 20 الجاري
خطاباً التمست فيه إعطائي وزملائي جوازات السفر
فتفضلت السلطة العسكرية بإجابتي في اليوم التالي بأن طلبنا سينظر فيه في أقرب
وقت ممكن ولما كانت المهمة التي أخذناها على عاتقنا تقضي بوجودنا بإنجلترا من غير
تأخير فقد حررنا أمس طالبين النظر في ملتمسنا واليوم ورد لنا خطاب من السلطة
العسكرية يتضمن أنه قد حدثت بعض صعوبات لم يتيسر معها إجابة إلى اليوم وأنه بمجرد
تذليل الصعوبات تسارع إلى إجابتنا إلى موضوع طلبنا.
تلقاء هذه الإجابة ونظراً
إلى أنه من الضروري أن يكون وفدنا بلوندرة قبل الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر جئنا
بهذا راجين من فخامتكم أن تتفضلوا باستعمال ما لكم من النفوذ لدى السلطة العسكرية
لحصولنا على جوازات السفر سريعاً وفي الوقت المناسب وإنا معتمدون كثيراً على
تقاليد بريطانيا العظمى التي ما زالت تقدم للعالم كثيراً من الأمثلة على تمسكها
بمبادئ الحرية الشخصية اعتماداً يجعل لنا الثقة في أن طلب التصريح لنا بالسفر
سيفصل فيه عاجلاً.
وإنا في انتظار إجابة
ملتمسنا نقدم لفخامتكم عظيم الاحترام والتبجيل.
وكيل الجمعية التشريعية
المنتخب ورئيس الوفد المصري
سعد زعلول.
فورد الرد من دار الحماية وهذا نصه:
القاهرة في أول ديسمبر
1918م:
عزيزي زغلول باشا. كلفت
من قبل فخامة المعتمد السامي البريطاني بإحاطتكم علماً بوصول خطابكم المؤرخ 29
نوفمبر الماضي وبإخباركم رداً عليه بأن فخامته قد رأى بعد استشارة حكومة جلالة
الملك أنه لا يستطيع التوسط لدى السلطة العسكرية في هذا الموضوع وأضيف إلى ذلك أنكم
إن كنتم تريدون تقديم اقتراحات بخصوص كيفية الحكم في مصر مما لا يخرج عن الخطة
التي رسمتها حكومة جلالة الملك وأعلنتها من قبل فالأفضل أن مثل هذه الاقتراحات
تقدم كتابة إلى فخامته
المخلص
(ج. س. سيمسون) السكرتير الخصوصي بالنيابة. ]([2]).
ثم أرسل الوفد رسالة إلى
لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني، كما أرسلوا نداءات إلى معتمدي الدول الأجنبية
بمصر، وإلى مسيو جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا، وإلى شخصيات سياسية عالمية.
وكان سعد مدعواً لحفلة
شاي عند قائد القوات البريطانية فأرسل هذا الأخير لسعد خطاباً: [ يا صاحب السعادة:
إلحاقاً للإعلان الصادر في جريدة لاجبسيات غازيت بتاريخ الثلاثاء 28 يناير 1919م
بمناسبة دعوتكم لحفلة الشاي في يوم الجمعة 31 الجاري فلا مانع عندي من أن تنشروا
إعلاناً آخر تصرحون فيه أن دعوتكم منعت قهراً. وتفضلوا بقبول فائق احترامي. قائد القوات البريطانية
( هـ. و. وطسن ) ]([3]).
توالت برقيات الاحتجاج
إلى الرجال الرسميين في أوربا وأمريكا. ونتيجة لذلك:
كما قال محمد علي علوبة:
[
دعا القائد العام للقوات البريطانية في 6/ 3 / 1919م أعضاء الوفد السبعة لمركزه
بفندق سافواي في الساعة الثالثة بعد الظهر وكان الفندق يقع على ناصية شارعي سليمان
باشا، وقصر النيل. فذهبنا إلى الميعاد وكنا سعد زغلول، علي شعراوي، محمد محمود،
عبد العزيز فهمي، أحمد لطفي السيد، عبد اللطيف المكباتي وأنا -محمد علي علوبة-
وصعدنا إلى الدور الثاني وأدخلنا حجرة صغيرة قليلة الضوء ليس بها أحد وجلسنا فيها
نحو عشر دقائق ثم فتح باب جانبي ظهر منه القائد العام البريطاني الجنرال
"وطسن" ومعه ضابطان أو ثلاثة بملابسهم العسكرية. فوقفنا ننتظر منه تحية
لم يتكرم بها وألقى -والجميع وقوف- البلاغ الآتي باللغة الإنجليزية وبلهجة عسكرية.
" علمت أنكم تضعون مسألة وجود الحماية موضع
المناقشة وأنكم تقيمون العقبات في طريق الحكومة المصرية تحت الحماية بالسعي في منع
تشكيل وزارة جديدة.
وبما أن البلاد لا تزال
تحت الأحكام العسكرية لذلك يتحتم علي أن أنذركم بأن أي عمل منكم يرمي إلى عرقلة
سير الإدارة يجعلكم عرضة للمعاملة الشديدة بموجب الأحكام العرفية "
وبعد إلقاء هذا البلاغ
باللغة الإنجليزية قال: " لا مناقشة " ثم تركنا ورجع وقد طلبنا نسخة من
هذا البلاغ فأعطينا.
وبعد خروجنا من مقر
القيادة وسماعنا تهديد القائد سرت في البلد شائعات أن النية منعقدة على مصادرة
أملاك أعضاء الوفد ورميهم بالرصاص إذا زاولنا نشاطنا...
بعد الإنذار الذي وجه
إلينا من قائد القوات العسكرية قامت مظاهرات في القاهرة والأقاليم تطالب بحق مصر
في الحرية والاستقلال. ورأت السلطة العسكرية أن هذه الأعمال من الشعب لا تدل على
شيء من الاستقرار الذي يبتغيه الاحتلال فصدر الأمر في 8/3/1919م من السلطة
العسكرية بالقبض على أربعة منا هم سعد زغلول، محمد محمود، إسماعيل صدقي، حمد
الباسل وأرسلوا إلى بورسعيد ومنها نفوا إلى جزيرة مالطة...]([4]).
وهنا ثار الشعب في جميع
أنحاء مصر. وكوِّنت جمهورية في مديرية " المنيا ", وأعلنت استقلالها
وقامت إدارة مستقلة في " قنا ", وحصلت صدامات في أسيوط، وقامت مظاهرات
في القاهرة من الأزهر، ووجِهت بالرصاص. واستمرت في أيام تالية وفي كل مرة تقابل بالرشاشات.
وكانت مصر مضطربة من أقصاها إلى أقصاها. فماذا فعل زعماء الوفد؟ وماذا فعلت قيادته التي لقيت الإهانة من قائد القوات
البريطانية؟ هل استغلت هذا الحادث لطرد الإنجليز؟ أم استغلته لانتزاع الاستقلال؟
أم لفرض شروط من موقف تفاوضي أقوى؟ وماذا فعل الوفد تجاه من ناصره وقدم من أجله
وأجل بلاده روحه؟
لقد وصف الوفد أولئك
الثائرين بالغوغاء غير المثقفين، وأن الوفد والمتنورين لا يرضون بهذا. نعم .. هذا
الذي فعله الوفد. واستغل الثورة لهدف ماسوني خبيث خسيس سنأتي على ذكره فيما بعد إن
شاء الله.
وهنا قام الإنجليز بعرض
فصل جديد من المسرحية, وسمحوا للوفد بالسفر.
يقول محمد علي علوبة: [
بلغ الهياج والاضطراب الذروة فاضطرت سلطة الاحتلال للإفراج عن المعتقلين في مالطة
يوم 7/4/1919م، والسماح لأعضاء الوفد بالسفر إلى أوربا واستصحاب زملائهم في
مالطة... ركبنا الباخرة " كاليدونيا " وهي من بواخر السلطة العسكرية
البريطانية وأبحرت بنا في11/4/1919م وسط الهتافات إلى مالطة حيث التقينا بسعد
وزملائه، وواصلنا السفر إلى مرسيليا فبلغناها يوم 19/4/1919م. وما يجدر ذكره أن
الباخرة كان بها ضباط وجنود من البريطانيين، وعمال وخدم من الهنود المسلمين وغير المسلمين.
وبينما كنا نتسامر فوق ظهر الباخرة أتاني هندي وهمس في أذني أن نحترس في أحاديثنا
لأن في الباخرة بريطانيين يفهمون اللغة العربية وربما يكون بعضهم مكلفاً باستراق
السمع فشكرته وبلغت زملائي ليكونوا على حذر ]([5]).
وبهذا النصر العظيم انتهت
الثورة التي ذهب ضحيتها مئات الشباب، وهكذا استغل الوفد التفاعل الشعبي والثورة
المصرية.
رابعاً: سعد والوفد:
وصل الوفد إلى مرسيليا في
19/ 4/ 1919م، وكان يتألف من:
(سعد زغلول، علي شعراوي،
محمد محمود، عبد العزيز فهمي، أحمد لطفي السيد، عبد اللطيف المكباتي، محمد علي
علوبة) وفي فرنسا انضم للوفد كل من (إسماعيل صدقي، حمد الباسل، واصف غالي، جورج
خياط، سينوت حنا، ويصا واصف، حسين واصف، دكتور حافظ عفيفي، مصطفى النحاس)، وكان محمد
كامل سليم سكرتيراً لهم للغة العربية، ومسيو دوماني للغة الفرنسية، وكان مع سعد
زوجته وخادمه.
وفي باريس بدأ سعد يعلن
دكتاتوريته وأنه صاحب الكلمة الأوحد، وبدأ يتصرف دون مشورة أحد، ويسيِّر الأعمال
لبناء مجد شخصي له، لا لمفاوضة المحتل ليجلو عن أرض الوطن، واتخذ سياسة فصل أعضاء
الوفد المؤسسين واحداً تلو الآخر وإحلال آخرين بدلاً عنهم من أتباعه وأذياله.
بدأت الصدامات عندما رفض
سعد صرف مبلغ لإرسال جثمان محمد فريد الذي توفي في فرنسا([6])
إلى مصر.
وذلك لأن محمد فريد زعيم
الحزب الوطني وإرسال جثمانه في هذا الوقت يهيج العواطف لتتعاطف مع الحزب مما يغضب
الإنجليز ويؤثر على بريق سعد.
بينما صرف آلاف الفرنكات
الفرنسية للرسامين ليرسموا صورته تارة وهو يؤشر بيده، وأخرى وهو يوقع ورقة، وثالثة
وهو يضع إصبعه على رأسه كأنه يفكر...
وإرسال هذه الصور إلى مصر
لاستنساخها وتوزيعها، كما أنه في ذات الوقت دفع مبلغاً لإرسال جثمان أحد أقرباء
صهره مصطفى فهمي عميل الإنجليز.
كان لهذا الحادث تأثير
على وجدان جميع أعضاء الوفد، ولما كان يطلب مبالغ ولا يعلم الوفد أين تذهب، اعترض
أعضاء الوفد وخاصة أمين الصندوق واصطدموا مع سعد، وتكلم سعد مع أمين الصندوق كلاماً
نابياً مما دفع أمين الصندوق -علي شعراوي- إلى ترك الوفد وعيّن بدلاً عنه محمد علي
علوبة.
في تلك الأثناء وصلت لجنة
ملنر إلى مصر وقررت الحكومة أن تترك أمر التفاوض للوفد، فرجعت لجنة ملنر إلى
بريطانيا وهناك بدأ سعد يتصل باللجنة عبر طريقين: طريق علني يظهر فيه التشدد، وآخر
خلفي يقدم فيه التنازلات.
كان سعد يخشى التفاوض
العلني لأن الحزب الوطني كان قد هدد بالقتل كل من يفاوض على أقل من الاستقلال. لذا
حاول إحضار شخصية تفاوضية يلقي بالتبعة عليها إذا فشل الأمر، فأبرق إلى عدلي يكن
يرجوه الحضور بتاريخ 6/3/1920م، ثم أبرق ثانية بتاريخ 18/3/1920م، وثالثة بتاريخ
22/ 3/1920م قائلاً لعدلي: "نرجو تقديم ميعاد وصولكم إلى باريس بقدر
المستطاع" زغلول.
كما
أبرق في 30/3/1920م لعدلي: "نكون سعداء برؤيتكم في أقرب فرصة" زغلول.
وتتابعت
البرقيات إلى أن وصل عدلي إلى باريس 22/4/1920م، ولما قرر الوفد أن يذهب إلى
بريطانيا وفي آخر لحظة رفض سعد الذهاب محتجاً بأنه يخاف أن تعتقله السلطات
البريطانية، وبعد إلحاح من أعضاء الوفد وتطمينات بريطانيا ذهب سعد.
وفي بريطانيا وبعد سير
المفاوضات قدماً علم سعد أنه لن يستطيع أن يكون هو الموقع كطرف يمثل الدولة
المصرية لأن التوقيع لابد أن يكون من الحكومة، وأن هذه هي التقاليد الدوليةِ، ولا
يمكن أن يكون التوقيع من قيل هيئات شعبية. عندها اقترح سعد على ملنر أن يتم عزل
الملك فؤاد وتولية ابنه الرضيع فاروق، ويكون سعد وصياً على العرش ويوقع من موقعه
هذا. ولكن بريطانيا رفضت, وأغراهم سعد بالتنازلات ولكنهم رفضوا.
تسربت أنباء اللقاءات
السرية بين لجنة ملنر وسعد. وقد صرح هو أيضاً لأعضاء الوفد برغبته بأن يطرح مشروع
عزل الملك فؤاد. ولم يوافق أي من أعضاء الوفد.
ولما
علم الوفد أن سعداً طرح هذا الموضوع فعلاً على الإنجليز انقسم الوفد على نفسه
وسادت روح الاشمئزاز, ورجع عدد من أعضاء الوفد, وتم الاتفاق السري بين الإنجليز
وسعد بأن يسعى الإنجليز إلى تشكيل حكومة برئاسة سعد، ويتولى سعد التفاوض.
وزادت حدة الانشقاقات في
الوفد وكان سببها هذه المرة أيضاً طلب سعد بتحويلات مالية لا يعلم الوفد كيف
تصرف... خاصة أن الوفد عرف أن سعداً يرسل من أوربا إلى مصر خطابات وتصريحات
للجرائد يشهِّر فيها ببعض أعضاء الوفد ويتهمهم في وطنيتهم. ولما ثبتت هذه الواقعة
قرر كل من محمد محمود باشا وحمد الباسل ولطفي السيد ومحمد علي علوبة وعبد اللطيف
المكباتي -وهو من تبقى من أعضاء الوفد الأساسيين بعد ذهاب علي شعراوي- قرروا السفر إلى مصر احتجاجاً على تصرفات سعد،
وكان ذلك في 16 يناير 1921م، واتصل سعد بمصر وطلب أن يتم تحويل الأموال باسمه
شخصياً.
بعد سفر أعضاء الوفد أرسل
سعد من باريس برقية إلى الصحف المصرية تصف أعضاء الوفد بالتخلي عن نصرة بلادهم،
وحذر الوطنيين من الاستماع إليهم.
ولم يلبث سعد أن سافر إلى
مصر أيضاً، ورجع الوفد الذي أقام سعد زغلول مجده الكاذب عليه دون أن يقدم لمصر
شيئاً. وليراجع من أراد التفصيل وثائق ذلك التاريخ.
بل قدم التنازلات
للإنجليز من أجل المصالح الشخصية؟
وكان من ثمار انشقاق
أعضاء الوفد أن تم تشكيل حزب الوفد وحزب الأحرار الدستوريين، وكلا الحزبين شر.
وفي مصر أعلن محمد علي
علوبة بالجرائد اتهامه لسعد وتحداه بالرد عليه، وكان أبرز نقاط الاتهام ما يلي:
قال علوبة:
- أَتَّهِم سعد زغلول بدس
الدسائس لدى بريطانيا ضد الملك لأغراض ذاتية.
- أتهم سعداً بأنه كان
يريد قطع المفاوضات لما علم أنه ليس هو الذي سيوقع، ولو ضر ذلك بمصالح مصر.
- أتهم سعداً بخيانة الملك والبلاد وشعب مصر
والدلائل عندي.
- أتهم سعداً بأنه عرض على بريطانيا من وراء ظهر
الوفد:
أ- أن تستأجر بريطانيا
العظمى كل شبه جزيرة سيناء.
ب- تخصص مصر قوة من جيشها لحماية قناة السويس، ويكون
ضباط هذه القوة من الإنجليز.
ج- يكون للإنجليز حق
التدخل في مصر عند حدوث ثورة فيها.
- أتهم سعداً بأنه رفض
نقل جثمان محمد فريد حتى لا يؤثر ذلك على شعبيته.
- أتهم سعداً باستغلال
أموال الوفد لمجده الشخصي.
- أتهم سعداً بأنه استدان شخصياً من أموال الوفد
(13206450فرنكا فرنسياً) و (2400 جنيه إنجليزياً) ورفض إعادتها] ([7]).
وعلى هذا الشكل انتهى
الوفد الذي بنى مجداً كرتونياً ما زال حتى الآن يعشعش في نفوس الببغاوات
بالرغم من كل هذا وما
اقترفته يدا سعد من جرائم بحق الأمة ودينها يقدم محمد عمارة لنا سعداً على أنه
رائد للإصلاح !
ولما حاول أن يصفه بأنه
مصلح إسلامي. قال له فرج فودة العلماني اللاديني ما يلي:
[ الزعيم العظيم سعد
زغلول يا دكتور عمارة هو صاحب الراية التي تلهب أعصاب التيار الإسلامي وهي (الدين
لله والوطن للجميع).
الزعيم العظيم يا دكتور
عمارة هو أول من نزع الحجاب عن وجه زوجته صفية زغلول حين عاد من منفاه وتبعتها
المصريات.
الزعيم العظيم خالد الذكر
سعد زغلول يا دكتور عمارة هو الذي وضع " ويصا واصف القبطي " رئيساً للمجلس
التشريعي في مصر ]([8]).
بل ربما يغلو غير عمارة
في سعد ممن جعلهم عمارة أيضاً رواداً مثل أحمد حسن الزيات، فيقول الزيات في سعد:[
سعد زغلول ومحمد عبده هما الآية الشاهدة على سمو الجنسية المصرية الخالصة لم يشب
دماءهما عنصر دخيل... ثم مضيا على إلهام الجنس ورسم التاريخ وهدى العقيدة يدعو
أحدهما إلى إصلاح الدين ويدعو الآخر إلى إصلاح الدنيا... كانت معجزة الرجلين في
رسالتهما الإنسانية من نوع معجزة الرسول في رسالته الإلهية ]([9]).
[وهكذا اصطفى الله سعداً
لرسالة الحق... ثم ركبه على الصورة التي أرادها لتبليغ هذه الرسالة ثم هدى به
قافلة قومه إلى طريق السلامة وجعل الذين اتبعوه بالحق فوق الذين كفروا إلى يوم
القيامة ]([10]).
ووصف خطبة سعد فقال: [
فما سمع الناس كاليوم خطيباً ينطق عن الوحي وأسلوباً يتسامى للإعجاز ]([11]).
ويصف سعداً في مقال آخر
بعنوان " أروع أيام سعد "-يوم نقل رفاته إلى قبر على نماذج قبور
الفراعنة- فيقول:
[ كانت روعة أيامه
الغر... آتية من شخصيته التي طاولت العروش وعزيمته التي صاولت الجيوش وبلاغته التي
عاجزت القدر... لأن سعداً لم يعد رجلاً محدود الوجود بذاته ومميزاته وغائيته وإنما
أصبح معنى مقدساً من معاني الشمول يختصر في نفسه خصائص جنسه... فهو علم يخفق
بالأمل ومنارة تشع بالهداية ورسول من رسل القيادة الذين يبعثهم الله إلى الناس في
متاهة السبل وضلالة النفوس فيكونون رمزاً لرجاء الإنسان في الله ومثالاً لرحمة
الله بالإنسان ]([12]).
ثم يضيف عند نقل الرفاة:
[ ثم شماتة حانقة تصيح بالجبابرة الضعاف من أفواه الطرق ومنافذ البيوت وعلى أطورة
الشوارع وسوح الميادين قائلة أنا الأمة أنا الإرادة الأولى أنا الكلمة الأخيرة...
إن الموت قد انخزلت قواه عن سعد فلم يستطع طمسه في عين الوجود ولا محوه من سمع
الزمن ولا يزال ملء الحاضر وعدة المستقبل... ذلك سعد كان في مماته كما كان في
حياته موضع القداسة منها -أي من الأمة- وموطن الرجاء فيها لأنه أول مصري حكم
بأمرها ]([13]).
أما جريدة كوكب الشرق الوفدية فإنها تصف زعماء الوفد وعلى رأسهم سعد زغلول
بالتالي:[ما خلت نهضة عامة من زعامة ولا أقفرت حركة وطنية من قيادة ولا قامت ثورة
إلا على توجيه . ومن ثم كان للزعيم في
الحركات القومية قداسة لا يمسها شئ ومقام لا ترتفع إليه ظلال الشبهة وأوج لا يبلغه
اتهام . إن الجماعات هي التي تختار زعماءها ولكن الاختيار نفسه لا يلبث أن يحيط
ذاته بالقداسة والتكريم الواجبين للمعنى المتمثل به .فإن الزعيم هو الجماعات نفسها
في فردكما أن الجماعات هي الفرد نفسه ممثلة فيه]([14])
رغم مؤامرات سعد, وتفاهة
أهدافه, ووضوح ضلاله وإضلاله, وخيانته لدينه وأمته يخرج أناس يقولون بمثل هذه
الترهات والتخرصات. وهكذا يبرز الطواغيت، وتقدس الرذيلة، ويستكبر المستكبرون حتى
يقول قائلهم: (ما علمت لكم من إله غيري، وما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا
سبيل الرشاد).
إن الذين يقدسون سعداً
وأمثاله ليسوا بأقل ضلالاً من قوم فرعون الذي ألهوه. وهكذا تستمر قافلة التضليل في
دياجير ظلمة الفكر, وتشويه الإعلام, وغفلة الجماهير والانحراف عن دين الله.
ثم كيف قطف سعد ثمرة هذه الثورة في عمل ماسوني لم يسبق
إليه في مصر, وهو إعلان سفور المرأة؟
[1] -
المبادئ الأربعة عشر وهي قواعد برنامج السلام التي قدمها الرئيس ولسون إلى
الكونغرس في 8 كانون الثاني يناير 1918م وهي:
1-اتباع الدبلوماسية العلنية بعقد
معاهدات علنية، 2-احترام حرية البحار
أثناء السلم والحرب، 3-إزالة الحواجز الاقتـصادية بين الشعوب بقدر الإمكان, 4-خفض
التسلح إلى القدر الكافي للمحافظة على الأمـن الداخلي، 5-تسوية المنافسات الاستعمارية مع مراعاة رغبات
السكان ومصالحهم، 6-الجلاء عن الأراضي الروسية وإعادتها إلى روسيا، 7-المحافظة على
سيادة بلجيكا، 8-تسوية مسألة الإلزاس واللورين، 9-تعديل حدود إيطاليا بما يتفق مع
توزيع القوميات الإيطالية، 10-تقسيم النمسا والمجر تقسيماً يتفق مع قوميات
الامبراطورية، 11-تعديل الحدود في شبه جزيرة البلقان بما يتفق مع الأوضاع
التاريخية وتوزيع القوميات, 12-قصر حكم الأتراك على رعايا جنسهم وتقرير حرية
الملاحة في مضيق الدردنيل، 13-تقرير استقلال بولندا وتمكينها من الوصول إلى البحر،
14, إنشاء جمعية عامة للأمم بموجب مواثيق خاصة. وهذا البند الأخير كان هو أساس
تشكيل عصبة الأمم. نقلاً عن الموسوعة السياسية (7 / 346).
[6] -
محمد فريد تسلم قيادة الحزب الوطني بعد وفاة مؤسسه مصطفى كامل 1908م، وبقي في مصر
إلى1912م، عندما هاجر إلى فرنسا لمطاردته من قبل سلطات الاحتلال، ومن هناك كان
يقود الحزب الوطني ويكتب المقالات الحماسية في جريدة اللواء، وقبل وصول الوفد بستة
أشهر مرض مرضاً شديداً، ثم توفي أثناء وجود الوفد هناك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق