موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الثلاثاء، 22 يناير 2013

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (98) وسعد زغلول عينه عمارة رائداً للصحوة


أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (98)
وسعد زغلول عينه عمارة رائداً للصحوة
رضوان محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن سعد زغلول الذي عينه عمارة رائداً للصحوة الإسلامية بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل. عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر:  (الجزيرة نت) 3/11/2010
تابع سعد زغلول
علاقة سعد بالإنجليز
وأما عن علاقة قوات الاحتلال مع سعد: فيقول في تاريخ الوزارات المصرية:
[ يلفت نظر الباحث محاولات واضحة من جانب البريطانيين لبناء جسور من التفاهم والثقة مع الوزارة السعدية، وذلك منذ الأيام الأولى في حياة هذه الوزارة. وقد بدأت تلك المحاولات حتى قبل تشكيل الوزارة ففي أعقاب استقالة يحيى إبراهيم ينجح "المستر كار" ممثل المندوب السامي في القاهرة بتدبير لقاء مع سعد في 19يناير، ثم بعد ذلك بخمسة أيام يتم لقاء آخر بين الرجلين يصفه الموظف البريطاني الكبير بقوله: " إنه كان اجتماع التمهيد لإقامة علاقات ودية " ولا يلبث المستر كار في أعقاب تشكيل الوزارة الزغلولية أن يضرب بالتقليد الذي كان متبعاً من قبل ويبادر هو بزيارة سعد زغلول في مكتبه، ويصف هذه الزيارة في تقريره إلى لندن فيقول: " استقبلني زغلول باشا بمزيد من الشعور الودي " وتتأكد سياسة بناء جسور التفاهم والثقة بإجابة المستر " مكدونالد " رئيس الوزاء البريطاني لمطلب الوزارة المصرية بالإفراج عن المسجونين السياسيين، ثم بالتهنئة التي أبرق بها إلى سعد.
وتشارك الوزارة الزغلولية في سياسة بناء جسور التفاهم والثقة بمجموع البيانات التي أدلى بها رئيسها -أي سعد زغلول- في البرلمان المصري والتي سعى من خلالها كبح جماح المعارضة التي كانت تدفع إلى مواجهة مع الوجود البريطاني وقد رأى اللنبي في تلك البيانات دلالة على " روح رجل الدولة وأنها قد اتصفت بصراحة محببة " ويعرب المندوب السامي عن أمله في أن يظل هذا النهج رائداً لسياسة الوزارة المصرية...
تصور كل من الإنجليز والوزارة الوفدية أنهما بمثل هذه السياسة يحققان أهدافهما النهائية، وقد تمثلت هذه الأهداف بالنسبة للطرف الأول -الإنجليز- في الحصول من حكومة يرأسها سعد زغلول على اعتراف بوجود بريطاني فعال في مصر وذلك عن طريق المفاوضات إذ إن مثل هذا الاعتراف سيؤدي إلى استقرار العلاقات البريطانية المصرية على نحو يحقق مرامي الاستراتيجية البريطانية ]([1]).
ولكن سارت الرياح بما لا تشتهي السفن، ففي 19 نوفمبر 1924م اغتيل السير "لي ستاك باشا" سردار الجيش المصري وحاكم عام السودان، وهو في سيارته عائداً من وزارة الحربية إلى داره بالزمالك، فقلب هذا الحادث الطاولة رأساً على عقب، واستنكر سعد هذا العمل، وسماه جريمة قد أصابت مصر، وأصابت شخصه، واشترك في تشييع جنازة السردار هو و وزرائه.
وفي صباح 22 نوفمبر وبعد تشييع الجنازة [ذهب اللورد اللنبي بعد الظهر إلى مقر رياسة مجلس الوزراء بمظاهرة عسكرية قوامها خمسمائة جندي بريطاني، وقدم إلى سعد إنذارين باللغة الإنجليزية، ثم رجع إلى داره، وكانت المقابلة قاسية مهينة، وقد جاء في أحد الإنذارين: إن الحاكم العام للسودان وسردار الجيش المصري الذي كان أيضاً ضابطاً ممتازاً في الجيش البريطاني قد قتل قتلة فظيعة بالقاهرة، وإن حكومة صاحب الجلالة تعتبر هذا القتل يعرض مصر كما هي محكومة الآن لازدراء الأمم المتحضرة نتيجة طبيعية لحملة عدائية ضد حقوق بريطانيا العظمى والرعايا البريطانيين في مصر والسودان، وتلك الحملة قائمة على نكران الجميل نكراناً مقروناً بجحود الأيادي التي أسدتها بريطانيا العظمى لم تكن تعمل حكومة دولتكم على تثبيطها ولقد نبهت حكومة صاحب الجلالة دولتكم منذ أكثر من شهر إلى العواقب التي تترتب حتماً على العجز عن وقف هذه الحملة وخاصة في شأن السودان لكن الحملة لم تتوقف والآن لم تستطع الحكومة المصرية أن تمنع اغتيال حاكم السودان العام وأثبتت أنها عاجزة عن حماية أرواح الأجانب وأنها قليلة الاهتمام بهذه الحماية فبناء عليه تطلب حكومة صاحب الجلالة من الحكومة المصرية:
1.              أن تقدم اعتذاراً كافياً وافياً عن الجناية.
2.    أن تتابع بأعظم نشاط ودون مراعاة للأشخاص البحث عن الجناة وتنزل بالمجرمين أياً كانوا ومهما تكن سنهم أشد العقاب.
3.              أن تمنع من الآن وتقمع بشدة كل مظاهرة شعبية سياسية.

4.              أن تدفع حالاً إلى حكومة صاحب الجلالة غرامة قدرها نصف مليون جنيه مصري

5.    أن تصدر في مدى أربع وعشرين ساعة الأوامر بإرجاع جميع الضباط المصريين ووحدات الجيش المصري البحتة من السودان مع ما ينشأ عن ذلك من التعديلات التي ستحدد فيما بعد.
6.    أن تبلغ المصلحة المختصة أن حكومة السودان ستزيد مساحة الأطيان التي تزرع في الجزيرة من (300000 فدان) إلى مقدار غير محدد تبعاً لما تقتضيه الحاجة.
7.    أن تعدل عن كل معارضة لرغبات حكومة صاحب الجلالة في الشؤون الموضحة الخاصة بحماية المصالح الأجنبية في مصر.
وإذا لم تلب حكومة مصر في الحال فإن حكومة صاحب الجلالة تتخذ فوراً التدابير المناسبة لصيانة مصالحها في مصر والسودان.
وكان ملخص الإنذار الثاني:

1. بعد سحب الضباط المصريين والوحدات المصرية الصحيحة للجيش المصري تحول الوحدات السودانية التابعة للجيش المصري إلى قوة مسلحة سودانية خاضعة وموالية لحكومة السودان وحدها تحت القيادة العليا للحاكم العام وتصدر البراءات باسمه.

2. يجب إعادة النظر وفق رغبات حكومة صاحب الجلالة في القواعد والشروط الخاصة بخدمة الموظفين الأجانب.
رد الحكومة المصرية:

في يوم 23 نوفمبر أي في اليوم التالي من الإنذارين البريطانيين ذهب واصف بطرس غالي باشا وزير الخارجية إلى دار المندوب السامي وقدم رد الحكومة المصرية بإنكار مسؤوليتها عن حادث الاغتيال وبقبول المطالب الأربعة الأولى الواردة في الإنذار الأول، وعدم قبول المطالب الثلاثة الأخيرة.
وأصدر المندوب أوامره رأساً إلى حكومة السودان بإخراج جميع وحدات الجيش المصري من السودان مع إجراء التغييرات التي تترتب على ذلك, وبحرية السودان في مساحة الأطيان التي تروى في الجزيرة إلى مقدار غير محدد.
أما عن المطلب السابع الخاص بحماية مصالح الأجانب في مصر فقد رد المندوب السامي عليه أنه سيعلم رئيس الوزراء في الوقت المناسب العمل الذين ستتخذه الحكومة البريطانية.
وأضاف المندوب السامي أنه ينتظر دفع نصف المليون جنيه إليه قبل ظهر الغد أي 24 نوفمبر 1924م. وقبل الميعاد المحدد أرسل وزير المالية المصرية تحويلاً بالمبلغ على البنك الأهلي... وبعد أن استلم اللورد اللنبي التحويل أصدر أوامره باحتلال جمارك الإسكندرية.
أمام هذه التطورات ورغم أن سعداً والوزراء ساروا في جنازة السردار " لي ستاك " ورغم استنكاره للجريمة فإنه قدم استقالته, وهذا نصها:
" مولاي: أتشرف بأن أرفع لجلالتكم أني لم أقبل مسؤولية الوزارة إلا لخدمة البلاد تنفيذاً لمقاصدكم السامية، ولكن الظروف الحالية تجعلني عاجزاً عن القيام بهذه المهمة الخطيرة، ولهذا أرجو من مكارم جلالتكم أن تتفضلوا بقبول استعفائي مع زملائي من الوزارة وإني وإياهم مستعدون على الدوام للعمل على ما يرضيكم، أدام الله علينا نعمة رعايتكم الجليلة، وأدامكم مؤيدين بالعز والإقبال وموضع كل إكبار وإجلال.
                                                شاكر نعمتكم سعد زغلول ]([2]).
هذه حكومة سعد وإباؤها.
ومما كتبه سعد في مذكراته 11/ 4/ 1907م:
وقع خبر استعفاء كرومر: [ أما أنا فكنت كمن تقع ضربة شديدة على رأسه، أو كمن وخز بآلة حادة فلم يشعر بألمها لشدة هولها.. لقد امتلأت رأسي أوهاماً وقلبي خفقاناً وصدري ضيقاً.. كان اللورد كرومر يجلس معي الساعة والساعتين ويحدثني في مسائل شتى كي أتنور في حياتي السياسية]([3]).
ومن مواقف سعد البطولية موقفه مع عبد الرحمن شهبندر السياسي السوري المعروف والذي فر من سورية إلى العراق فأنذرته بريطانيا بضرورة الخروج من العراق وكانت زوجه وأولاده في مصر فسافر هو الأخر إلى مصر[ كان رئيس الوزارة المصرية حينذاك الزعيم المصري الشهير المغفور له سعد باشا زغلول فأرسل ابن أخته فتح الله باشا بركات( وزير الزراعة) إلى منزل الدكتور الشهبندر ليقول له باسم الحكومة المصرية وحفظاً على سياسة الولاء البريطانية الافرنسية في مصر " تفضَّل اطلع برَّه" ]([4])
هذا سعد مع الإنجليز. أما مع العرب فيقول عنهم: [ إن العرب هم صفر + صفر + صفر ]([5]).
ثانياً: سعد وتدمير التعليم في مصر:
عُيِّنَ سعد وزيراً للمعارف في وزارة مصطفى فهمي لتنفيذ السياسة الإنجليزية في التعليم بفاعلية أكبر وبخطوات أسرع. وكان سعد أحد الركنين الأساسيين للسياسة الإنجليزية كما ذكرنا سابقاً.
وكان العمل الأساس لوزارة سعد -نظارة المعارف- [ تأييد الاتجاه البريطاني الذي حمل له سعد زغلول وزير المعارف وهو عدم تعليم العلوم باللغة العربية وتعليمها باللغات الأجنبية بحجة اشتباه مصالح الأمة ومعاملاتها مع الأجانب وضعف التلاميذ في اللغة الإنجليزية. والشيء الثاني الذي سعى فيه سعد مقاومة تعليم سواد الأمة ومعارضة الاتجاه إلى المجانية وذلك حتى يمكن من المحافظة على وجود طبقة معينة تحكم البلاد وهو تأييد للاتجاه الاستعماري ]([6]).
وقال محمد محمد حسين: [ مدرسة القضاء الشرعي الذي أنشأها سعد زغلول حين كان وزيراً للمعارف في وزارة صهره مصطفى فهمي صديق الإنجليز الحميم، وكان الشيخ محمد عبده قد كتب تقريراً يوصي فيه بإنشاء هذه المدرسة بتوجيه من اللورد كرومر الذي كان يرغب في إنشاء مدرسة لتخريج قضاة الشرع بعيداً عن الأزهر ]([7]).
ولما بدأ سعد بتنفيذ الأمر الملقى إليه من اللورد كرومر ومن مستشار سعد التعليمي القس دنلوب الإنجليزي وألقى خطبته في الجمعية العمومية في 3 مارس 1907م، والتي ألزم فيها الطلاب بالدراسة باللغة الإنجليزية حيث قال: [ إن مركز الأمة بين الأمم الأخرى واختلاطها بالأجانب واشتباك المصالح الأجنبية بالمصالح الوطنية كل ذلك أوجب أن يكون تعليم العلوم باللغة الأجنبية لكي يتقوى الطلاب فيها كما ينبغي وعليهم أن يستفيدوا من المدنية الأوربية ويفيدوا بلادهم بها ويقووا على الدخول مع الأجانب في معترك هذه الحياة حياة العلم والعمل ]([8]).
عند ذلك ظهرت بعض المعارضة الشعبية وتناولت الصحف هذا الأمر فقام عباس محمود العقاد المفتون بفتن كثيرة منها فتنته بسعد، قام بإجراء لقاء صحفي مع سعد ليبرر له ما يثار حول الموضوع، وليدافع عن سعد ومسلكه الإنجليزي.
[ قال العقاد: مسألة التعليم الآن هي المسألة التي شغلت الأذهان، وأفاضت الجرائد في فحصها وتقليبها من جميع وجوهها، والحقيقة أنها المسألة التي يجب على ذي بصر أن يضرب فيها بسهم، وينقب عما يفتح مغلقها ويزيل عقباتها مع إخلاص العامل الذي لا هم له إلا ترقية بلاده وخدمة وطنه بكل ما وسعه... ولقد تضاربت الآراء في أمر التعليم. فذهب الناس مشرقين ومغربين. فمنهم من يمم الكعبة، ومنهم من خاض في بحر الظلمات وأصبحوا يتساءلون عن تلك الضجة القائمة حول التعليم ومبلغها من الصدق والإخلاص لأن عليها يتوقف مستقبل أبنائهم فإذا بهم يسترشدون ولا يرشدون.
لذلك أردت أن أرجع إلى رجل أعتقد فيه الصدق والغيرة على مصلحة هذا البلد   -زعم- وأرى أن في قوله خير حاسم لهذا النزاع الذي استطار شرره، واستفحل ضرره ذلك الرجل هو سعد زغلول باشا ناظر المعارف الحالي فكتبت إليه أستأذنه في مقابلة صحفية فأذن وحدد لي ذلك الساعة العاشرة من صباح أمس الخميس، فدخلت عليه وهو منكب على عمله، وبعد أن استقر بي المكان بدأت الحديث كما يأتي: 
قلت: إن بعض الجرائد أشارت إلى أن نظارة المعارف طلبت من المالية زيادة في ميزانية هذا العام فأبت عليها ذلك.
قال: نعم هو صحيح وقد كانت حجة نظارة المالية في ذلك مقبولة لأن ما لديها حقيقة لا يفي.
قلت: حادثت بعض نظار المدارس فإذا هم يتخذون تسهيل الامتحانات في اللغة العربية دليلاً على ميل النظارة إلى إهمالها والاشتغال بغيرها من المواد الأخرى وقد سمعت مثل هذا من غير واحد منهم. فرأيت أنهم يكادون يجمعون على هذا القول وفي ذلك ما يدعوهم إلى إهمالها -أي اللغة العربية- جرياً على ما يظنون رغبة نظارة المعارف.
قال: أرى أن كل عمل في هذا العالم لا يخلو ممن ينتقده.. وعندي أن الأفضل نبذ هذه الأقاويل والاشتغال بما يفيد الفائدة المطلوبة.. وكل ما تكلف به الآن -أي نظارة المعارف- أن تقوم بواجبها المناط بها ثم لا يعنيها بعد ذلك ما يقول الناس فيها.
قلت: كان بعض وجهاء الصعيد قد طلبوا من الحكومة إنشاء مدرسة ثانوية في أسيوط لتكفي أبناءهم مشقة السفر إلى العاصمة فهل في نية النظارة إنشاء هذه المدرسة؟
قال: إن النظارة تود لو أمكنها إجابة وجهاء الصعيد إلى مطالبهم ولكنها تجد أمامها صعوبات تحول دون ما تريد فإن المال لديها قليل والرجال أقل إلا إذا أتت بهم من الخارج.
قلت: هل تسمح لي بإبداء رأيكم عن الجامعة المصرية. وهل كنتم تعلمون أيام توليتم رئاسة الجامعة أنها ستقرر تدريس الآداب الإنجليزية والفرنسية عند تأسيسها    -ولم تكن آنذاك تدرس آداب اللغة العربية-.
قال: إننا لم نبحث إذ ذاك في هذه التفصيلات ولكن الذي كنا نرمي إليه إنشاء الجامعة وأعلمناه للأمة أنها تعلم التلاميذ ما لا يتعلمونه في المدارس العالية وآداب اللغتين الإنجليزية والفرنسية مما يدخل في هذا الباب, ولكن الجامعة لا تكتفي بذلك إلا في أول الأمر وقد أشرت عليها بإضافة آداب اللغة العربية إلى هاتين المادتين وهي تناقش في ذلك الآن ]([9]).
فسعد لم يوافق على تعليم المواد باللغة العربية، والجامعة تُدرَّس فيها آداب اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولا تدرّس آداب العربية، ولا يفتح ثانويات في الصعيد ليبقى سعد وأمثاله هم المسيطرون.وحتى مادة اللغة العربية كمادة كانت تحارب.
إن سعداً في هذا الأمر كان منفذاً أميناً، وجندياً مثالياً لكرومر، ومستشاره التعليمي " القس دنلوب". وحتى نعرف بعض الذي فعله دنلوب نرجع إلى أقوال الذين اكتووا بهذا المنهج الدنلوبي الزغلولي.
يقول الأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله:
[ فلما استقرت أقدام الاحتلال الإنجليزي في مصر رأى الاستشراق الإنجليزي أن يبدأ في تكوين " حزب قوي يناصره عن طريق التحكم في التعليم " فأسند أمر التعليم إلى قسيسٍ مبشِّرٍ عاتٍ خبيثٍ هو دنلوب.. قضي الأمر وجاء الاستشراق الإنجليزي ليحدث في ثقافة الأمة صدعاً متفاقماً أخبث وأعتى من الصدع الذي أحدثه الاستشراق الفرنسي. ووضع دنلوب أسس التفريغ الكامل لطلبة المدارس المصرية، أي تفريغ الطلبة من ماضيها المتدفق في دمائها مرتبطاً بالعربية والإسلام ومهد إلى ملئه بماضٍ آخر بائد في القدم و الغموض، لم يبق شيء من ثقافته البتة، ليزاحم هذا الماضي الفارغ بقايا الماضي المتدفق الحي الذي يوشك أن يتمزق ويختنق بالتفريغ المتواصل، ويجعل أجيال طلبة المدارس في حيرة مدمرة بين انتماءين، بين الانتماء إلى الثقافة العربية الإسلامية الواضحة في كتب أسلافهم، وبين الانتماء إلى الفرعونية التي بادت وبادت ثقافتها ولم يبق منها إلا أطلال من الحجارة... وأيضاً فإن هذا التفريغ سوف ينشئ أجيالاً  من تلاميذ المدارس تتهتك علائقها التي تربطها بثقافتها العربية الإسلامية اجتماعياً وثقافياً ولغوياً، حتى يتم تفريغها تفريغاً كاملاً من ماضيها كله، ثم يملأ هذا الفراغ علوم وآداب وفنون لا علاقة لها بماضيهم وإنما هي علوم الغزاة، وفنون الغزاة، وآداب الغزاة، وتاريخ الغزاة، ولغات الغزاة، ومع كل ذلك، فإن هذا القدر من العلوم والفنون والآداب إنما هي قشور ومقتطفات توهم النفوس الظامئة المفرَّغة بأنها نالت شيئاً يذكر, والحقيقة أنها نالت غذاءً تعيش به موتى في صورة أحياء لا غير ]([10]).
وقال أيضاً: [ جاء دنلوب ليضع للأمة نظام التعليم المدمر الذي لا نزال نسير عليه مع الأسف إلى يومنا هذا... وقد تولى نظام دنلوب تأسيس المدارس المصرية... وقد كان ما أراد الغزاة ولم يزل الأمر إلى يومنا هذا مستمراً على ما أرادوا؛ بل زاد بشاعة وعمقاً في سائر أنحاء العالم الإسلامي ]([11]).
ويقول أيضاً: [ وصادف أيضاً استيلاء دنلوب على التعليم في مصر ووصفه النظام الذي أراد به أن يغلِّب اللغة الإنجليزية في التعليم، ويضعف تدريس العربية ما استطاع. ويجعلها مبغَّضة إلى الطلبة محتقرة بقدر الإمكان، ومع الأسف هذا هو النظام السائد إلى اليوم في مدارسنا، مع أنه هو نظام دنلوب ولا نظام لدنلوب سواه ]([12]).

ويقول الأستاذ محمد قطب في كتابه "واقعنا المعاصر":
[ دور الاحتلال البريطاني وأدواته في الإفساد:
كانت الخطة الجديدة بطبيعة الحال هي التغريب على الطريقة الإنجليزية بدلاً من الفرنسية... أهم ما حدث من التغيير هو الأسلوب الإنجليزي البارد في تحويل الناس عن الإسلام، ذلك الأسلوب الذي يتفق مع مثلهم المشهور (Slow but sure) (بطيء ولكنه أكيد المفعول).
يقول اللورد كرومر أول معتمد بريطاني في مصر: إن مهمة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد (يقصد مصر) هو تثبيت دعائم الحضارة المسيحية إلى أقصى حد ممكن، بحيث تصبح هي أساس العلاقات بين الناس([13]).
وحين بدأ حكمه في مصر شكاه المبشرون إلى الحكومة البريطانية بدعوى أنه يضيق عليهم. فلما أرسلت الحكومة البريطانية الشكوى إليه ليرد عليها؛ جمع المبشرين وقال لهم: هل تتصورون أنني يمكن أن أضيق عليكم؟ ‍ولكنكم تخطفون الأطفال من الشوارع وتخطفون الرجال لتنصيرهم فتستفزون المسلمين فيزدادون تمسكاً بدينهم، ولكني اتفقت مع شاب تخرج قريباً في كلية اللاهوت (Trinity College) بلندن ليضع سياسة تعليمية ستحقق جميع أهدافكم([14]).
تولى المستر دنلوب القسيس الذي عينه كرومر مستشاراً لوزارة المعارف مهام منصبه وكان في يد "سعادة المستشار" -كما كانوا يسمونه- السلطة الفعلية الكاملة في وزارة المعارف المصرية الإسلامية ! وحين يكون القسيس على رأس السلطة في وزارة التعليم فما الذي يتوقع أن يكون من أمر التعليم.
جاء دنلوب ليضرب الأزهر -موطن الخطر على كنيسة المسيح- ولكن بغير حماقة نابليون، وقد علم أن ضربه بتلك الحماقة كان سبباً في استثارة المسلمين.
ترك دنلوب الأزهر.. ولكنه فتح مدارس جديدة تعلم العلوم الدينية, ولا تعلم الدين إلا تعليماً هامشياً وقال الناس إن هذه المدارس مدارس كفر لأنها لا تعلم القرآن... ولكن مدارس الكفر هذه أصبحت بتدبير دنلوب هي الوسيلة للرزق من ناحية، وللمكانة الاجتماعية من ناحية أخرى.
لقد كان المتخرج من هذه المدارس بعد أربع سنوات فقط يعين فور تخرجه في دواوين الحكومة براتب أربع جنيهات كاملة، كانت في ذلك الحين تمثل ثروة ضخمة... أما خريج الأزهر الذي يقضي في الدراسة عشرين سنة فلا يجد عملاً، وإن وجد فبمائة وعشرين قرشاً...
فأما اللغة العربية لغة القرآن الذي يحترق قلب الصليبية حقداً عليه فقد خطط دنلوب لقتلها والقضاء عليها. فقد كان الراتب الذي يتقاضاه المدرسون من أصحاب المؤهلات العليا اثنا عشر جنيهاً إلا مدرس اللغة العربية وحده يتقاضى أربعة جنيهات!... وهكذا ينحدر وضع مدرس اللغة العربية في المجتمع بقدر ما ينحدر راتبه... لقد انتقل الوضع المهين المزدرى من المدرس إلى المادة وصارت اللغة العربية موضع الازدراء والتحقير والنفور... والكتَّاب يَشْكون من جمود اللغة وعدم مرونتها وعدم طواعيتها وعدم قدرتها على نقل المعاني وظلال المعاني كما تستطيع ذلك اللغات الأجنبية وبالذات الإنجليزية في طلاقة ويسر ورشاقة وعمق ! وكأن الكتَّاب لم يصحبوا هذه اللغة ثلاثة عشر قرناً من قبل ذلك. وأصبح دانتي وشكسبير ووردزورث وبايردن وأندريه جيد وأناتول فرانس وفيكتور هوجو هي التي تتردد على ألسنة المثقفين للدلالة على أنهم مثقفون.
والعلماء أو بالأحرى مترجمو العلوم يشكون من أن اللغة العربية لغة غير علمية، وإن صلحت للأدب -أي للأدب الرديء- فإنها لا تصلح للعلم..جامدة.. معقدة.. محدودة.. متخلفة.. ولابد من اتخاذ اللغات الأجنبية وبالذات الإنجليزية لدراسة العلوم...
أما درس الدين في مناهج دنلوب فلا يقل سوءاً إن لم يكن أسوأ.
فمدرس الدين هو نفس مدرس اللغة العربية الذي وضعه دنلوب في ذلك الوضع المزري.. ويزيد على ذلك أيضاً أن حصة الدين توضع في نهاية الجدول... أضف إلى ذلك أن درس الدين في منهج دنلوب هو في الحقيقة رقعة في الثوب الدراسي غير متجانسة معه إن لم نقل متنافرة معه. فهو ثوب علماني لا علاقة له بالدين...وزيادة في النكاية لمدرس الدين فقد وضعه المنهج الدنلوبي ضمن المواد الإضافية التي تحذف في جدول الصيف المختصر... وهكذا يصبح في حس التلاميذ مادة هامشية ليس لها اعتبار.
أما ثالثة الأثافي فهي دروس التاريخ بشقيه الإسلامي والأوربي. فأما منهج التاريخ الإسلامي فيبدأ -كالمعتاد- بدراسة أحوال الجاهلية تمهيداً لدراسة البعثة النبوية وصدر الإسلام
وفي دراسة الجاهلية ترد هذه الجملة الشهيرة: كان العرب في الجاهلية يعبدون الأصنام ويئدون البنات ويشربون الخمر ويلعبون الميسر ويقومون بغارات السلب والنهب فجاء الإسلام فنهاهم عن ذلك.
وتبدو هذه الجملة بريئة في ظاهرها، ولكنها خبيثة كل الخبث في واقعها.
فأما البراءة الظاهرية فمصدرها أن العرب في الجاهلية كانوا حقيقة على الصورة التي تصفها هذه العبارة، وأن الإسلام قد أزال تلك الصورة بالفعل.
وأما الخبث فمنشؤه أن العبارة لم تتحدث عن "جوهر" الجاهلية الذي جاء الإسلام لمحوه وتغييره، إنما تحدثت عن مظاهر الجاهلية... وحين ينظر التلاميذ حولهم فلا يجدون أصناماً معبودة.. ولا يجدون البنات توأد... وأما غارات السلب والنهب فتوجد اليوم حكومات نظامية ذات قوات مخصصة للأمن.. فماذا بقي إذن من مهام يمكن للإسلام أن يؤديها في العالم الحديث؟!
إن الإسلام بهذه الصورة يكون قد استنفذ أغراضه، وهذا هو الإيحاء المطلوب منذ أول درس من دروس التاريخ الإسلامي ! أنه جاء لزمن معين كان يتسع له ويحتاج إليه ولكن لم تعد هناك حاجة إليه في الوقت الحاضر فهو جزء من التاريخ الغابر ولا زيادة.
وكان الأمر يختلف اختلافاً واسعاً لو ذكرت الحقيقة الجوهرية التي جاء من أجلها الدين.. الدين كله من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهي دعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، العبادة المتمثلة في الاعتقاد بوحدانية الله، وتقديم الشعائر التعبدية إليه وحده، وتحكيم شريعته في كل شأن من شؤون الحياة؛ مع الخصوصية التي اختصت بها الرسالة الأخيرة المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أنها رسالة للبشرية كافة منذ بعثه عليه السلام إلى قيام الساعة..
من أجل ذلك يشوه الدرس الأول ذلك التشويه، حتى تنسى الأجيال المتخرجة من مدارس " الكفر" أن الإسلام له مهمة يمكن أن يؤديها في الوقت الحاضر...
ومن أجل ذلك يخفى ما في صفحة التاريخ الإسلامي من بياض ويبرز الخط الأسود وحده على أنه هو الخط التاريخي.
ففي التاريخ الإسلامي يقدم الخط الأسود من الصفحة بتركيز فائق ويخفى ما في بقية الصفحة من البياض، وفي التاريخ الأوربي يقدم الخط الأبيض من الصفحة بتركيز فائق ويخفى ما في بقية الصفحة من السواد !..
إذا كان هذا كله في المدرسة الدنلوبية -الزغلولية- الابتدائية فالمدارس الثانوية تحوي السموم كلها ولكن بجرعة أكبر... ]([15]).
وهذا الذي قيل عن دنلوب فعله كمستشار لسعد، وسعد هو الذي كان ناظراً لنظارة المعارف. أو باللغة الحديثة وزيراً للتربية والتعليم. فسعد إذن نفذ كل ما يريده المبشرون بالنار، وكرومر, ودنلوب من تفريغ الشباب المصري من ثقافته الإسلامية، ومن لغته، ومن دينه وعقيدته، ثم ملأه كفراً وزندقة وتشكيكاً وازدراءً للغة القرآن وللدين كاملاً. فنشأت أجيال في مصر تجاهر بالكفر والزندقة. نشأت أجيال لا تصدق القرآن بأن فرعون قد غرق ! ففرعون وجنده أقوى من ذلك عندهم !
نشأت أجيال تتهم يوسف عليه السلام بأنه استغل خيرات مصر لطائفته ولاستعباد الناس. نشأت أجيال لا تصدق بأن امرأة العزيز راودت يوسف عن نفسه ! لأن امرأة العزيز سيدة مصرية فلا يعقل أن تراود عبداً في قصرها.-كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً- نشأت أجيال مفرغة من العقائد فألّهت سعداً نفسه ! وسنأتي على ذكر ذلك لاحقاً.
نشأت أجيال تتباهى بالكفر والدياثة، وسيأتي ذلك إن شاء الله.
هذا هو سعد مع الإنجليز، وهذا هو سعد في التعليم. وسيأتيك من بعض أنبائه.
بقي شيء يجب أن نعلمه وهو: [ أن الإنجليز عندما احتلوا مصر عام 1882م كانت نسبة الذين يعرفون القراءة والكتابة 8.5%. وطبق إحصاء 1927م -أي آخر أيام سعد- كانت نسبة المتعلمين 8.75 % ]([16]).
أي أنه مع طول وزارات العملاء ومنها وزارة سعد وعلى مدى 45 سنة زادت نسبة المتعلمين بمقدار ربع في المائة. فليس عجيباً بعد هذا أن يقول مصطفى كامل:
[ إن الناس قد فهموا الآن أوضح مما كانوا يفهمون من قبل لماذا اختار اللورد كرومر لوزارة المعارف العمومية صهر رئيس الوزراء مصطفى فهمي باشا، الأمين على وحيه، الخادم لسياسته. ألا إن الذين كانوا يحترمون الوزير كقاضٍ ليأسفون على حاضره كل الأسف، وليخافون على مستقبله كل الخوف، ذلك لأن الوزير قائم الآن على منحدر هائل مخيف ]([17]).



[1] - تاريخ الوزارات المصرية, (ص / 270 –271).
[2] - محمد علي علوبة, ذكريات اجتماعية وسياسية, (ص / 259-262).
[3] - عودة الحجاب, محمد بن أحمد بن إسماعيل (1/ 85).
[4] - رسائل عبد الرحمن الشهبندر إعداد دعد الحكيم ص82
[5] - النهضة والسقوط, غالي شكري, (ص / 264).
[6] - إعادة النظر في كتابات العصريين, (ص / 113).
[7] - حصوننا مهددة من داخلها, محمد محمد حسين. هامش, (ص / 219).
[8] - دور العمائم في تاريخ مصر الحديث, فتحي رضوان, (ص / 127).
[9] - أجريت المقابلة سنة 1908م-نقلاً عن كتاب العقاد في معاركه الأدبية, (ص  / 209 وما بعدها).
[10] - في الطريق إلى ثقافتنا. مطبوع مع كتاب المتنبي, لمحمود محمد شاكر, (ص / 148).
[11] - المصدر السابق, مقدمة الكتاب, (ص / 21).
[12] - أباطيل وأسمار, لمحمود محمد شاكر, (ص / 166).
[13] - لورد كرومر -مصر الحديثة Modern Egypt.  الجزء الأول. -الهامش لمحمد قطب-.
[14] - التبشير والإرساليات التبشيرية. -الهامش لمحمد قطب-.
[15] - واقعنا المعاصر الأستاذ محمد قطب, (ص / 217 وما بعدها. وينصح بمراجعة هذا الفصل كاملاً لأنه مفيد وهام).
[16] - محمد علي علوبة- ذكريات اجتماعية وسياسية, (ص / 75).
[17] - مصطفى كامل, للرافعي, (ص / 422).

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.