لا
تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته(62)
رضوان محمود نموس
يتابع الكاتب في هذه الحلقة حكم الاستعانة بالمشركين
وقال
ابن المنذر في الإجماع: [قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ ؛ لِحَدِيثِ
أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ
مِنْ خَبَرِ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، فَلَيْسَ مِمَّا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ ؛
لِأَنَّا لَا نَعْلَمُهُ ثَابِتًا، وَلَعَلَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ
الْمَغَازِي، وَعَامَّةُ أَخْبَارِ الْمَغَازِي لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ
الْإِسْنَادِ،]([1]).
وقال الكيا هراسي: [ قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً «1» مِنْ
دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ «2» خَبالًا) (الآية 118) :
فيه دلالة ، على أنه لا
يجوز الاستعانة بأهل الذمة في شيء من أمور المسلمين من العمالات والكتابة.
ولما استكتب أبو موسى
رجلا من أهل الذمة ، كتب إليه عمر يعنفه ويلومه ويتلو عليه هذه الآية.
وقيل لعمر : إن هاهنا رجل
من أهل الحيرة لم ير رجل أحفظ منه ولا أخط بقلم ، فإن رأيت أن تتخذه كاتبا ، قال :
«قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين». رواه ابن أبي حاتم ، وعمر هو ابن
الخطاب رضي اللّه عنه.
ويقول الرازي :
«فقد جعل عمر رضي الله
عنه هذه الآية دليلا على النهي عن اتخاذ النصراني بطانة»]([2]).
وقال ابن مفلح: قوله
تعالى: { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } قِيلَ بِالشَّتْمِ
وَالْوَقِيعَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَمُخَالِفَةِ دِينِكُمْ ، وَقِيلَ بِاطِّلَاعِ
الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَسْرَارِ الْمُؤْمِنِينَ { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ } أَيْ أَعْظَمُ { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُونَ } قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَفِي
هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ [ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ
الذِّمَّةِ ] فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعِمَالَاتِ وَالْكَتَبَةِ
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَسْتَعِينُ
الْإِمَامُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ ، وَقَدْ جَعَلَ
الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا فِي
اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَحَلُّ
وِفَاقٍ .
وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سَأَلَهُ
يُسْتَعْمَلُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ
مِثْلُ الْخَرَاجِ ؟ فَقَالَ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ .
فَانْظُرْ إلَى هَذَا
الْعُمُومِ مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَظَرًا مِنْهُ إلَى درئ الْمَفَاسِدِ
الْحَاصِلَةِ بِذَلِكَ وَإِعْدَامِهَا وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً مِنْ
وِلَايَتِهِمْ وَلَا رَيْبَ فِي لُزُومِهَا فَلَا رَيْبَ فِي إفْضَائِهَا إلَى
ذَلِكَ ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ اعْتِبَارُ الْوَسَائِلِ وَالذَّرَائِعِ ، وَتَحْصِيلًا
لِلْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا مِنْ إذْلَالِهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ وَالتَّضْيِيقِ
عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَمَرَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ فِي الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكَةِ فَمَا نَحْنُ فِيهِ
أَوْلَى]([3]).
وقال
السيوطي في الخصائص: [باب تحريمه قبول الاستعانة المشركين
ومن
خصائصه فيما ذكر القضاعي انه كان يحرم عليه قبول الاستعانة بالمشركين
أخرج
البخاري في تاريخه عن حبيب بن يساف قال خرج النبي {صلى الله عليه وسلم} وجها
فأتيته أنا ورجل من قومي قلنا انا نكره أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال
اسلمتما قلنا لا قال لا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين]([4]).
وقال
الشوكاني بعد أن ساق ما استشهد به الطرفان : [( والحاصل ) أن الظاهر من الأدلة عدم
جواز الأستعانة بمن كان مشركا مطلقا لما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لا
نستعين بالمشركين من العموم
وكذلك قوله أنا لا أستعين بمشرك ولا يصلح مرسل
الزهري لمعارضة ذلك لما تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة والمسند فيه الحسن بن
عمارة وهو ضعيف ويؤيد هذا قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا
} وقد أخرج الشيخان عن البراء قال " جاء رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله
أقاتل أو أسلم قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال صلى الله عليه وآله وسلم
عمل قليلا وأجر كثيرا "]([5]).
وقال
الشربيني رحمه الله تعالى في مغني المحتاج:[ ولو سبى المشركون طائفة من البغاة
وقدر أهل العدل على استنقاذهم لزمهم ذلك ولا يستعان عليهم في قتال بكافر ذمي أو
غيره لأنه يحرم تسليطه على المسلم]([6]).
وقال
سحنون المالكي رحمه الله تعالى :[ (قلت) هل كان مالك يكره أن يستعين المسلمون
بالمشركين في حروبهم (قال) سمعت مالكاً يقول بلغني أن رسول الله قال لن أستعين
بمشرك. قال ولم أسمعه يقول في ذلك شيئاً (قال ابن القاسم ولا أرى أن يستعينوا بهم
يقاتلون معهم إلا أن يكونوا نواتية أو خدماً فلا أرى بذلك بأساً (مالك) عن الفضيل
بن أبي عبد الله عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج
النبي أنها قالت خرج رسول الله قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان
يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله حين رأوه فلما أدركه قال يا رسول الله
جئت لأتبعك وأصيب معك فقال له رسول الله تؤمن بالله ورسوله قال لا قال فارجع فلن
أستعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول
مرة فقال له النبي أتؤمن بالله ورسوله فقال لا قال فارجع فرجع ثم أدركه بالبيداء
فقال له كما قال له أول مرة فقال أتؤمن بالله ورسوله قال نعم قال رسول الله فانطلق{([7]).
قال حمود بن عبد الله
التويجري [قال: « نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعان بالمشركين على شيء » .
والظاهر أن النهي يشمل
الأمرين كليهما؛ فلا يجوز للمسلم مساكنة المشركين اختيارا ولا مشاورتهم والأخذ
بآرائهم، والقول الأول أظهر، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا
تراءى ناراهما » ، وقوله في حديث الزهري الذي سيأتي ذكره: "وأنك لا ترى نار
مشرك إلا وأنت له حرب". والله أعلم.]([8]).
وقال الألباني: بعد أن
ضعف الأحاديث التي يحاول الاستشهاد بها بغض الناس
( كان يغزو باليهود فَيُسهِمُ
لهم كَسِهامِ المسلمينَ ) .
ضعيف .أخرجه عبدالرزاق في
"المصنف " (5/188/9328 و9329) ، وكذا
ابن أبي شيبة
(12/395/15010- 15012) ، وأبو داود في "المراسيل " (224/ 281و 282) ، والترمذي
(5/ 281) ، والبيهقي (9/53) من طرق عن الزهري : أن النبيصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: كان ... قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ لإرسال الزهري إياه أو إعضاله ، فإنه تابعي صغير
، أكثر رواياته عن الصحابة بالواسطة ؛ ولهذا قال البيهقي عقبه : "فهذا منقطع
... قال الشافعي : والحديث المنقطع عندنا لا يكون حجة" . وقال الحافظ في
"التلخيص " (2/100) : "والزهري مراسيله ضعيفة " .
وأشد ضعفاً منه ما أخرجه البيهقي
أيضاً من طريق الحسن بن عمارة عن
الحكم عن مِقْسَم عَنْ اِبْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : أنه قال :
استعان رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيهود بني قينقاع فَرَضَخَ لهم ، ولم يُسْهِمْ لهم ، وقال البيهقي
: "تفرد بهذا الحسن بن عمارة ، وهو متروك ، ولم يبلغنا في هذا حديث
صحيح ، وقد روينا قبل هذا
في كراهية الاستعانة بالمشركين " .
قلت : يشير إلى قوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إنا لا نستعين بمشرك " . رواه مسلم وغيره
من حديث عائشة ، وهو مخرج في "الصحيحة" (1101) تحت حديث أبي حميد
بنحوه ، وقد عارض البيهقي
(9/37) به حديث ابن عمارة هذا ؛ فإن فيه أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبى
أن يستعين ببني قينقاع ، وقال : "لا نستعين بالمشركين " . وقال
"وهذا الإسناد أصح
" .
قلت : فإذا عرف ضعف حديث الترجمة
؛ فلا يجوز الاستدلال به على جواز
الاستعانة بالكفار في قتال
المشركين ، ولا سيما وهو مخالف لعموم حديث عائشة
وما في معناه ، وقد اختلف
العلماء في ذلك كما في "نيل الأوطار" (7/187)
للشوكاني ، واختار هو المنع
مطلقاً ، وأجاب عن أدلة من خالف بأنها لا تصح رواية
كحديث الترجمة ، أو دراية
كغيره ، فليراجعه من شاء ، وأيد المنع بقوله تعالى :
(ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلاً " ]
0 التعليقات:
إرسال تعليق