سقوط الأخوان في منظومة الطغيان (9)
رضوان
محمود نموس
الملاحظات
وبعض الردود
17- أعاد الكاتب تكرار فصل
الدين عن السياسة فقال في ص3 سطر18 (إنه عندما نفسر المواقف السياسية تفسيرا دينيا
مذهبيا نؤجج الصراع)
18 – ثم كرر الكاتب المقولة في الصفحة الثالثة بعد ثلاثة أسطر
فقال: المعالجة لا تكون بتعميق الفتنة وإثارة المذهبية وتفسير المواقف السياسية
تفسيراً دينياً.
19- ولقد أكثر الكاتب من
ترداده وتكراره لفصل الدين عن السياسة فسأجمع أقواله في ذلك وأرد عليه مرة واحدة:
قوله في ص1 ملاحظة 4 (مما لا يخفى عليكم أن السياسة متغيرات ولا
مواقف مسبقة في السياسة (إلا ما كان مرتبطا بالعقائد والأصول وهو محدود جداً).
قوله في ص2 السطر12 (وأساس التصحيح ينطلق من مبدأ عدم الخلط بين
الموقف السياسي والموقف الديني)
قوله في ص3 السطر 17 (إذن العلة ليست أن هذا سني وهذا شيعي وهنا
يأتي الخلط بين
الديني والسياسي في غير مكانه. إنه عندما تفسر المواقف السياسية تفسيراً دينياً
مذهبياً نؤجج الصراع والحقد والفتنة ونخدم العدو الحقيقي الأمريكي والصهيوني)
قوله في ص3 السطر 18 (لكن المعالجة لا تكون بتعميق الفتنة وإثارة
المذهبية وتفسير المواقف تفسيراً دينياً)
قوله في ص4 السطر 1 (ثم إن الثابت عملياً أن الذي يثير مسألة سني
وشيعي ويسعى إلى تفسير المواقف السياسية تفسيرا دينيا هي الأجهزة المعادية؛ لتفريق
الأمة)
قوله في ص4 الفقرة 12 (ومع ذلك فالتشييع شيء وتفسير المواقف
السياسية دينياً شيء آخر)
قوله في ص4 السطر 1 (السبب إذن التفسير الديني في غير محله للمواقف
السياسية)
قوله في ص9 السطر 17 (وعدم السماح للاختلاف في التوجهات والعقائد
الدينية الخاصة لكل فئة أن تكون سبباً في الفرقة السياسية)
وأقول: إن مجموع هذه
الفقرات يدل دلالة جازمة على الدعوة للفصل بين السياسة والدين وبين الدين والدولة
وهذه دعوة سافرة إلى اللادينية التي يسميها بعضهم علمانية لذر الرماد في العيون
والتمادي في التضليل.
وكنت قد بينت شيئاً من خطر
هذه المقولة ولو رحت أنقل أقوال العلماء في تكفير العلمانية والعلمانيين لطال
الأمر ولكن أقدم نبذة مختصرة عن العلمانية وحكمها:
العلمانية:
العلمانية كما عرفتها موسوعة السياسة: [هي مفهوم
سياسي اجتماعي نشأ إبان عصور التنوير والنهضة في أوروبا، ورأى أن من شأن الدين أن
يعنى بتنظيم العلاقة بين البشر وربهم، ونادى بفصل الدين عن الدولة، وبتنظيم
العلاقات الاجتماعية على أسس إنسانية تقوم على معاملة الفرد على أنه مواطن ذو حقوق
وواجبات، وبالتالي إخضاع المؤسسات والحياة السياسية لإرادة البشر وممارستهم
لحقوقهم وفق ما يرون وما يحقق مصالحهم وسعادتهم الإنسانية.
وبهذا تكون العلمانية قد
فصلت بين الممارسة الدينية التي اعتبرتها ممارسة شخصية والممارسة السياسية التي
نظرت إليها كممارسة اجتماعية..
والواقع هو أن هذا المفهوم
التجديدي الهام انطلق من نظرة أوسع وأشمل، هي النظرة الإنسانية التي مجدت الإنسان
كمحور للكون ونظرت إليه على أنه سيد نفسه وحر الإرادة ونادت بالعقلانية كوسيلة
للتنظيم الاجتماعي ولتسخير كافة الإمكانيات لتحقيق حاجات الإنسان وسعادته،
وبالديمقراطية كأساس لعلاقة الفرد بالدولة والمجتمع] ([1]).
وقال في (موسوعة المورد):
[العلمانية Secularism:
النزوع إلى الاهتمام بشؤون الحياة الدنيا، وقد يقصد بالمصطلح أحياناً العلمنة
أي نزع الصفة الدينية أو سلطان رجال الدين عن نشاط من النشاطات أو مؤسسة من
المؤسسات.... وأياً ما كان فإن العلمانية لم تتخذ شكلاً فلسفياً نظامياً إلا
في منتصف القرن التاسع عشر، وفي رأس مسلماتها حرية الفكر وحرية كل امرئ في مناقشة
جميع المسائل الجوهرية من مثل وجود الله] ([2]).
وأول من ترجم كلمة Secularism إلى لفظ علماني بدلاً من لفظ (لا ديني)
ذراً للرماد في العيون هو القبطي المصري (لويس بقطر)([3])
الذي كان ماسونياً وعميلاً للفرنسيين يقول في القاموس العربي الفرنسي الذي وضعه
سنة 1828،.
وجاء في المصطلحات السياسية
الشائعة: [علمانية: مفهوم سياسي اجتماعي ينادي بفصل الدين عن الدولة،
واعتبار الدين ممارسة شخصية تنظم علاقة الشخص بربه، وأن الممارسة السياسية ممارسة
اجتماعية لا يتدخل فيها الدين] ([4]).
وفي قاموس المورد Secularism: عدم المبالاة بالدين، أو بالاعتبارات
الدينية.
ويقول قاموس العالم الجديد
لوبستر شرحاً للمادة نفسها:
[الروح الدنيوية أو
الاتجاهات الدنيوية ونحو ذلك، وعلى الخصوص نظام من المبادئ والتطبيقات والاعتقاد
بأن الدين والشؤون الكنسية لا دخل لها في شؤون الدولة، وخاصة التربية العامة.
ويقول المعجم الدولي الثالث
الجديد، مادة Secularism:
اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات
الدينية يجب أن لا تتدخل في الحكومة أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً،
فهي تعني مثلاً السياسة اللادينية البحتة في الحكومة] ([5]).
تعريف محمد عمارة
للعلمانية:
يقول عمارة: [هكذا نشأت
العلمانية, في سياق التنوير الوضعي الغربي, لتمثل عزلاً للسماء عن الأرض, وتحرير
الاجتماع البشري من ضوابط وحدود الشريعة الإلهية, وحصراً لمرجعية تدبير العالم في
الإنسان, باعتباره (السيد) في تدبير عالمه ودنياه، فهي ثمرة عقلانية التنوير
الوضعي, الذي أحل العقل والتجربة محل الله والدين، وهي قد أقامت مع الدين -في
تدبير العالم- قطيعة معرفية وبعبارة واحدٍ من دعاة التنوير الغربي (فلم يعد الإنسان يخضع إلا لعقله في أيديولوجيا التنوير التي
أقامت القطيعة الأبستمولوجية (المعرفية) الكبرى التي تفصل بين عصرين من
الروح البشرية عصر الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الأكويني وعصر الموسوعة لفلاسفة
التنوير فراح الأمل بمملكة الله ينزاح لكي يخلي المكان لتقدم عصر العقل وهيمنته
وراح نظام النعمة الإلهية ينمحي ويتلاشى أمام نظام الطبيعة وأصبح حكم الله خاضعاً
لحكم الوعي البشري الذي يطلق الحكم الأخير باسم الحرية. إنها عزل السماء عن الأرض,
والدين عن الدنيا, وإحلال الإنسان في تدبير العمران البشري محل الله] ([6]).
أما التعبير الشائع في
الدول التي يقطنها ذراري المسلمين فهو (فصل الدين عن الدولة), ومع أنه يُعَدُّ ذا
دلالة إلا أنه يحاول التستر على كثير من معاني الكلمة، وهي معاني المضادة للدين
واللامبالاة به ورفض أي شكل أو مظهر من مظاهره.
هذه هي العلمانية التي
يدعونا إليها محمد سعيد حوى ومن ورائه الأخوان المسلمين الذين كانوا يكفرون
العلمانيين يروجونها تحت عنوان عدم خلط الديني بالسياسي من موقعه الذي يستغل فيه
إرث أبيه ويقدم نفسه كمجتهد ومنظر وعالم ومفكر ومجاهد وصوفي بالإضافة إلى لقب
(دكتور) يدعونا لفصل الديني عن السياسي والتصالح مع دعاة العلمانية، من العروبيين
والحزبيين والاستفادة منهم، والدعوة إلى
مشاركتهم والعمل معهم، وردم الفوارق بيننا وبينهم والسعي للالتقاء على المشترك
الإنساني وتعظيم هذا المشترك!
الأركان التي تقوم عليها
العلمانية:
العلمانية تقوم على ثلاثة أركان:
§
الركن الاول: عزل الدين عن
شؤون الدنيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعاملات والسلوك والأخلاق والتربية.
§
الركن الثاني: تأليه
الإنسان على الحقيقة وإن زعموا أنهم يعترفون بوجود إله لأنهم أعطوا خصائص الله في
السيادة والتشريع وتبيين منهج الحياة للإنسان.
§
الركن الثالث: استبدال
الهوى بالدين والاعتماد عليه كمصدر وحيد
للتلقي، ويسمونه عقلاً، والله جل جلاله يسميه هوىً قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ
مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) القصص:
٥٠
فلقد جعل الله جل جلاله
القسمة ثنائية من لم يتبع الشرع؛ متبع للهوى.
والعلمانيون من ذراري
المسلمين يزعمون أنهم يتبعون عقولهم ويفكرون ولا يقلدون , نعم لا يقلدون رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه ولكن يقلدون مفكِّري الغرب الملحدين، ويلتزمون بما
تقرره لهم الأمم المتحدة والدول الغربية خاصة وتنفذ الأنظمة الحاكمة وأحزاب
المعارضة التي تسعى لمغازلة الغرب وفي بعض الأحيان أكثر من الأنظمة، تنفذ ما يملى
عليها دون تردد أو تذمر هكذا تقتضي الطاعة والتأليه وتقدم بعض الجماعات
الإسلاميةحفلة (استربتز) مجاناً فتخلع كل اعتقاداتها وثوابتها ومسلماتها بل ربما
تعيد النظر في هذا الدين من خلال الدعوة إلى تنقيح الحديث –زعموا- وتغيير الثوابت
واستبدال الأصول جذرياً إجلالاً للطواغيت،وتظن أنها ما زالت على الإسلام، ولقد
وقَّعت الدول وكثير من الأحزاب المعارضة بما فيها بعض الإسلاميين على أمور كثيرة
تكرس المفاهيم العلمانية, مثل اعتماد الديمقراطية, التحاكم إلى الصندوق, تمكين
المرأة , التعددية السياسية والمنهجية, حقوق الأقليات, الحريات الدينية, حرية
العقيدة، حرية تغيير الدين, الاعتراف
بمواثيق الأمم المتحدة، الاعتراف بمواثيق حقوق الإنسان، على مافي هذه المواثيق من
كفر وضلال. ووو...الخ وليس موضوعنا الأحزاب العلمانية الصريحة ولكن المصيبة في
بعض الحركات التي تلبس لبوساً إسلامياً وتدعي العمل للإسلام ثم تتبنى أفكار
العلمانيين وما المشروع السياسي لإخوان سوريا عنا ببعيد. والغرب وأذنابه من
العلمانيين قوم كفار نصبوا الأهواء آلهة يعبدونها من دون الله، وذلك عندما
اتخذوها أرباباً تُشرّع لهم.
ولكن ما بال بعض دعاة
الإسلام استبطنوا العلمانية من أجل لعاعة من الدنيا؟ يسعون لإرضاء أمريكا والغرب
أكثر من عملهم لإرضاء الله، لأنهم يظنون كما يظن حسني مبارك أن 99% من الأمر بيد
أمريكا، ونسوا أن العزة لله جميعاً وأن الأمر كله لله. قال تعالى: (الَّذِينَ
يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ
عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) النساء 139
فتبين لنا من هذه الحقائق
أن العلمانية لا تستدعي في حقيقة الأمر كبير جهد أونقاش. لبيان تناقضها مع دين
الله (الإسلام)، فهذا من المسلمات والبدهيات، وهي من ذلك النوع من الاتجاهات
والأفكار التي قال عنها علماؤنا قديماً: (إن تصوره وحده كاف في الرد عليه) ولكن
صاحبنا يرد المسلمات والبدهيات كما صرح بلسانه.
والإسلام والعلمانية طريقان
متباينان، ومنهجان متغايران.. طريقان لا يلتقيان ولا تقام بينهم قنطرة اتصال..
واختيار أحدهما هو رفض للآخر.. ومن اختار طريق الإسلام.. فلابد له من رفض
العلمانية.
هذه بديهية من البديهيات
التي يعد إدراكها - فيما نحسب - نقطة الانطلاق الصحيحة لتغيير واقع الأمة
الإسلامية،.. ويعد غيابها السبب الأول لبقاء هذه الأمة ألعوبة في يد العلمانيين
وأفراخهم ومخانيثهم يجرُّونها إلى الهلاك بكل مهلكة من القول والعمل، ويزيدونها
غياً كلما اتبعتهم في طريق الغيّ.
وشرح أصول العلمانية
اللادينية والإسهاب فيه هو من باب (ولتستبين سبيل المجرمين).
إنها سبيل المجرمين التي
بينها الله جل جلاله لنا ودعانا لتبيينها منعاً لالتباس الأمور فقال تعالى:
(وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام: ٥٥
قال سيد قطب في تفسير هذه
الآية: [فهو شأن عجيب!.. إنه يكشف عن خطة المنهج القرآني في العقيدة والحركة بهذه
العقيدة! إن هذا المنهج لا يُعنى ببيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين
الصالحين فحسب. إنما يعنى كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين
أيضاً. إن استبانة سبيل المجرمين ضرورية لاستبانة سبيل المؤمنين. وذلك كالخط
الفاصل يرسم عند مفرق الطريق!
إن هذا المنهج هو المنهج
الذي قرره الله - سبحانه - ليتعامل مع النفوس البشرية.. ذلك أن الله سبحانه يعلم
أن إنشاء اليقين الاعتقادي بالحق والخير يقتضي رؤية الجانب المضاد من الباطل
والشر؛ والتأكيد من أن هذا باطل محض وشر خالص؛ وأن ذلك حق محض وخير خالص.. كما أن
قوة الاندفاع بالحق لا تنشأ فقط من شعور صاحب الحق أنه على الحق؛ ولكن كذلك من
شعوره بأن الذي يحادّه ويحاربه إنما هو على الباطل.. وأنه يسلك سبيل المجرمين؛
الذين يذكر الله في آية أخرى أنه جعل لكل نبي عدواً منهم قال تعالى: (وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ ) ليستقر في نفس النبي
ونفوس المؤمنين، أن الذين يعادونهم إنما هم المجرمون؛ عن ثقة، وفي وضوح، وعن يقين.
إن سفور الكفر والشر
والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح. واستبانة سبيل المجرمين هدف من
أهداف التفصيل الرباني للآيات. ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم
ترتد غبشاً وشبهة في موقف المؤمنين وفي سبيلهم. فهما صفحتان، متقابلتان وطريقان
مفترقتان.. ولا بد من وضوح الألوان والخطوط..
ومن هنا يجب أن تبدأ كل
حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين. يجب أن تبدأ من تعريف سبيل
المؤمنين وتعريف سبيل المجرمين؛ ووضع العنوان المميز للمؤمنين. والعنوان المميز
للمجرمين، في عالم الواقع لا في عالم النظريات. فيعرف أصحاب الدعوة الإسلامية
والحركة الإسلامية من هم المؤمنون ممن حولهم ومن هم المجرمون. بعد تحديد سبيل
المؤمنين ومنهجهم وعلامتهم، وتحديد سبيل المجرمين ومنهجهم وعلامتهم. بحيث لا يختلط
السبيلان ولا يتشابه العنوانان، ولا تلتبس الملامح والسمات بين المؤمنين
والمجرمين.
وهذا التحديد كان قائماً،
وهذا الوضوح كان كاملاً، يوم كان الإسلام يواجه المشركين في الجزيرة العربية.
فكانت سبيل المسلمين الصالحين هي سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه. وكانت
سبيل المشركين المجرمين هي سبيل من لم يدخل معهم في هذا الدين.. ومع هذا التحديد وهذا
الوضوح كان القرآن يتنزل وكان الله سبحانه يفصل الآيات على ذلك النحو الذي سبقت
منه نماذج في السورة - ومنها ذلك النموذج الأخير - لتستبين سبيل المجرمين!
وحيثما واجه الإسلام الشرك
والوثنية والإلحاد والديانات المنحرفة المتخلفة من الديانات ذات الأصل السماوي بعد
ما بدّلتها وأفسدتها التحريفات البشرية.. حيثما واجه الإسلام هذه الطوائف والملل
كانت سبيل المؤمنين الصالحين واضحة، وسبيل المشركين الكافرين المجرمين واضحة
كذلك.. لا يجدي معها التلبيس!
ولكن المشقة الكبرى التي
تواجه حركات الإسلام الحقيقية اليوم ليست في شيء من هذا.. إنها تتمثل في وجود
أقوام من سلالات المسلمين، في أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للإسلام، يسيطر
عليها دين الله، وتحكم بشريعته.. ثم إذا هذه الأرض، وإذا هذه الأقوام، تهجر
الإسلام حقيقة، وتعلنه اسماً. وإذا هي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً وواقعاً. وإن
ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقاداً! فالإسلام شهادة أن لا إله إلا الله.. وشهادة أن
لا إله إلا الله تتمثل في الاعتقاد بأن الله وحده هو خالق هذا الكون المتصرف فيه.
وأن الله -وحده- هو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية ونشاط الحياة كله.
وأن الله - وحده - هو الذي يتلقى منه العباد الشرائع ويخضعون لحكمه في شأن حياتهم
كله.. وأيما فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله - بهذا المدلول - فإنه لم يشهد ولم
يدخل في الإسلام بعد. كائناً ما كان اسمه ولقبه ونسبه. وأيما أرض لم تتحقق فيها
شهادة أن لا إله إلا الله - بهذا المدلول - فهي أرض لم تدن بدين الله، ولم تدخل في
الإسلام بعد..
وفي الأرض اليوم أقوام
أسماؤهم أسماء المسلمين؛ وهم من سلالات المسلمين. وفيها أوطان كانت في يوم من
الأيام داراً للإسلام.. ولكن لا الأقوام اليوم تشهد أن لا إله إلا الله - بذلك
المدلول - ولا الأوطان اليوم تدين لله بمقتضى هذا المدلول..
وهذا أشق ما تواجهه حركات
الإسلام الحقيقية في هذه الأوطان مع هؤلاء الأقوام!
أشق ما تعانيه هذه الحركات
هو الغبش والغموض واللبس الذي أحاط بمدلول (لا إله إلا الله)، ومدلول الإسلام في
جانب؛ وبمدلول الشرك وبمدلول الجاهلية في الجانب الآخر.
أشق ما تعانيه هذه الحركات
هو عدم استبانة طريق المسلمين الصالحين، وطريق المشركين المجرمين؛ واختلاط الشارات
والعناوين؛ والتباس الأسماء والصفات؛ والتيه الذي لا تتحدد فيه مفارق الطريق!
ويعرف أعداء الحركات
الإسلامية هذه الثغرة. فيعكفون عليها توسيعاً وتمييعاً وتلبيساً وتخليطاً. حتى
يصبح الجهر بكلمة الفصل تهمة يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام!.. تهمة تكفير
«المسلمين»!!! ويصبح الحكم في أمر الإسلام والكفر مسألة المرجع فيها لعرف الناس
واصطلاحهم، لا إلى قول الله ولا إلى قول رسول الله!
هذه هي المشقة الكبرى..
وهذه كذلك هي العقبة الأولى التي لا بد أن يجتازها أصحاب الدعوة إلى الله في كل
جيل!
يجب أن تبدأ الدعوة إلى
الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين.. ويجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى
الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة. وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف؛ وألا
تقعدهم عنها لومة لائم، ولا صيحة صائح: انظروا! إنهم يكفرون المسلمين!
إن الإسلام ليس بهذا التميع
الذي يظنه المخدوعون! إن الإسلام بيّن والكفر بين. الإسلام شهادة أن لا إله إلا
الله - بذلك المدلول - فمن لم يشهدها على هذا النحو؛ ومن لم يقمها في الحياة على
هذا النحو، فحكم الله ورسوله فيه أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين.. المجرمين...
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ
الْمُجْرِمِينَ) الأنعام:
٥٥
أجل يجب أن يجتاز أصحاب الدعوة إلى الله
هذه العقبة؛ وأن تتم في نفوسهم هذه الاستبانة؛ كي تنطلق طاقاتهم كلها في سبيل الله
لا تصدها شبهة، ولا يعوّقها غبش، ولا يميعها لبس. فإن طاقاتهم لا تنطلق إلا إذا
اعتقدوا في يقين أنهم هم «المسلمون» وأن الذين يقفون في طريقهم ويصدونهم ويصدون
الناس عن سبيل الله هم «المجرمون».. كذلك فإنهم لن يحتملوا متاعب الطريق إلا إذا
استيقنوا أنها قضية كفر وإيمان. وأنهم وقومهم على مفرق الطريق، وأنهم على ملة
وقومهم على ملة. وأنهم في دين وقومهم في دين قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام: ٥٥ ([7])
إن المعارك والجبهات التي
تفتحها الفرق الضالة والمنتسبة لهذا الدين ضد أهل السنة والجماعة، وأخطرها دائماً
جبهة الرافضة الباطنية التي تغذيها وتدعمها القوى والمعسكرات الجاهلية العالمية
لتدمير أهل السنة والجماعة باعتبارهم الخطر الحقيقي والفعال ضد كل هذه القوى، أقول
إن هذه المعارك وهذه الجبهات يجب ألا ينسى معها أهل السنة والجماعة أن حصونهم لا
زالت مهددة من داخلها، وأن القوى العلمانية وأفراخهم من المتأسلمين المتكتلة ضدهم
من الداخل والتي تصارعهم في معارك خافية - غالباً- وسافرة - أحياناً- هي التي تمثل
الآن جوهر الصراع القائم بين الإسلام والجاهلية في العصر الحديث. وإن أخطر مراحل
هذا الصراع هي مرحلة تعرية هذه القوى هذا الطابور الخامس الذي يعتبر من أعتى
الطوابير في حرب الإسلام. أولئك هم العصرانيون الذين يتكلمون كما نتكلم ويحرصون
على لقب داعية أو مفكر إسلامي، أو دكتور في الدراسات الإسلامية، ويستبطنون أو يكونون
سماعين للعلمانين. قال تعالى: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) التوبة: ٤٧
إن أحد التحديات الخطيرة -
إن لم يكن أخطرها على الإطلاق - الذي يواجه أهل السنة والجماعة في هذا العصر، لهو
إسقاط اللافتات الزائفة وكشف المقولات الغامضة وفضح الشعارات الملبسة التي تتخفى
وراءها العلمانية الكافرة التي تبث سمومها في عقول وقلوب أبناء هذه
الأمة.
ولفضح العلمانية ومواجهتها،
لابد أولاً أن يصل أمر المواجهة إلى المستوى المطلوب من الحسم والحزم والوضوح في
نفوس أهل السنة... فإنه بدون هذا الحسم والحزم، وبدون هذا الوضوح، تعجز تجمعات أهل
السنة عن أداء واجبها في هذه الفترة الحرجة، ويعجز علماؤها ومفكروها عن التصدي
للهجمة العلمانية. وتتأرجح المواقف وتتميع المواجهة.
فنحن أحوج ما نكون إلى
المفاصلة الواضحة وعرض الإسلام بصفائه ونقائه وتبيين سبيل المؤمنين دون عوج ولا
أمت. دون خلط ولا تخليط, دون إدهان ولا تمييع.
وإلا فَسَتُضيّع تجمعات أهل
السنة سمتها الصحيح للوصول إلى أهدافها الحقيقية في مواجهة التجمعات الجاهلية _ومنها
العلمانية_ من حيث تقف هذه التجمعات الجاهلية فعلاً، لا من حيث تزعم
وتدعي. والمسافة بعيدة بين الزعم والواقع الفعلي.. بعيدة جداً.
لذلك نرى شعارات بعض
العلمانيين ومخانيثهم من أدعياء الحركة الإسلامية غامضة بعض الشيء، فلا يقدمون
أفكارهم بوضوح بل تحت مسميات تضليلية تعبر في جوهرها عن حقيقة الجاهلية ولكنها
وبخبث شديد وتدبير محكم تحاول أن تنتسب إلى الدين فأعلنوا شعار (الإسلام المعتدل)
و(الفقه المقاصدي) و(تنقيح الحديث) و(توسيع دائرة المصالح) و(حيث كانت هناك
المصلحة فهناك الشرع) و (تجديد أصول الفقه) و(إعادة النظر في الأصول والمسلمات)
و(فقه التيسير) و (تطوير الشريعة). ورفعوا راية (مرونة الشريعة لتلبية حاجات
العصر). ثم نادوا بعد ذلك بشعار (تقنين الشريعة). ثم ردد بعد ذلك مخانيثهم فصل
الديني عن السياسي.
والعلمانية الديمقراطية كما
هو معروف تجعل العقيدة والشعائر لله ووفق أمره، وتجعل القوانين والسياسة والتعامل
لغير الله ووفق أمر غيره. وذلك معنى قولهم (لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين)
أي: (فصل الديني عن السياسي). وكما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإن هذا هو عين
الشرك في حقيقته وأصله.
ولكنهم يستميتون حتى لا تصل
هذه الحقيقة إلى جماهير المسلمين، ويلهون الناس بشعارات (العقل) و(الإسلام
المستنير) وشعار (حكم الشعب)، و (الشعب مصدر السلطات) وتحت شعار (الحرية الشخصية)
(المشترك الإنساني) (اللقاء على المتفق عليه) (الاستنارة) (حرية الثقافة والفكر)
(حرية العقيدة) (حرية التعبير)...الخ
موقف الإخوان من العلمانية.
أرسل الإخوان خطاباً
للعلماء في مجلة النذير العدد التاسع 20 صفر 1400 هـ ص 15 قالوا فيه: (هذا ونحب أن
نعلمكم أننا قررنا ألا نتراجع عن طريقنا في مصارعة الأنظمة العلمانية بإذن الله
حتى تعلو راية (لا إله إلا الله) وإننا سائرون في هذا الطريق على مراحل، وكل مرحلة
توصل إلى ما بعدها)
وقالوا في نفس العدد ونفس
المقال مستشهدين على كفر نظام حافظ أسد. فقالوا: (إن النظام في سورية قد أقام
الحجة على نفسه عندما أعلن الكفر البواح الذي يعطي لكل مسلم حَقَّ قتال أهله كما
ورد في الحديث (إلا أن تروا كفراً بواحاً) فالنظام رفض مبدأ أن يكون دين الدولة
الإسلام، وأعلن أن هدف التعليم إيجاد جيل علماني)([8]).
وقالوا في نفس العدد ص 25
(فالناس يعرفون الحيل الاستعمارية التي فرضت أبو رقيبة حاكماً على الشعب التونسي
الشقيق وهو الذي دعا إلى العلمانية الملحدة)([9]).
وليعلم الجميع أن تعرية
الطابور الخامس ودعاة الضلالة داخل الصف هو بنفس أهمية كشف العلمانية اللادينية
وطوائف الضلالة الشيعية وتآمرها على الشعوب الإسلامية.
يتبع
[1] -
الموسوعة السياسية (4 / 179 - 180).
[2] -
موسوعة المورد (9 / 17).
[3]-لويس بقطر: مصري قبطي التحق بجيش نابليون في مصر وغادر مصر بعودة
الحملة الفرنسية إلى فرنسا وعين في كرسي اللغة العامية العربية في مدرسة اللغات
للشباب، وكانت مهمتها تعليم اللهجات العامية الموجودة في البلاد العربية للشباب
الفرنسيين الذين سيعملون جواسيس لفرنسا، وهو الذي وضع القاموس الفرنسي العربي الذي
طبع عام 1868.
[4] -
المصطلحات السياسية الشائعة , فهد عبد الله المالكي، ص / 151.
[6] - معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام, ص / 26.
[7] - في ظلال القرآن - (3 / 51)
[8] - مجلة النذير العدد التاسع 20 صفر 1400 هـ ص 15
0 التعليقات:
إرسال تعليق